• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    المسلم الإيجابي (خطبة)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    الضحك والبكاء في الكتاب والسنة (خطبة)
    الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري
  •  
    رسول الشيب
    عبدالله بن عبده نعمان العواضي
  •  
    من مفاسد التصوير (خطبة)
    خالد سعد الشهري
  •  
    محمد بن إسماعيل البخاري وإجماع الأمة على تلقي ...
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    ضيافة الصديق سعة بعد ضيق (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    مشاهد من همة الصحابة في القيام بحق القرآن
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    طلب العلم وتعليمه فضائل وغنائم (خطبة)
    عبدالعزيز أبو يوسف
  •  
    يا معشر الشباب... تزوجوا
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    خلاف العلماء في طرق تطهير الماء المتنجس
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    إدمان التسوق
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    المزابنة والمحاقلة
    عبدالرحمن بن يوسف اللحيدان
  •  
    زاد الداعية (11) {واصبر على ما أصابك}
    صلاح صبري الشرقاوي
  •  
    تحريم إنكار إرادة الله تبارك وتعالى أو إرادة ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    خطبة: عظمة الرسول صلى الله عليه وسلم
    أ. د. حسن بن محمد بن علي شبالة
  •  
    القواعد الشرعية المستنبطة من النصوص الواردة في ...
    أ. د. فالح بن محمد الصغير
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / النصائح والمواعظ
علامة باركود

رسول الشيب

رسول الشيب
عبدالله بن عبده نعمان العواضي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 7/10/2025 ميلادي - 15/4/1447 هجري

الزيارات: 78

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

رسول الشيب

 

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهدِهِ الله، فلا مضلَّ له، ومن يضلل، فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

 

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]؛ أما بعد أيها المسلمون:

فهذا الإنسان موجود بعد عدم، وميت بعد حياة، وحي بعد موت، ينتقل بين الضعف والقوة، والقوة والضعف، حتى يستقر في الحياة الأبدية بلا تغيير.

 

قال الله تعالى: ﴿ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [البقرة: 28].

 

وقال جل وعلا: ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ ﴾ [الروم: 54].

 

فالإنسان يولَد إلى هذه الحياة طفلًا ضعيفًا، ثم يصير شابًّا فتيًّا، ثم يبدأ بالانحدار فيصبح شيخًا ضعيفًا، ثم هرمًا منحنيًا؛ كالزرع يبدأ خضرًا نضرًا، ثم يكون أصفر يابسًا؛ قال تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [الزمر: 21].

 

عباد الله، ألَا وإن من علامات ابتداء الضعف والكبَر، وأمارات اقتراب غروب شمس العمر عن البشر: لَمعانَ الشيب على سود الشعور.

 

فمع تقدم سنِّ الإنسان تظهر شعرات بيضاء على رأسه أو لحيته أو شاربه، والشيب الطبيعي يبدأ في منتصف الثلاثين من العمر، وإذا ظهر قبل ذلك، فقد يكون بسبب الوراثة، أو الإجهاد الذهني أو النفسي، أو نقص في بعض العناصر الغذائية، كما يقول أهل الاختصاص.

 

ولو تأملتم - معشر الكرام - في زيادة الشيب، فقد تلحظون أن بعض الناس يزداد شيبُه في وقت قصير أكثر من الأوقات السابقة من حياته، وهذا له أسباب تُضاف إلى بعض الأسباب المتقدمة؛ فقد يكثُر شيب المرء بسبب شدة مرض وتطاوله، أو زيادة المشكلات والهموم والضغوط النفسية، أو كثرة الفزع والخوف من شيء أو على شيء.

 

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله، أراك قد شِبتَ، قال: ((شيبتني هود، والواقعة، والمرسلات، وعم يتساءلون، وإذا الشمس كورت))[1].

 

يعني: ظهر الشيب على رسول الله عليه الصلاة والسلام فزعًا على أمته، وخوفًا عليها من عذاب الله؛ لِما في هذه السور من الأهوال[2].

 

وقال الشاعر:

وما شاب رأسي من سنين تتابعت
عليَّ ولكن شيبتني الوقائعُ[3]

وقال الآخر:

والهم يخترم الجسيم نحافةً
ويشيِّب ناصية الصبي ويهرم[4]

وقيل لعبدالملك بن مروان: عجل عليك الشيب، فقال: كيف لا يعجل عليَّ وأنا أعرض عقلي على الناس في كل جمعة مرة أو مرتين[5].

 

أيها المؤمنون، إن هجوم المشيب مع تقدم عمر الإنسان يحمل معه الوهن والضعف، والفتور وقلة الاحتمال، وكثرة الأمراض، وضعف التلذذ بملذات الحياة.

 

هكذا تبدو حال الحياة لمن طالت به الأيام، وتقدمت به الأعوام، فلا بد للصباح من المساء، والرحلة من العودة، والكمال من النقصان؛ قال الله تعالى: ﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا ﴾ [مريم: 4].

 

وصدق من قال:

أودى الشباب الذي مجدٌ عواقبُه
فيه تلذ ولا لذَّات للشيبِ
ولى حثيثًا وهذا الشيب يتبعه
لو كان يدركه ركض اليعاقيبِ[6]

 

وقال الآخر:

إذا اصفرَّ لون المرء وابيض شعره
تنغَّص من أيامه مستطابها[7]

أيها الإخوة الفضلاء، إن الشيب نذير مبين، ورسول أمين، يحمل معه الوعظ والتذكير، والحث على الاستعداد ليوم المصير؛ قال الله تعالى: ﴿ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ ﴾ [فاطر: 37]؛ عن ابن عباس رضي الله عنهما: "﴿ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ ﴾ [فاطر: 37]، قال: الشيب"[8].

 

وقال الحريري:

أما بان لك العيب
أما أنذرك الشيب
وما في نصحه ريب
ولا سمعك قد صم[9]

 

ألا ترون – أيها الكرام - أن الشيب ضيف يأتي للتنبيه من سكرة الغفلات، والإنقاذ من الغرق في بحار الشهوات؛ فهو مطية الأجل، وحادٍ إلى سرعة العمل، فما لك - أيها الإنسان الكبير - والتصابي، والاستمرار على اللهو وقد ناداك المنادي؟!

 

يا من يصيخ إلى داعي الشقاء وقد
نادى به الناعيان الشيب والكِبَرُ
إن كنت لا تسمع الذكرى ففيمَ ترى
في رأسك الواعيان السمع والبصرُ[10]

 

رأى إياس بن قتادة العبشمي شيبةً في لحيته فقال: "أرى الموت يطلبني، وأراني لا أفوته، أعوذ بالله من فجأة الأمور، يا بني سعد، قد وهبت لكم شبابي، فهبوا لي شيبي"، ولزم بيته[11].

 

يا من قد بلغت الأربعين وتبسَّم الشيب في سواد شعرك مع مرور السنين؛ لا تظن أنك ما زلت صغيرًا، ولم تصر بعدُ كبيرًا، فتجهز للسفر إلى وطنك الحقيقي، فالأمر أسرع مما تتصور؛ قال مسروق بن الأجدع: "إذا بلغ أحدكم أربعين سنة فليأخذ حذره من الله، وقال النخعي: كانوا يطلبون الدنيا، فإذا بلغوا الأربعين طلبوا الآخرة"[12].

 

ووعظ أعرابي ابنًا له أفسد ماله في الشراب فقال: "لا الدهر يعظك، ولا الأيام تنذرك، ولا الشيب يزجرك، والساعات تُعَد عليك، والأنفاس تُعَد منك، والمنايا تُقاد إليك"[13].

 

فيا من زاره الشيب، وما زال مسرفًا على نفسه بالخطايا، قد أتاك الشيب ناصحًا فاقبل نصحه، وزاجرًا فاسمع زجره؛ فمن لم يردَّه الشيب عن الغواية، ويسلك به طريق الهداية، فمتى سيتعظ؟!

 

قال بعض الصالحين: "من لم يتعظ بثلاث لم يتعظ بشيء: الإسلام، والقرآن، الشيب"[14].

 

إنها لمأساة كبيرة - يا عباد الله - أن نرى من قد شاب شعره وهو لا يزال معرضًا عن ربه، يقضي أوقاته في البعد عن الطاعات، وارتكاب المحرمات، ويبقى الساعات تلو الساعات في العكوف على الجوال لمشاهدة المسلسلات، أو المقاطع الفاضحات، أو إيذاء النساء بالمراسلات.

 

ألا يستحي من هذه حاله من شيبته، فهل ذو الشيب يلعب؟ ألَا يكفيه الإسلام زاجرًا، والشيب ناهيًا؟ فكأني بالمنادي يناديه قائلًا:

ألا أيها اللاهي وقد شاب رأسه
ألمَّا يزِعك الشيب والشيب وازعُ
أتصبو وقد ناهزت خمسين حجةً
كأنك غرٌّ أو كأنك يافعُ[15]

 

وقال الآخر:

وفي الشيب ما ينهى الحليم عن الصبا
إذا اشتعلت نيرانه في عذارِهِ
وأي امرئ يرجو من العيش غبطةً
إذا اصفرَّ منه العود بعد اخضرارِهِ[16]

 

إن العبد إذا كثرت في شيبه سيئاتُه، وقلت حسناته، ولم يصلح ما أفسده في شبابه؛ فما أسوأ حاله، وأردأ مآله! فقد قيل: "لا تقتدِ بمن لا يخاف الله بظهر الغيب، ولا يصلح عند الشيب"، وقال عمر رضي الله عنه لرجل: "أما تنهاك شماطتك من معاصي الله؟"[17].

 

ولقد أحسن من قال:

وما أقبح التفريط في زمن الصبا
فكيف به والشيب في الرأس شاملُ[18]

فما أجَلَّ من عاد إلى ربه عند مشيبه، واستحيا منه في بقائه على ذنوبه، وانتصر على هواه وشيطانه، وتحرر من رق لهو الشباب وعدوانه!

 

وصف بعضهم رجلًا شابَ وارعوى عن مجاهل الشباب، فقال: "ذاك قد عصى شياطين الشباب، وأطاع ملائكة الشيب"[19].

 

معشر المسلمين، وإن كان نزول الشيب بالإنسان يجيء معه الضعف للأبدان، غير أنه يورِث الحكمة، وشروق الأذهان، ويُظهر عمق التجربة في الحياة، فمرور الأعوام يعلِّم الإنسان ويربِّيه، ويفتح آفاق عقله ويقوِّيه، فمن عاش حتى شاب فقد عرف الحياة وعرفته، وعركها وعركته، فاستخرج منها الدروس والعِبر.

 

كان بعض الحكماء يقول: "إذا شاب العاقل، سرى في طريق الرشد بمصباح الشيب"[20].

 

ورأى حكيم طارئَ شيبة فقال: "مرحبًا بثمرة الحكمة، وجنى التجربة، ولباس التقوى"[21].

 

لهذا فـ"الشيب زبدة مخَضَتها الأيام، وفضة سبكتها التجارب، وفي الشيب استحكام الوقار، وتناهي الجلال، وميسم التجربة، وشاهد الحنكة"[22]؛ كما قيل.

 

وقد ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام ما يبين فضل الشيب للمسلم الصالح؛ فقد أخبر صلى الله عليه وسلم أن الشيب نور للمؤمن؛ لأنه يزيح عن طريقه غفلة الشباب، وغشاء الغرور، وحجاب الطيش، وفي الآخرة يُكسى به النور؛ لكونه كساه التقوى في الدنيا، وحسن الأوبة إلى ربه تعالى، وأخبرنا أيضًا أن الشيب سبب لكثرة الحسنات، ورفعة الدرجات؛ فعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الشيب نور المؤمن، لا يشيب رجلٌ شيبةً في الإسلام إلا كانت له بكل شيبة حسنة، ورُفع بها درجةً))[23].

 

وجاء عن نبي الله إبراهيم عليه السلام أن الله أخبره أن الشيب وقار، فطلب زيادة الوقار؛ فعن سعيد بن المسيب أنه قال: "رأى إبراهيم شيبة منه، فقال: يا رب ما هذا؟ فقال الله تبارك وتعالى: وقار يا إبراهيم، فقال: ربِّ زدني وقارًا"[24].

 

عباد الله، إن لمِن شابَ في المجتمع المسلم حقوقًا على الأقربين والأبعدين، فالشيب عنوان الوقار، ومحط الإكرام، فينبغي للمجتمع أن يوقر ذوي الشيب، وأن يُجلهم، ويُحسن إليهم، وأن يتعامل معهم برحمة ورفق، وأن يقدمهم في الخدمة، والمجالس، والاستشارة، وفي وسائل المواصلات؛ فقد حثنا رسول الله عليه الصلاة والسلام على إعطائهم هذا الإكرامَ؛ فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن من إجلال الله: إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط))[25].

 

وعلى القريب أن يزيد على ذلك احترام إخوته الكبار وأخواته الكبيرات، وأن يبَر والديه ويحسن إليهما، ويحرص على راحتهما، والحفاظ على الهدوء في البيت من أجلهما؛ فإن كِبر السن يحتاج إلى لطف، وحسن رعاية، وإبعاد عن الإزعاج والمشكلات.

 

قال الله تعالى: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾ [الإسراء: 23، 24].

 

نسأل الله أن يتقبل صالح أعمالنا، وأن يحسن خاتمنا.

 

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد أيها المسلمون:

فيستحب لمن شاب شعره أن يغيِّره بلون آخر: أحمر أو أصفر، وأفضل ذلك: الحِنَّاء والكَتَم.

 

فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((غيِّروا الشيب، ولا تشبَّهوا باليهود والنصارى))[26].

 

وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أحسن ما غُيِّر به هذا الشيب: الحناء، والكتم))[27].

 

ولا يجوز للرجال ولا للنساء تغيير الشيب باللون الأسود مطلقًا، ومنه أن يكون التغيير لقصد الزينة، أو لإظهار الصغر عند إرادة خطبة أو غيرها؛ فإن هذا من الكذب والخداع؛ فقد جاء عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما، قال: أُتِيَ بأبي قحافة يوم فتح مكة ورأسه ولحيته كالثغامة بياضًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((غيِّروا هذا بشيء، واجتنبوا السواد))[28].

 

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((غيِّروا الشيب، ولا تقربوه السواد))[29].

 

وكما لا يجوز تغيير الشيب باللون الأسود، لا يجوز أيضًا نتف الشعرات البيض من بين السود؛ فقد روى عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: ((نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نتف الشيب، وقال: هو نور المؤمن، وقال: ما شاب رجل في الإسلام شيبةً إلا رفعه الله بها درجةً، ومُحيت عنه بها سيئة، وكُتبت له بها حسنة))[30].

 

فيا من جاءه الشيب وزاره، وقدم إليه نصحه وإنذاره؛ استعدَّ للعودة إلى دار الوطن، والإقامة بعد الظعن؛ فقد تبسمت في وجهك المنايا، فقدِّم لها توبة من الخطايا، وكثرةَ طاعة، تنفعك يوم قيام الساعة.

 

قال بعض العلماء:

ألا فامْهَد لنفسك قبل موت
فإن الشيب تمهيدُ الحِمامِ
وقد جدَّ الرحيل فكن مجدًّا
لحط الرحل في دار المقامِ[31]

 

وقل لقلبك إذا لم يزل متعلقًا بالهوى والشهوات:

ألم يأنِ لي يا قلب أن أترك الجهلا
وأن يُحدث الشيب المبين لنا عقلا[32]

ويا مَن ما زال شابًّا قويًّا، وشعره أسودَ فاحمًا، لا تغترَّ بشبابك وقوتك؛ فتؤخر التوبة من السيئات، والإقبال على الطاعات؛ فإن الموت لن يصطفي ذوي الشيب، ويدَع أهل الشباب، فكم قد سبق إلى الموت شبَّان قبل آبائهم، وكبار إخوانهم وأخواتهم!

 

"كان عيسى عليه السلام إذا مر على الشباب قال لهم: كم من زرع لم يدرك الحصاد! وإذا مر على الشيوخ قال: ما ينتظر بالزرع إذا أدرك إلا أن يُحصد"[33].

 

ثم اعلموا - معشر الشبان الكرام - أن تعوُّد الطاعة، واجتناب المعصية في الصغر، يُعين على ذلك في الكبر، فمن شبَّ على شيء شاب عليه، فكم نجد في كبار السن من له همة الشباب ونشاطه في كثرة مداومته على الطاعات، وصبر نفسه على كثير من العبادات التي تؤدي إلى حسن الخاتمة!

 

واسمعوا - رحمكم الله - ما قاله العالم العابد ابن عقيل رحمه الله عن حاله، وقد جاوزت سنه يومئذٍ السبعين عامًا، يقول: "عصمني الله في شبابي بأنواع من العصمة، وقصر محبتي على العلم، وما خالطت لعابًا قط، ولا عاشرت إلا أمثالي من طلبة العلم، وأنا في عشر الثمانين أجد من الحرص على العلم أشدَّ مما كنت أجده وأنا ابن عشرين، وأنا اليوم لا أرى نقصًا في الخاطر، والفكر، والحفظ، وحدَّة النظر بالعين لرؤية الأهِلَّة الخفية، إلا أن القوة ضعيفة"[34]، وصدق من قال:

ما شاب عزمي ولا حزمي ولا خُلقي
ولا وفائي ولا ديني ولا كرمي
وإنما اعتاض رأسي غيرَ صبغته
والشيب في الرأس ليس الشيب في الهِمم[35]

 

نسأل الله أن يصلح أحوالنا، ويختم بالخيرات أعمارنا.

 

هذا، وصلوا على خير البشر...



[1] رواه الترمذي والحاكم وأبو يعلى والحاكم، وهو صحيح.

[2] للفائدة: قال القرطبي في حديث: (شيبتني هود ...): "فالفزع يورث الشيب؛ وذلك أن الفزع يذهل النفس فينشف رطوبة الجسد، وتحت كل شعرة منبع، ومنه يعرق، فإذا انتشف الفزع رطوبته، يبست المنابع فيبس الشعر وابيضَّ، كما ترى الزرع الأخضر بسقاية، فإذا ذهب سقاؤه يبس فابيضَّ، وإنما يبيض شعر الشيخ لذهاب رطوبته ويُبس جلده، فالنفس تذهل بوعيد الله، وأهوال ما جاء به الخبر عن الله، فتذبل، وينشف ماءها ذلك الوعيد والهول الذي جاء به، فمنه تشيب؛ وقال الله تعالى: {يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا} [المزمل: 17]، فإنما شابوا من الفزع، وأما سورة هود فلما ذكر الأمم، وما حل بهم من عاجل بأس الله تعالى، فأهل اليقين إذا تلَوها تراءى على قلوبهم من ملكه وسلطانه البطش بأعدائه، فلو ماتوا من الفزع لحُق لهم، ولكن الله تبارك وتعالى اسمه يلطف بهم في تلك الأحايين حتى يقرأوا كلامه"؛ [تفسير القرطبي (9/1)].

[3] ربيع الأبرار ونصوص الأخيار (3/ 36).

[4] الذخائر والعبقريات (2/ 19).

[5] عيون الأخبار (2/ 282).

[6] الشعر والشعراء (1/ 264).

[7] الدر الفريد وبيت القصيد (2/ 287).

[8] الدر المنثور في التفسير بالمأثور (7/ 32).

[9] مقامات الحريري (ص: 106).

[10] تفسير ابن كثير (5/ 385).

[11] التذكرة الحمدونية (2/ 152).

[12] التذكرة الحمدونية (6/ 11).

[13] نثر الدر في المحاضرات (6/ 40).

[14] ربيع الأبرار ونصوص الأخيار (3/ 39).

[15] الأوراق قسم أخبار الشعراء (1/ 185).

[16] الازدهار فيما عقده الشعراء من الأحاديث والآثار (ص: 11).

[17] ربيع الأبرار ونصوص الأخيار (3/ 39).

[18] ربيع الأبرار ونصوص الأخيار (3/ 43).

[19] اللطائف والظرائف (ص: 256).

[20] اللطائف والظرائف (ص: 256).

[21] ربيع الأبرار ونصوص الأخيار (3/ 40).

[22] سحر البلاغة وسر البراعة (ص: 35).

[23] رواه البيهقي في شعب الإيمان بإسناد حسن، ورواه غيره بلفظ مقارب، وإسناده صحيح.

[24] رواه الإمام مالك في الموطأ (1928 – رواية أبي مصعب).

[25] رواه البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود، وابن أبي شيبة، والبيهقي، وغيرهم، وإسناده حسن.

[26] رواه أحمد، والنسائي، والبيهقي، وابن حبان، وغيرهم، وإسناده حسن.

[27] رواه الخمسة، وغيرهم، وهو صحيح.

[28] رواه مسلم؛ قال النووي في شرح هذا الحديث: "ومذهبنا: استحباب خضاب الشيب للرجل والمرأة بصفرة أو حمرة، ويحرم خضابه بالسواد على الأصح، وقيل: يكره كراهة تنزيه، والمختار: التحريم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((واجتنبوا السواد))؛ [شرح النووي على مسلم (14/ 80)].

[29] رواه أحمد، وأبو يعلى، وهو صحيح.

[30] رواه أحمد، وأبو داود، وغيرهما، وإسناده حسن.

[31] حماسة الظرفاء (ص: 5).

[32] تفسير القرطبي (17/ 248).

[33] التذكرة الحمدونية (6/ 11).

[34] سير أعلام النبلاء (19/ 446).

[35] نزهة الأبصار بطرائف الأخبار والأشعار (ص: 106).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • أبيات في مدح الشيب
  • الترفع عما يشين النفس في الشيب والشباب
  • الشيب والموت في الشعر
  • قصائد عن الشيب والشباب
  • خاتمة بحث صورة الشيب والشباب في الشعر الأندلسي
  • غيروا الشيب واجتنبوا السواد
  • الشيب رسول الموت ونذيره

مختارات من الشبكة

  • صلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم (خطبة)(مقالة - ملفات خاصة)
  • حديث: يا رسول الله، إن امرأتي ولدت غلاما أسود(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
  • شرح كتاب الأصول الثلاثة: من قول المؤلف: ودليل شهادة أن محمدا رسول الله...(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • تخريج حديث: من حدثكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبول قائمًا فلا تصدقوه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • النهي عن التسمي بسيد الناس أو بسيد ولد لآدم لغير رسول الله صلى الله عليه وسلم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • رسول الرحمة والإنسانية (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • اكتشف أبناءك كما اكتشف رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه رضوان الله عليهم (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • لو عرفوك لأحبوك وما سبوك يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حديث: كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
  • الطريق إلى معرفة ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • انطلاق سلسلة محاضرات "ثمار الإيمان" لتعزيز القيم الدينية في ألبانيا
  • أكثر من 150 مشاركا يتعلمون مبادئ الإسلام في دورة مكثفة بمدينة قازان
  • انطلاق فعاليات شهر التاريخ الإسلامي 2025 في كندا بمشاركة واسعة
  • أطباء مسلمون يقودون تدريبا جماعيا على الإنعاش القلبي الرئوي في سيدني
  • منح دراسية للطلاب المسلمين في بلغاريا تشمل البكالوريوس والماجستير والدكتوراه
  • مبادرة "زوروا مسجدي 2025" تجمع أكثر من 150 مسجدا بمختلف أنحاء بريطانيا
  • متطوعو كواد سيتيز المسلمون يدعمون آلاف المحتاجين
  • مسلمون يخططون لتشييد مسجد حديث الطراز شمال سان أنطونيو

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 14/4/1447هـ - الساعة: 16:16
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب