• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الجنة ونعيمها (خطبة)
    د. أيمن منصور أيوب علي بيفاري
  •  
    ظاهرة كسب المال الحرام (خطبة)
    أ. د. حسن بن محمد بن علي شبالة
  •  
    من الفائز؟ (خطبة)
    أبو سلمان راجح الحنق
  •  
    ولاية الله بين أهل الاستقامة وأهل الوسائط
    أ. د. علي حسن الروبي
  •  
    من أدلة صدقه عليه الصلاة والسلام: تبتله وكثرة ...
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    حال الصحابة - رضي الله عنهم - مع القرآن في صلاتهم
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    من مائدة السيرة: مقاطعة قريش لبني هاشم وبني
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    الفرع الثالث: أحكام ما يستر به العورة (من الشرط ...
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    الإرادة والمشيئة
    الشيخ عبدالعزيز السلمان
  •  
    آفة الإغراب في العلم
    عمرو عبدالله ناصر
  •  
    أسباب البركة في العلم
    رمضان صالح العجرمي
  •  
    حديث: أمرت بريرة أن تعتد بثلاث حيض
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    تفسير سورة الفيل
    أ. د. كامل صبحي صلاح
  •  
    الداخلون الجنة بغير حساب (خطبة)
    د. عبد الرقيب الراشدي
  •  
    خطبة: الذين يصلي عليهم الله وتصلي عليهم الملائكة
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    حسن الظن بالله تعالى (خطبة)
    د. عبد الرقيب الراشدي
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / مواضيع عامة
علامة باركود

ظاهرة كسب المال الحرام (خطبة)

ظاهرة كسب المال الحرام (خطبة)
أ. د. حسن بن محمد بن علي شبالة

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 15/11/2025 ميلادي - 25/5/1447 هجري

الزيارات: 89

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

ظاهرة كسب المال الحرام


أيها المؤمنون عباد الله، حديثنا اليوم عن ظاهرة خطيرة انتشرت في مجتمعنا المسلم، وأدت إلى فساد عريض في أحوال الناس، وقلَّ مَنْ ينكرها، أو يحذر منها، بل ربما شجَّع بعض الناس غيرهم على ممارستها، هذه الظاهرة هي ظاهرة كسب الحرام.

 

لقد أصبح الكسب الحرام اليوم ظاهرةً منتشرةً بين عموم الناس إلا من رحم الله، والله سبحانه وتعالى قد أمرنا بالكسب الحلال، وحثَّنا عليه.

 

ومن رحمة الله بالخلق أن جعل الحلال أكثر من الحرام، فقد خلق الله لنا ما في الأرض جميعًا أغلبه حلال، وأمرنا أن نأكل منه؛ كما قال سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾ [البقرة: 168]، وقال سبحانه: ﴿ فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾ [النحل: 114]، فنعم الله عظيمة وكثيرة، والحلال في هذه الأرض كثير، لكن الشيطان يستخدم معنا الخطوات التي تأخذنا من الحلال إلى الحرام خطوةً خطوةً؛ ولذلك ختم الله الآية بقوله: ﴿ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾ [البقرة: 168]، وقد رأينا كيف تعامل مع أبينا آدم في الجنة، فقد أدخل الله آدم وزوجه الجنة وأمرهما أن يأكلا مما فيها حلالًا طيبًا، إلا شجرة واحدة حرَّمها عليهما. انظر كيف ترك الشيطان كل الحلال الموجود وأغراهما بتلك الشجرة الواحدة الحرام، ﴿ وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ ﴾ [الأعراف: 21]؛ مما يدلُّ على خطورة تتَبُّع خطوات الشيطان وطاعته، فإنه من سار في خطوات الشيطان أوقعه في الإثم والحرام ثم في النار.

 

وقد نهى الله سبحانه وتعالى نهيًا صريحًا في كتابه الكريم في عدد كثير من الآيات عن أكل الحرام، وجاءت في السُّنَّة الصحيحة أحاديث كثيرة تُبيِّن حُكْمَ أكل الحرام وأثره في الفرد والمجتمع، وبيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن الحلال بيِّن، وأن الحرام بيِّن، وبينهما أمور مشتبهات، فجعل التعامل على ثلاثة أنواع: الحلال البيِّن، والحرام البيِّن، والأمور المشتبهة. فالحلال البيِّن خذ منه ما تشاء؛ فإنما هو بركة ونعمة من الله عليك. والحرام البيِّن ابتعِدْ عنه؛ فإنما هو نقمة وإثم عليك. والأمر المشتبه بين الحلال والحرام اتركه وَرَعًا، حتى لا تقع في الحرام أو في الشبهة.

 

ولما نهى الله سبحانه وتعالى عن الكسب الحرام أشار إلى مجموعة من الآثار الخطيرة له، وبيَّن أن الحرام ليس مجرد معصية قاصرة على الفرد وحده، بل إن شؤمه يعود على المجتمع كله.

 

فمن آثاره الخطيرة في الفرد: قسوة القلب، وزوال الصفاء، وانطفاء نور الإيمان من القلب، وحلول غضب الله على فاعله، وعدم إجابة دعائه ونحوها من الآثار السيئة.

 

ومن آثاره في المجتمع: انتشار الأخلاق السيئة، وإصابة الناس بنقمة المعاملات المحرمة من غصب وغش وخداع، واحتيال وتطفيف الكيل والميزان، وأكل أموال الناس بالباطل، وأكل أموال الأيتام، وشيوع الفواحش، وغير ذلك من المنكرات الخبيثة.

 

ونحن في عصر قلَّ فيه من يأكل الحلال، وكثر فيه من يأكل الحرام. وكأن النبي صلى الله عليه وسلم يصف لنا هذا الزمن الذي نعيشه في قوله صلى الله عليه وسلم: ((ليأتينَّ على الناس زمان لا يبالي المرء بما أخذ المال، أمِنْ حلال أم من حرام))، وهذا مشاهد اليوم، فإن الناس اليوم قد أصاب كثيرًا منهم الجشع والطمع حتى أصبحوا يكذبون على الله، ويحللون ما حرَّم الله، وكم سمعنا عن أناس يتعاملون بالربا وتحريمه صريح في كتاب الله، ويسمونه بالفائدة، وبعض الناس يُحِلّون أكل المال العام تحت شبهة أنه واحد ممن يمتلك هذا المال، بل وصل الحال ببعضهم إلى أن الحلال ما وصلت إليه يده، والحرام ما لم تصل إليه يده، دون رادع من دين أو ضمير، أو خوف من سلطان أو قانون أو نحو ذلك مما يرتدع به الإنسان؛ مما سبَّب للناس انهيارًا في الأخلاق وفسادًا في المعاملات.

 

والناظر في حال الناس اليوم، يرى كيف انتشرت الشرور، وكثرت المظالم، وزاد الاختلاس، وأكل أموال الناس بالباطل، فالقوي ينفرد بالضعيف فيأخذ ماله ويستولي على ممتلكاته، لا يمنعه إلا أنه لا يستطيع أن يفعل. وكم من مظلومين وقعوا تحت هذا الظلم العظيم من أناس لا يخافون الله ولا يردعهم سلطان عادل!

 

أيها المؤمنون، هذا الزمن الذي نعيشه صورة من صور انتشار الكسب الحرام، فالربا وصل إلى كل بيت بسبب المعاملات المحرَّمة، حتى أنت وأنت موظف تستلم راتبك مقابل عملك، قد يكون فيه دخل من الربا؛ لأنه إما قروض من البنوك الدولية الربوية، وإما أنه يضارب به في القروض ربويًّا ثم يأخذون عليه فائدة قبل أن يسلموها للناس؛ ولذلك لا بركة في كثير من هذا المال الذي تأخذه فقد لا يبقى معك إلا قليلًا وسرعان ما يذهب؛ كما قال الله تعالى: ﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ﴾ [البقرة: 276].

 

أيها المؤمنون، وحتى نقف على أسباب الكسب الحرام عند الناس من أجل أن نعالجها، لا بد أن نشخص المرض ونقول: هذا المرض سببه كذا، وعلاجه كذا، حتى نتخلص من المشكلة، ويتوب من أراد أن يتوب.

 

فمن أسبابه:

1- غياب الوازعين الأساسيين اللذين هما: خوف الله في القلوب، وسطوة السلطان على النفوس. فإن بعض الناس يمتنع عن الحرام خوفًا من الله، وبعض الناس لا يمتنع عن الحرام إلا خوفًا من العقاب والسلطان والسجن ونحوها، فإذا تخلَّف هذان الوازعان عن الناس؛ فانتظر منهم أن يكونوا كالحيوانات المفترسة؛ القوي يأكل الضعيف. فخوف الله يمنع الناس من الحرام، والحياء من الله يمنع الناس من الحرام والقانون الذي يُنفّذ، ويطبق العقوبات والحدود، وضبط السلطان الرادع، يمنع الناس من الحرام؛ لذلك شرع الله الحدود، فأمر بقطع يد السارق، فما بالكم اليوم وقد ذهب عن قلوب كثير من الناس اليوم خوف الله، وذهب عنهم وجود من يردعهم من السلطان العادل، قال صلى الله عليه وسلم: ((إذا لم تستحِ فاصْنَع ما شئت)).

 

2- السبب الثاني: الحرص على الكسب السريع: هناك من الناس من يكسب الحرام وهو قادر على كسب الحلال، لكن السبب أنه يريد أن يكون غنيًّا وثريًّا بسرعة، والغنى والثراء يحتاج إلى وقت، تاجر سنة، سنتين، عشر سنوات، واصبر، وسيأتيك رزقك، وستكون غنيًّا بالحلال، فمن يستعجل رزقه فإنه يبحث عن الثراء السريع ولو بالحرام، وهكذا حال بعض الذين يتولون الأعمال العامة، يريد أن يكون ثريًّا بسرعة، يقول: كيف أفوِّت الفرصة؟! وربما عينوني في هذه الوظيفة لمدة سنة أو سنتين؟ فلا بد أن أكسب أكبر قدر من المال قبل أن أُغَيَّر؛ ولذلك يبطش يمينًا وشمالًا ويبحث عن المال من هنا وهناك، بحثًا عن الثراء السريع قبل أن يغَيَّر، والجشع والطمع من طبيعة النفوس، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((اتقوا الله وأجملوا في الطلب، فإنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها)). كما أنك لن تموت قبل أن ينتهي أجلك، فلن تموت قبل أن يصل إليك من رزقك المكتوب، فلن تموت إلا وقد جاء أجلك واكتمل رزقك، فلماذا الاستعجال لأخذ الرزق من الحرام؟ وبعض الناس لو صبر لجاءه الرزق الحلال مثل الذي كسبه من الحرام، وهناك قصص كثيرة تبين ذلك.

 

3- ومن الأسباب: الطمع وعدم القناعة: قال النبي صلى الله عليه وسلم ((وَمَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا مَا قُدِّرَ لَهُ)). فهؤلاء هم أصحاب الجشع والطمع لا يغتنون وإن كثرت أموالهم؛ لأن الله لم يجعل غناهم في قلوبهم، بل جعل فقرهم بين أعينهم، والطمع يُصِمُّ الآذان ويُعمي العيون، فلا يرى الإنسان الحق من الباطل، وإنما يرى فقط ما يشبع رغبته. نعم أيها المؤمنون، ولو قنع الإنسان بما أعطاه الله لجاءه الخير من حيث لا يحتسب. وقد جاء في الصحيح في القصة المشهورة أن رجلًا اشترى أرضًا من رجل، فذهب الرجل المشتري إلى أرضه التي اشتراها، فبدأ يحرثها فظهرت له جرة من الذهب. فماذا فعل؟ "القناعة كنز لا يفنى"؛ أخذ جرة الذهب وذهب بها إلى صاحب الأرض الذي باعه إياها، قال: اشتريت منك الأرض ووجدت فيها جرة ذهب، فخذ جرَّتك، فإني لم أشترِ الذهب. ماذا فعل البائع؟ انظر إلى القناعة عنده! قال: قد بعتُك الأرض وما فيها، فالجرَّة لك. قال: لا. فاختصموا، سبحان الله! اختصموا واختلفوا وذهبوا إلى حاكم ليحكم بينهم. بماذا؟! فيمن يأخذ الجرة! لا فيمن يرفض الجرة! عكس ما نشاهده اليوم من حال الناس الطامعين، تشتري أرضًا بثمن معلوم فتريد أن تأخذ ضعفها ولو بالحرام! أما أولئك فكانوا يمثلون القناعة في أحسن صورها! فأتيا إلى القاضي، فقال لهما: ما قضيتكما؟ قال أحدهما: هذا اشترى مني أرضًا ووجد فيها جرَّة من الذهب وأراد أن يردَّها إليَّ، وأنا قد بعته الأرض بما فيها. وقال الآخر: إنما اشتريت منه الأرض ولم أشترِ الذهب؛ فليأخذ ذهبه. فاستغرب القاضي من هذه الحادثة ومن هذه النفوس الراقية الورعة. فقال صُلحًا للأول: هل عندك غلام؟ قال: نعم. وقال للآخر: هل عندك بنت؟ قال: نعم. قال: زوِّج ابنك بابنته، والجرَّة لهما، فرضيا بهذا الصلح، فانظر إلى واقع الناس آنذاك عندما كان الورع دليلهم، وواقع الناس اليوم حينما يكون الطمع والجشع دليلهم وعنوانهم.

 

4- ومن الأسباب: الجهل بخطورة الكسب الحرام: بعض الناس لا يريد أن يتعلم الحلال من الحرام، يقول: لا تقل لي حلال، ولا تقل لي حرام، اتركني حتى أعتذر بأني جاهل. وهذا نوع من الخداع، وإلا فالله أمر العبد أن يتعلم ما يجب عليه من حلال وحرام، وطاعة ومعصية، ليفعل الطاعات ويجتنب المعاصي. فبعض الناس يجهل الحرام، إما جهلًا متعمدًا، وإما يحاول ألا تذكره بالحرام، ألا تُقنعه وتنصحه به، نعم؛ ولذلك لا يسأل: من أين أتاه المال؟ أما من يعرف الحلال من الحرام وعنده الورع والتقوى، فإنه يسأل من يعطيه مالًا من أولاده ومن غيرهم: هل هذا حلال أم حرام؟

 

وفي الأثر أن أبا بكر الصِّدِّيق رضي الله عنه وكان خليفة للمسلمين، وجاءه غلامه بطعام فأكل، ثم بعد أن أكل منه سأل: من أين لك هذا الطعام؟ كأنه شكَّ فيه، قال: هذا مال كنت في الجاهلية قد تكهَّنت لأحدهم به، فرآني اليوم فأعطاني هذا المال، فاشتريت به طعامًا فأعطيتك منه، فأدخل أبو بكر الصديق يده إلى فَمِه واستقاء ما كان قد أكل، وقد تعب من إخراج تلك اللقمة، فقال: "والله لأخرجنها ولو خرجت نفسي معها". هذا نموذج للورع عن الحرام، أما اليوم فلا تجد من يسأل، بل من يسأل عن الحلال والحرام يعتبرونه ساذجًا، وغبيًّا ويقولون له: "إن لم تكن ذئبًا أكلتك الذئاب"، وهذه فرصتك! ثم إلى أين؟ إلى جهنم، والعياذ بالله، ففي الحديث ((كل جسم نبت من حرام، فالنارُ أولى به)).

 

إضافة إلى أن هذه الأموال الحرام التي يأكلها الإنسان، ضررها كبير، وأثرها عظيم في النفس، ومن ذلك:

1- أن المال الحرام يصيب الإنسان بظلمة في نفسه، وضيق في صدره، وقسوة في قلبه، ويعيش في قلق واضطراب في الدنيا، ثم في الآخرة تكون النار مصيره، والعياذ بالله.

 

2- ولو تذكَّر هذا الذي يأكل الحرام أن الله تعالى يغضب عليه، وأن الله قد توعَّده بالنار، وأنه يعيش في هذه الحياة بين غضب الجبار وبين توعُّده بالنار والعياذ بالله سبحانه وتعالى. قال صلى الله عليه وسلم: ((من اقتطع مال امرئ مسلم بغير حق فقد أوجب الله له النار، وحرَّم عليه الجنة)). قال رجل: يا رسول الله، ولو كان شيئًا يسيرًا؟ قال: ((ولو قُضبانًا من أراك))؛ أي: شيء تأخذه بالغصب فهذا يغضب عليك الله سبحانه وتعالى. أين هذا الحديث لمن يأخذون أموال الناس، ومن ينكرون حقوق الناس، ألا يتذكرون أنهم قادمون على الله، وأنه لن يتركهم، بل سيحاسبهم على ذلك.

 

3- ومن الآثار أن الله لا يستجيب الدعاء ممن أكل الحرام، فمن يرفع يديه وهي مُلطَّخة بالمال الحرام ويقول: يا رب، فلن يستجيب له، وقد جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ((إن الله أمر بما أمر به المرسلين: ﴿ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ﴾ [المؤمنون: 51]، ثم ذكر الرجل أشعث أغبر- أي: إنه كان محتاجًا ومتعبًا- يمدُّ يديه إلى السماء: يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وغُذِّي بالحرام، فأنَّى يُستجاب له؟)) كيف يستجاب له وهذا حاله؟ مع أنه مسافر متعب ومحتاج، لكن منعه من استجابة الدعاء أكله للمال الحرام.

 

4- وكذلك أيضًا عدم قبول الأعمال الصالحة بسبب أكل المال الحرام. وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم رجلًا في أحد الغزوات، وجاهد وكان شجاعًا، فلما قُتل قالوا: شهيد، وظنوا به خيرًا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا والله إنه في النار، وإن الشملة التي غَلَّها من الغنائم قبل أن تُقسم لتشتعل عليه نارًا في جهنم)). وهذا يدل على أن الحرام يؤثر في قبول الأعمال الصالحة.

 

نعم يا عباد الله، يجب على المسلم أن يتورَّع ويتحرَّى الحلال حتى يُقبَل دعاؤه وتُقبَل أعماله الصالحة، ويعيش بقلب سليم وصدر منشرح، حتى ولو بات جائعًا، حتى لو نام على الحصير، فلأن ترتاح نفسه، ويهدأ قلبه، ويعيش في سعادة نفسية، خيرٌ له من المال الحرام، فهناك في الآخرة ستجد الجزاء العظيم عند الله.

 

أما من كان يأكل الحرام في الدنيا ويتنعَّم به، فإنه متوعَّد في الآخرة بعذاب النار، والعياذ بالله.

 

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا وإياكم لما يحب ويرضى، أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

سمعنا خطورة الكسب الحرام وأسبابه وبعض آثاره السيئة في العبد في الدنيا والآخرة، ويبقى أن نتعرف بإيجاز على بعض صور أكل المال الحرام والكسب الحرام. وسنذكرها مُجملةً بإيجاز:

أولًا: الاحتكار: وهو ما يفعله بعض التجار وخاصة تجار الجملة، حيث يحتكرون البضائع ويخفونها حتى ترتفع الأسعار ثم يبيعونها على الناس بسعر مرتفع، وهذا عمل مُحرَّم، والربح فيه حرام؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا يحتكر إلا خاطئ))؛ أي: عاصٍ. والأصل في المسلم أن يراعي إخوانه المسلمين، لا أن يستغل حاجتهم وفقرهم من أجل أن يكون غنيًّا من أموالهم. وقد تكلم الفقهاء في المحتكر وأوجبوا له أحكامًا، منها أن يُلزم ببيع السلعة بالسعر الذي كانت عليه قبل الاحتكار، ولكن هذا يحتاج إلى دولة تراقب الأسعار وتضبطها وتعاقب المخالفين؛ ولذلك لما يذهب خوف الإنسان من الله ولا يوجد من يعاقبه من الخلق يكثر من الفساد، والعياذ بالله سبحانه وتعالى.

 

ثانيًا: الغش والخداع: من صور الكسب الحرام الغش والخداع في البيع والشراء: نقص الميزان، تطفيف الكيل، التدليس. كلها وإن أنفقت السلعة، إلا أن الأرباح حرام، والمال الذي أخذ بهذه الطريقة حرام. وقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم إلى السوق فمَرَّ بصُبرة طعام، فأدخل يده فيها فوجد بللًا. فقال: ((ما هذا يا صاحب الطعام؟))، قال: أصابته السماء. قال: ((أفلا جعلت الْمَبْلُول من أعلى حتى يراه الناس؟ من غشنا فليس منا)). وما يفعله اليوم بعض التجار من إظهار البضاعة الحسنة في أعلى الكرتونة، فهذا من الغش ومن الخداع.

 

أما تطفيف الميزان والمكيال، فهذا حَدِّث عنه ولا حرج، فأحيانًا يُنقص من الوزن نصف كيلو أو كيلو، فتجد مثلًا الكيس الدقيق 50 كيلوجرامًا، يصبح 48 كيلوجرامًا. صحيح أنها قليلة لكن في ألف كيس تصبح معهم عشرات الأكياس، ويأكلون أموال الناس بالباطل. وقل مثل ذلك في غيرها من الموازين.

 

ومثل ذلك الخداع والغش في المقاييس والمواصفات، فيكتب على السلعة شيئًا وداخلها شيء آخر. كل هذا من الخداع. أما تغيير التواريخ للسلعة التي انتهى أجلها، فهو أيضًا من الحرام المحض الذي يفعله بعض التجار.

 

ثالثًا: الرشوة: أخذ الرشوة صورة من صور المال الحرام، وقد أصبحت الرشوة اليوم ظاهرة منتشرة لا يُنكر عليها إلا من رحم الله. في أي معاملة، في أي قضية، وبدون حياء ولا حرج تُطلب عيانًا بيانًا، ولا يستحي الإنسان أنه يأخذ الرشوة. وليته يرتشي ويعطي الحقوق لأهلها، بل يضيع الحقوق ويظلم الضعفاء، ويفعل عكس ما يريده الشرع منه من إحقاق الحق وإبطال الباطل.

 

رابعًا: سرقة واختلاس المال العام: وهو من وسائل الكسب الحرام، وما أكثره اليوم! ما أكثر من يأخذون المال العام تحت شبهة أنهم من ضمن المالكين له! قال بعض الفقهاء: سرقته أشد من سرقة المال الخاص؛ لأن المال الخاص تعرف صاحبه، فيمكن أن تعتذر له وتتسامح منه، أما المال العام فيصعب عليك الاعتذار من كل مسلم يملك هذا المال. مال الدولة في اليمن يملكه أكثر من ثلاثين مليونًا من أهل اليمن، فممن ستتسامح حينما تأخذه أو تنهبه، سيظل في عنقك إلى أن تقف بين يدي الله سبحانه وتعالى. ومثله اغتصاب الأوقاف، ومثله أخذ أموال الأيتام، ومثله أخذ أموال الضعفاء الذين يُؤخذ حقهم؛ لأنهم ضعفاء لا يوجد من يدافع عنهم. كل هذا وسائل للمال الحرام، وقد قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 188]، فالنصب والاحتيال والغصب والاختلاس والسرقات والغش والخداع وغيرها من وسائل اكتساب المال الحرام كلها تؤدي إلى نفس النتيجة؛ وهي أنك تأكل في بطنك نارًا؛ كما قال الله عن آكلي مال الأيتام: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ﴾ [النساء: 10].

 

خامسًا: وأخيرًا: من صور أكل المال الحرام: امتهان حرفة التسوُّل، وجعلها مهنة يشتغل فيها الشخص عشرات السنين، يدور في كل سوق وفي كل مسجد في خمسة الفروض يوميًّا، ويزعج المصلين، ويذكر القصص الكاذبة لكي يستميل قلوب الناس إليه، فهذا كله من المال الحرام الذي يأخذه بدون وجه حق، وإنما أجيزت المسألة لـثلاثة أصناف:

الصنف الأول: من تحمل حمالة: وهو الذي أصبح بين الناس وصار من الغارمين، وتحمَّل أموالًا من أجل أن يصلح بين الناس أو يدفع ديات أو نحوها، فهذا لا بأس أن يُعطى ويُعان حتى ينتهي من هذه الحمالة.

 

والثاني: من أصابت ماله جائحة: كاحتراق ماله أو بضاعته أو نحو ذلك، يجوز له أن يسأل حتى يجد قوامًا من العيش ثم يفتح مجالًا جديدًا ويطلب الله ويترزق الله بالعمل.

 

والثالث: من أصيب بفاقة: يشهد عليه ثلاثة من ذوي قومه، فيجوز له أن يأخذ حتى يحصل على قوام من العيش ويترك السؤال.

 

وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((إن المسألة لا تحل لغني ولا لذي مرة سواء))؛ أي: ولا لشخص صحيح شاب قوي، مهما كانت الأسباب، وهنا وجب التوضيح فيما يُسمَّى بالنزوح وهي الهجرة، ماذا فعل الصحابة لما نزحوا من مكة وخرجوا منها وخرجوا بلا أموال، وقد أُخذت أموالهم؟ جاءوا إلى المدينة، وتكافل معهم الأنصار بشيء من المال في وقت محدد. ثم قالوا: ((دلُّونا على السوق))، فهذا عبدالرحمن بن عوف جاء إلى المدينة مهاجرًا فقيرًا، ثم دلُّوه على السوق، فأصبح من أغنى المهاجرين. فعلى المسلم أن يتقي الله في نفسه، وأن يعرف أن المال الحرام لا يشبع منه، فلماذا إذًا تتعب نفسك في جمعه؟ خاصة والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما تزال المسألة بأحدكم حتى يأتي يوم القيامة وليس على وجهه مُزْعَة لحم))؛ أي: يبعث يوم القيامة هيكلًا عظميًّا لا يوجد لحم في وجهه. لقد أُخذ ونُزع منه لقلة حيائه، وكثرة سؤاله للناس بدون حق، فما بالكم بمن يجعل المسجد حراجًا؟ فالمساجد أصبحت اليوم مثل الحراج بعد الصلوات، لا يتركون الناس يسبحون ولا يذكرون الله، هذا يصيح من هنا، وهذا يصيح من هنا، وكأنهم يبيعون في الحراج. فاتقوا الله في عظمة وتعظيم المساجد، ومن كان مستحقًّا يطلب المساعدة بهدوء دون أن يزعج الناس، وينتظر على الباب والناس سيعطونه.

 

فاتقوا الله عباد الله واعلموا صور الكسب الحرام كثيرة، وإنما أشرنا إلى أهمها حتى نحذرها.

 

نسأل الله سبحانه أن يُجنِّبنا الحرام، وأن يرزقنا الحلال من فضله.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • معاملة من يكسب المال الحرام

مختارات من الشبكة

  • ظاهرة التظاهر بعدم السعادة خوفا من الحسد: قراءة مجتمعية في ثقافة الشكوى المصطنعة(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • حديث: أن رجلا ظاهر من امرأته، ثم وقع عليها(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
  • أسباب ظاهرة التسول في المساجد من وجهة نظر أئمة وخطباء الكاميرون وسبل مواجهتها من منظور التربية الإسلامية (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • اللامساواة من منظور اقتصادي(مقالة - موقع د. زيد بن محمد الرماني)
  • بيع التلجئة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خرق القوانين المركزية للظواهر الكونية بالمعجزات إرادة إلهية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • صفة الإحاطة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • إجارة ما منفعته بذهاب أجزاءه مع بقاء أصله(مقالة - آفاق الشريعة)
  • آيات الصفات وأحاديثها(مقالة - آفاق الشريعة)
  • نقد المنهج المعاصر في تضعيف الأحاديث الصحيحة: دراسة في مظاهر الخلل المنهجي ومخاطر الابتعاد عن أصول النقد الحديثي(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ندوة لأئمة زينيتسا تبحث أثر الذكاء الاصطناعي في تطوير رسالة الإمام
  • المؤتمر السنوي التاسع للصحة النفسية للمسلمين في أستراليا
  • علماء ومفكرون في مدينة بيهاتش يناقشون مناهج تفسير القرآن الكريم
  • آلاف المسلمين يجتمعون في أستراليا ضمن فعاليات مؤتمر المنتدى الإسلامي
  • بعد ثلاث سنوات من الجهد قرية أوري تعلن افتتاح مسجدها الجديد
  • إعادة افتتاح مسجد مقاطعة بلطاسي بعد ترميمه وتطويره
  • في قلب بيلاروسيا.. مسجد خشبي من القرن التاسع عشر لا يزال عامرا بالمصلين
  • النسخة السادسة من مسابقة تلاوة القرآن الكريم للطلاب في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 24/5/1447هـ - الساعة: 8:22
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب