• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    نعمة البيوت والمساكن (خطبة)
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    سلسلة شرح الأربعين النووية: الحديث (39) «إن الله ...
    عبدالعزيز محمد مبارك أوتكوميت
  •  
    حين تمطر السماء.. دروس من قطرات الماء! (خطبة)
    محمد الشقيري
  •  
    الفطرة السليمة من أدلة اثبات وجود الخالق جل وعلا
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    التسبيح والتحميد يملآن ما بين السماء والأرض
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    نصائح وعظات لطالب العلم
    د. محمد أحمد صبري النبتيتي
  •  
    منهجية القاضي المسلم في التفكير: دروس من قصة نبي ...
    د. أحمد مصطفى نصير
  •  
    من يهد الله فهو المهتدي
    محمد شلبي محمد شلبي
  •  
    معادن الرجال في الأزمات (خطب)
    د. عبدالرزاق السيد
  •  
    لهذا صدقناه! (خطبة)
    محمد موسى واصف حسين
  •  
    علة حديث: ((الحجر الأسود من الجنة))، وحديث: ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    خطبة عن فاحشة اللواط والشذوذ والمثلية
    أحمد بن عبدالله الحزيمي
  •  
    تحريم إنكار أسماء الله وصفاته جملة أو تفصيلا
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    فتنة نبي الله سليمان هبة الله لداود وعطاء الله له
    د. أحمد مصطفى نصير
  •  
    التذكير بالنعم المألوفة (7) الطعام والشراب
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    التاريخ من أدلة إثبات وجود الخالق جل وعلا
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب
علامة باركود

معادن الرجال في الأزمات (خطب)

معادن الرجال في الأزمات (خطب)
د. عبدالرزاق السيد

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 9/10/2025 ميلادي - 17/4/1447 هجري

الزيارات: 162

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

معادن الرجال في الأزمات

 

الحمد لله الذي امتنَّ على عباده بالأسماع والأبصار، وكرَّم المسلم بالرجولة ورفع له المقدار، واصطفى من عباده المتقين الأبرار، وأعدَّ لهم عُقبى الدار، جنات تجري من تحتها الأنهار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملِك القهَّار، مكوِّر الليل على النهار، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، المصطفى المختار، ربَّى أصحابه فكانوا رهبانًا بالليل فرسانًا بالنهار، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه، ومن سار على نهجه إلى يوم الدين؛ أما بعد:

 

أهمية الحديث عن الرجولة في الأزمات:

أيها المسلمون: الرجولة وصف اتَّفق العقلاء على مدحه والثناء عليه، ويكفيك إن كنت مادحًا أن تصف إنسانًا بالرجولة، وهي وصف يمَس الروح والنفس والخُلق أكثر مما يمس البدن والظاهر، وهي مضمون قبل أن تكون مظهرًا، وهي صفة جامعة لكل صفات الشرف؛ من اعتداد بالنفس واحترام لها، وشعور عميق بأداء الواجب، مهما كلفه من نصَبٍ، وبذل من جهد في ترقيتها، والدفاع عنها، والاعتزاز بها، وإباء الضَّيم لنفسه ورجولته.

 

فالناس اليومَ تأسرهم المظاهر ويسحرهم بريقها، فمن يُجلونه ويقدِّرونه ليس بالضرورة أهلًا للإجلال والتوقير، وإن أُوتي بسطةً في الجسم وصحة في البدن؛ لأن صفات الرجولة عنده معدومة، عظيم البدن خفيف العقل والتفكير، ورُبَّ إنسان معوق الجسد قعيد البدن، وهو مع ذلك يعيش بهِمة الرجال، وقد يكون من أولياء الله وعباده الصالحين، يُحيي الله به أمةً، ويحرر به شعوبًا.

 

فكم نحن في هذا الزمان بحاجة إلى رجلٍ بَلْ إلى رجالٍ أصحابِ عزة وكرامة، يضمدون جراحنا، ويكونون بلسمًا شافيًا لعِلَلنا وأدوائنا، سيما في أيام كهذه، اكفهرَّت فيها الأجواء، وأطبقت علينا الدنيا بظلماتها وظُلمها، وأصبح المسلمون أضعفَ أهل الأرض، تُستباح دماؤهم وأعراضهم، وأموالهم وأرضهم.

 

القرآن والسنة تحدثاننا عن الرجولة:

أيها المسلمون: لقد تحدث القرآن والسنة النبوية المطهرة عن الرجولة وصفات أهلها، فذكر عنهم أنهم أصحاب مسؤولية يتحملونها؛ فقال الله عنهم: ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ﴾ [النساء: 34]، وأن من صفاتهم أنهم أصحاب رشدٍ لا سَفَه فيهم؛ فقال عن قوم لوط عليه السلام: ﴿ وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ ﴾ [هود: 78]، وأنهم يتصفون بصفات التطهر والتزكية؛ قال الله تعالى: ﴿ لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ ﴾ [التوبة: 108]، ويتصفون بالجدية والتعالي على حظوظ النفس؛ قال الله تعالى عنهم: ﴿ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ﴾ [النور: 37]، وهم أصحاب وفاء وصدقٍ؛ قال الله تعالى: ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ﴾ [الأحزاب: 23]، وعندهم الإيجابية والفاعلية في الشدائد والملمَّات؛ قال الله تعالى: ﴿ وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ * فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [القصص: 20، 21]، وقال الله تعالى: ﴿ وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ ﴾ [يس: 20]، وفي السنة النبوية يذكر لنا النبي صلى الله عليه وسلم بعض صفات الرجال؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من نفَّس عن مسلم كربةً من كرب الدنيا، نفَّس الله عنه كربةً من كُرَبِ يوم القيامة، ومن يسَّر على مُعسر في الدنيا، يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر على مسلمٍ في الدنيا، ستر الله عليه في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد، ما كان العبد في عون أخيه))؛ [صحيح الترمذي].

 

الرجولة الحقَّة تظهر في الشدائد:

أيها المسلمون: ليست الرجولة بالسنِّ ولا بالجسم، ولا بالمال ولا بالجاه، وإنما الرجولة قوة نفسية تحمل صاحبها على معالي الأمور، وتُبعده عن سَفْسَافِها، قوة تجعله كبيرًا في صغره، غنيًّا في فقره، قويًّا في ضعفه، قوة تحمله على أن يعطيَ قبل أن يأخذ، وأن يؤدي واجبه قبل أن يطلب حقه، يعرف واجبه نحو ربه، ونحو نفسه، ونحو بيته، ودينه، وأمته، ثابتًا وقت الشدائد، صابرًا محتسبًا فيما نزل به من مِحن، يتميز عن غيره من الناس بصفات لا توجد عند غيره، له في نبيه صلى الله عليه وسلم ورسوله قدوة وأسوة، فقد ذُكر في محامد صفاته ورجولته من أقرب الناس إليه؛ خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها، قالت عن زوجها المبارك عليه الصلاة والسلام، الرجل في الشدائد والأزمات، حينما رجع إليها يخبرها بما رآه في غار حراء فقالت له: "فوالله لا يخزيك الله أبدًا؛ إنك لَتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكَل، وتَقري الضيف، وتُعين على نوائب الحق"؛ [البخاري عن عائشة رضي الله عنها]، وتتجلى الرجولة منه عليه الصلاة والسلام، في أول مواجهة مع الكفر وأهله، وأمام التهديد والوعيد في زمن شدة ومحنة؛ إذ يقول وقد ساوموه على ترك دينه فقال: ((ما أنا بأقدرَ على أن أدَع لكم ذلك، على أن تشعلوا لي منها شعلةً؛ يعني الشمس))؛ [حسن، السلسلة الصحيحة، عن عقيل بن أبي طالب]، فحياته كلها سلسلة من مظاهر الرجولة الحقَّة، والبطولة الفذة؛ إيمان لا تزعزعه الشدائد، وصبر على المكارِهِ، وعمل دائب في نصرة الحق، وهُيام بمعالي الأمور، وترفُّع عن سفاسفها؛ حتى إذا قبضه الله إليه لم يترك ثروة كما يفعل ذو السلطان، ولم يخلِّف أعراضًا زائلة كما يخلِّف الملوك والأمراء، إنما خلَّف مبادئ خالدة على مدار الدهر، كما خلف رجالًا يرعونها وينشرونها، ويجاهدون بأموالهم وأنفسهم من أجلها.

 

والرجولة الحقة في وقت الشدائد هي وقوف في وجه الباطل، وصَدْعٌ بكلمة الحق، وثبات في المواقف، وهي شجاعة وشهامة ومروءة، وكرم ونجدة ووفاء، فالرجل أعزُّ من كل معدِن نفيس، وأغلى من كل جوهر ثمين؛ لذا كانت الرجولة أمنية عُمَرِيَّة، لما تمنى عمر رضي الله عنه قال: "أتمنى رجالًا مثل أبي عبيدة بن الجراح، ومعاذ بن جبل، وسالم مولى أبي حذيفة؛ فأستعين بهم على إعلاء كلمة الله"؛ [المستدرك للحاكم]، رحم الله عمر الملهَم، لقد كان خبيرًا بما تقوم به الحضارات والرسالات، وتحيا به الأمم الهامدة قبل المعادن والثروات، فقد عرف أنها تحتاج قبل ذلك لرجال حقيقيين يرعونها، وعزائمَ قوية تنفذها، وأن وجودهم عزيز في دنيا الناس؛ فعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنما الناس كالإبل المائة، لا تكاد تجد فيها راحلةً))؛ [متفق عليه].

 

تظهر الرجولة في أشد وأخطر المواقف في اختبار صدقها، ولو كلف ذلك الأنفس والنفائس، فأعظم صدق للرجولة وأقوى موقف للبطولة، هو نصرة الرسل ومنهجهم ودعوتهم، ونصرة الحق، ووقفة ضد الباطل بلا مماراة، ولا مواربة، ولا محاباة، رجولة صادقة تكون مع الحق ضد الباطل، ولو قُتلت وحُرقت وشُردت، ولله درُّ مؤمن آل ياسين يا له من رجل! ذكره الله في قرآن يُتلى الليل والنهار؛ ذاك الذي قال الله فيه: ﴿ وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ ﴾ [يس: 20]، لقد وقف مع الحق ومع أصحاب الرسالات؛ فقال بصوت الرجل الصادق الواثق: ﴿ إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ ﴾ [يس: 25]، فقُتل شهيدًا؛ فكانت نتيجة الرجولة: ﴿ قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ ﴾ [يس: 26]، الله أكبر، كم للرجولة من مكرُمة وعطية! الله أكبر يا أهلنا في غزة، كم ينتظركم من عزٍّ ورفعة؛ فقد بذلتم كثيرًا من التضحيات، وعما قريب ستكون الأعطيات بإذن الله!

 

ولكم شاهد من شواهد الرجولة في إسلامنا العظيم؛ روى ابن حجر في الإصابة: "أن خالد بن الوليد استمد أبا بكر رضي الله عنهما لما حاصر الحيرة، فأمده بالقعقاع بن عمرو... وقال: لا يُهزم جيش فيه مثله... وقال أبو بكر رضي الله عنه عن القعقاع: لَصوتُ القعقاع في الجيش خيرٌ من ألف رجل"، وكتب عمر إلى سعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما: أي فارس كان أفرس في القادسية؟ فكتب إليه: "إني لم أرَ مثل القعقاع بن عمرو، حمل في يوم ثلاثين حملة، يقتل في كل حملة بطلًا".

 

ولما أبطأ على عمرو بن العاص فتحُ مصر، كتب إلى عمر بن الخطاب يستمده، فأمده عمر بأربعة آلاف رجل على كل ألف رجلٍ منهم رجلٌ، وكتب إليه عمر بن الخطاب: "إني قد أمددتك بأربعة آلاف رجل على كل ألف رجل منهم مقامُ الألف: الزبير بن العوام، والمقداد بن الأسود، وعبادة بن الصامت، ومسلمة بن مخلد، واعلم أن معك اثني عشر ألف رجل، ولا يُغلب اثنا عشر ألفًا من قلة"؛ [رواه في كنز العمال].

 

إنك تقرأ تاريخ المسلمين في صدر حياتهم فتملؤك روعة، وتعجب كيف كان هؤلاء البدو وهم لم يتخرجوا في مدارس علمية، ولم يتلقَّوا نظريات سياسية، حكَّامًا وقادة لخريجي العلم ووليدي السياسة، إنما هي الرجولة التي بثها فيهم دينهم وعظماؤهم، هي التي سَمَتْ بهم، وجعلتهم يفتحون أرقى الأمم مدنية وأعظمها حضارة؛ ثم هم لا يفتحون فتحًا حربيًّا يعتمد على القوة البدنية وكفى، إنما يفتحون فتحًا مدنيًّا إداريًّا منظمًا، يعلِّمون به دارسي العدل كيف يكون العدل، ويعلِّمون علماء الإدارة كيف تكون الإدارة، ويلقون بعملهم درسًا على العالم؛ أن قوة الخلق فوق مظاهر العلم، وقوة الاعتقاد في الحق فوق النظريات الفلسفية، والمذاهب العلمية، وأن الأمم لا تُقاس بفلاسفتها بمقدار ما تُقاس برجولتها.

 

إن الرجولة سرُّ حياة الأمم، ومصدر نهضتها، وإن تاريخ الأمم جميعًا إنما هو تاريخ من ظهر بها من الرجال النابغين، الأقوياء النفوسُ والإرادات، وإن قوة الأمم أو ضعفها إنما تُقاس بخصوبتها في إنتاج الرجال الذين تتوفر فيهم شرائط الرجولة الصحيحة، إن الرجل الواحد في وُسعه أن يبني أمة إذا صحَّت رجولته، وفي وسعه أن يهدمها كذلك، إذا توجهت هذه الرجولة إلى ناحية الهدم لا ناحية البناء.

 

عندما تضيع قيمة الرجولة بين الناس:

أيها المسلمون: لقد جُعلت للرجولة اليومَ مقاييس كاذبة، ومعايير فاسدة، ثم قاست الناس عليها أو خدعتهم بها، فتراهم يعُدون في الرجال كل من طال شاربه أو وفرت لحيته، أو من تقدمت سنه وشاب عارضاه، أو من بُسط له في جسمه وطالت قامته، أو من فُتلت عضلاته وقوِيت بُنيته، أو من برع في جمع المال وعدَّده، ولَعمر الله لو كانت الرجولة بهذه المقاييس وحدها، لامتلأت بالرجال الميادين، ولضاقت بهم البيوت، ولكن الرجولة أعلى من تلك الصفات وأسمى، فكم من شابٍّ في سن الثلاثين، أو كهلٍ في سن الأربعين، أو شيخ في سن السبعين، فإذا فتَّشت قلوبهم، وجدتَ قلوب أطفال وأفئدة مراهقين، تفرح بالتوافه وتبكي على الحقير، وتتطلع إلى ما ليس لها، وتشحُّ بما في أيديها.

 

لقد قال الله تعالى عن المنافقين: ﴿ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ﴾ [المنافقون: 4]، ومع ذلك فهم كأنهم خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ، يحسبون كل صيحة عليهم، يخافون من ظلِّهم، قلوبهم قلوب العصافير.

 

لأن الناس لا تُقاس بالحجم وبالوزن والجسم العريض، بل بالمواقف التي تثبت الرجولة؛ لأن الذي لا رجولة له في الدنيا لا قيمة له، ولا وزن له في الآخرة؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنه لَيأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة، فلا يزن عند الله جناح بعوضة؛ واقرؤوا إن شئتم قوله تعالى: ﴿ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا ﴾ [الفاتحة: 105]))؛ [البخاري ومسلم]، وعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: ((مرَّ رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لرجل عنده جالس: ما رأيك في هذا؟ فقال: رجل من أشراف الناس، هذا والله حريٌّ إن خطب أن يُنكح، وإن شفع أن يُشفع، قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم مرَّ رجل آخر، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما رأيك في هذا؟ فقال: يا رسول الله، هذا رجل من فقراء المسلمين، هذا حريٌّ إن خطب ألَّا يُنكح، وإن شفع ألَّا يُشفع، وإن قال ألَّا يُسمع لقوله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا خير من ملء الأرض مثل هذا))؛ [رواه البخاري ومسلم].

 

إن المتتبع لتاريخ البشرية عبر آيات رب البرية يرى أن البيان القرآنيَّ تكلم بوضوح عن الرجولة في زمن الأزمات، وعن الرجولة في وقت الامتحانات، وتكلم عن ضعف الرجولة الذي يكون الجبن والعجز والخور، فها هو موسى بن عمران عليه الصلاة والسلام يدعو قومه لدخول الأرض المقدسة؛ فيقول: ﴿ يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ ﴾ [المائدة: 21]، فيتلعثم أشباه الرجال؛ ويقولون: ﴿ يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ﴾ [المائدة: 24].

 

ولعل سائلًا يسأل عن أسباب ضياع الرجولة، فنضع سببًا واحدًا هو انقلاب المقاييس، التي حدثنا عنها نبينا؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((سيأتي على الناس سنوات خدَّاعات يصدَّق فيها الكاذب، ويكذَّب فيها الصادق، ويُؤتَمن فيها الخائن، ويخوَّن فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة، قيل: وما الرويبضة؟ قال: الرجل التافه في أمر العامة))؛ [صحيح ابن ماجه].

 

أيها الأحِبة: كم تؤلمنا كلمة نسمعها ممن عرف الإسلام، فقال: "يا له من دين لو كان له رجال"! مليار ونصف من المسلمين يُحسبون عليه، لكنهم "غثاء كغثاء السيل"؛ لا يقيمون مشروعًا ولا نظامًا، ولا يحمون ضعيفًا، ولا ينجدون ملهوفًا، وليس لهم كلمة موحَّدة بينهم، أهمَّتهم أنفسهم، وحكَمتهم شهواتهم، وسيرتهم مصالحهم، فلا وثقوا بأنفسهم، ولا اعتمدوا على ربهم، رجال يجمعهم الطمع، ويفرقهم الخوف والفزع، حتى الخطط حينما تُوضع، فلا يوجد رجال لتنفيذها وحمايتها من الفشل والفساد؛ لأن الرجل الحقيقي يصدق في عهده، ويفي بوعده، ويثبت على الطريق في وقت الشدة، مواقفه محسوبة وشرفه مرفوع، يخلد ذكره ويرفع قدره في الدنيا والآخرة؛ قال الله تعالى عنهم: ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ﴾ [الأحزاب: 23].

 

كيف نحقق الرجولة في حياتنا؟

أيها المسلمون: إن جماع الخير، ومعراج الفلاح، أن تربي نفسك على المعالي والأهداف العظيمة، والرجولة أن تعرف قيمة ذاتك، فليست الحياة الكريمة أن تلبَس أحسن اللباس، ولا أن تسكن فارهَ المساكن، ولا أن تحوز أضخم الأرصدة، ليس ذلكم هو النجاح، وليست هذه الرجولة، وليس هذا هو التفوق، بل هو الإخفاق بعينه إن قصرت الهمة عليه، وماذا يغني عن الإسلام رجالٌ أهمتهم أنفسهم، وحكَمتهم شهواتهم، وسيرتهم مصالحهم، فلا وثقوا بأنفسهم، ولا اعتمدوا على ربهم، رجال يجمعهم الطمع، ويفرقهم الخوف، أو كما قيل: يجمعهم مزمار وتفرقهم عصا؟!

 

إن معيار الرجولة الحقة هو ما يقدمه الإنسان من أعمال وما يتركه من مآثر، إلا أن هذه الأعمال لا تأتي من فراغ، ولا تصدر عن غير منبِت، فهي فروع لأصول، هذه الأصول هي الخصائص النفسية، والمزايا الخلقية التي يتصف بها الإنسان، والتي منها ما هو أصليٌّ طُبع عليه الإنسان، ومنها ما هو مكتسب بالمران والاجتهاد، فمنها:

أولًا: العلم والأخلاق: يأتي على رأس هذه الأصول؛ العلم والأخلاق، إذ لا يبلغ الإنسان أن يرتفع في مدارج الرجولة والعظمة، ما لم يكن له نصيب من العلم، ونصيب من الأخلاق، وكلما ترقى فيهما، ازداد رقيًّا في مراتب الرجولة والعظمة.

 

ثانيًا: علو الهمة والعزم والتصميم: لا يمكن لإنسانٍ أن يحقق شيئًا ذا أثر في الحياة، ما لم تتوفر له همة عالية، وعزم أكيد، وتصميم على الترقي في مدارج الكمال والمجد، فضِعاف النفوس خائرو القوى، أعجز من أن يحققوا شيئًا ذا قيمة في حياتهم، فضلًا عن أن يحققوا شيئًا ذا أثر في حياة الناس.

 

ثالثًا: سمو النفس والترفع عن المغريات: كثير من الناس يسقطون في مضمار الحياة، ويعجزون عن الترقي في درجات المجد؛ لأنهم لم ينتصروا على أنفسهم ولم يطوِّعوها لمعالي الأمور، بل خضعوا لنزواتها واستعبدتهم شهواتها، وصاروا لا يتحركون في الحياة إلا تلبية لرغباتها، ولذلك فهم أفشل الناس في مجال العلاقات، والتأثير الإيجابي.

 

رابعًا: العيش للناس وعدم الانغلاق على الذات: بلاء الإنسانية الأكبر، ومرضها الأظهر؛ داء الأنانية والأثَرة، الذي يسيطر على معظم الناس، ويجعل منهم عبيدًا لأنفسهم لا يعيشون إلا لها، ولا يحرصون إلا على نفعها، وإن أدى ذلك إلى دمار الإنسانية كلها وموت الناس أجمعين؛ ولذلك فإن من أمارات العظمة وعلائم الرجولة الحقة؛ أن يعيش الإنسان لهدف أعظم وغاية أسمى، وهو ما يدفعه إلى القيام بجلائل الأعمال؛ خدمةً لدينه وأمته والإنسانية جمعاء.

 

خامسًا: الارتباط بالأمة وقِيَمها ورموزها العظيمة وتاريخها المجيد: لا يتحقق للإنسان وصف الانتماء بحقٍّ إلى دين من الأديان أو أمة من الأمم، ما لم يكن هناك رابط وثيق يربط قلبه وروحه بدينه وأمته، وإذا وُجد هذا الرباط، كان دافعًا للإنسان إلى السعي للرجولة الحقة.

 

سادسًا: الشهامة في المواقف والخطوب: ما أكثر الذين تتسع دعاواهم عريضة في حال اليُسر، بأنهم دون غيرهم أهلُ الشهامة والمروءة والرجولة الحقة، وأنهم لا يتخلفون عن نجدة صديقٍ، ولا يترددون في نصرة مظلوم، ولا يتأخرون عن مكرمة من المكارم، ولكنهم إذا جدَّ الجد، بان كذبهم، وافتضحت سرائرهم، وتلاشت دعاواهم العريضة، والقلة من الرجال من تثبت عند الخطوب، وتقف شامخة أمام العواصف المدمِّرة دون خوف ولا وجَلٍ!





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • هكذا يكون الرجال
  • هم الرجال (قصيدة في رثاء أ.د. عبد الحليم عويس)
  • علم تاريخ الرجال في الأندلس وقيمته العلمية
  • الناس معادن (قصيدة)
  • معادن الناس (1) (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • قصة الرجال الثلاثة الذين أغلق عليهم الغار(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شدة جمالي ونظرات الرجال(استشارة - الاستشارات)
  • مخطوطة التذهيب (مختصر تهذيب الكمال في أسماء الرجال) (ج3)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • كلنا رجال تربية وتعليم (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أطفال اليابان رجال الميدان(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • ما انتقد على «الصحيحين» ورجالهما، لا يقدح فيهما، ولا يقلل من شأنهما(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الأجراء الرجال (عمالة الرجال الأحرار) في المغرب والأندلس: دراسة تاريخية وثائقية (PDF)(كتاب - ثقافة ومعرفة)
  • مخطوطة تهذيب تهذيب الكمال في أسماء الرجال (ج2) ( مختصر تهذيب الكمال في أسماء الرجال )(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • المتشددون والمتساهلون والمعتدلون في الجرح والتعديل(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تبيين معادن المعاني لمن إلى تبيينها دعاني (رسالة في مناهج التفسير) (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • تكريم طلاب الدراسات الإسلامية جنوب غرب صربيا
  • ختام الندوة التربوية لمعلمي رياض الأطفال المسلمين في البوسنة
  • انطلاق سلسلة محاضرات "ثمار الإيمان" لتعزيز القيم الدينية في ألبانيا
  • أكثر من 150 مشاركا يتعلمون مبادئ الإسلام في دورة مكثفة بمدينة قازان
  • انطلاق فعاليات شهر التاريخ الإسلامي 2025 في كندا بمشاركة واسعة
  • أطباء مسلمون يقودون تدريبا جماعيا على الإنعاش القلبي الرئوي في سيدني
  • منح دراسية للطلاب المسلمين في بلغاريا تشمل البكالوريوس والماجستير والدكتوراه
  • مبادرة "زوروا مسجدي 2025" تجمع أكثر من 150 مسجدا بمختلف أنحاء بريطانيا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 16/4/1447هـ - الساعة: 12:50
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب