• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة: آداب المجالس
    د. أيمن منصور أيوب علي بيفاري
  •  
    الغايات والأهداف من بعثة الرسول صلى الله عليه ...
    أبو سلمان راجح الحنق
  •  
    آيات الصفات وأحاديثها
    الشيخ عبدالعزيز السلمان
  •  
    صحبة النور
    دحان القباتلي
  •  
    منهج أهل الحق وأهل الزيغ في التعامل مع المحكم ...
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    بلدة طيبة ورب غفور (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    مواقيت الصلوات: الفرع الرابع: وقت صلاة العشاء
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    تلقي الركبان
    عبدالرحمن بن يوسف اللحيدان
  •  
    خطبة: الأعمال الصالحة وثمراتها
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    التربية القرآنية (خطبة)
    أبو سلمان راجح الحنق
  •  
    حكم سواك الصائم بعد الزوال
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    النهي عن التسمي بسيد الناس أو بسيد ولد لآدم لغير ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    آية الله في المستبيحين مدينة البشير والنذير ...
    د. عبدالله بن يوسف الأحمد
  •  
    خطبة (النسك وواجباته)
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    خطبة: وحدة الكلمة واجتماع الصف
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    سلسلة آفات على الطريق (1): الفتور في الطاعة
    حسان أحمد العماري
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / العبادات / الصيام ورمضان وما يتعلق بهما
علامة باركود

فقدموا بين يدي نجواكم صدقة

الشيخ عبدالله بن محمد البصري


تاريخ الإضافة: 4/5/2018 ميلادي - 19/8/1439 هجري

الزيارات: 26337

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

فقدموا بين يدي نجواكم صدقة

 

أَمَّا بَعدُ، فَـ ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم وَالَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ﴾.

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، حِينَ تَهُبُّ نَسَائِمُ رَمَضَانَ وَيَقتَرِبُ دُخُولُهُ، يَحرِصُ كَثِيرٌ مِنَ المُسلِمِينَ عَلَى أَن يُقَدِّمَ بَينَ يَدَيهِ عَمَلاً صَالِحًا يُبرِهُنَ بِهِ عَلَى صِدقِ إِيمَانِهِ، وَيَنفُضُ بِهِ عَن قَلبِهِ مَا رَانَ عَلَيهِ مِن آثَارِ المَعَاصِي وَغُبَارِ التَّقصِيرِ طُوَالَ العَامِ، وَمِمَّا اعتَادَهُ المُسلِمُونَ في مِثلِ هَذِهِ الأَيَّامِ إِخرَاجُ زَكَوَاتِهِم، وَالبَحثُ وَالسُّؤَالُ عَن طُرُقِ الخَيرِ وَأَبوَابِ البِرِّ لِيَجعَلُوا فِيهَا صَدَقَاتِهِم، يَفعَلُونَ ذَلِكَ استِبَاقًا لِلخَيرَاتِ، وَإِحسَانًا مِنهُم إِلى عِبَادِ اللهِ طَمَعًا في أَن يُحسِنَ اللهُ إِلَيهِم، وَتَعَرُّضًا لِرَحمَتِهِ لَهُم في شَهرِ الرَّحمَةِ، حَيثُ يَقُولُ - سُبحَانَهُ -: ﴿إِنَّ رَحمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ المُحسِنِينَ﴾ وَحِرصًا مِنهُم عَلَى عَدَمِ مَنعِ الزَّكَاةِ أَوِ البُخلِ بها ؛ لأَنَّهُم يَعلَمُونَ عِظَمَ مَنزِلَتِهَا مِنَ الإِسلامِ، وَأَنَّ مَنعَ الخَيرِ عَن عِبَادِ اللهِ سَبَبٌ لِمَنعِ الخَيرِ عَنِ النَّاسِ بِالكُلِّيَّةِ ؛ كَمَا قَالَ النَّبيُّ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ – في الحَدِيثِ الَّذي رَوَاهُ الطَّبَرَانيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ: "لم يَمنَعْ قَومٌ زَكَاةَ أَمَوَالِهِم إِلاَّ مُنِعُوا القَطرَ مِنَ السَّمَاءِ"

 

وَقَد رَزَقَ اللهُ المُسلِمِينَ في هَذِهِ الأَزمِنَةِ مُؤَسَّسَاتٍ خَيرِيَّةً وَدَعَوِيَّةً وَإِغَاثِيَّةً، تَستَقبِلُ زَكَوَاتِهِم وَصَدَقَاتِهِم وَهِبَاتِهِم وَأُعطِيَاتِهِم، وَتَتَقَدَّمُ رَمَضَانَ بِتَنظِيمِ بَرَامِجَ يَتَعَاوَنُ فِيهَا المُسلِمُونَ عَلَى الخَيرِ، وَيَشتَرِكُونَ في البَذلِ وَالبِرِّ، بَأَموَالِهِم وَجُهُودِهِم وَأَفكَارِهِم، فَتَخرُجُ مِن ذَلِكَ أَعمَالٌ مُبَارَكَةٌ تُثلِجُ صُدُورَ المُؤمِنِينَ، وَتُطَمئِنُ نُفُوسَهُم أَنَّ الخَيرَ مَا زَالَ في أُمَّةِ محمدٍ، وَأَنَّهَا لم تَزَلْ بَعدُ بُنيَانًا وَاحِدًا يَشُدُّ بَعضُهُ بَعضًا، بَل وَتُحفَظُ بها البِلادُ وَالعِبَادُ مِن مَصَائِبِ الدُّنيَا، حَيثُ قَالَ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ –: " صَنَائِعُ المَعرُوفِ تَقِي مَصَارِعَ السُّوءِ وَالآفَاتِ وَالهَلَكَاتِ " رَوَاهُ الحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ. وَلَكِنَّ مِمَّا يُلحَظُ في سَنَوَاتٍ مُتَأَخِّرَةٍ، أَنَّ بَعضَ شَيَاطِينِ الإِنسِ رَكِبُوا مَوجَةَ إِمَامِهِم إِبلِيسَ، وَجَعَلُوا يُخَذِّلُونَ النَّاسَ عَن بَذلِ الخَيرِ، وَيُشَكِّكُونَ في أَعمَالِ البِرِّ، وَيَعِدُونَ النَّاسَ الفَقرَ، فَطَاوَعَهُم مَن طَاوَعَهُم مِمَّن ضَعُفَت نَفسُهُ وَغَفَلَ عَن قَولِ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ -: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبتُم وَمِمَّا أَخرَجنَا لَكُم مِنَ الأَرضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الخَبِيثَ مِنهُ تُنفِقُونَ وَلَستُم بِآخِذِيهِ إِلَّا أَن تُغمِضُوا فِيهِ وَاعلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ * الشَّيطَانُ يَعِدُكُمُ الفَقرَ وَيَأمُرُكُم بِالفَحشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَغفِرَةً مِنهُ وَفَضلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * يُؤتِي الحِكمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤتَ الحِكمَةَ فَقَد أُوتِيَ خَيرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الأَلبَابِ﴾.

 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، حِينَ كَثُرَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ مُنَاجَاةَ رَسُولِ اللهِ وَمَسَارَّتَهُ بِبَعضِ شُؤُونِهِمُ الخَاصَّةِ، أَنزَلَ اللهُ - تَعَالى - عَلَيهِم قَولَهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَينَ يَدَي نَجوَاكُم صَدَقَةً ذَلِكَ خَيرٌ لَكُم وَأَطهَرُ فَإِن لَم تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ أَمَرَ - تَعَالَى - المُؤمِنِينَ الذِينَ يُرِيدُونَ أَن يُحَدِّثُوا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِيمَا بَينَهُم وَبَينَهُ، أَن يُقَدِّمُوا بَينَ يَدَي ذَلِكَ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُم وَتُزَكِّيهِم، وَتُؤهِّلُهُم لِبُلُوغِ هَذَا المُقَامِ العظيم، إِذْ إِنَّ في تَقدِيمِ هَذِهِ الصَّدَقَةِ بَينَ يَدَي مُنَاجَاتِهِ - صلى الله عليه وسلم - ثَوَابًا عَظِيمًا عِندَ اللهِ، وَتَزكِيَةً لِلنُّفُوسِ وَتَطهِيرًا لِلقُلُوبِ. وَالحَقُّ – أَيُّهَا الإِخوَةُ - أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ نُسِخَت، وَنَزَلَت بَعدَهَا آيَةٌ أَرَادَ اللهُ بها أَن يُخَفِّفَ عَنِ المُسلِمِينَ، فَقَالَ - تَعَالى -: ﴿أَأَشفَقتُم أَن تُقَدِّمُوا بَينَ يَدَي نَجوَاكُم صَدَقَاتٍ فَإِذ لَم تَفعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيكُم فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعمَلُونَ﴾ وَمَعنى الآيَةِ أَنَّكُم إِذْ بَخِلتُم بِالمَالِ أَن تُنفِقُوهُ فِي سَبيلِ اللهِ، وَخِفتُمُ الفَقرَ إِن قَدَّمتُمُ الصَّدَقَاتِ، وَوَسوَسَ إِلَيكُمُ الشَّيطَانُ أَنَّ هَذَا الإِنفَاقَ فِيهِ ضَيَاعٌ لِلمَالِ، فَمَا دُمتُم لم تُنفِقُوا المَالَ وَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيكُم، فَقَد خَفَّفَ اللهُ عَنكُم، وَرَخَّصَ لَكُم بِالمُنَاجَاةِ مِن غَيرِ تَقدِمِةِ صَدَقَاتٍ، فَتَدَارَكُوا ذَلِكَ بِالمُثَابَرَةِ عَلَى إِقَامَةِ الصَّلاَةِ عَلَى وَجهِهَا الأَكمَلِ، وَعَلَى دَفعِ الزَّكَاةِ عَن أَموَالِكُم، وَأَطِيعُوا اللهَ فِيمَا يَأمُرُكُم بِهِ هُوَ وَرَسُولُهُ، وَانتَهُوا عَمَّا يَنهَاكُم عَنهُ، وَاللهُ خَبِيرٌ بِمَا يَعمَلُهُ العِبَادُ، وَسَيُحَاسِبُهُم عَلَيهِ. أَقُولُ - أَيُّهَا الإِخوَةُ -: إِنَّهُ وَإِنْ كَانَت هَذِهِ الآيَةُ قَد نُسِخَت، إِلاَّ أَنَّ فِيهَا إِشَارَةً عَظِيمَةً وَتَوجِيهًا كَرِيمًا لِمَن شَاءَ أَن يَنفَرِدَ بِحَبِيبِهِ وَيَتَلَذَّذَ بِمُنَاجَاتِهِ، وَيَجِدَ لِذَلِكَ طَعمًا وَأَثَرًا في نَفسِهِ وَقَلبِهِ، أَنَّ عَلَيهِ أَن يُقَدِّمَ صَدَقَةً قَبلَ أَن يَطلُبَ الخَلوَةَ وَالمَنَاجَاةَ، وَإِذَا كَانَ مَن يُرِيدُ أَن يُنَاجِيَ رَسُولَ اللهِ وَيَحظَى بِالوُقُوفِ مَعَهُ مُنفَرِدًا وَيَنَالَ شَرَفَ الإِسرَارِ إِلَيهِ بِمَا يُرِيدُ مَأمُورًا في وَقتٍ مِنَ الأَوقَاتِ أَن يُقَدِّمَ صَدَقَةً، فَمَاذَا يُقَالُ لِمَن يُرِيدُ أَن يَخلُوَ بِرَبِّهِ وَيَتَلَذَّذَ بِعِبَادَتِهِ في الشَّهرِ الكَرِيمِ، وَللهِ المَثَلُ الأَعلَى؟! كَم مِنَ الحَاجَاتِ الَّتي يُرِيدُهَا العَبدُ مِن رَبِّهِ، بَل مَن ذَا الَّذِي يَزعُمُ أَنَّ لَهُ عَن رَبِّهِ غِنًى طَرفَةَ عَينٍ؟! فَالعِبَادُ كُلُّهُم فُقَرَاءُ إِلى مَولاهُم في كُلِّ شَأنٍ مِن شُؤُونِهِم، مُحتَاجُونَ إِلَيهِ في كُلِّ لَحظَةٍ مِن لَحَظَاتِ حَيَاتِهِم، أَفَيَبخَلُ أَحَدُهُم أَن يُقَدِّمَ بَينَ يَدَي مُنَاجَاتِهِ لِرَبِّهِ صَدَقَةً تُطَهِّرُ قَلبَهُ لِلِقَائِهِ، أَو أَن يَبذَلَ مِن مَالِهِ وَلَو قَلِيلاً تَزكُو بِهِ نَفسُهُ، وَيَكُونَ بِسَبَبِهِ أَهلاً لِلخَلوَةِ بِهِ؟! وَيَا للهِ كَم يَجِدُ المُنفِقُونَ وَالمُتَصَدِّقُونَ لِشَهرِ رَمَضَانَ مِن حَلاوَةٍ، وَكَم يَجِدُونَ فِيهِ مِن خِفَّةِ النُّفُوسِ إِلى التَّعَبُّدِ، وَكَم يَشعُرُونَ فِيهِ مِنَ اللَّذَّةِ وَالأُنسِ وَالسَّعَادَةِ، بِمَا لا يَشعُرُ بِهِ مَن لم يَرفَعْ رَأسًا بِفِعلِ الخَيرِ، وَلم يَتَهَيَّأْ بِالبِرِّ، وَلم تَمتَدَّ يَدُهُ بِعِطَاءٍ، وَلم تَسخُ نَفسُهُ بِإِنفَاقِ شَيءٍ مِن مَالِهِ لِوَجهِ اللهِ. نَعَم – أَخِي المُسلِمَ – إِذَا كُنتَ لا تَجِدُ قَلبَكَ في رَمَضَانَ، لا في الصِّيَامِ وَلا في القِيَامِ، وَلا في الدُّعَاءِ وَتِلاوَةِ القُرآنِ، بَل تَجِدُ مِن نَفسِكَ ثِقَلاً حَتى عَن فَرَائِضِ الصَّلَوَاتِ، فَعَالِجْ قَلبَكَ قَبلَ دُخُولِ الشَّهرِ بِنَفَقَةٍ خَالِصَةٍ تَغسِلُ الوَضَرَ وَتَرفَعُ الإِصرَ، وَتَفُكُّ القَيدَ وَتَكسِرُ الغِلَّ، وَتَعَالَ وَاسمَعْ حَدِيثًا عَن نَبِيِّكَ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ – يَدُلُّكَ عَلَى أَنَّكَ بِصَدَقَتِكَ وَلَو قَلَّت، تَفُكُّ أَغلالاً وَآصَارًا قَد ضَرَبَهَا الشَّيطَانُ عَلَيكَ، فَإِذَا أَنتَ تَحَامَلتَ عَلَى نَفسِكَ وَجَاهَدتَهَا، وَاستَعَنتَ بِاللهِ عَلَى عَدُوِّكَ المُبِينِ، حُلِّتِ القُيُودُ وَكُسِرَتِ الأَغلالُ، فَقُمتَ وَكَأَنَّمَا نَشِطتَ مِن عِقَالٍ، قَالَ – صلى الله عليه وسلم -: " مَا يُخرِجُ رَجُلٌ شَيئًا مِنَ الصَّدَقَةِ حَتى يَفُكَّ بها لَحيَيْ سَبعِينَ شَيطَانًا " رَوَاهُ الإِمَامُ أَحمَدُ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.

 

وَانظُرْ إِلى قَولِهِ: "مَا يُخرِجُ رَجُلٌ شَيئًا مِنَ الصَّدَقَةِ" لِتَعلَمَ أَنَّ أَيِّ شَيءٍ وَلَو كَانَ صَغِيرًا، وَأَيَّ مِقدَارٍ وَإِنْ قَلَّ أَو كَانَ حَقِيرًا، فَإِنَّ الشَّيطَانَ يَحُولُ بَينَ النَّفسِ وَبَينَهُ بِكَثِيرٍ مِنَ القُيُودِ، وَيَرفَعُ لِلإِنسَانِ دُونَهُ كَثِيرًا مِنَ الحُجُبِ، وَيَبنِي أَمَامَهُ عَدَدًا غَيرَ قَلِيلٍ مِنَ الحَوَاجِزِ، فَيُصبِحُ دَفعُ القَلِيلِ مِنَ المَالِ مُحتَاجًا مِنَ العَبدِ إِلى جُهدٍ وَجِهَادٍ، فَكَيفَ بَإِخرَاجِ مَا هُوَ فَوقَ ذَلِكَ؟! وَمِن ثَمَّ وَلأَنَّ الصَّدَقَةَ تَحتَاجُ مِنَ العَبدِ إِلى مُجَاهَدَةٍ عَظِيمَةٍ لِلشَّياطِينِ الَّذِينَ يَعِدُونَهُ الفَقرَ وَيَأمُرُونَهُ بِالفَحشَاءِ وَالإِمسَاكِ، كَانَ لَهَا عِندَ اللهِ مِنَ الأُجُورِ العَظِيمَةِ المُضَاعَفَةِ، مَا لا يَعلَمُ قَدرَهُ إِلاَّ هُوَ - سُبحَانَهُ -، وَيَكفِي المَرءَ في ذَلِكَ أَن يَقرَأَ آيَةً وَيَسمَعَ حَدِيثًا، لِيَعلَمَ أَنَّ الأَمرَ حَقًّا لَيسَ بِاليَسِيرِ إِلاَّ عَلَى مَن يَسَّرَهُ اللهُ عَلَيهِ وَارتَفَعَت نَفسُهُ وَسَمَا قَلبُهُ، وَخَالَطَت رُوحَهُ نَسَائِمُ الفِردَوسِ وَوَجَدَ رَائِحَةَ الرِّضوَانِ في الجِنَانِ، قَالَ - تَعَالى -: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَموَالَهُم فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَت سَبعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾. الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَموَالَهُم فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُم أَجرُهُم عِندَ رَبِّهِم وَلَا خَوفٌ عَلَيهِم وَلَا هُم يَحزَنُونَ " وَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: " مَن تَصَدَّقَ بِعَدلِ تَمرَةٍ مِن كَسبٍ طَيِّبٍ وَلَا يَقبَلُ اللَّهُ إِلَّا الطَّيِّبَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهَا كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُم فَلُوَّهُ حَتَّى تَكُونَ مِثلَ الجَبَلِ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ. أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ وَلْنَستَعِدَّ بِبَذلِ الخَيرِ وَالإِنفَاقِ مِمَّا آتَانَا اللهُ قَبلَ دُخُولِ الشَّهرِ، فَقَد فُتِحَت لَنَا في ذَلِكَ أَبوَابٌ، وَمَن يَدرِي فَلَعَلَّهَا لا تُفتَحُ بَعدَ ذَلِكَ، أَو لَعَلَّهَا أَن تُفتَحَ وَقَد حِيلَ بَينَ أَحَدِنَا وَبَينَهَا بِالمَوتِ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلهِكُم أَموَالُكُم وَلَا أَولَادُكُم عَن ذِكرِ اللَّهِ وَمَن يَفعَل ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الخَاسِرُونَ * وَأَنفِقُوا مِن مَا رَزَقنَاكُم مِن قَبلِ أَن يَأتِيَ أَحَدَكُمُ المَوتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَولَا أَخَّرتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعمَلُونَ﴾.

****

 

أَمَّا بَعدُ، فَاتَّقُوا اللهَ - تَعَالى - حَقَّ التَّقوَى، وَتَمَسَّكُوا مِنَ الإِسلامِ بِالعُروَةِ الوُثقَى ﴿وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَل لَهُ مَخرَجًا . وَيَرزُقهُ مِن حَيثُ لَا يَحتَسِبُ﴾.

 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، مِن فَضلِ اللهِ عَلَينَا في هَذِهِ البِلادِ أَنَّ ثَمَّةَ مُؤَسَّسَاتٍ خَيرِيَّةً تَتَوَلَّى جَمعَ مَا يَجُودُ بِهِ المُسلِمُونَ مِن أَموَالِهِم، فَتَحفَظُهَا حَتَّى تُؤَدِّيَهَا لِمُستَحِقِّيهَا، فَمِنَ الإِحسَانِ إِلى النَّفسِ – أَيُّهَا الإِخوَةُ – أَن يَتَفَاعَلَ المَرءُ مَعَ مَا تُقَدِّمُهُ تِلكَ المُؤَسَّسَاتُ هَذِهِ الأَيَّامَ مِن مَشرُوعَاتِ الخَيرِ في رَمَضَانَ، سَوَاءٌ مِنهَا العِلمِيَّةُ أَوِ الدَّعَوِيَّةُ أَوِ التَّكَافُلِيَّةُ، أَو تَفطِيرِ الصَّائِمِينَ أَو كَفَالَةِ الأُسَرِ أَوِ المُعتَمِرِينَ، أَو غَيرِ ذَلِكَ مِن مَشرُوعَاتِ الخَيرِ، فَلْنَتَعَاوَنْ عَلَى البِرِّ وَالتَّقوَى، وَلْنَحَذَرِ المُخَذِّلِينَ مِن شَيَاطِينِ الإِنسِ وَالجِنِّ الَّذِينَ مَا فَتِئُوا يُحَاوِلُونَ أَن يَحُولُوا بَينَ النَّاسِ وَبَينَ فِعلِ الخَيرِ وَبَذلِهِ ؛ لِيَحرِمُوهُم مِنَ الأُجُورِ المُضَاعَفَةِ وَالحَسَنَاتِ المُتَكَاثِرَةِ، بِأَسبَابٍ وَاهِيَةٍ وَحَوَاجِزَ وَهمِيَّةٍ، وَظُنُونٍ سَيِّئَةٍ وَاتِّهَامَاتٍ بَاطِلَةٍ، قَد يَكُونُ جُزءٌ طَفِيفٌ مِنهَا مَوجُودًا لِمَا يَعتَرِي البَشَرَ مِنَ النَّقصِ، وَأَمَّا أَكثَرُهَا فَيَعلَمُ المُؤمِنُ العَاقِلُ أَنَّهُ فُجُورٌ وَكَذِبٌ، لا يَعدُو أَن يَكُونَ مِن تَوهِيمِ الشَّيطَانِ وَنَزغِهِ، وَيَكفِي المَرءَ أَن يَتَحَرَّى مَن يَثِقُ فِيهِ وَيُعطِيهِ مَا تَجُودُ بِهِ نَفسُهُ، وَبِذَلِكَ يَثبُتُ عِندَ اللهِ أَجرُهُ، وَتَخلُو ذِمَّتُهُ، فَفِي المُتَّفَقِ عَلَيهِ عَن أَبي هُرَيرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: لأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا في يَدِ سَارِقٍ، فَأَصبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ عَلَى سَارِقٍ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الحَمدُ، لأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ، فَوَضَعَهَا في يَدَي زَانِيَةٍ، فَأَصبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ اللَّيلَةَ عَلَى زَانِيَةٍ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الحَمدُ عَلَى زَانِيَةٍ، لأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا في يَدَي غَنِيٍّ، فَأَصبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ عَلَى غَنِيٍّ. فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الحَمدُ، عَلَى سَارِقٍ وَعَلَى زَانِيَةٍ وَعَلَى غَنِيٍّ، فَأُتِيَ فَقِيلَ لَهُ: أَمَّا صَدَقَتُكَ عَلَى سَارِقٍ فَلَعَلَّهُ أَن يَستَعِفَّ عَن سَرِقَتِهِ، وَأَمَّا الزَّانِيَةُ فَلَعَلَّهَا أَن تَستَعِفَّ عَن زِنَاهَا، وَأَمَّا الغَنِيُّ فَلَعَلَّهُ يَعتَبِرُ فَيُنفِقُ مِمَّا أَعطَاهُ اللهُ " فَهَذَا الحَدِيثُ – أَيُّهَا المُسلِمُونَ – يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ أَجرِ المُتَصَدِّقِ وَإِن وَقَعَتِ الصَّدَقَةُ في يَدِ غَيرِ أَهلِهَا، فَكَيفَ وَنَحنُ نَتَعَامَلُ مَعَ مُؤَسَّسَاتٍ رَسمِيَّةٍ، يَقُومُ عَلَيهَا رِجَالٌ مِن أَهلِ العِلمِ وَالتُّقَى، وَوُلاةُ الأَمرِ مِن وَرَائِهِم بِمُتَابَعَتِهَا وَالحِرصِ عَلَى تَجوِيدِ أَعمَالِهَا، فَاللهَ اللهَ بِبَذلِ الخَيرِ، وَالحَذَرَ الحَذَرَ مِنَ الشُّحِّ وَالبُخلِ "وَمَا تُنفِقُوا مِن خَيرٍ فَلِأَنفُسِكُم وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ابتِغَاءَ وَجهِ اللهِ وَمَا تُنفِقُوا مِن خَيرٍ يُوَفَّ إِلَيكُم وَأَنتُم لا تُظلَمُونَ".





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


مختارات من الشبكة

  • تفسير: (يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • صديق والدي يريد خطبتي(استشارة - الاستشارات)
  • استحباب أن يقدم المسلم صدقة بين يدي صلاته ودعائه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الورد والآس من مناقب ابن عباس (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تضرع وقنوت(مقالة - آفاق الشريعة)
  • إن الحلال بين وإن الحرام بين وبينهما أمور مشتبهات(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من أدعية الاستفتاح: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
  • اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بيني وبين فتاة علاقة عاطفية وعرف أهلها ما بيننا(استشارة - الاستشارات)
  • كن نافعا(مقالة - مجتمع وإصلاح)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ندوة علمية حول دور الذكاء الاصطناعي في تحسين الإنتاجية بمدينة سراييفو
  • مركز تعليمي إسلامي جديد بمنطقة بيستريتشينسكي شمال غرب تتارستان
  • 100 متطوع مسلم يجهزون 20 ألف وجبة غذائية للمحتاجين في مينيسوتا
  • مسابقة الأحاديث النبوية تجمع أطفال دورات القرآن في بازارجيك
  • أعمال شاملة لإعادة ترميم مسجد الدفتردار ونافورته التاريخية بجزيرة كوس اليونانية
  • مدينة نابريجناي تشلني تحتفل بافتتاح مسجد "إزجي آي" بعد تسع سنوات من البناء
  • انتهاء فعاليات المسابقة الوطنية للقرآن الكريم في دورتها الـ17 بالبوسنة
  • مركز ديني وتعليمي جديد بقرية كوياشلي بمدينة قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 28/3/1447هـ - الساعة: 9:41
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب