• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الرد على صاحب المقال السخيف: يوميات عصيد البخاري!
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الوصف الشجي لصبر الحبيب النبي صلى الله عليه وسلم ...
    السيد مراد سلامة
  •  
    الحياة الطيبة (خطبة)
    د. أيمن منصور أيوب علي بيفاري
  •  
    خطبة بعدما حجوا وضحوا
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    فضائل الورع (خطبة)
    حامد عبدالخالق أبو الدهب
  •  
    خطبة: العبرة من الحوادث وسرعة الفناء
    د. علي برك باجيدة
  •  
    خطبة: الجريمة وطرق علاجها
    أ. د. حسن بن محمد بن علي شبالة
  •  
    في الاستدلال لحجية السنة بقوله تعالى: {إن هو إلا ...
    الشيخ عايد بن محمد التميمي
  •  
    خطبة: تأملات في بشرى ثلاث تمرات - (باللغة ...
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    فاحشة قوم لوط عليه السلام (6) التحول الجنسي
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    من أسماء الله (الرحمن والرحيم)
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    ورزق ربك خير وأبقى (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    حديث: إنه يشب الوجه، فلا تجعليه إلا بالليل
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    تفسير قوله تعالى: {إن الذين اشتروا الكفر بالإيمان ...
    سعيد مصطفى دياب
  •  
    القول الوجيز في حكم الدعوة إلى الله تعالى
    الشيخ عاطف عبدالمعز الفيومي
  •  
    حركات القلب بحسب قوته وضعفه
    إبراهيم الدميجي
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / السيرة والتاريخ / السيرة
علامة باركود

الوصف الشجي لصبر الحبيب النبي صلى الله عليه وسلم (خطبة)

الوصف الشجي لصبر الحبيب النبي صلى الله عليه وسلم (خطبة)
السيد مراد سلامة

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 11/12/2025 ميلادي - 21/6/1447 هجري

الزيارات: 77

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الوصف الشجي لصبر الحبيب النبي صلى الله عليه وسلم


الخطبة الأولى

الحمد لله الغفور الذي ستَر بستره وأجمل، الشكور الذي عمَّ ببره وأجزَل، الرحيم الذي أتَم إحسانه على المؤمنين وأكمل، الواحد الأحد القدوس، الصمد الأول المنفرد بالعز والكمال، فلا يُنتقص عزُّه ولا يتحوَّل، الحي العليم القدير السميع البصير، المتكلم بكلام قديم لا يتغيَّر، ولا يتبدَّل، أحْمَده على ما أنعَم وأكرَم وتفضَّل، وأشهد أنْ لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كلِّ شيء قديرٌ، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمدًا عبد الله ورسوله، وصفيُّه من خلقه وحبيبه، الذي أوحى إليه الكتاب ونزَّل، ونَهَج للمتقين طريقَ الهداية وسهَّل.

 

يا مُصْطَفَى منْ قبْلِ نشْأةِ آدَمٍ
والكوْنُ لمْ تُفْتَحْ لهُ أغْلاقُ
أيَرومُ مخْلوقٌ ثَناءَكَ بعْدَما
أثْنَى علَى أخْلاقِكَ الخلاَّقُ

 

وعلى آله وأصحابه، ومن سار على نَهْجه، وتمسَّك بسُنته، واقتدى بهديه، واتَّبعهم بإحسان إلى يوم الدين، ونحن معهم يا أرحم الراحمين.

 

الصبر شعار المرسلين؛ كما دل عليه قول الله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَأ الْمُرْسَلِينَ ﴾ [الأنعام: 34]، وقد رغَّب الشرع الحنيف في الصبر وحثَّ عليه، وأثنى على أهله؛ قال تعالى: ﴿ وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ ﴾ [المدثر: 7].

 

﴿ وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ ﴾ [يونس: 109].

 

﴿ فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [هود: 49].

 

﴿ وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [هود:115].

 

﴿ وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ ﴾ [النحل: 127].

 

﴿ فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا ﴾ [طه: 130].

 

﴿ فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ ﴾ [الروم:60].

 

﴿ اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ ﴾ [ص:17].

 

﴿ فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ﴾ [غافر: 55].

 

﴿ فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ﴾ [الأحقاف: 35].

 

﴿ وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ﴾ [الطور: 48].

 

﴿ فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا * إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا * وَنَرَاهُ قَرِيبًا ﴾ [سورة المعارج: 5 – 7].

 

﴿ وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا ﴾ [سورة المزمل: 10].

 

﴿ فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آَثِمًا أَوْ كَفُورًا ﴾ [سورة الإنسان: 24]...

 

ولقد صبَر صلى الله عليه وسلم وصبر، وكانت آيات الصبر بمثابة محطات تقوية في الدرب الطويل[1].

 

صور من صبره - صلى الله عليه وسلم - في طريق الدعوة إلى الله:

لقد علِم الحبيب النبي صلى الله عليه وسلم منذ الوهلة الأولى أن الطريق طريق شاق، لما أخبره ورقة بن نوفل بقوله ففي حديث عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ...: - إلى أن قال - يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا، أَكُونَ حَيًّا حِينَ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: أَوَ مُخْرِجِيَّ هُمْ؟ فَقَالَ وَرَقَةُ: نَعَمْ لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا عُودِيَ، وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ، أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا، ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ وَرَقَةُ أَنْ تُوُفِّيَ"[2].

 

فمنذ بدأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعوته إلى الله، واجهه المشركون بشتى أنواع الأذى؛ من رمْيه بالسحر والكهانة والشعر والجنون، إلى إيذائه جسديًّا، فرموه بالحجارة وشقُّوا وجهه، ودبَّروا قتله ومن ذلك: أتقتلون رجلًاً أن يقول ربي؛ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُمْ قَالُوا لَهَا: مَا أَشَدَّ مَا رَأَيْتِ الْمُشْرِكِينَ بَلَغُوا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ: كَانَ الْمُشْرِكُونَ قَعَدُوا فِي الْمَسْجِدِ يَتَذَاكَرُونَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَمَا يَقُولُ فِي آلِهَتِهِمْ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَامُوا إِلَيْهِ، وَكَانُوا إِذَا سَأَلُوا عَنْ شَيْءٍ صَدَقَهُمْ، فَقَالُوا: أَلَسْتَ تَقُولُ كَذَا وَكَذَا فَقَالَ: «بَلَى» فَتَشَبَّثُوا بِهِ بِأَجْمَعِهِمْ فَأَتَى الصَّرِيخُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَقِيلَ لَهُ: أَدْرِكْ صَاحِبَكَ فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِنَا، وَإِنَّ لَهُ غَدَايِرَ فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ وَهُوَ يَقُولُ: وَيْلَكُمْ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ، قَالَ: فَلَهَوْا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَقْبَلُوا عَلَى أَبِي بَكْرٍ فَرَجَعَ إِلَيْنَا أَبُو بَكْرٍ فَجَعَلَ لَا يَمَسُّ شَيْئًا مِنْ غَدَايِرِهِ إِلَّا جَاءَ مَعَهُ وَهُوَ يَقُولُ: تَبَارَكْتَ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ[3].

 

اللهم عليك الملأ من قريش:

عَنْ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: «بَيْنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سَاجِدٌ وَحَوْلَهُ نَاسٌ مِنْ قُرَيْشٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِذْ جَاءَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ بِسَلَا جَزُورٍ فَقَذَفَهُ عَلَى ظَهْرِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ حَتَّى جَاءَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلَامُ فَأَخَذَتْ مِنْ ظَهْرِهِ وَدَعَتْ عَلَى مَنْ صَنَعَ ذَلِكَ فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: اللَّهُمَّ عَلَيْكَ الْمَلَأَ مِنْ قُرَيْشٍ اللَّهُمَّ عَلَيْكَ أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ وَعُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ وَشَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ وَعُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ وَأُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ أَوْ أُبَيَّ بْنَ خَلَفٍ، فَلَقَدْ رَأَيْتُهُمْ قُتِلُوا يَوْمَ بَدْرٍ، فَأُلْقُوا فِي بِئْرٍ غَيْرَ أُمَيَّةَ أَوْ أُبَيٍّ، فَإِنَّهُ كَانَ رَجُلًا ضَخْمًا، فَلَمَّا جَرُّوهُ تَقَطَّعَتْ أَوْصَالُهُ قَبْلَ أَنْ يُلْقَى فِي الْبِئْرِ»[4].

 

صبره - صلى الله عليه وسلم -على المنافقين في المدينة:

إخوة الإسلام، لم يسلم نبينا وحبيبنا - صلى الله عليه وسلم - من أذى المنافقين الذين أظهروا الإسلام، وأبطنوا الكفر، فقد كانوا لعنهم الله حربًا على الله ورسوله وعباده المؤمنين.

 

أما المنافقون فقد كان الصبر عليهم مُرًّا؛ إذ لا حيلة له غير الصبر؛ لأنهم يزعمون الإسلام، ويظهرون الولاء لله تعالى، ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - وهم في الحقيقة يبطنون الكفر ويتربصون بالنبي - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين الدوائر، وهم عيون للأعداء الخارجيين يتتبعون عورات المسلمين، ويخطِّطون للقضاء عليهم، ولكن ذلك في السر؛ إذ لا يعلم ذلك أحد إلا الله تعالى، ثم رسوله - صلى الله عليه وسلم - بإعلام الله تعالى له.

 

ولطالَما كان المسلمون يكتشفون رائحة النفاق من أحدهم، فيستأذنون النبي - صلى الله عليه وسلم - في قتله، فيقول - عليه الصلاة والسلام -: [لا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه]؛ (رواه البخاري ومسلم).

 

إن ذلك الصبر لا متنفَّس فيه، وهو أشد ما يكون على المرء، وسأذكر هنا قصة واحدة تبيِّن مدى صبره - صلى الله عليه وسلم - على أذى المنافقين:

عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، أَخْبَرَهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - رَكِبَ حِمَارًا عَلَى إِكَافٍ تَحْتَهُ قَطِيفَةٌ فَدَكِيَّةٌ وَأَرْدَفَ وَرَاءَهُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ وَهُوَ يَعُودُ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ فِي بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ - وَذَلِكَ قَبْلَ وَقْعَةِ بَدْرٍ - حَتَّى مَرَّ بِمَخْلَطٍ فِيهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَالْمُشْرِكِينَ عَبْدَةِ الْأَوْثَانِ وَالْيَهُودِ، وَفِيهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولٍ، وَفِي الْمَجْلِسِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ، فَلَمَّا غَشِيَتِ الْمَجْلِسَ عَجَاجَةُ الدَّابَّةِ خَمَّرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ أَنْفَهُ بِرِدَائِهِ، ثُمَّ قَالَ: لَا تُغَبِّرُوا عَلَيْنَا، فَسَلَّمَ عَلَيْهِمُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ وَقَفَ فَنَزَلَ فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ، وَقَرَأَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَي: أَيُّهَا الْمَرْءُ لَا أَحْسَنَ مِنْ هَذَا - إِنْ كَانَ مَا تَقُولُ حَقًّا - فَلَا تُؤْذِنَا فِي مَجْلِسِنَا، وَارْجِعْ إِلَى رَحْلِكَ، فَمَنْ جَاءَكَ مِنَّا فَاقْصُصْ عَلَيْهِ فَقَالَ ابْنُ رَوَاحَةَ: اغْشَنَا فِي مَجَالِسِنَا، فَإِنَّا نُحِبُّ ذَلِكَ، فَاسْتَبَّ الْمُسْلِمُونَ، وَالْمُشْرِكُونَ، وَالْيَهُودُ حَتَّى هَمُّوا أَنْ يَتَوَاثَبُوا، فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُخَفِّضُهُمْ، ثُمَّ رَكِبَ دَابَّتَهُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، فَقَالَ: «أَيْ سَعْدُ، أَلَمْ تَسْمَعْ مَا يَقُولُ أَبُو حُبَابٍ؟ - يُرِيدُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَي - قَالَ كَذَا وَكَذَا»، قَالَ سَعْدٌ: اعْفُ عَنْهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَاصْفَحْ، فَوَاللَّهِ لَقَدْ أَعْطَاكَ اللَّهُ الَّذِي أَعْطَاكَ، وَلَقَدِ اصْطَلَحَ أَهْلُ هَذِهِ الْبَحْرَةِ أَنْ يُتَوِّجُوهُ - يَعْنِي يُمَلِّكُوهُ - فَيُعَصِّبُوهُ بِالْعِصَابَةِ فَلَمَّا رَدَّ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ذَلِكَ بِالْحَقِّ، الَّذِي أَعْطَاكَهُ شَرِقَ بِذَلِكَ، فَلِذَلِكَ فَعَلَ بِكَ مَا رَأَيْتَ. فَعَفَا عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم"[5].

 

فانظر أي صبر يقدر على مثله أحد بيده القدرة على عقاب مثل هذا القائل غير النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ يتجرأ هذا الجلف على الانتقاص من النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو ذو الجناب العظيم، ويصده عن دعوته، وهو المأمور بالبلاغ المبين.

 

صبره - صلى الله عليه وسلم - على لأواء الحياة وشدتها:

إخوة الإسلام: في هذا الباب من الصبر، الصبر على شظف العيش وشدة الحياة فقد ضرب نبينا - صلى الله عليه وسلم - أروع الأمثلة في قناعته ورضاعه وصبره على ذلك.

 

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: " لَقَدْ أُخِفْتُ فِي اللهِ وَمَا يَخَافُ أَحَدٌ، وَلَقَدْ أُوذِيتُ فِي اللهِ وَمَا يُؤْذَى أَحَدٌ، وَلَقَدْ أَتَتْ عَلَيَّ ثَلَاثُونَ مِنْ بَيْنِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَمَا لِي وَلَا لِبِلَالٍ طَعَامٌ يَأْكُلُهُ ذُو كَبِدٍ إِلَّا شَيْءٌ يُوَارِيهِ إِبِطُ بِلَالٍ"[6].

 

عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ لِعُرْوَةَ: ابْنَ أُخْتِي، إِنْ كُنَّا لَنَنْظُرُ إِلَى الْهِلَالِ، ثُمَّ الْهِلَالِ، ثَلَاثَةَ أَهِلَّةٍ فِي شَهْرَيْنِ، وَمَا أُوقِدَتْ فِي أَبْيَاتِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نَارٌ. فَقُلْتُ: يَا خَالَةُ، مَا كَانَ يُعِيشُكُمْ؟ قَالَتْ: الْأَسْوَدَانِ التَّمْرُ وَالْمَاءُ، إِلَّا أَنَّهُ قَدْ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - جِيرَانٌ مِنْ الْأَنْصَارِ، كَانَتْ لَهُمْ مَنَائِحُ، وَكَانُوا يَمْنَحُونَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - من ألبانهم فيسقينا[7].

 

صبره - صلى الله عليه وسلم - على فقْد الأولاد:

تعدَّدت المواقف التي مرَّ بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحال من الشدة والقهر والحزن، وكان - عليه الصلاة والسلام - مثالًا يُحتذى به في الصبر، ونُدرج في ما يأتي قصة تحكي لنا صبر النبي على موت أولاده:

يُعدُّ موت أبناء النبي - صلى الله عليه وسلم - أحد المواقف التي أظهر فيها رسول الله صبره على الشدائد والمحن.

 

ابتلاء النبي بفقْد أبنائه الذكور:

كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة أبناء من الذكور؛ هم: القاسم وعبد الله وإبراهيم، وماتوا كلهم أطفالًا صغارًا.

 

كان أول الأبناء هو القاسم بن النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي رُزق به من خديجة، وهو الذي يُكنى به رسول الله، فيقال له: أبو القاسم، عاش سبعة أشهر ومات بمكة قبل البعثة.

 

وأما عبد الله فهو المولود السادس من خديجة، وكان يُلقَّب بالطيب والطاهر، مات وهو صغير بمكة أيضًا.

 

وأما إبراهيم فأمُّه مارية القبطية، فأخواله من المصريين، وُلد بالمدينة سنة ثمان من الهجرة، وهو الابن السابع في ترتيب الأبناء، مات وهو ابن ثمانية عشر شهرًا في العام العاشر من الهجرة؛ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَال: دَخَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى أَبِي سَيْفٍ الْقَيْنِ، وَكَانَ ظِئْرًا لِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَام، فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِبْرَاهِيمَ فَقَبَّلَهُ وَشَمَّهُ، ثُمَّ دَخَلْنَا عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِبْرَاهِيمُ يَجُودُ بِنَفْسِهِ، فَجَعَلَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَذْرِفَانِ، فَقَالَ لَهُ عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: وَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: (يَا بْنَ عَوْفٍ، إِنَّهَا رَحْمَةٌ)، ثُمَّ أَتْبَعَهَا بِأُخْرَى، فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: (إِنَّ الْعَيْنَ تَدْمَعُ وَالْقَلْبَ يَحْزَنُ، وَلَا نَقُولُ إِلَّا مَا يَرْضَى ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزنون[8].

 

أبو سيف هو زوج المرضعة التي كانت ترضع إبراهيم، والمرضعة كان اسمها خولة بنت المنذر، وكان أبو سيف ظئرًا لإبراهيم، ومعناه من ظأرت الناقة: إذا عطفت على غير ولدها، فأطلق على المرضعة التي ترضع غير ولدها، وأطلق على زوجها؛ لأنه يشاركها في تربيته.

 

ومعنى قبله وشمه: أي متع حاسة الشم به، وحاسة اللمس، والقبلة والعين.

 

اللهم استُرنا ولا تفضَحنا، وأَكرِمنا ولا تُهنا، وكُن لنا ولا تكُن علينا.

 

اللهم لا تدَع لأحدٍ منا في هذا المقام الكريم ذنبًا إلا غفَرتَه، ولا مريضًا إلا شفيتَه، ولا دَينًا إلا قضيته، ولا همًّا إلى فرَّجته، ولا ميتًا إلا رحمته، ولا عاصيًا إلا هديته، ولا طائعًا إلا سدَّدته، ولا حاجة هي لك رضا ولنا فيها صلاح إلا قضيتَها يا رب العالمين.

 

اللهم اجعل جَمعنا هذا جمعًا مرحومًا، وتفرُّقنا من بعده تفرقًا معصومًا، ولا تجعل فينا ولا منا ولا معنا شقيًّا أو محرومًا.

 

اللهم اهدِنا واهدِ بنا واجعلنا سببًا لمن اهتدى.

 

اللهم إن أردتَ بالناس فتنةً، فاقبِضنا إليك غيرَ خزايا ولا مفتونين، ولا مغيِّرين ولا مبدِّلين، برحمتك يا أرحم الراحمين.



[1] السيرة النبوية تربية أمة وبناء دولة (ص 47 – 52).

[2] مسند أحمد ط الرسالة (43/ 114)، والبخاري (4956) و(6982)، ومسلم (160) (253)، وابن أبي عاصم في "الأوائل" (99).

[3] أخرج أحمد 2/204، والبخاري (3678).

[4] أخرجه البخاري (3854)، ومسلم (1794) (108)، وابن خزيمة (785)، وابن حبان (6570).

[5] أخرجه أحمد (5/203، رقم 21815)، والبخاري (5/2307، رقم 5899)، ومسلم (3/1422، رقم 1798).

[6] الترمذي (2472)، واللفظ له وقال: هذا حديث حسن غريب، وهو عند ابن ماجه رقم (151)، وابن حبان (2528)، وقال المحدِّث الألباني في تعليقه على «مشكاة المصابيح» رقم (2553): إسناده صحيح، ومعنى هذا الحديث: إنما كان مع بلال من الطعام ما يحمِله تحت إبطه.

[7] رواه البخاري 9/ 478 في الأطعمة، باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يأكلون، وفي الرقاق، باب كيف كان عيش النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وتخليهم من الدنيا، ومسلم رقم (2970) و(2971) و(2972) و(2973) في الزهد.

[8] أخرجه البخاري في الصحيح 3/ 172 - 173 كتاب الجنائز (23)، باب قول النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -: "إنا بك لَمَحزونون" (43)، الحديث (1303)، وأخرجه مسلم في الصحيح 4/ 1807 - 1808 كتاب الفضائل (43)، باب رحمته - صلى اللَّه عليه وسلم - الصبيان والعيال. . . (15)، الحديث (62/ 2315).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • نصوص محققة في النحو لهادي أحمد الشجيري
  • خطر الظلمات الثلاث
  • موانع الخشوع في الصلاة
  • شم العرار من إيثار النبي المختار (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • الوصف بالجاهلية (خطبة)(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • العرف الشذي من عفو الحبيب النبي صلى الله عليه وسلم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • منهج الشوكاني في توضيح مشكل القرآن بالسنة في فتح القدير "دراسة وصفية" (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الوعظ في مؤلفات ابن أبي الدنيا - دراسة وصفية تحليلية (PDF)(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • فن الوصف في مدرسة عبيد الشعر (PDF)(كتاب - موقع د. محمد بن لطفي الصباغ)
  • إعجاز الوصف (2)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • إعجاز الوصف (1)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • براعة الوصف في شعر ابن الرومي(مقالة - حضارة الكلمة)
  • معاق .. الوصف المرفوض(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • الوصف في القصة(مقالة - حضارة الكلمة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • دورة علمية في مودريتشا تعزز الوعي الإسلامي والنفسي لدى الشباب
  • مبادرة إسلامية خيرية في مدينة برمنغهام الأمريكية تجهز 42 ألف وجبة للمحتاجين
  • أكثر من 40 مسجدا يشاركون في حملة التبرع بالدم في أستراليا
  • 150 مشاركا ينالون شهادات دورة مكثفة في أصول الإسلام بقازان
  • فاريش تستضيف ندوة نسائية بعنوان: "طريق الفتنة - الإيمان سندا وأملا وقوة"
  • بحث مخاطر المهدئات وسوء استخدامها في ضوء الطب النفسي والشريعة الإسلامية
  • مسلمات سراييفو يشاركن في ندوة علمية عن أحكام زكاة الذهب والفضة
  • مؤتمر علمي يناقش تحديات الجيل المسلم لشباب أستراليا ونيوزيلندا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 21/6/1447هـ - الساعة: 0:20
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب