• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة: صلاة الاستسقاء
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    هل الكلب طاهر أم نجس؟ دراسة فقهية موجزة
    د. أحمد عبدالمجيد مكي
  •  
    البصيرة في زمان الفتن - منهجية رد المتشابهات، ...
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    من نعم الابتلاء بالمرض (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    إن للموت لسكرات (خطبة)
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    خلاف العلماء في حكم لبن الميتة وإنفحتها
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    خلاف الفقهاء في حكم الاستنجاء
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    من أدلة صدقه عليه الصلاة والسلام: توازن شخصيته ...
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    وقاحة التبرير (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    وقفات تربوية مع سورة الإخلاص (خطبة)
    رمضان صالح العجرمي
  •  
    خطب الاستسقاء (15) أسباب الغيث المبارك
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    سنة الحياة..
    أ. سميع الله بن مير أفضل خان
  •  
    دلالة السياق في تنوع الحركات في البنية نفسها في ...
    د. صباح علي السليمان
  •  
    تأملات في بعض الآيات (1) بنات العم والعمات، ...
    حكم بن عادل زمو النويري العقيلي
  •  
    عذاب القبر حق
    صلاح عامر قمصان
  •  
    الوسطية بين الخلطة والعزلة
    د. عبدالسلام حمود غالب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / العبادات / الصلاة وما يتعلق بها
علامة باركود

الابتلاء في رمضان

الابتلاء في رمضان
الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 30/4/2020 ميلادي - 8/9/1441 هجري

الزيارات: 34930

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الابتلاء في رمضان


الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 102]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النِّسَاءِ: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الْأَحْزَابِ: 70-71].

 

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

 

أَيُّهَا النَّاسُ: حَيَاةُ الْمُؤْمِنِ مَمْلُوءَةٌ بِالْمِحَنِ وَالِابْتِلَاءَاتِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْجَنَّةَ مَحْفُوفَةٌ بِالْمَكْرُوهَاتِ، كَمَا أَنَّ النَّارَ حُفَّتْ بِالشَّهَوَاتِ. وَعِظَمُ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلَاءِ. وَالْمُؤْمِنُ مَأْمُورٌ فِي الِابْتِلَاءِ بِحُسْنِ الِاخْتِيَارِ لِأَنَّهُ فِي اخْتِبَارٍ وَامْتِحَانٍ ﴿ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴾ [الْأَنْبِيَاءِ: 35]. وَجَاءَ فِي حَدِيثِ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ، فَمَنْ صَبَرَ فَلَهُ الصَّبْرُ، وَمَنْ جَزِعَ فَلَهُ الْجَزَعُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ. فَالِابْتِلَاءُ يَدُلُّ عَلَى حُبِّ اللَّهِ تَعَالَى لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ الْمُبْتَلَيْنَ، كَمَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَأْجُرُهُمْ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ مِنَ الْبَلَاءِ إِذَا هُمْ صَبَرُوا وَاحْتَسَبُوا ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [الزُّمَرِ: 10].

 

وَقَدْ يَكُونُ الِابْتِلَاءُ ابْتِلَاءً فَرْدِيًّا كَابْتِلَاءِ الْعَبْدِ فِي نَفْسِهِ أَوْ أَهْلِهِ أَوْ وَلَدِهِ أَوْ مَالِهِ.

 

وَقَدْ يَكُونُ ابْتِلَاءً لِأَهْلِ بَلَدٍ بِمَا يُصِيبُهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ مِنَ الزَّلَازِلِ أَوِ الْفَيَضَانِ أَوِ الْحُرُوبِ أَوِ الْحِصَارِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ.

 

وَقَدْ يَكُونُ ابْتِلَاءً عَامًّا لِأَهْلِ الْإِيمَانِ كُلِّهِمْ؛ كَالْأَوْبِئَةِ الَّتِي تَجْتَاحُ الدُّوَلَ وَتُصِيبُ الْأُمَمَ، فَيَهْلَكُ فِيهَا مَنْ يَهْلَكُ، وَيَنْجُو مِنْهَا مَنْ يَنْجُو.

 

وَقَدْ وَقَعَ لِلْمُسْلِمِينَ عَبْرَ التَّارِيخِ ابْتِلَاءَاتٌ كَثِيرَةٌ، وَمِنْ هَذِهِ الِابْتِلَاءَاتِ مَا كَانَ فِي رَمَضَانَ، وَهِيَ كَثِيرَةٌ، وَمِنْهَا ابْتِلَاءَاتٌ تَتَعَلَّقُ بِغَزْوِ الْأَعْدَاءِ لِأَهْلِ الْإِيمَانِ أَوْ حِصَارِهِمْ فِي رَمَضَانَ، وَمِنْهَا ابْتِلَاءَاتٌ تَتَعَلَّقُ بِنُشُوبِ فِتْنَةٍ بَيْنَ النَّاسِ فِي بَلَدٍ مِنَ الْبُلْدَانِ، فَيَرْتَفِعُ فِيهَا الْأَمْنُ، وَيَحِلُّ الْخَوْفُ حَتَّى يَعْجِزَ الْمُؤْمِنُ أَنْ يَصِلَ إِلَى الْمَسْجِدِ لِلصَّلَاةِ بِسَبَبِ عِظَمِ الْفِتْنَةِ وَاشْتِدَادِ الْخَوْفِ، نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى الْعَافِيَةَ.

 

وَمِنْهَا ابْتِلَاءَاتٌ تَتَعَلَّقُ بِالْقِلَّةِ وَالْجُوعِ؛ فَكَمْ مِنْ بَلَدٍ لِلْمُسْلِمِينَ فِيمَا مَضَى وَطِئَهَا الْجُوعُ فِي رَمَضَانَ فَصَامَ أَهْلُهَا عَنِ الطَّعَامِ طِيلَةَ رَمَضَانَ، وَمَا أَفْطَرُوا إِلَّا عَلَى الْمَاءِ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ تَعَالَى مِنَ الْجُوعِ؛ فَإِنَّهُ بِئْسَ الضَّجِيعُ.

 

وَلَوْ أَنَّ أَحَدًا قَلَّبَ كُتُبَ التَّارِيخِ عَلَى صَفَحَاتِ رَمَضَانَ لَوَجَدَ فِيهَا الْكَثِيرَ مِنَ الِابْتِلَاءَاتِ الَّتِي حَلَّتْ بِالْمُؤْمِنِينَ فِي الشَّهْرِ الْكَرِيمِ. وَفِي تَذَاكُرِ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الِابْتِلَاءَاتِ سُلْوَانٌ لِأَهْلِ الْإِيمَانِ مَعَ انْتِشَارِ الْوَبَاءِ، وَحَيْلُولَتِهِ دُونَ الْمُسْلِمِينَ وَدُونَ مَسَاجِدِهِمْ فِي هَذَا الشَّهْرِ الْكَرِيمِ، كَمَا أَنَّ فِي تَذَاكُرِهَا اعْتِبَارًا بِمَا أَصَابَ السَّابِقِينَ مِمَّا هُوَ أَشَدُّ مِمَّا أَصَابَنَا فِي هَذَا الشَّهْرِ الْكَرِيمِ.

 

وَمِنْ عَظِيمِ الِابْتِلَاءَاتِ فِي مَقْدَمِ رَمَضَانَ: مَا وَقَعَ سَنَةَ ثِنْتَيْنِ وَتِسْعِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ؛ إِذْ دَخَلَتْ جَحَافِلُ الصَّلِيبِيِّينَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَقَتَلُوا أَهْلَهُ قَتْلًا شَنِيعًا كَتَبَ عَنْهُ الْمُؤَرِّخُونَ الصَّلِيبِيُّونَ بِمَا لَا يُصَدَّقُ مِنَ الْوَصْفِ لَوْلَا أَنَّهُمْ كَانُوا فِي الْحَمْلَةِ الصَّلِيبِيَّةِ، وَيُدَوِّنُونَ مَا رَأَوْهُ بِأَعْيُنِهِمْ مِمَّا فُعِلَ بِأَهْلِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ قُبَيْلَ رَمَضَانَ وَفِي رَمَضَانَ، حَتَّى قَالَ أَحَدُ الصَّلِيبِيِّينَ: «وَلَوْ أَنَّكَ كُنْتَ مَوْجُودًا هُنَاكَ لَغَاصَتْ قَدَمَاكَ حَتَّى الْعَقِبَيْنِ فِي دِمَاءِ الْمَذْبُوحِينَ، تَرَى مَاذَا أَقُولُ؟ لَمْ نَتْرُكْ مِنْهُمْ أَحَدًا عَلَى قَيْدِ الْحَيَاةِ، وَلَمْ يَنْجُ حَتَّى النِّسَاءُ وَالْأَطْفَالُ». وَقَالَ مُؤَرِّخٌ صَلِيبِيٌّ آخَرُ: «بَدَأَ رِجَالُنَا يَدْخُلُونَ إِلَى الْقُدْسِ بِجَسَارَةٍ وَإِقْدَامٍ، وَقَدْ أَرَاقُوا مِنَ الدِّمَاءِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ كَمِّيَّةً لَا يُمْكِنُ تَخَيُّلُهَا...»، وَقَالَ: «كَانَتْ أَكْوَامُ الرُّؤُوسِ وَالْأَيْدِي وَالْأَرْجُلِ تَسْتَرْعِي النَّظَرَ فِي شَوَارِعِ الْمَدِينَةِ، وَكَانَ الْمَرْءُ يَشُقُّ طَرِيقَهُ بِصُعُوبَةٍ بَيْنَ جُثَثِ الرِّجَالِ وَالْخُيُولِ... يَكْفِي أَنْ أَقُولَ: إِنَّهُ فِي مَعْبَدِ سُلَيْمَانَ كَانَ الرِّجَالُ يَخُوضُونَ فِي الدِّمَاءِ حَتَّى رُكَبِهِمْ وَحِزَامِ رِكَابِهِمْ».

 

وَمِنْ عَظِيمِ الِابْتِلَاءَاتِ فِي مَقْدَمِ رَمَضَانَ: مَا وَقَعَ سَنَةَ سِتٍّ وَسَبْعِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ مِنْ جُوعٍ شَدِيدٍ ضَرَبَ الدِّيَارَ الْمِصْرِيَّةَ وَمَا حَوْلَهَا، قَالَ ابْنُ شَاهِينَ الظَّاهِرِيُّ يَصِفُ ذَلِكَ: «وَفِي شَعْبَانَ تَزَايَدَ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ... وَمَاتَ الْفُقَرَاءُ مِنَ الْجُوعِ وَالْبَرْدِ وَالْعُرْيِ... وَاشْتَدَّ الْأَمْرُ عَلَى النَّاسِ، وَكَثُرَتِ الشَّنَاعَاتُ بِمَوْتِ الْفُقَرَاءِ جُوعًا، وَعَظُمَ الْمَوْتُ حَتَّى كَانَ يَمُوتُ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنَ الْغُرَبَاءِ عَلَى الطُّرُقَاتِ نَحْوُ السِّتِّ مِئَةٍ... وَفِي رَمَضَانَ تَزَايَدَ مَرَضُ النَّاسِ وَمَوْتُهُمْ، وَفُقِدَتِ الْأَقْوَاتُ، وَاشْتَدَّ الْأَمْرُ... وَفِي أَوَاخِرِهِ خَلَتْ دُورٌ كَثِيرَةٌ خَارِجَ مِصْرَ وَالْقَاهِرَةِ لِمَوْتِ أَهْلِهَا، وَفَنِيَ مُعْظَمُ الْفُقَرَاءِ، وَفَشَتِ الْأَمْرَاضُ فِي الْأَغْنِيَاءِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَزَادَ سِعْرُ الْأَدْوِيَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَرَضِ... وَكَانَ غَلَاءً عَظِيمًا».

 

وَمِنْ عَظِيمِ الِابْتِلَاءَاتِ فِي مَقْدَمِ رَمَضَانَ: مَا وَقَعَ سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِينَ وَثَمَانِمِائَةٍ مِنَ انْتِشَارِ الْوَبَاءِ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَمَا حَوْلَهَا، وَقَدْ عَاصَرَهُ الْفَقِيهُ الْمُؤَرِّخُ مُجِيرُ الدِّينِ الْعَلِيمِيُّ الْحَنْبَلِيُّ، فَكَانَ مِمَّا قَالَ فِيهِ: «وَاسْتَمَرَّ الْوَبَاءُ بِالْقُدْسِ فِي قُوَّتِهِ إِلَى سَلْخِ شَعْبَانَ، وَأَفْنَى خَلْقًا مِنَ الْأَطْفَالِ وَالشَّبَابِ، وَأَفْنَى طَائِفَةَ الْهُنُودِ عَنْ آخِرِهِمْ، وَكَذَلِكَ الْحَبَشُ، وَمَاتَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَخْيَارِ الصَّالِحِينَ... وَتَنَاقَصَ الْوَبَاءُ مِنْ أَوَّلِ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَفِي يَوْمَ الِاثْنَيْنِ سَابِعِ شَهْرِ رَمَضَانَ تُوُفِّيَ الْخَطِيبُ جَلَالُ الدِّينِ بْنُ جَمَاعَةَ... وَكَانَ ارْتِفَاعُ الْوَبَاءِ مِنَ الْقُدْسِ الشَّرِيفِ فِي أَوَاخِرِ شَهْرِ شَوَّالٍ بَعْدَ إِقَامَتِهِ بِهَا نَحْوَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشَرَةِ أَيَّامٍ، وَبَلَغَ عَدَدُ الْأَمْوَاتِ بِالْقَاهِرَةِ فِي كُلِّ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ أَلْفًا، وَبِدِمَشْقَ فِي كُلِّ يَوْمٍ ثَلَاثَةَ آلَافٍ، وَبِحَلَبَ فِي كُلِّ يَوْمٍ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ، وَبِغَزَّةَ فِي كُلِّ يَوْمٍ نَحْوَ أَرْبَعِمِائَةٍ، وَبِالرَّمْلَةِ فِي كُلِّ يَوْمٍ نَحْوَ الْمِائَةِ وَعَشَرَةٍ، وَلَمْ يَمْكُثْ فِي بَلْدَةٍ مِنَ الْبِلَادِ أَكْثَرَ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَسُبْحَانَ مَنْ يَتَصَرَّفُ فِي عِبَادِهِ بِمَا يَشَاءُ» وَذُكِرَ أَنَّ مَجْمُوعَ مَنْ مَاتُوا فِيهِ بَلَغَ مِلْيُونًا وَسِتَّمِائَةِ أَلْفٍ ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ﴾ [التَّوْبَةِ: 116]، ﴿ هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [غَافِرٍ: 68].

 

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...

 

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَاسْتَثْمِرُوا أَوْقَاتَكُمْ فِي الطَّاعَاتِ، وَأَدْمِنُوا قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ؛ فَفِيهِ صَلَاحُ الْقُلُوبِ، وَانْشِرَاحُ الصُّدُورِ، وَنَحْنُ فِي شَهْرِ الْقُرْآنِ ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 185].

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: يَعِيشُ الْمُسْلِمُونَ هَذَا الشَّهْرَ الْكَرِيمَ فِي هَذَا الْعَامِ وَقُلُوبُهُمْ تَتَقَطَّعُ عَلَى مَسَاجِدِهِمْ، يُرِيدُونَ لُزُومَهَا وَسَمَاعَ الْقُرْآنِ مِنْ مَآذِنِهَا. وَمَنِ اعْتَادُوا الْمُجَاوَرَةَ فِي الْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ، أَوِ الِاعْتِكَافَ فِيهِمَا يَفْقِدُونَ ذَلِكَ هَذَا الْعَامَ، وَفِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الشَّوْقِ لِلرِّحَابِ الطَّاهِرَةِ مَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى، وَلَوْلَا أَنَّ هَذَا الْوَبَاءَ حَالَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ لَعَمَرُوا الْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ، وَلَوْلَا الْوَبَاءُ لَأَضَاءَتْ مَسَاجِدُ الْمُسْلِمِينَ فِي مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا بِصَلَاةِ التَّرَاوِيحِ، وَلِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ، وَهَذَا مِنَ الِابْتِلَاءِ لِلْمُؤْمِنِينَ فِي هَذَا الشَّهْرِ الْكَرِيمِ، وَهُمْ مَأْجُورُونَ عَلَى مَا يَقَعُ فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ شَوْقٍ لِطَاعَاتٍ مَنَعَهُمُ الْعُذْرُ مِنْهَا؛ كَالِاجْتِمَاعِ فِي الْمَسَاجِدِ لِصَلَاةِ الْجُمَعِ وَالْجَمَاعَاتِ وَالتَّرَاوِيحِ، وَكَذَلِكَ الْعُمْرَةُ أَوِ الْمُجَاوَرَةُ فِي مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَعَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ فَدَنَا مِنَ الْمَدِينَةِ، فَقَالَ: «إِنَّ بِالْمَدِينَةِ أَقْوَامًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا، وَلَا قَطَعْتُمْ وَادِيًا إِلَّا كَانُوا مَعَكُمْ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ،، وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ؟ قَالَ: وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ، حَبَسَهُمُ الْعُذْرُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

 

وَقَدْ حَبَسَ الْوَبَاءُ أَوْ خَوْفُ الْعَدْوَى بِهِ أَكْثَرَ الْمُسْلِمِينَ فِي مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا عَنِ الْعِبَادَاتِ الْجَمَاعِيَّةِ الَّتِي يُجْتَمَعُ لَهَا، فَكَأَنَّهُمْ قَدْ أَدَّوْهَا عَلَى مَا اعْتَادُوا؛ لِأَنَّهُ لَوْلَا الْوَبَاءُ لَأَدَّوْهَا، وَفِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: «وَهُوَ فِي حَقِّ مَنْ كَانَ يَعْمَلُ طَاعَةً فَمُنِعَ مِنْهَا وَكَانَتْ نِيَّتُهُ -لَوْلَا الْمَانِعُ- أَنْ يَدُومَ عَلَيْهَا».

 

وَهَذِهِ الْبِشَارَةُ تُزِيلُ حُزْنَ كَثِيرٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى طَاعَاتٍ جَمَاعِيَّةٍ حَافَظُوا عَلَيْهَا طِيلَةَ أَعْمَارِهِمْ، ثُمَّ حُرِمُوا مِنْهَا خِلَالَ الْأَسَابِيعِ الَّتِي مَضَتْ، حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهِمْ شَهْرُ رَمَضَانَ وَهُمْ مَحْرُومُونَ مِنْهَا، فَأُجُورُهُمْ مَكْتُوبَةٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَالْكَرِيمُ سُبْحَانَهُ يَجْزِيهِمْ بِأَعْمَالِهِمُ الَّتِي كَانُوا يَنْوُونَ الْعَمَلَ بِهَا لَوْلَا الْمَنْعُ مِنْهَا بِسَبَبِ الْوَبَاءِ ﴿ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 74].

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الصعود إلى القمة في رمضان
  • المرأة المسلمة في رمضان
  • حفظ اللسان في رمضان
  • كيف نقرأ القرآن الكريم في رمضان؟
  • خطبة قصيرة عن الابتلاء

مختارات من الشبكة

  • من نعم الابتلاء بالمرض (خطبة)(مقالة - موقع د. صغير بن محمد الصغير)
  • من ألطاف الله تعالى في الابتلاء (خطبة)(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • فوائد الابتلاء بالمرض (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الثبات عند الابتلاء بالمعصية (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • العلاقات بين الابتلاء والصبر(مقالة - آفاق الشريعة)
  • قوانين الابتلاء في القرآن الكريم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الابتلاء (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ابتلاء الأبرص والأقرع والأعمى (خطبة)(مقالة - موقع د. محمود بن أحمد الدوسري)
  • فتنة الابتلاء بالرخاء(مقالة - موقع أ. د. فؤاد محمد موسى)
  • ثمرات الابتلاء (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ندوة لأئمة زينيتسا تبحث أثر الذكاء الاصطناعي في تطوير رسالة الإمام
  • المؤتمر السنوي التاسع للصحة النفسية للمسلمين في أستراليا
  • علماء ومفكرون في مدينة بيهاتش يناقشون مناهج تفسير القرآن الكريم
  • آلاف المسلمين يجتمعون في أستراليا ضمن فعاليات مؤتمر المنتدى الإسلامي
  • بعد ثلاث سنوات من الجهد قرية أوري تعلن افتتاح مسجدها الجديد
  • إعادة افتتاح مسجد مقاطعة بلطاسي بعد ترميمه وتطويره
  • في قلب بيلاروسيا.. مسجد خشبي من القرن التاسع عشر لا يزال عامرا بالمصلين
  • النسخة السادسة من مسابقة تلاوة القرآن الكريم للطلاب في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 22/5/1447هـ - الساعة: 17:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب