• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    حين يتجلى لطف الله
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: الحذر من الظلم
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    التوحيد بين الواقع والمأمول (خطبة)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    حين يستحي القلب يرضى الرب (خطبة)
    الشيخ إسماعيل بن عبدالرحمن الرسيني
  •  
    البعثة المحمدية وحال الناس قبلها
    عبدالقادر دغوتي
  •  
    خطبة: استشعار التعبد وحضور القلب (باللغة ...
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    إلى كل مشتاق لتحسين الأخلاق (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    الخليل عليه السلام (12) دعوات الخليل في سورة ...
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    تفسير قوله تعالى: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل ...
    سعيد مصطفى دياب
  •  
    خطر التبرج: رسالة للأولياء والتجار (خطبة)
    شعيب العلمي
  •  
    أسباب الوقاية من الشيطان
    محمد حباش
  •  
    من أخطاء المصلين (1)
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    من درر العلامة ابن القيم عن الدنيا
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    حرص الصحابة رضي الله عنهم على اقتران العلم ...
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    الإقبال على الخير من علامات التوفيق
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    خطبة: الوقت في حياة الشباب
    عدنان بن سلمان الدريويش
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / عقيدة وتوحيد / التوحيد
علامة باركود

التوحيد بين الواقع والمأمول (خطبة)

التوحيد بين الواقع والمأمول (خطبة)
الشيخ عبدالله محمد الطوالة

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 29/10/2025 ميلادي - 8/5/1447 هجري

الزيارات: 562

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

التوحيد بين الواقع والمأمول

 

إنَّ الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون ﴾ [آل عمران:102].. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُون ﴾ [الحشر:18].. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب:70]..

 

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ في النار..

 

معاشر المؤمنين الكرام: أغلبُ المسلمين إن لم يكن كلّهم يعلمون أنهم ما خُلقوا إلا لعبادة الله وحده، ويعلمون أنه لا ينجو يوم القيامة إلا من جاء بقلبٍ سليم، وهو القلب الموحد، الخالِ من الشرك صغيرِه وكبيرِه..

 

يعلمون أنَّ التوحيد هو أوجب الواجبات، وأهم المهمات، قامت عليه الأدلة، ونصبت من أجله القبلة، وأُسست عليه الملة، وانفصلت بسببه دار الكفر عن دار الإسلام، وقام عليه سوق الجنة والنار، وانقسم الناس بسببه إلى مهتدٍ سعيدٍ وغوي شقيٍّ.. ويعلمون أنّ الشرك هو أظلم الظلم، وأكبر الكبائر، ﴿ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَـالاً بَعِيداً ﴾ [النساء:116].. ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا ﴾ [النساء:48].. ﴿ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِى بِهِ الرّيحُ فِى مَكَانٍ سَحِيقٍ ﴾ [الحج:31].. ﴿ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ﴾ [المائدة:72]..

 

لكن واقع الحال يقول غير ذلك.. فالتوحيدُ على الألسنة كثير، لكنه في القلوب ضعيف..

أكثرنا يعرفُ الكثير من أسماء الله وصفاته، لكن أثرها في القلوب والسلوك ضعيف..

نعرف أن الله هو الرزّاق، لكننا نعلّق قلوبنا بالوظائف والأشخاص والأسباب..

نقرّ أنَّ الله هو الشافي، لكننا نأملُ في الطبيب والدواء أكثر مما نأمل في الله..

نقول أننا نخاف من الله، لكن خوفنا من المخلوقَ أكثر..

 

تأملوا يا عباد الله كيف يؤصل القرآنُ العظيمُ هذه القضية الخطيرة.. ليس مع الكفار والمنافقين، ولا مع العصاة والمذنبين.. ولا مع ضعيفي الإيمان من المؤمنين، بل مع أكمل الناس إيماناً، وأقواهم توحيداً.. مع الأنبياء والرسل.. بل مع صفوتهم.. ﴿ وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْراهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لاَّ تُشْرِكْ بِى شَيْئاً وَطَهّرْ بَيْتِىَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ﴾ [الحج:26].. ويقول لخير خلقه: ﴿ وَلَقَدْ أُوْحِىَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَـاسِرِينَ بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مّنَ الشَّـاكِرِينَ ﴾ [الزمر:65].. يسردُ القرآنُ أسماء ثمانية عشر نبياً في سياقٍ واحد، يثني عليهم ويمدحهم، ثم يقول عنهم: ﴿ ذَلِكَ هُدَى اللّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُون ﴾ [الأنعام:88].. قال العلماء: فإذا كان الله ينهَى عن الشرك من لا يمكن أن يباشره، فكيف بغيره؟..

 

أحبتي في الله: كثيرةٌ هي الآيات والأحاديث اليت تبين عِظمَ شأنِ التوحد وحساسيته، وشدةَ الخوفِ على الجميع من الانحراف والزيغ عنه.. ولم لا يُخافُ عليهم؟.. والشياطينُ ما فتئت تترصدُ لبني آدم تجتالهم وتُغويهم.. ﴿ وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ ﴾ [يوسف:103].. وفي الحديث القدسي: "خلقت عبادي حنفاء كلهم وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم".. وكيف لا يكونُ الخوفُ شديداً على التوحيد.. والرسولُ صلى الله عليه وسلم يخاطبُ صفوة الأمة فيقول: "أخوفُ ما أخافُ عليكم الشرك الأصغر".. ويزدادُ الخوفُ حين يتأمَّلُ المتأمِّلُ قوله عليه الصلاة والسلام: "الشركُ في أمتي أخفى من دبيب النمل"، وربنا جلّ وعلا يقول في محكم تنزيله: ﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ ﴾ [يوسف:106].. قال بعض أهل العلم: هذا يدلُ على خطورة الشرك، وأن من يقع فيه لا يشعر به غالباً؛ فما أكثر من يعتقد بوحدانية الله، لكنَّه لا يُخلِصُ العبودية, ويتعلقُ بغير الله، ويعملُ لحظِّ نفسه, أو طلباً للدنيا, أو ابتغاء رفعةٍ أو سعياً إلى جاهٍ عند الخلق، فللهِ من عمله وسعيهِ نصيبٌ، ولنفسه وهواه نصيبٌ، وللشيطانِ نصيبٌ، وللخلقِ نصيبٌ، واللهُ أغنى الشركاء عن الشرك.. في الحديث القدسي الصحيح، أنَّ اللَّهَ تعالى يَقُولُ: "أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، فَمَنْ عَمِلَ عَمَلا فَأَشْرَكَ فِيهِ غَيْرِي فَأَنَا مِنْهُ بَرِيءٌ".. وفي رواية: "من عمل عملاً أشركَ فيه معيَ غيري تركتُهُ وشركه".. فالأمرُ في غاية الخطورةِ يا عباد الله: شرك خفيٌ.. يتسللُ عن طريق المحبة أو الخوفِ أو الرجاء.. فمن أعطى حبَّه أو خوفه وخضوعه أو رجاءه لغير الله فكيف يأمنُ على توحيده.. تأمل: ﴿ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ ﴾ [الأنعام:121]..

 

والشرك أنواعٌ ومداخلَ متنوعة.. شركٌ في الخوف وشركٌ في الرجاء، وآخرُ في البذل والعطاء، ورابعٌ في الجهاد، وخامسٌ في الولاء والبراء، وسادسٌ في باب الأسباب، وهناك ما يتعلقُ بالسحر والشعوذة والتعاملِ مع الجان, وهناك التطيرُ والتشاؤم, والرقى والتمائم، وادعاءُ علم الغيبِ والمستقبل، والحلف بغير الله.. والغلو في الصالحين، وتعظيم الأموات وسؤالهم، وطلب الغوث والمدد منهم.. والتمسح بالقبور والأضرحة، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ * مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴾ [الروم:31]..

 

فاتقوا الله ربكم، واقدروا أمر التوحيدِ حق قدره، واعرفوا له فضله وأهميته، وحققوا شروطه، وتجنبوا نواقضه؛ حتى يكونَ لكم الأمن في الدنيا والآخرة.. ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾ [الأنعام:82]..

 

أقول ما تسمعون...

 

الخطبة الثانية

الحمد لله وكفى، وصلاة وسلاماً على عباده الذين اصطفى، أما بعد: فاتقوا الله عباد الله وكونوا مع الصادقين، وكونوا من ﴿ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَاب ﴾ [الزمر:18]..

 

معاشر المؤمنين الكرام، من علمَ عِظمَ منزلةِ التوحيدِ وأهميته، وما أعد الله لمن حققه من الأجور والكرامة، دعاه ذلك إلى العناية بتوحيده، وتخليصه من كل شائبة، وأن يعده أهم المهمات وأعظم الواجبات..

 

أحبتي في الله: لنتأمل قول الله تعالى: ﴿ أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ * مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ * الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيد ﴾ [ق:24].. تأملوا يا رعاكم الله سِعة هذا المعنى العظيم: ﴿ الذي جعل مع الله إلهاً آخر ﴾، فهي ليست خاصةً بعبدة الأصنام، وإنما تشملُ كلَّ من أشرك بالله، وعلّقَ قلبه بغير الله، أو خضع لمخلوق مثل خضوعه لله.. أو من جعل غضبه ورضاه في غير مرضاة الله، فيرضى ويغضب من أجل غرضٍ دنيوي.. فهو قد جعل مع الله إلهاً آخر من حيث المعنى، لأن العبودية ليست في حركات البدن فقط، وإنما في الحب والخوف والطاعة والرجاء، وسائر أعمال القلوب.. في الحديث الصحيح، قال صلى الله عليه وسلم: "تَعِسَ عبدُ الدينار، تَعِسَ عبدُ الدرهم، تَعِسَ عبدُ الخميصة، تَعِسَ عبدُ الخميلة.".. أي أنَّ من صار قلبه أسيرًا للمال أو المنصب أو الهوى، أو أيًّ غرض دنيوي، حتى يصرفه عن مرضاة الله وطاعته، فهو عبدٌ لذلك الشيء الذي شغله عن طاعة الله.. قال تعالى: ﴿ أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ ﴾ [الفرقان:43].. أي: من أطاعَ هواهُ وشهوتهُ وقدّمها على أمر الله، فقد اتخذ هواه إلهاً يُطاع.. حتى الذي يتصدقُ أو يصلي أو يخطبُ أو يقرأ القرآن من أجل أن يُمدَحَ ويُثنَى عليه، فقد وقعَ في نوعٍ من الشرك، سماه النبي صلى الله عليه وسلم: الشرك الخفي.. في الحديث الصحيح، قال صلى الله عليه وسلم: "أخوفُ ما أخافُ عليكم الشركُ الخفي، وهو الرياء."..

 

أيها الأحبة في الله: صور الخللِ في التوحيدِ كثيرة: من أخطرها: الخوف الشركي أو المحرم من غير الله.. وليس المراد به الخوفُ الطبيعي كخوف الإنسانِ من السباع والثعابين أو قاطع طريق ونحو ذلك، فهذا خوفٌ جبلي لا حرج منه، قال تعالى: ﴿ فأوجس في نفسه خيفة موسى ﴾. أما الخوف الشركي فهو خوف السر، المصحوبِ بتعظيمِ مصدر الخوف، أو الاعتقادِ بأن له قدرةً على الضر والنفع كما لله، أو طلب مرضاته بمعصية الله.. قال تعالى: ﴿ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ ﴾ [البقرة:150]، ﴿ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ﴾ [البقرة:51].. وهذا الخوف الشركي منتشرٌ بصورٍ متعددة، كأن يخافَ الإنسانُ من الجنِّ والسحرةِ والمشعوذين، ويظنَّ أن لديهم من القوة ما يستطيعون به أن يضروه أو ينفعوه من دون الله، أو يخافُ من بطش الكفارِ وقوتهم خوفًا مبالغًا فيه، حتى يترك شرعَ الله خشيةٍ منهم.. قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران:175]..

 

ومن صور خلل التوحيد الخطيرة، الخضوع والتذلل في الرجاء لغير الله، فهو بهذه الصورةِ قد يخرجُ من الملةِ أو يوقعُ في كبيرةٍ من كبائر الذنوب.. فالرجاءُ في المخلوق إذا تضمنَ التذللَ والخضوعَ والتعظيم، أو الرجاءُ فيما لا يقدرُ عليه إلا الله، كان رجاءً شركياً.. كمن يرجو من ميتٍ أو غائبٍ أن يرزقهُ أو يشفيه.. وهذا بخلاف الرجاء المشروع، كأن يرجو من شخصٍ حيٍّ حاضرٍ ما هو في قدرته، مثل رجاء المريض من طبيبه، مع اعتقاد أن الأسباب لا تنفع إلا بإذن الله.. لكن المشكلة التي وقع فيها كثيرٌ من الناس اليوم، أنهم علّقوا قلوبهم بالأسباب ونسوا مسببها، فأصبحَ رجاؤهم في المخلوق أقوى من رجائهم في الخالق.. فترى صاحب الحاجةِ الذي تعطلت مصلحته، أو المريض الذي أعياه المرض، تراهم يطرقون ابواب المخلوقين باباً بعد باب.. ويغفلون عن باب السماء، فلا يفزعون إلى صلاةٍ ولا إلى صدقةٍ ولا إلى دعاءٍ، يطرقون كلَّ الأبواب، ويبذلون كل الأسباب، وينسون رب الأرباب، ومسبب الأسباب سبحانه.. هذا هو الخطرُ الحقيقي الذي ينهشُ التوحيد في القلوب دون أن يشعر به أصحابه، قال بعض السلف: "من تعلّق بسببٍ وركن إليه، وكّلَه الله إليه، ومن تعلّق بالله كفاه الله ما أهمّه.".. وفي محكم التنزيل: ﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ [الكهف:110]..

 

ومن أعظم ما يظهر به صدقُ التوحيد أو ضعفه: أمر التوكل يا عباد الله. فالتوكل عبادةٌ قلبيةٌ جليلة.. وحقيقة التوكل: هي صدقُ اعتمادِ القلبِ على الله في استجلاب المنافع ودفع المضار، مع الإيمان بأنه لا ينفع ولا يضر أحد إلا الله.. ومن علّق قلبه بالسبب وظنَّ فيه النفع أو الضر بذاته، فقد نقص من توكله بقدر ذلك الالتفات.. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "الِالْتِفَاتُ إِلَى السَّبَبِ هُوَ اعْتِمَادُ الْقَلْبِ عَلَيْهِ وَرَجَاؤُهُ وَالِاسْتِنَادُ إِلَيْهِ، وَلَيْسَ فِي الْمَخْلُوقَاتِ مَا يَسْتَحِقُّ هَذَا".. وتمامُ التوكلِ أن يأخذَ العبدُ بالأسباب دون الركون إليها، وإنما يجعلُ قلبهُ كلهُ مع الله، وبدنهُ مع الأسباب، فإذا نجحَ في عملهِ أيقنَ أن التوفيقَ من الله لا من ذكائه أو اجتهاده، وإذا شُفي من مرضه أيقنَ أن الشفاء من الله لا من طبيبه أو دواه.. قال تعالى: ﴿ وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِين ﴾ [المائدة:23]، ﴿ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾} [الطلاق:3]..

 

ألا فاتقوا الله عباد الله: وتفقدوا قلوبكم، وراجعوا إيمانكم، وأسألوا أنفسكم هل نحن نرجو الله وحده؟.. هل نخاف الله وحده؟.. هل نحب الله فوق كل محبوب؟ هل نتوكل عليه وحده؟.. فمن أخلص لله وحده، وخاف الله وحده، ورجا الله وحده، وتوكل على الله وحده، فقد حقق التوحيد حقًا، ومن جعل في قلبه شريكًا مع الله في الحبِّ أو الخوفِ أو الرجاءِ أو الاعتمادِ فقد نقص من توحيده بقدر ذلك.. ﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُون ﴾ [آل عمران:64]..

 

ويا ابن آدم عش ما شئت فإنك ميت، واحبب من شئت فإنك مفرقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، البر لا يبلى، والذنب لا ينسى، والديان لا يموت، وكما تدين تدان.. اللهم صل على محمد..





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • { ليدبروا آياته } (خطبة)
  • من اتبع الهوى هوى (خطبة)
  • { كتب ربكم على نفسه الرحمة.. } (خطبة)
  • خمس مخالفات مبطلة للصلاة (خطبة)
  • اغتنام المواسم الفاضلة بالتوبة والأعمال الصالحة
  • نفحات العشر المباركة (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • الاتجاه الضمني في تنمية التفكير بين الواقع والمأمول(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • أقسام التوحيد(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المزيد في شرح كتاب التوحيد لخالد بن عبدالله المصلح(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • خطبة: التوحيد عليه نحيا ونموت(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: ثمرات التوحيد على الشباب(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التوحيد: روح العبادة وأساس قبولها (خطبة)(مقالة - موقع د. صغير بن محمد الصغير)
  • من وحي عاشوراء: ثبات الإيمان في مواجهة الطغيان وانتصار التوحيد على الباطل الرعديد (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بشارة القرآن لأهل التوحيد (خطبة)(مقالة - موقع د. محمود بن أحمد الدوسري)
  • حماية جناب التوحيد(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الدورات العلمية الشرعية [إدارتها بين الواقع والمأمول] (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ندوة إسلامية للشباب تبرز القيم النبوية التربوية في مدينة زغرب
  • برنامج شبابي في توزلا يجمع بين الإيمان والمعرفة والتطوير الذاتي
  • ندوة نسائية وأخرى طلابية في القرم تناقشان التربية والقيم الإسلامية
  • مركز إسلامي وتعليمي جديد في مدينة فولجسكي الروسية
  • ختام دورة قرآنية ناجحة في توزلا بمشاركة واسعة من الطلاب المسلمين
  • يوم مفتوح للمسجد للتعرف على الإسلام غرب ماريلاند
  • ندوة مهنية تبحث دمج الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة في التعليم الإسلامي
  • مسلمو ألميتيفسك يحتفون بافتتاح مسجد "تاسكيريا" بعد أعوام من البناء

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 7/5/1447هـ - الساعة: 17:47
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب