• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الحديث التاسع عشر: السماحة في البيع والشراء ...
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
  •  
    أفضل الأعمال
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    صفات اللباس المكروهة في الصلاة من (الشرط السابع ...
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    تفسير: (وحيل بينهم وبين ما يشتهون كما فعل ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    لطائف من القرآن (4)
    قاسم عاشور
  •  
    من مائدة السيرة: الهجرة الثانية إلى الحبشة
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    التوحيد أصل النجاة ومفتاح الجنة: قراءة في ختام ...
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    الإخلاص سبيل الخلاص
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    أسباب مرض القلب
    إبراهيم الدميجي
  •  
    خطبة: عبودية الترك
    د. ناصر بن حسين مجور
  •  
    خطبة بر الوالدين
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    من آفات اللسان (3) الكذب (خطبة)
    خالد سعد الشهري
  •  
    خطبة: الإيجابية.. خصلة المؤمنين
    يحيى سليمان العقيلي
  •  
    حفظ الأسرار خلق الأبرار (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    المضاف إلى الله
    الشيخ عبدالعزيز السلمان
  •  
    خطبة عن الرياء
    د. رافع العنزي
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / النصائح والمواعظ
علامة باركود

أسباب مرض القلب

أسباب مرض القلب
إبراهيم الدميجي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 6/12/2025 ميلادي - 16/6/1447 هجري

الزيارات: 101

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

أسباب مرض القلب

 

الحمد لله كثيرًا، أما بعد:

فلقد خلق الله تعالى خلقَه وبثَّهم في هذا الكون الفسيح، وجعل لهذا الكون نظامًا وسُننًا ونواميس تحكم دورته وفق الحكمة الإلهية، والعدل الرباني، والرحمة الرحمانية، وجعل هذه السنن بنوعيها الشرعية والكونية شاملةً عامةً لا يتخلف عنها أحدٌ، إلا من شاء الله تعالى من عباده، أو ما شاءه من مخلوقاته على مقتضى حكمته ورحمته، سبحانه وبحمده.


ومرض القلب لا ينفك عن تلك النواميس: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [التوبة: 115]، ﴿ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾ [القصص: 56]، والقلوب بين أُصبعين من أصابعه سبحانه يقلِّبها كيف يشاء، ولا أحدَ أحبُّ إليه العذر منه تعالى؛ لذلك أرسل الرسل، وأنزل الكتب، وأقام الحُجج والبراهين، ولا يهلِك عليه إلا هالكٌ.


ومرض القلب هو مقدمة موته، وبريد نعيِهِ، ورسول وفاته، إن لم يتداركه الله تعالى ببُرءٍ وشفاء وعافية.


وقد جعل الله تعالى لهذا المرض أسبابًا، كما جعل لأمراض البدن أسبابًا.


قال ابن القيم رحمه الله: "لما كان مرض البدن خلاف صحته وصلاحه، وهو خروجه عن اعتداله الطبيعي لفسادٍ يعرِض له، يفسد بهد إدراكه وحركته الطبيعية، فإما أن يذهب إدراكه بالكلية، كالعمى والصمم والشلل، وإما أن ينقص إدراكه، وإما أن يدرك الأشياء على خلاف ما هي عليه، كمن يدرك الحلو مرًّا، والخبيث طيبًا، والطيب خبيثًا.


وأما فساد حركته الطبيعية، فمثل أن تضعف قوته الهاضمة أو الماسكة، أو الدافعة أو الجاذبة، فيحصل له الألم بحسب خروجه عن الاعتدال، وسبب هذا إما فساد في الكمية أو الكيفية، فالأول: إما لنقص في المادة فيحتاج إلى زيادتها، أو العكس، والثاني: إما بزيادة الحرارة أو البرودة، أو الرطوبة أو اليبوسة، أو نقصانها عن القدر الطبيعي، فيُداوى بمقتضى ذلك.


ومدار الصحة على حفظ القوة، والحمية عن المؤذي، واستفراغ المواد الفاسدة، ونظر الطبيب دائر على هذه الأصول الثلاثة، وقد تضمَّنها الكتاب العزيز، وأرشد إليها من أنزله شفاءً ورحمةً، فحِفظُ القوة كأمره تعالى المسافرَ والمريض أن يُفطرا في رمضان، والحمية عن المؤذي كحميته تعالى عبده المريض الذي يضره الماء إلى التيمُّم، واستفراغ المادة الفاسدة، كإباحته تعالى للمُحرِم الذي يتأذَّى من هوامِّ رأسه أن يحلقه ويفديَ.


إذا عُرف هذا، فالقلب محتاج إلى ما يحفظ عليه قوته، وهو الإيمان وأوراد الطاعات، وإلى حمية عن المؤذي الضار، وذلك باجتناب الآثام والمعاصي، وإلى استفراغه من كل مادة فاسدة تعرض له، وذلك بالتوبة النصوح، واستغفار غافر الخطيئة.


ومرضه هو نوعُ فسادٍ يحصُل له، يفسد به تصوره للحق وإرادته له، فلا يرى الحق حقًّا أو يراه على خلاف ما هو عليه، أو ينقص إدراكه له، وتفسد به إرادته له، فيُبغض الحق النافع، أو يحب الباطل الضار، أو يجتمعان له وهو الغالب، لهذا يُفسر المرض تارة بالشكِّ وهو مرض بالشُّبهة، وتارة بشهوة الزنا وهو مرض الشهوة.


ولما كان البدن المريض يؤذيه ما لا يؤذي الصحيح، مِن يسيرِ الحرِّ والبرد والحركة ونحو ذلك، كذلك القلب إذا كان فيه مرضٌ آذاه أدنى شيء، من الشُّبهة أو الشهوة؛ حيث لا يقدر على دفعهما إذا وَرَدَا عليه، والقلب الصحيح القويُّ يطرقه أضعافَ ذلك، وهو يدفعه بقوته وصحته.


وبالجملة، فإذا حصل للمريض مثل سبب مرضٍ زاد مرضه، وضعفت قوته، وترامى إلى التلف، ما لم يتدارك ذلك، بأن يحصل له ما يقوي قوته، ويزيل مرضه"[1].


وقد ذكر رحمه الله خمس مفسدات للقلب، إذا علِمها الموفَّق وحرس قلبه منها، ونقَّاه من عوالقها، وصفَّاه من علائقها، فهو الطبيب الموفَّق حقًّا؛ قال رحمة الله تعالى عليه: "وأما مُفسدات القلب الكبرى فهي خمسة[2]؛ وهي كثرة الخلطة، والتمني، والتعلق بغير الله تعالى، والشبع، والمنام، فتذكر آثارها التي اشتركت فيها، وما تميز به كل واحد منها"[3].


اعلم أن القلب يسير إلى الله عز وجل، والدار الآخرة، ويكشف عن طريق الحق ونهجه، وآفات النفس والعمل، وقطَّاع الطريق بنوره وحياته وقوته، وصحته وعزمه، وسلامة سمعه وبصره، وغيبة الشواغل والقواطع عنه، وهذه الخمسة تطفئ نوره، وتعور عين بصيرته، وتثقل سمعه - إن لم تُصمه وتبكمه - وتُضعف قُواه كلها، وتُوهن صحته، وتفتر عزيمته، وتُوقف همته، وتنكسه إلى ورائه.


ومن لا شعور له بهذا فميتُ القلب، وما لجرحٍ بميت إيلام، فهي عائقة له عن نَيل كماله، قاطعة له عن الوصول إلى ما خُلق له، فإنه لا نعيم ولا لذة، ولا ابتهاج ولا كمال إلا بمعرفة الله ومحبته، والطمأنينة بذِكره، والفرح والابتهاج بقُربه، والشوق إلى لقائه؛ فهذه جنته العاجلة، كما أنه لا نعيم له في الآخرة ولا فوز إلا بجواره في دار النعيم في الجنة الآجِلَة، فله جنَّتان لا يدخل الثانية إن لم يدخل الأولى.


وسمعت شيخ الإسلام قدس الله روحه يقول: إن في الدنيا جنةً، من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة.


وهذه الأشياء الخمسة قاطعة عن هذا، حائلة بين القلب وبينه، عائقة له عن سيره، ومُحدِثة له أمراضًا وعللًا إن لم يتداركها المريض، خِيف عليه منها.


فأما ما تؤثِره كثرة الخلطة، فامتلاء القلب من دخانِ أنفاس بني آدم، فيتشتَّت ويشتغل بهم، ويضيع مصالحه ويشتغل بهم عنها، وينقسم فكره بين أودية مطالبهم، فماذا يبقى منه لله والدار الآخرة؟ هذا، وكم جلبت خِلطة الناس من نقمةٍ، ودفعت من نعمة، وأحلَّت من رزية، وأوقعت في بلية! وهل آفة الناس إلا الناس؟ وهل كان على أبي طالب عند الوفاة أضرُّ من قرناء السوء، لم يزالوا به حتى حالوا بينه وبين كلمة واحدة تُوجب له سعادة الأبد؟!


والضابط النافع في أمر الخلطة، أن يخالط الناس في الخير كالجمعة والجماعة، والأعياد والحج، وتعلم العِلم والجهاد والنصيحة، ويعتزلهم في الشر وفضول المباحات، ومن لم يمكنه اعتزالهم، فالحذرَ الحذرَ أن يوافقهم، وليصبر على أذاهم، فإنهم لا بد أن يؤذوه إن لم يكن له قوة ولا ناصر، ولكنه أذًى يعقبه عزٌّ ومحبة له، وتعظيم وثناء عليه منهم ومن المؤمنين ومن الله رب العالمين، وموافقتهم يعقبها ذلٌّ وبُغض له، ومقت وذم منهم ومن المؤمنين، ومن رب العالمين.


فالصبر على أذاهم خير وأحسنُ عاقبةً، وإن دعت الحاجة إلى خلطتهم في فضول المباحات، فليجتهد أن يقلب ذلك المجلس طاعةً لله إن أمكنه، ويشجع نفسه ويقوي قلبه، ولا يلِذ إلى الوارد الشيطاني القاطع له عن ذلك، بأن هذا رياء ومحبة لإظهار علمك وحالك، فليحاربه وليستعن بالله تعالى، ويؤثر فيهم من الخير ما أمكنه.


فإن عجز عن ذلك، فليسلَّ قلبه منهم كسلِّ الشعرة من العجين، وليكن فيهم حاضرًا غائبًا، قريبًا بعيدًا، نائمًا يقظانًا، ينظر إليهم ولا يبصرهم، ويسمع كلامهم ولا يعيه، لأنه قد أخذ قلبه من بينهم ورقى به إلى الملأ الأعلى يسبح حول العرش مع الأرواح العلوية الزكية، وما أصعب هذا وأشقه على النفوس! وإنه لَيسيرٌ على من يسره الله عليه، فبين العبد وبينه أن يصدُقَ الله تبارك وتعالى، ويديم اللجأ إليه، ويُلقي نفسه على بابه طريحًا ذليلًا، ولا يُعين على هذا إلا محبة صادقة، والذكر الدائم بالقلب واللسان، وتجنب المفسدات الأربع الباقية الآتي ذكرها إن شاء الله تعالى، ولا ينال هذا إلا بعدَّةٍ صادقة ومادة قوة من الله عز وجل، وعزيمة صادقة، وفراغ من التعلق بغير الله عز وجل.

 

المُفسد الثاني من مفسدات القلب:

ركوبه بحرَ التمني، وهو بحر لا ساحل له، وهو البحر الذي يركبه مفاليس العالَم، كما قيل: إن المُنى رأس أموال المفاليس، وبضاعة ركابه مواعيد الشيطان وخيالات المحال، فلا تزال أمواج الأماني الكاذبة، والخيالات الباطلة، تتلاعب بركابه كما تتلاعب الكلاب بالجيفة، وهي بضاعة كلِّ نفس مَهينة خسيسة سفلية، ليست لها همَّة تنال بها الحقائق الخارجية[4]، بل اعتاضت عنها بالأماني الذهنية، وكلٌّ بحسب حاله، من متمنٍّ للقدرة والسلطان، وللضرب في الأرض والتطواف في البلدان، أو للأموال والأثمان، أو للنسوان والمردان، فيتمثل المتمني صورةَ مطلوبه في نفسه وقد فاز بوصولها، والتذَّ بالظَّفَرِ بها، فبينا هو على هذه الحال، إذا استيقظ، فإذا يده والحصير!


وصاحب الهمة العليَّةِ أمانيه حائمةٌ حول العلم والإيمان، والعمل الذي يقرِّبه إلى الله تعالى ويُدنيه من جواره، فأمانيُّ هذا إيمانٌ ونور وحكمة، وأماني أولئك خدع وغرر.

 

المفسد الثالث من مفسدات القلب:

التعلق بغير الله تبارك وتعالى، وهذا أعظم مفسداته على الإطلاق.


فليس عليه أضر من ذلك، ولا أقطع له عن مصالحه وسعادته منه، فإنه إذا تعلق بغير الله، وَكَلَهُ الله إلى ما تعلَّق به، وخذله من جهة ما تعلق به، وفاته تحصيل مقصوده من الله عز وجل بتعلقه بغيره، والتفاته إلى سواه، فلا على نصيبه من الله حَصَلَ، ولا إلى ما أمله ممن تعلق به وصل؛ قال تعالى: ﴿ وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا * كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا ﴾ [مريم: 81، 82]، وقال تعالى: ﴿ وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ * لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ ﴾ [يس: 74، 75]، فأعظم الناس خِذلانًا من تعلَّق بغير الله، فإن ما فاته من مصالحه وسعادته وفلاحه أعظمُ مما حصل له ممن تعلق به، وهو معرَّض للزوال والفوات، ومثل المتعلق بغير الله كمَثَلِ المُستظل من الحرِّ والبرد ببيتِ العنكبوت.


وبالجملة: فأساس الشرك وقاعدته التي بُنيَ عليها التعلقُ بغير الله تعالى، ولصاحبه الذم والخذلان؛ كما قال تعالى: ﴿ لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا ﴾ [الإسراء: 22]، مذمومًا لا حامد لك، مخذولًا لا ناصر لك، إذ قد يكون بعض الناس مقهورًا محمودًا كالذي قُهر بباطل، أو مذمومًا منصورًا كالذي قَهَر وتسلَّط بباطل، وقد يكون محمودًا منصورًا كالذي تمكَّن وملك بحقٍّ، والمشرك المتعلق بغير الله قسمُه أردأُ الأقسام الأربعة، لا محمود ولا منصور؛ وكما قال بعض السلف: من عرف الناس استراح؛ أي: إنهم لا يملكون ضرًّا ولا نفعًا.

 

المفسد الرابع من مفسدات القلب:

الطعام، والمفسد له من ذلك نوعان: أحدهما ما يفسده لعينه وذاته كالمحرَّمات، وهي نوعان: محرمات لحقِّ الله، كالميتة والدم، ومحرمات لحقِّ العباد، كالمسروق والمغصوب، وما أُخذ بغير رضا صاحبه إما قهرًا، وإما حياءً وتذممًا.


والثاني: ما يفسده بقدْرِهِ وتعدِّي حدِّه؛ كالإسراف في الحلال، والشبع المفرط، فإنه يثقله عن الطاعة، ويشغله بمزاولة مؤنة البطنة حتى يظفَر بها، فإذا ظفِر بها شغله بمزاولة تصرفها، ووقاية ضررها، والتأذي بثقلها، وقوِيت عليه مواد الشهوة وتوسَّعت مجاري الشيطان، ومن أكل كثيرًا شرب كثيرًا، فنام كثيرًا، فخسِر كثيرًا؛ وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما ملأ ابن آدم وعاءً شرًّا من بطنه، بحسب ابن آدم لُقيمات يقمن صلبه، فإن كان لا بد فاعلًا، فثُلُث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفَسه))[5].

 

المفسد الخامس من مفسدات القلب:

كثرة النوم، فإنه يُميت القلب، ويُثقل البدن، ويضيِّع العمر، ويُورث كثرة الغفلة، ومنه المكروه جدًّا، ومنه الضار غير النافع للبدن، وأنفع النوم: ما كان عند شدة الحاجة إليه، ونوم أول الليل أنفع وأحمد من آخره، ونوم وسط النهار أنفع من طرفيه، وكلما قرب النوم من الطرفين قلَّ نفعه، وكثُر ضرره، لا سيما نوم العصر، ونوم أول النهار إلا لسهران.


ومن المكروه عندهم: النوم بين صلاة الصبح وطلوع الشمس، فإنه وقتُ غنيمة، وللسير في ذلك الوقت للسالكين مزية عظيمة، حتى لو ساروا طوال ليلهم لم يسمحوا بالقعود عن السير ذلك الوقت حتى تطلع الشمس، فإنه أول النهار ومفتاحه، ووقت نزول الأرزاق، وحصول القسم وحلول البركة.


وبالجملة، فأعدل النوم وأنفعه نوم نصف الليل الأول، وسدسه الأخير، وهو مقدار ثماني ساعات، وهذا أعدل النوم عند الأطباء، وما زاد عليه أو نقص، أورث عندهم في الطبيعة انحرافًا بحسبه.


وكما أن كثرة النوم مورثة لهذه الآفات، فمدافعته وهجره وقلَّته مُورِثة لآفات أخرى عِظام، من سوء المزاج ويُبسه، وانحراف النفس، وجفاف الرطوبات المُعينة على الفَهم والعمل، ويُورث أمراضًا مُتلفة، وما قام الوجود إلا بالعدل، والله المستعان[6].

 

هذه خمسة أسباب تفسد القلب وتُمرضه وتقسِّيه، وقد ألحق بها ابن القيم رحمه الله فضول النظر وفضول الكلام[7] فصارت سبعة مفسدات.

 

السبب السادس من مفسدات القلب:

فضول النظر، ففضوله يدعو إلى الاستحسان، ووقوع صورة المنظور إليه في القلب، والفكرة في الظَّفَر به، فمبدأ الفتنة من فضول النظر؛ كما في المسند عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((النظرة سهم مسموم من سهام إبليس، فمن غضَّ بصره أورثه الله حلاوة إيمانٍ يجدها في قلبه إلى يوم يلقاه))[8]، فالحوادث العِظام إنما هي من فضول النظر، فكم نظرة أوقعت في قلب صاحبها البلابلَ والحسَراتِ!

 

السبب السابع من مفسدات القلوب:

فضول الكلام، وهي تفتح على العبد أبوابًا من الشر كلها مداخل للشيطان، فإمساك فضول الكلام يسُد عنه تلك الأبواب كلها، وكم من حربٍ جرتها كلمة واحدة! وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ: ((وهل يكب الناس على وجوههم في النار إلا حصائد ألسنتهم؟))[9].


وأكثر المعاصي إنما تولُّدها من فضول الكلام والنظر، وهما أوسع مداخل الشيطان، فإن جارحتيهما لا يمَلَّان ولا يسأمان، بخلاف شهوة البطن، فإنه إذا امتلأ لم يبقَ فيه إرادة للطعام، أما العين واللسان، فجنايتهما مُتسعة الأطراف، كثيرة الشعب، عظيمة الآفات، وكان السلف يقولون: ما شيء أحوج إلى طول سجنٍ من اللسان.


ولما تُوفيَ رجل من الأنصار، فقال بعض الصحابة: طوبى له؛ فقال صلى الله عليه وسلم: ((فما يدريك لعله تكلم بما لا يعنيه، أو بخل بما لا ينقصه))[10]، والله تعالى أعلم، صلى الله على محمد وآله.



[1] الإغاثة (1/ 56) باختصار.
[2] ذكرها صاحب متن المنازل، وكلامه هذا في سياق بسطه لها.
[3] سألخصها هنا، ومن أراد نصها فهي في المدارج (2/ 39).
[4] أي: خارج الذهن من المحسوسات أو المعنويات، وليست مجرد أفكار وخيالات ذهنية.
[5] رواه الترمذي في الزهد (2381) وقال: حسن صحيح، وصححه الألباني في صحيح الترمذي (1939).
[6] المدارج (2/ 39 - 49) باختصار.
[7] الفوائد (182).
[8] مجمع الزوائد (12946)، ورواه الطبراني، وفيه عبدالله بن إسحاق الواسطي وهو ضعيف، وذكره الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب (1194) وقال: ضعيف جدًّا.
[9] أحمد (2/ 326) وصححه الألباني بمجموع طرقه، الصحيحة (1122) (8432).
[10] الترمذي (2316)، ورجاله ثقات، إلا أن الأعمش لم يسمع من أنس، ولكنْ له شاهدٌ من حديث كعب بن عجرة رواه ابن أبي الدنيا في كتاب الصحبة (110) بسند جيد، وانظر: تنبيه القارئ (1/160).




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • مرض القلب وعلاجه
  • مواضع الحجامة لمرض القلب
  • مرض القلب
  • مرض القلب وعلاجه
  • علامات مرض القلب

مختارات من الشبكة

  • أسباب تليين القلوب(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أسباب انقطاع الرزق - الذنوب الخفية (ذنوب الخلوات)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أنواع السرطانات الرئيسية بالتفصيل مع أسباب كل نوع(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • أسباب البركة في العلم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطب الاستسقاء (15) أسباب الغيث المبارك(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • زيت الزيتون المبارك: فوائده وأسراره والعلاج به من أسباب الشفاء(مقالة - موقع الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري)
  • أسباب الوقاية من الشيطان(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أسباب فيروس كورونا(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • أسباب الطاعون والوقاية منه(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • أسباب النصر وشرائطه (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بحث مخاطر المهدئات وسوء استخدامها في ضوء الطب النفسي والشريعة الإسلامية
  • مسلمات سراييفو يشاركن في ندوة علمية عن أحكام زكاة الذهب والفضة
  • مؤتمر علمي يناقش تحديات الجيل المسلم لشباب أستراليا ونيوزيلندا
  • القرم تشهد انطلاق بناء مسجد جديد وتحضيرًا لفعالية "زهرة الرحمة" الخيرية
  • اختتام دورة علمية لتأهيل الشباب لبناء أسر إسلامية قوية في قازان
  • تكريم 540 خريجا من مسار تعليمي امتد من الطفولة حتى الشباب في سنغافورة
  • ولاية بارانا تشهد افتتاح مسجد كاسكافيل الجديد في البرازيل
  • الشباب المسلم والذكاء الاصطناعي محور المؤتمر الدولي الـ38 لمسلمي أمريكا اللاتينية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 15/6/1447هـ - الساعة: 9:31
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب