• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    ما انتقد على «الصحيحين» ورجالهما، لا يقدح فيهما، ...
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    على ضفاف عاشوراء {ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه} ...
    وضاح سيف الجبزي
  •  
    وما ظهر غنى؟
    السيد مراد سلامة
  •  
    سؤال وجواب في أحكام الصلاة
    الشيخ صلاح نجيب الدق
  •  
    خطبة: يكفي إهمالا يا أبي
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    خطبة: فتنة التكاثر
    عبدالعزيز أبو يوسف
  •  
    تحريم الاستغاثة بغير الله تعالى فيما لا يقدر عليه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم بأن الله تعالى ...
    د. أحمد خضر حسنين الحسن
  •  
    إبراهيم عليه السلام في القرآن الكريم
    د. وفا علي وفا علي
  •  
    فوائد وأحكام من قوله تعالى: { ودت طائفة من أهل ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
  •  
    إطعام الطعام من أفضل الأعمال
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    { لا تكونوا كالذين كفروا.. }
    د. خالد النجار
  •  
    دعاء من القرآن الكريم
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    تخريج حديث: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    أخلاق وفضائل أخرى في الدعوة القرآنية
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
  •  
    مراتب المكلفين في الدار الآخرة وطبقاتهم فيها
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / عقيدة وتوحيد / في الفتن وأشراط الساعة
علامة باركود

{وما نرسل بالآيات إلا تخويفا}

الشيخ عبدالله بن محمد البصري

المصدر: أُلقيت بتاريخ: 20/5/1430هـ
مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 26/5/2009 ميلادي - 2/6/1430 هجري

الزيارات: 70263

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

﴿ وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا ﴾ [الإسراء: 59]

 

أيُّها المُسلِمونَ:
تابَعتُم ما نَقلَتْهُ وسائِلُ الإعلامِ، ممَّا حَدَثَ مِن هزَّاتٍ أرضيَّةٍ في بَعضِ المُحافَظاتِ في مِنطَقةِ المَدينةِ النَّبويَّةِ، هزَّاتٌ لا تَكادُ تُمَثِّلُ شَيئًا يُذكَرُ، نِسبةً إلى ما يَقَعُ في جِهاتٍ أُخرَى مِن الأرضِ؛ لَكِنَّها كانَت كافيةً لِتَرويعِ النَّاسِ وإخراجِهِم مِن مَنازِلِهِم وتَكديرِ صَفوِهِم، يَسمَعونَ أصواتًا كالرَّعدِ، ويُحِسُّونَ بِحَرَكةٍ غَريبةٍ في المَنازِلِ، أطفالٌ يَستَيقِظونَ لِهَذا ويَبكونَ، وآباءٌ وأُمَهَّاتٌ يَطيرُ نَومُهُم ويَقلَقونَ، لا يَدرونَ ماذا سَيَحدُثُ لهم؟ وما مَصيرُ مَنازِلِهِم ومَزارِعِهِم؟ هَل يَستَجيبونَ لِنِداءاتِ المُسؤولينَ ويَنزِحونَ عَن ديارِهِم الَّتي ألِفوها؟ أم يَبقَونَ فيها لأنَّهُم اعتادوها وأحَبُّوها؟ وإذا كانَ الباحِثُ المُطَلِّعُ يَعلَمُ أنَّ لِما يَحدُثُ في الكَونِ أسبابًا ظاهِرةً وعِلَلاً مَحسوسةً، فَإنَّ المُؤمِنَ النَّاظِرَ بِنورِ اللهِ لَيَذهَبُ بِبَصيرَتِهِ إلى ما هوَ أبعَدُ مِن ذَلِكَ.

إذْ يَعلَمُ أنَّ للهِ في الكَونِ سُنَنًا مُحكَمةً، لَولا أمرُهُ لَما قامَت، وأنَّهُ - سُبحانَهُ - خالِقُ الأسبابِ ومُسَبَّباتِها، وهوَ الَّذي يُحَرِّكُ ما طَبعُهُ السُّكونُ مَتى شاءَ، ويُسَكِّنُ ما كانَ مُتَحَرِّكًا إذا أرادَ؛ ﴿ إِنَّمَا أَمرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ﴾ [يس: 82]، ﴿ إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضَ في سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ استَوَى عَلَى العَرشِ يُغشِي اللَّيلَ النَّهَارَ يَطلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمسَ وَالقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمرِهِ أَلاَ لَهُ الخَلقُ وَالأَمرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ العَالمِينَ ﴾ [الأعراف: 54]، وإنَّ مِن حِكمَتِهِ أن هَيَّأ الأرضَ لِعَيشِ الإنسانِ عَلى ظَهرِها، وذَلَّلَها لَهُ وسَخَّرَها، فَلَيتَ شِعري: ما الَّذي يُهَيِّجُها في بَعضِ المَواضِعِ فَيُخرِجُها عَن وقارِها وسُكونِها؟ أيُّ شَيءٍ يُغضِبُها أحيانًا حَتى تَموجَ وتَميدَ؟ أعافَت الاستِقرارَ والسُّكونَ؟ أمَلَّتِ الهُدوءَ والصَّمتَ؟

لا واللهِ، ولَكِنَّها زُلزِلَت بِأمرِ اللهِ؛ غَضَبًا لِمَحارِمِ اللهِ، لَمَّا عُبِدَ غَيرُ اللهِ عَلَى ظَهرِها، واقتُرِفَتِ الكَبائِرُ في بَرِّها وبَحرِها، لَمَّا حورِبَ دينُهُ في فِجاجِها، وأوذي عِبادُهُ في بِلادِها، لَمَّا شُرِّدَ المُجاهِدونَ في سَبيلِهِ في هِضابِها، وقُتِلَتِ العِفَّةُ والحياءُ في شِعابِها، لَمَّا شُرِبَتِ المُسكِراتُ عَلَى أرجائِها، وبورِزَ اللهُ بِالحَربِ في أنحائِها، لَمَّا كثُرَ الظُّلمُ والتَّعَسُّفُ، وانتَشَرَ الغِشُّ والخِداعُ، إذْ ذاكَ سُلِبَت نورَ الإيمانِ فَأظلَمَتْ، وحُرِمَتِ الاستِقرارَ فاهتَزَّت وتَزَلزَلَت.

رَوَى ابنُ أبي الدُّنيا عَن أنَسِ بنِ مالِكٍ: أنَّهُ دَخَلَ عَلى عائِشةَ هوَ ورَجُلٌ آخَرُ، فَقالَ لها الرَّجُلُ: يا أُمَّ المُؤمِنينَ، حَدِّثينا عَنِ الزَّلزَلةِ، فَقالَت: "إذا استَباحوا الزِّنا وشَرِبوا الخُمورَ وضَرَبوا بِالمَعازِفِ، غارَ اللهُ - عَزَّ وجَلَّ - في سَمائِهِ، فَقالَ لِلأرضِ: تَزَلزَلي بهم، فَإنْ تابوا ونَزَعوا وإلاَّ هَدَمَها عَلَيهِم"، قالَ: يا أُمَّ المُؤمِنينَ، أعَذابًا لهم؟ قالَت: "بَلْ مَوعِظةً ورَحمةً لِلمُؤمِنينَ، ونَكالاً وعَذابًا وسخطًا عَلَى الكافِرينَ".

أيُّها الإخوةُ:
إنَّ في هَذِهِ الهزَّاتِ لَتَذكيرًا لِلنَّاسينَ أوِ المُتَناسينَ مِن أهلِ الإسلامِ، بما يَحدُثُ مِن هزَّاتٍ في عالَمِ الكُفرِ والطُّغيانِ، ثمَّ إنَّ فيها لَذِكرَى بِزَلزَلةِ يَومٍ يَشيبُ لِهَولِهِ الوِلدانُ؛ قالَ - سُبحانَهُ -: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُم إِنَّ زَلزَلَةَ السَّاعَةِ شَيءٌ عَظِيمٌ * يَومَ تَرَونَهَا تَذهَلُ كُلُّ مُرضِعَةٍ عَمَّا أَرضَعَت وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَملٍ حَملَهَا وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ ٱللهِ شَدِيدٌ ﴾ [الحج: 1، 2]، وإنَّ اللهَ - سُبحانَهُ - حَكيمٌ عَليمٌ فيما يَقضيهِ ويُقدِّرُهُ، وهوَ - سُبحانَهُ - يَخلُقُ ما يَشاءُ مِنَ الآياتِ تَخويفًا لِعِبادِه، وتَذكيرًا لهم بما يَجِبُ عَلَيهِم مِن حَقِّهِ، وتَحذيرًا لهم مِن مُخالَفةِ أمرِه وارتِكابِِ نَهيِه وتَعَدِّي حُدودِه؛ قالَ - سُبحانَهُ -: ﴿ وَمَا نُرسِلُ بِالآيَاتِ إِلا تَخوِيفًا ﴾ [الإسراء: 59] وقالَ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿ سَنُرِيهِم آيَاتِنَا في الآفَاقِ وَفي أَنفُسِهِم حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُم أَنَّهُ الحَقُّ ﴾ [فصلت: 53].

وإنَّ كَثرةَ الزَّلازِلِ مِن أشراطِ السَّاعةِ الَّتي أخبرَ النَّبيُّ - صَلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّم - عَن وُقوعِها في آخِر الزَّمانِ؛ فقالَ: ((لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتى يُقبَضَ العِلمُ، ويَتَقارَبَ الزَّمانُ، وتَكثُرَ الزَّلازِلُ، وتَظهَرَ الفِتَنُ، ويَكثُرَ الهَرْجُ))، قيلَ: وما الهَرْجُ يا رَسولَ اللهِ؟ قالَ: ((القَتلُ القَتلُ)).

ولا شَكَّ أنَّ ما حَصَلَ مِن هَذِهِ الهَزَّاتِ - وإن كانَت خَفيفةً قياسًا بِغَيرِها - لا شَكَّ أنَّهُ مِن جُملةِ الآياتِ الَّتي يُخَوِّفُ اللهُ بها عِبادَه؛ لأنَّهُ لا يَحدُثُ في الوُجودِ ضَرَرٌ مِن الزَّلازِلِ أو الفَيَضاناتِ، أو الحَرائِقِ أو الحُروبِ وغَيرِها، ممَّا يُسبِّبُ لِلعِبادِ أنواعًا مِنَ الأذَى - إلاَّ بِأسبابِ الشِّركِ والمَعاصي؛ كَما قالَ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿ وَمَا أَصَابَكُم مِن مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَت أَيدِيكُم وَيَعفُو عَن كَثِيرٍ ﴾ [الشورى: 30]، وكَما قالَ - تَعالى -: ﴿ مَا أَصَابَكَ مِن حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَفسِكَ ﴾[النساء: 79]، وكَما قالَ - تَعالى - عَنِ الأُمَمِ الماضيةِ: ﴿ فَكُلاًّ أَخَذنَا بِذَنبِهِ، فَمِنهُم مَن أَرسَلْنَا عَلَيهِ حَاصِبًا وَمِنهُم مَن أَخَذَتهُ الصَّيحَةُ وَمِنهُم مَن خَسَفنَا بِهِ الأَرضَ وَمِنهُم مَن أَغرَقنَا وَمَا كَانَ اللهُ لِيَظلِمَهُم وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُم يَظلِمُونَ ﴾ [العنكبوت: 40].

ولَكِنَّ النُّفوسَ الَّتي أعرَضَت عنِ اللهِ - تَعالى - تَأبى أن تَتَّخِذَ هَذِه الزَّلازِلَ آيةً وعِبرةً وعِظةً، وتَضِلُّ إذْ تَنسِبُها إلى ظَواهِرَ طَبيعيَّةٍ فَحَسبُ، زاعِمةً أنَّ لها أسبابًا مَعروفةً، وأنْ لا علاقةَ لها بِالمَعاصي والذُّنوبِ، ويَقولونَ كَما قَال مَن ساروا عَلى دَربِه ممَّن سَبَقَهم: ﴿ قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ ﴾ [الأعراف: 95]، فَيَعُدُّونَ ذَلِكَ حالةً طَبيعيَّةً ولَيسَت عُقوبةً إلهيَّةً، ممَّا يَجعلُهُم يَتَمادَونَ في غَيِّهِم، ويَستَمِرّونَ في عِصَيانِهِم، فَلا يَتوبونَ إلى اللهِ ولا يَستَغفِرونَهُ.

ألا فاتَّقوا اللهَ - عِبادَ اللهِ - واعتَبِروا بما يَجري حَولَكُم غَيرَ بَعيدٍ عَنكُم، واستَغفِروا مِن ذُنوبِكُم وتوبوا إلى رَبِّكُم، واستَقيموا على دينِكُم، واحذَروا كُلَّ ما نُهيتُم عَنهُ تَحصُلْ لَكُم العافيةُ والنَّجاةُ في الدُّنيا والآخِرةِ، ويَدفَعِ اللهُ عَنكُم كُلَّ بَلاءٍ، ويَمنَحْكُم كُلَّ خَيرٍ؛ قالَ - سُبحانَهُ -: ﴿ وَلَو أَنَّ أَهلَ القُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوا لَفَتَحنَا عَلَيهِم بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكسِبُونَ ﴾ [الأعراف: 96]، وقالَ - تَعالى - في أهلِ الكِتابِ: ﴿ وَلَو أَنَّهُم أَقَامُوا التَّورَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِن رَبِّهِم لأَكَلُوا مِن فَوقِهِم وَمِن تَحتِ أَرجُلِهِمْ ﴾ [المائدة: 66]، تَذَكَّروا قولَهُ - جَلَّ جَلالُهُ -: ﴿ قُلْ هُوَ القَادِرُ عَلَى أَن يَبعَثَ عَلَيكُم عَذَابًا مِن فَوقِكُم أَو مِن تَحتِ أَرجُلِكُم أَو يَلبِسَكُم شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعضَكُم بَأسَ بَعضٍ انظُرْ كَيفَ نُصَرِّفُ الآياتِ لَعَلَّهُم يَفقَهُونَ ﴾ [الأنعام: 65]، وقَولَهُ - سُبحانَهُ -: ﴿ أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَن يَخسِفَ اللهُ بِهِمُ الأَرضَ أَو يَأتِيَهُمُ العَذَابُ مِن حَيثُ لا يَشعُرُونَ * أَو يَأخُذَهُم في تَقَلُّبِهِم فَمَا هُم بِمُعجِزِينَ ﴾ [النحل: 45، 46].

اللَّهُمَّ أنتَ رَبُّنا، لا إلَهَ إلاَّ أنتَ، خَلَقتَنا ونحنُ عَبيدُكَ، ونحنُ عَلَى عَهدِكَ ووَعدِكَ ما استَطَعنا، نَعوذُ بِكَ مِن شَرِّ ما صَنَعنا، نَبوءُ لَكَ بِنِعمَتِكَ عَلَينا ونَبوءُ بِذُنوبِنا، فاغفِرْ لَنا؛ فَإنَّهُ لا يَغفِرُ الذُّنوبَ إلاَّ أنتَ.


الخطبة الثانية

أمَّا بَعدُ:
فاتَّقوا اللهَ - تَعالى - وأطيعوهُ ولا تَعصوهُ.

أيُّها المُسلِمونَ:
لا يَعرِفُ قَدرَ النِّعَمِ إلاَّ مَن فَقَدَها أو كادَ، وكَثيرًا ما نُلابِسُ نِعَمًا عَظيمةً ونَتَقَلَّبُ في أحضانِها، وتُحيطُ بِنا آلاءٌ جَسيمةٌ فَلا نَشعُرُ بها، وما ذَلِكَ إلاَّ لأنَّنا عَلَيها نَشَأنا وتَعَوَّدنا، وكَثرةُ المِساسِ تُبَلِّدُ الإحساسِ.

ألا وإنَّ في الأرضِ الَّتي نَمشي في مَناكِبِها مُطمَئِنّينَ، ونَسلُكُ فِجاجَها غَيرَ خائِفينَ، إنَّ في ذَلِكَ لأكبَرَ نِعمةٍ لِمَن تَأمَّلَ، أرضٌ بَسَطَها اللهُ ودَحاها وأقَرَّها، وجَعَلَ فيها جِبالاً رَواسي تُثَبِّتُها؛ قالَ - سُبحانَهُ -: ﴿ وَاللهُ جَعَلَ لَكُمُ الأَرضَ بِسَاطًا * لِتَسلُكُوا مِنهَا سُبُلاً فِجَاجًا ﴾ [نوح: 19، 20]، وقالَ - جَلَّ وعَلا -: ﴿ وَالأَرضَ فَرَشنَاهَا فَنِعمَ المَاهِدُونَ ﴾ [الذاريات: 48]، وقالَ - سُبحانَهُ -: ﴿ أَمَّن جَعَلَ الأَرضَ قَرَارًا ﴾ [النمل: 61]، وَقَالَ - تَعَالى -: ﴿ وَالأَرضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلقَينَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيءٍ مَوزُونٍ ﴾ [الحجر: 19]، وقالَ - سُبحانَهُ -: ﴿ وَجَعَلْنَا في الأَرضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِم وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلاً لَعَلَّهُم يَهتَدُونَ ﴾ [الأنبياء: 31]، وقالَ - جَلَّ وعَلا -: ﴿ وَأَلقَى في الأَرضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ ﴾ [النحل: 15]، وقالَ - تَعالى -: ﴿ وَالأَرضَ بَعدَ ذَلِكَ دَحَاهَا * أَخرَجَ مِنهَا مَاءَهَا وَمَرعَاهَا * وَالجِبَالَ أَرسَاهَا * مَتَاعًا لَكُم وَلأَنعَامِكُمْ ﴾ [النازعات: 30 - 33].

يَنامُ الإنسانُ قَريرَ العَينَ ساكِنَ النَّفسِ هادِئًا، فَما يُفتَحُ بابٌ أو تَعبَثُ الرّياحُ بِنافِذةٍ، حَتى يَتَكَدَّرَ نَومُهُ ويَذهَبَ صَفاؤُهُ، فَكَيفَ لَوِ اهتَزَّت أرضُهُ مِن زِلزالٍ؟! إنَّهُ لَيَتَذَكَّرُ إذْ ذاكَ نِعَمًا عَظيمة طالَما تمتَّعَ بها وتَقَلَّبَ فيها، وكانَ في غَفلةٍ عَن جَليلِ أثَرِها وعَميقِ مَعناها، فتَذَكَّرَها لَمَّا شاهَدَ تَغَيُّرَها، ولَئِنْ كانَت حَرَكةٌ يَسيرةٌ في جُزءٍ مِنَ الأرضِ تُقيمُ النَّاسَ فَلا يَقعُدونَ، وتُنَغِّصُ نَومَهُم فَلا يَرقُدونَ، فَكَيفَ لَو رَجَفَتِ الرَّاجِفةُ بِالأرضِ مِن أقطارِها؟! كَيفَ لَو هَزَّتها مِن كُلِّ أنحائِها؟! أيُّ قَرارٍ بَعدُ لأهلِها؟! وأيُّ عَمارٍ سَيَكونُ عَلَى ظَهرِها؟! بَل كَيفَ لَوِ اضطَرَبَتِ الحَرَكةُ في نِظامِ الفَلَكِ بِمَجَرَّاتِهِ وشُموسِهِ وكَواكِبِهِ؟! بَل ﴿ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ ﴾ [الذاريات: 21]، كَيفَ لَوِ اضطَّرَبَت وظائِفُ أجسادِنا عَن نِظامِها الَّذي حَفِظَها اللهُ بِهِ؟! كَم في أجسادِنا مِن ساكِنٍ لَو تَحَرَّكَ لاضطَرَبنا؟! وكَم فيها مِن مُتَحَرِّكٍ لَو سَكَنَ لَهَلَكنا؟!

إنَّها نِعَمُ اللهِ الَّتي نَتَمَتَّعُ بها ولا نَعرِفُ قَدرَها إلاَّ عِندَ فَقدِها؛ ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعمةَ اللهِ لا تُحْصُوهَا ﴾ [النحل: 18].

ألا فاتَّقوا اللهَ - تَعالى - واحفَظوا نِعَمَهُ بِطاعَتِهِ وشُكرِهِ؛ ﴿ مَا يَفعَلُ اللهُ بِعَذَابِكُم إِن شَكَرتُم وَآمَنتُم وَكَانَ اللهُ شَاكِرًا عَلِيمًا ﴾ [النساء: 147]، ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُم لَئِن شَكَرتُم لأَزِيدَنَّكُم وَلَئِن كَفَرتُم إِنَّ عَذَابي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم: 7]، ﴿ إِن تَكفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنكُم وَلا يَرضَى لِعِبَادِهِ الكُفرَ وَإِن تَشكُرُوا يَرضَهُ لَكُم وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزرَ أُخرَى ثُمَّ إِلى رَبِّكُم مَرجِعُكُم فَيُنَبِّئُكُم بمَا كُنتُم تَعمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾ [الزمر: 7].





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • النصيحة بشأن ما حدث في العيص
  • نار الحجاز ومروج الجزيرة
  • خطبة المسجد النبوي 27/5/1430هـ
  • خطبة المسجد الحرام 27/5/1430هـ
  • الزلازل الأرضية
  • {وما نرسل بالآيات إلا تخويفا}
  • بل هم في شك يلعبون
  • فانظر كيف كان عاقبة المكذبين
  • ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا
  • فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا

مختارات من الشبكة

  • تفسير: (وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها وما نرسل بالآيات إلا تخويفا)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ( وما تنزلت به الشياطين * وما ينبغي لهم وما يستطيعون )(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير قوله تعالى: {يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون}(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وإن الساعة لآتية فاصفح الصفح الجميل)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم وما يضلون إلا أنفسهم وما يشعرون)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • لو اتقينا الله..(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وما قتلوه وما صلبوه (خطبة)(مقالة - موقع د. محمود بن أحمد الدوسري)

 


تعليقات الزوار
1- نصيحه
الناصح الى الخير - بريدة 18/04/2010 02:15 PM

الواجب على جميع المخلوقين التوبة إلى الله عز وجل والمسارعة الى فعل الخيرات والاقلاع عن الذنوب .

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • فعاليات متنوعة بولاية ويسكونسن ضمن شهر التراث الإسلامي
  • بعد 14 عاما من البناء.. افتتاح مسجد منطقة تشيرنومورسكوي
  • مبادرة أكاديمية وإسلامية لدعم الاستخدام الأخلاقي للذكاء الاصطناعي في التعليم بنيجيريا
  • جلسات تثقيفية وتوعوية للفتيات المسلمات بعاصمة غانا
  • بعد خمس سنوات من الترميم.. مسجد كوتيزي يعود للحياة بعد 80 عاما من التوقف
  • أزناكايفو تستضيف المسابقة السنوية لحفظ وتلاوة القرآن الكريم في تتارستان
  • بمشاركة مئات الأسر... فعالية خيرية لدعم تجديد وتوسعة مسجد في بلاكبيرن
  • الزيادة المستمرة لأعداد المصلين تعجل تأسيس مسجد جديد في سانتا كروز دي تنريفه

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 19/1/1447هـ - الساعة: 10:1
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب