• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الجنة ونعيمها (خطبة)
    د. أيمن منصور أيوب علي بيفاري
  •  
    ظاهرة كسب المال الحرام (خطبة)
    أ. د. حسن بن محمد بن علي شبالة
  •  
    من الفائز؟ (خطبة)
    أبو سلمان راجح الحنق
  •  
    ولاية الله بين أهل الاستقامة وأهل الوسائط
    أ. د. علي حسن الروبي
  •  
    من أدلة صدقه عليه الصلاة والسلام: تبتله وكثرة ...
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    حال الصحابة - رضي الله عنهم - مع القرآن في صلاتهم
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    من مائدة السيرة: مقاطعة قريش لبني هاشم وبني
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    الفرع الثالث: أحكام ما يستر به العورة (من الشرط ...
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    الإرادة والمشيئة
    الشيخ عبدالعزيز السلمان
  •  
    آفة الإغراب في العلم
    عمرو عبدالله ناصر
  •  
    أسباب البركة في العلم
    رمضان صالح العجرمي
  •  
    حديث: أمرت بريرة أن تعتد بثلاث حيض
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    تفسير سورة الفيل
    أ. د. كامل صبحي صلاح
  •  
    الداخلون الجنة بغير حساب (خطبة)
    د. عبد الرقيب الراشدي
  •  
    خطبة: الذين يصلي عليهم الله وتصلي عليهم الملائكة
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    حسن الظن بالله تعالى (خطبة)
    د. عبد الرقيب الراشدي
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب
علامة باركود

معينات المبتلى على الصبر والرضا (خطبة)

معينات المبتلى على الصبر والرضا (خطبة)
الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 12/10/2022 ميلادي - 17/3/1444 هجري

الزيارات: 19702

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

معينات المبتلى على الصبر والرضا


الْحَمْدُ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آلِ عِمْرَانِ: 102]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النِّسَاءِ: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الْأَحْزَابِ: 70-71].

 

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

 

أَيُّهَا النَّاسُ: جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى الدُّنْيَا دَارَ بَلَاءٍ وَامْتِحَانٍ، وَجَعَلَ الْآخِرَةَ دَارَ جَزَاءٍ وَقَرَارٍ؛ ﴿ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴾ [الْأَنْبِيَاءِ: 35]، وَقَدْ أُمِرَ الْعِبَادُ بِالصَّبْرِ عَلَى الْبَلَاءِ، وَكَانَ أَجْرُ الصَّابِرِينَ بِلَا عَدٍّ وَلَا إِحْصَاءٍ؛ ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [الزُّمَرِ: 10].

 

وَثَمَّةَ أُمُورٌ مَتَى مَا اسْتَحْضَرَهَا الْمُبْتَلَى أَعَانَتْهُ عَلَى الصَّبْرِ وَالرِّضَا وَالثَّبَاتِ، وَمِنْهَا:

اسْتِحْضَارُ أَنَّ الذُّنُوبَ سَبَبُ مَا يُصِيبُ الْعَبْدَ، وَلَا يَظْلِمُهُ رَبُّهُ سُبْحَانَهُ شَيْئًا؛ ﴿ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ ﴾ [آلِ عِمْرَانِ: 165]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ ﴾ [النِّسَاءِ: 79]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ﴾ [الشُّورَى: 30]. «فَهَذَا عَامٌّ فِي كُلِّ مُصِيبَةٍ دَقِيقَةٍ وَجَلِيلَةٍ، فَيَشْغَلُهُ شُهُودُ هَذَا السَّبَبِ بِالِاسْتِغْفَارِ الَّذِي هُوَ أَعْظَمُ الْأَسْبَابِ فِي دَفْعِ تِلْكَ الْمُصِيبَةِ. قَالَ عَلِىُّ بْنُ أَبِى طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَا نَزَلَ بَلَاءٌ إِلَّا بِذَنْبٍ، وَلَا رُفِعَ بَلَاءٌ إِلَّا بِتَوْبَةٍ».

 

وَاسْتِحْضَارُ أَنَّ مَا يُصِيبُ الْعَبْدَ مِنْ بَلَاءٍ فَهُوَ بِقَدَرِ اللَّهِ تَعَالَى، قَدْ كَتَبَهُ عَلَيْهِ فِي الْأَزَلِ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴾ [الْحَدِيدِ: 22] «أَيْ: مِنْ قَبْلِ أَنْ نَخْلُقَ الْخَلِيقَةَ وَنَبْرَأَ النَّسَمَةَ»؛ وَلِذَا قَالَ سُبْحَانَهُ عَقِبَهَا: ﴿ لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾ [الْحَدِيدِ: 23]، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَوَعَظَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ابْنَهُ فَقَالَ: «يَا بُنَيَّ، إِنَّكَ لَنْ تَجِدَ طَعْمَ حَقِيقَةِ الْإِيمَانِ حَتَّى تَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ، وَمَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ، فَقَالَ لَهُ: اكْتُبْ، قَالَ: رَبِّ وَمَاذَا أَكْتُبُ؟ قَالَ: اكْتُبْ مَقَادِيرَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ، يَا بُنَيَّ، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ مَاتَ عَلَى غَيْرِ هَذَا فَلَيْسَ مِنِّي» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. وَجَزَعُ الْعَبْدِ بِمَا يُصِيبُهُ، وَاعْتِرَاضُهُ عَلَيْهِ، وَسَخَطُهُ مِنْهُ؛ يَزِيدُهُ بَلَاءً عَلَى بَلَائِهِ. وَصَبْرُهُ وَرِضَاهُ يَزِيدُ فِي جَزَائِهِ وَثَوَابِهِ؛ وَلِذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «... إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.

 

وَاسْتِحْضَارُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ فِي تِلْكَ الْبَلْوَى، وَوَاجِبُهُ فِيهَا الصَّبْرُ وَالرِّضَا؛ لِعِلْمِهِ «أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدِ ارْتَضَاهَا لَهُ وَاخْتَارَهَا وَقَسَمَهَا، وَأَنَّ الْعُبُودِيَّةَ تَقْتَضِي رِضَاهُ بِمَا رَضِيَ لَهُ بِهِ سَيِّدُهُ وَمَوْلَاهُ». فَإِنْ عَجَزَ عَنْ تَحْقِيقِ الرِّضَا فَلَا أَقَلَّ مِنَ الصَّبْرِ، وَيَتَحَقَّقُ الصَّبْرُ بِحَبْسِ النَّفْسِ عَنِ الْجَزَعِ وَالتَّسَخُّطِ، وَحَبْسِ اللِّسَانِ عَنِ الشَّكْوَى، وَحَبْسِ الْجَوَارِحِ عَنْ مَا لَا يُحْمَدُ. فَعُبُودِيَّتُهُ لِلَّهِ تَعَالَى فِيمَا أَصَابَهُ لَا تَكُونُ إِلَّا بِتَحْقِيقِ ذَلِكَ.

 

وَاسْتِحْضَارُ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ فِي نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَوَلَدِهِ وَمَالِهِ، وَفِي كُلِّ شَأْنِهِ وَأَحْوَالِهِ. فَإِنَّهُ إِنْ أُصِيبَ فِي شَيْءٍ فَقَدْ عُوفِيَ فِي أَشْيَاءَ، وَإِنْ سُلِبَ نِعْمَةً فَهُوَ يَتَقَلَّبُ فِي نَعَمٍ كَثِيرَةٍ؛ ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ﴾ [إِبْرَاهِيمَ: 34]، وَأُصِيبَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ فِي قَدَمِهِ فَقُطِعَتْ، وَفِي وَلَدِهِ فَمَاتَ، فَقَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: «اللَّهُمَّ كَانَ لِي بَنُونَ سَبْعَةٌ، فَأَخَذْتَ وَاحِدًا وَأَبْقَيْتَ لِي سِتَّةً، وَكَانَ لِي أَطْرَافٌ أَرْبَعَةٌ، فَأَخَذْتَ طَرَفًا وَأَبْقَيْتَ ثَلَاثَةً، وَلَئِنِ ابْتَلَيْتَ لَقَدْ عَافَيْتَ، وَلَئِنْ أَخَذْتَ لَقَدْ أَبْقَيْتَ».

 

وَاسْتِحْضَارُ أَنَّ الْبَلَايَا وَالْمَصَائِبَ كَفَّارَاتٌ لِلذُّنُوبِ، كَمَا فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ مُصِيبَةٍ تُصِيبُ الْمُسْلِمَ إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا عَنْهُ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

 

وَاسْتِحْضَارُ ثَوَابِ الصَّبْرِ عَلَى الْبَلَاءِ، وَأَنَّ جَزَاءَهُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى بِغَيْرِ حِسَابٍ؛ وَلِذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُصِبْ مِنْهُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلَاءِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.

 

وَاسْتِحْضَارُ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ عَاقِبَةَ مَا ابْتُلِيَ بِهِ؛ فَقَدْ يُرِيدُ شَيْئًا فَيُحْرَمُ مِنْهُ رَحْمَةً بِهِ، وَقَدْ يُصَابُ بِشَيْءٍ فَيَكُونُ رَحْمَةً لَهُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 216]، وَالْخَضِرُ عَلَيْهِ السَّلَامُ حِينَ قَتَلَ الْغُلَامَ كَانَ فِي حِرْمَانِ وَالِدَيْهِ مِنْهُ خَيْرًا لَهُمَا رَغْمَ شِدَّةِ فَقْدِ الْوَلَدِ؛ ﴿ وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا * فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا ﴾ [الْكَهْفِ: 80-81]، وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ «أَنَّ رَجُلًا كَانَ يَسْأَلُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَرْزُقَهُ الْجِهَادَ، فَهَتَفَ بِهِ هَاتِفٌ: إِنَّكَ إِنْ غَزَوْتَ أُسِرْتَ، وَإِنْ أُسِرْتَ تَنَصَّرْتَ». فَكَانَ الْخَيْرُ لَهُ أَنْ يُحْرَمَ مِمَّا أَرَادَ.

 

وَاسْتِحْضَارُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُرَبِّي عَبْدَهُ بِالسَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ، وَالنِّعْمَةِ وَالْبَلَاءِ، فَيَسْتَخْرِجُ مِنْهُ عُبُودِيَّتَهُ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ. فَعُبُودِيَّةُ السَّرَّاءِ وَالْعَافِيَةِ شُكْرُ اللَّهِ تَعَالَى، وَعُبُودِيَّةُ الضَّرَّاءِ وَالِابْتِلَاءِ الصَّبْرُ وَالرِّضَا وَالدُّعَاءُ وَالِاسْتِغْفَارُ وَالاِسْتِرْجَاعُ. قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَلَا يُحَقِّقُ الْعَبْدُ كَمَالَ الْعُبُودِيَّةِ إِلَّا إِذَا عَبَدَ اللَّهَ تَعَالَى فِي كُلِّ أَحْوَالِهِ وَأَحْيَانِهِ. وَأَمَّا مَنْ يَعْبُدُهُ فِي السَّرَّاءِ وَالْعَافِيَةِ، وَيَنْقَلِبُ عَلَى عُبُودِيَّتِهِ فِي الضَّرَّاءِ وَالْبَلَاءِ فَهُوَ مَذْمُومٌ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ﴾ [الْحَجِّ: 11].

 

نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ، وَالشُّكْرَ فِي الرَّخَاءِ وَالسَّرَّاءِ، وَالصَّبْرَ وَالرِّضَا فِي الْبَلَاءِ وَالضَّرَّاءِ، وَنَعُوذُ بِهِ تَعَالَى مِنَ السَّخَطِ وَالِاعْتِرَاضِ.

 

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...

 

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوهُ؛ ﴿ وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [آلِ عِمْرَانِ: 131-132].

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الرِّضَا بِاللَّهِ تَعَالَى رَبًّا أَنْ يَرْضَى الْعَبْدُ بِأَقْدَارِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَلَوْ لَمْ تُوَافِقْ مُرَادَهُ، وَمِنْ مُقْتَضَيَاتِ حُسْنِ ظَنِّهِ بِرَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَظُنَّ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَخْتَارُ لَهُ إِلَّا مَا هُوَ خَيْرٌ لَهُ، وَلَوْ بَدَا لَهُ خِلَافُ ذَلِكَ؛ فَإِنَّهُ لَا يَعْلَمُ مَا يَئُولُ إِلَيْهِ حَالُهُ. وَلَوْ كُشِفَ الْقَدَرُ لِلْمُؤْمِنِ لَمَا حَادَ عَنِ اخْتِيَارِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ.

 

وَمِمَّا يُعِينُ الْعَبْدَ عَلَى الصَّبْرِ وَالرِّضَا فِي حَالِ الْبَلَاءِ اسْتِحْضَارُ مَا يَمْنَحُهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الْقُوَّةِ عَلَى الصَّبْرِ وَالرِّضَا، مَتَى مَا تَجَلَّدَ الْعَبْدُ وَتَصَبَّرَ؛ ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ﴾ [التَّغَابُنِ: 11]؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُنْزِلُ الْمَعُونَةَ عَلَى قَدْرِ الْمَئُونَةِ، وَيُنْزِلُ الصَّبْرَ عَلَى قَدْرِ الْبَلَاءِ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ، وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. فَإِذَا تَجَلَّدَ الْعَبْدُ فِي بَلْوَاهُ، وَقَابَلَهَا بِالرِّضَا وَالتَّسْلِيمِ، وَتَسَلَّحَ لَهَا بِالصَّبْرِ وَالْيَقِينِ؛ فَإِنَّ مَعُونَةَ اللَّهِ تَعَالَى تَأْتِيهِ أَسْرَعَ مِمَّا يَظَنُّ، حَتَّى يَجِدَ سَكِينَةً وَطُمَأْنِينَةً فِي قَلْبِهِ، وَرَاحَةً فِي نَفْسِهِ، لِيَجِدَ فَرَحًا لَا يَدْرِي مَا مَصْدَرُهُ، وَمَا أَنْزَلَهُ عَلَيْهِ إِلَّا رَبُّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جَزَاءً لَهُ عَلَى صَبْرِهِ وَرِضَاهُ. وَجَزَاءُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَأَبْقَى.

 

وَمِنْ عَظِيمِ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْعَبْدِ الْمُؤْمِنِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَمْنَحُهُ سُرْعَةَ التَّكَيُّفِ مَعَ بَلْوَاهُ، وَالتَّعَايُشَ مَعَهَا، فَتَهُونُ فِي نَفْسِهِ مَهْمَا كَانَتْ عَظِيمَةً، ثُمَّ لَا يَلْبَثُ إِذَا رَضِيَ وَسَلَّمَ الْأَمْرَ لِلَّهِ تَعَالَى أَنْ يَأْتِيَهُ الْعِوَضُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبْ، فَإِنَّ «مِنْ كَمَالِ إِحْسَانِ الرَّبِّ تَعَالَى أَنْ يُذِيقَ عَبْدَهُ مَرَارَةَ الْكَسْرِ قَبْلَ حَلَاوَةِ الْجَبْرِ، وَيُعَرِّفَهُ قَدْرَ نِعْمَتِهِ عَلَيْهِ بِأَنْ يَبْتَلِيَهُ بِضِدِّهَا، كَمَا أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَمَّا أَرَادَ أَنْ يُكَمِّلَ لِآدَمَ نَعِيمَ الْجَنَّةِ أَذَاقَهُ مَرَارَةَ خُرُوجِهِ مِنْهَا، وَمُقَاسَاةَ هَذِهِ الدَّارِ الْمَمْزُوجِ رَخَاؤُهَا بِشِدَّتِهَا، فَمَا كَسَرَ عَبْدَهُ الْمُؤْمِنَ إِلَّا لِيَجْبُرَهُ، وَلَا مَنَعَهُ إِلَّا لِيُعْطِيَهُ، وَلَا ابْتَلَاهُ إِلَّا لِيُعَافِيَهُ، وَلَا أَمَاتَهُ إِلَّا لِيُحْيِيَهُ، وَلَا نَغَّصَ عَلَيْهِ الدُّنْيَا إِلَّا لِيُرَغِّبَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَلَا ابْتَلَاهُ بِجَفَاءِ النَّاسِ إِلَّا لِيَرُدَّهُ إِلَيْهِ». وَاسْتِحْضَارُ أَنَّ الشِّدَّةَ يَعْقُبُهَا الْفَرَجُ، وَأَنَّ الْيُسْرَ بَعْدَ الْعُسْرِ، وَلَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرِينِ؛ ﴿ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ﴾ [الشَّرْحِ: 5-6].

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الأسرة بين الصبر والرضا
  • أيها المبتلى في جسده تسل باسم ربك الجبار (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • فتح الرحمن في الأمور المعينة على طرد الشيطان (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • معين المرشد المعين على الضروري من علوم الدين (أدلة مسائل منظومة ابن عاشر) (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الإدمان في حياة الشباب(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • النهي عن حصر أسماء الله تعالى وصفاته بعددٍ معين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • معينات في الشدائد والابتلاءات (خطبة)(مقالة - موقع د. محمود بن أحمد الدوسري)
  • معينات على الطريق(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • الصبر وثمراته (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: الرضا بما قسمه الله(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الجنة ونعيمها (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ظاهرة كسب المال الحرام (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ندوة لأئمة زينيتسا تبحث أثر الذكاء الاصطناعي في تطوير رسالة الإمام
  • المؤتمر السنوي التاسع للصحة النفسية للمسلمين في أستراليا
  • علماء ومفكرون في مدينة بيهاتش يناقشون مناهج تفسير القرآن الكريم
  • آلاف المسلمين يجتمعون في أستراليا ضمن فعاليات مؤتمر المنتدى الإسلامي
  • بعد ثلاث سنوات من الجهد قرية أوري تعلن افتتاح مسجدها الجديد
  • إعادة افتتاح مسجد مقاطعة بلطاسي بعد ترميمه وتطويره
  • في قلب بيلاروسيا.. مسجد خشبي من القرن التاسع عشر لا يزال عامرا بالمصلين
  • النسخة السادسة من مسابقة تلاوة القرآن الكريم للطلاب في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 24/5/1447هـ - الساعة: 8:22
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب