التوحد والتآخي وعدم التفرق

التوحد والتآخي

وعدم التفرق

لقد أعظم الله هذه الأمَّة باجتماعها على القيام بأمر الله، فقال تعالى: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾ [آل عمران: 110].

وفي الحديث العظيم الذي حدث به صلى الله عليه وسلم عن يحيى بن زكريا عليهما السلام، وما أمره الله به من أن يأمر بني إسرائيل بأركان الشريعة الخمسة (التوحيد والصلاة والزكاة والصيام والذكر) عقب النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك فقال: "وأنا آمركم بخمس الله أمرني بهن السمع والطاعة والجهاد والهجرة والجماعة فإنه من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه إلا أن يراجع ومن ادعى دعوى الجاهلية فإنه من جثاء جهنم فقال رجل يا رسول الله وإن صلى وصام فقال وإن صلى وصام فادعوا الله الذي سماكم المسلمين المؤمنين عباد الله"[1].

وهنا دعوة إلى التزام عموم جماعة المسلمين وعدم تعصب عصبية الجاهلية، فهذا يقول أنا الشامي وذاك يقول أنا اليمني وآخر يقول أنا المصري، أو يقول إنني جماعة كذا، والآخر يقول بل جماعة كذا، وهذه دعوى الجاهلية بعينها، بل يقول كما أمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، "أنا مسلم، نحن المؤمنون، أنا عبد الله"، حينئذ ينطق الحجر والشجر ويقول: "يا مسلم يا عبد الله، هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله".

وفي صحيح البخاري من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه حينما كسع المهاجري الأنصاري قال: "وقال الأنصاري: يا للأنصار وقال المهاجري: يا للمهاجرين فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما بال دعوى الجاهلية؟

ثم قال: ما شأنكم فأخبروه بكسعة المهاجري للأنصاري قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: دعوها فإنها منتنة".

فكيف يرتضي الله تبارك وتعالى لنا هذا الاسم (الإسلام) وكذلك رسوله صلى الله عليه وسلم، ويغلظ النبي صلى الله عليه وسلم في التداعي إلى غير الإسلام، ثم نخالف ذلك ونذهب إلى قول البشر متحججين بأنهم أهل علم ولا علم لنا، حتى أصبحت الفرقة والاختلاف والتسمي بغير الإسلام هو الصحيح، والانتساب إلى الإسلام لا يتناسب مع الواقع فسبحان الله.

ففي هذه الأحاديث بالغ النبي صلى الله عليه وسلم في التشديد على عدم التداعي إلى غير المسميات التي تشمل جميع الأمة دون تفرق، أنا مسلم، أنا مؤمن، أنا عبد الله تعالى، فكلنا يجب علينا أن نكون مسلمين مؤمنين عباد الله تعالى. حذر من التداعي إلى غير ذلك حتى لو كانت لاسمين مشروعين وهما المهاجرون والأنصار، وهما اسمان لقومين، قوم هاجروا في سبيل الله، وقوم نصروا دين الله، وليسا اسمين لتنظيمين لكل منهجه ومساجده ودعاته وأئمته، وهذا عين ما حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم أن يؤول الاختلاف إلى التفرق في الدين.

وإن من أعظم المصائب في الدين أن يتفرق المسلمون إلى أحزاب وطوائف لكل منها منهجه وأصوله التي وضعها لهم شيوخهم ومؤسسوهم، وجعلوا من هذه الأصول منهاجًا للعمل لدين الله، يؤمنون بها وكأنها بعينها نزلت من السماء فلا يحيدون عنها ويوالون ويعادون عليها، وأصبح أصحاب كل طائفة يرون أن كل من آمن بأصولهم وعمل بها فهو منهم، ومن ليس كذلك فليس منهم، وأصبحوا يتعصبون للأشخاص أصحاب تلك الأصول وكأنهم أنبياء معصومون، ويأخذون كلامهم مأخذ التشريع، فتفرقت الأمة إلى أحزاب وطوائف، وتفرق الدين إلى مناهج وأصول ما أنزل الله بها من سلطان. فأركان الدين وأصوله وقواعده التي وضعها لنا الحق تبارك وتعالى معروفة مبينة في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم. فليس لنا أن نأتي بأمور قد تكون من الدين ومن واجباته ولكنها ليست من أصوله وقواعده وأركانه فنجعل منها أصولا وأركانا يكون عليها الولاء والبراء، وهذا ما يلتبس على الكثير.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى:

"فلا يجوز لأحد أن يجعل الأصل في الدين لشخص إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا لقول إلا لكتاب الله عز وجل، ومن نصب شخصًا كائنًا من كان فوالى وعادى على موافقته في القول والفعل فهو من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا. وقال: "وليس لأحد أن يدعو إلى مقالة أو يعتقدها لكونها قول أصحابه ولا يناجز عليها، بل لأجل أنها مما أمر الله به ورسوله لكون ذلك طاعة لله ورسوله". انتهى.

فما أحرانا نحن المسلمون أن نجتمع اليوم على كلمة سواء بيننا، وهي وحي الله المنزل من السماء، لا إلى قومية ولا إلى حزبية ولا إلى عصبية ولا إلى شخصية ولا إلى جماعة، بل كما أمر ربنا تبارك وتعالى، كونوا ربانيين، كونوا مسلمين، كونوا مؤمنين كونوا عباد الله إخوانًا. وما أحسن ما سمعته من الشيخ محمد حسان حفظه الله محدثًا عن الإمام ابن القيم رحمه الله "إذا سألوك عن جماعتك فقل هو سماكم المسلمين من قبل، وإذا سألوك عن شيخك فقل شيخي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا سألوك عن منهجك فقل الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة".