الآيات الإنسانية في القرآن الكريم

الآيات الإنسانية في القرآن الكريم

الحمد لله الذي علَّم بالقلم، علَّم الإنسان ما لم يعلم، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد:

تعريف الآيات الإنسانية لغة واصطلاحًا:

الآيات: جمع آية؛ وهي في اللغة كلمة مشتقة إما من أَيُّ؛ فإنها التي تبين أيًّا من أيٍّ - أي: شيئًا من شيء - وإما أن يكون اشتقاقها من التأيي، الذي هو التثبت والإقامة، أو من أوى إليه الذي يدل على التجمع، فمن جعلها من (أيي) فموضع العين عنده ياء، ومن جعلها من (أوى) فموضع العين عنده واو[1]_.

وحقيقة الآية أنها: كل شيء ظاهر هو ملازم لشيء لا يظهر ظهوره، فمتى أدرك مدركٌ الظاهرَ منهما، علم أنه أدرك الآخر الذي لم يدركه بذاته، إذ كان حكمهما سواءً، وذلك ظاهر في المحسوسات والمعقولات، فمن علِم بملازمة العَلَم للطريق المنهج، ثم وجد العلَم - علم أنه وجد الطريق، وكذا إذا علم شيئًا مصنوعًا علم أنه لا بد له من صانع[2]_.

واختُلف في وزنها، فقال الخليل وسيبويه: (فَعَلَة)، بفتح العين، والعين ياء أو واو، فلما تحركت وانفتح ما قبلها، أُبدلت ألفًا.

وقال الفرَّاء والكسائي: وزنها (فاعلة) والذاهبة اللام، ولو جاءت تامةً لجاءت آيية، فخُففت، وقيل: الذاهبة العين تخفيفًا أيضًا.

وقيل: هي على وزن (فَعْلَة) بسكون العين، فقُلبت الياء ألفًا لانفتاح ما قبلها، وهذا قلب شاذ[3]_.

قال ابن منظور[4]: والآية من التنزيل، ومن آيات القرآن العزيز، قال أبو بكر: سميت الآية من القرآن آية؛ لأنها علامة لانقطاع كلام من كلام.

ويُقال: سُمِّيت الآية آية؛ لأنها جماعة من حروف القرآن.

وقال ابن حمزة: الآية من القرآن، كأنها العلامة التي يُفضَى منها إلى غيرها، كأعلام الطريق المنصوبة للهداية[5]_.

وقيل: سميت آية لأنها علامة على صدق من أتى بها، وعلى عجز المتحدَّى بها.

وقيل: لأنها علامة على انقطاع ما قبلها من الكلام منها، وانقطاعها مما بعدها[6]_.

فهي تُطلق في اللغة على عدة معانٍ:

أولها: المعجزة؛ ومنه قوله تعالى: ﴿ سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ ﴾ [البقرة: 211]؛ أي: من معجزة واضحة، وقوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ﴾ [الإسراء: 101]، إلى غير ذلك من الآيات.

ثانيها: العلامة؛ ومنه قوله تعالى: ﴿ وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾ [البقرة: 248].

ثالثها: العِبرة؛ ومنه قوله تعالى: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [الشعراء: 8]؛ أي: عِبرة لمن بعدهم.

رابعها: الأمر العجيب؛ ومنه قوله تعالى: ﴿ وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ ﴾ [المؤمنون: 50].

خامسها: الجماعة، ومنه قولهم: خرج القوم بآيتهم؛ أي: بجماعتهم.

سادسها: البرهان والدليل؛ ومنه قوله تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ ﴾ [الروم: 20][7].

تعريف الآية في الاصطلاح: قال التهانوي[8]: هي ما تبين أوله وآخره توقيفًا من طائفة من كلامه تعالى بلا اسم.

قال: وقوله: بلا اسم، احتراز عن السورة، وهذا التعريف أصح[9].

قال الجعبري[10]: حدُّ الآية قرآن مركَّب من جمل، ولو تقديرًا، ذو مبدأ ومقطع، مندرج في سورة، وقيل: هي الواحدة من المعدودات في السور.

وقال بعضهم: الآية طائفة من حروف القرآن عُلم بالتوقيف انقطاعها معنًى عن الكلام الذي بعدها في أول القرآن، وعن الكلام الذي قبلها في آخر القرآن، وعما قبلها وما بعدها في غيرها، غير مشتمل على مثل ذلك، وبهذا القيد خرجت السورة؛ لأنها تشتمل على آيات، والآية لا تشتمل على آية أصلًا[11]_.

وخلاصة التعريفات أنها: طائفة من القرآن أو من الحروف القرآنية مستغنية عما قبلها وما بعدها تحقيقًا أو تقديرًا، ذات مبدأ ومقطع دالة على انقطاع الكلام غير مشتملة على مثلها[12].

وليس ثمة ما يمنع أن يفسَّر لفظ (الآية) في القرآن الكريم بأكثر من معنى من المعاني المتقدمة، أو بمعنى من المعاني التي ذكرنا؛ إذ إن معظم معاني لفظ (الآية) الآنفة الذكر متداخلة ومترابطة، وهي تعود في معناها إلى أصلها اللغوي، وهو معنى العلامة؛ لذا نجد بعض المفسرين يذكرون معنى من هذه المعاني للفظ (الآية)، في حين نجد بعضًا آخر يفسره بمعنى ثانٍ، ومردُّ ذلك إلى ما بيناه.

وأما عدد آيات القرآن فقد قال فيه أبو عمرو الداني: أجمعوا على أن عدد آيات القرآن ستة آلاف ومائتا آية، ثم اختلفوا فيما زاد على ذلك، فمنهم من لم يزِد، ومنهم من قال: ومائتا آية وأربع آيات وقيل: وأربع عشرة آية، وقيل: وخمس وعشرون آية، وقيل: وست وثلاثون آية[13].

وسبب الخلاف: يرجع إلى اختلاف القرَّاء البصريين والكوفيين والشاميين والمكيين والمدنيين في العدد.

وفي قراءة حفص عن عاصم[14]، فعددها ستة آلاف ومائتان وست وثلاثون آية، وهذا على حسب المصحف الأميري الذي طبعته الحكومة المصرية عام (1342) من الهجرة النبوية العطرة[15].

وسبب هذا الاختلاف: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقف على رؤوس الآي للتوقيف، فإذا علم محلها وصل للتمام، فيحسب السامع حينئذٍ أنها ليست فاصلة[16].

ثانيًا: تعريف كلمة الإنسانية:

كلمة الإنسانية[17]مأخوذة من كلمة إنس، نسبة إلى الإنسان.

وتعريفها في اللغة: الأصل في العربية من (أنِس)، و(أنس) ضد توحَّش، و(تأنس) صار إنسانًا، فـ(الإنس) هو الواحد، والجمع (أُناس)، و(الإنسان) البشر للذكر والأنثى؛ أي: غير الجن والملائكة[18].

• واصطلاحًا: يُطلق على أفراد الجنس البشري، باختلاف أجناسهم وألوانهم، ودياناتهم وطوائفهم، و(الإنسانية) ما اختص به الإنسان، وهي مرحلة متقدمة من حيث ارتفاع مكانتها، وسمو أخلاق البشر، قياسًا بالمراحل السابقة للنوع الإنساني، والتي كان فيها البشر يقتربون في حياتهم من الحيوان، من حيث ارتباطهم بالطبيعة، ومن حيث قيم التعامل بينهم، واعتمادهم قيمَ الوحشية والغابة.

والخلاصة:

الآيات القرآنية التي تخص الإنسان دون غيره من حيث الخلقة، والصفات، والتكوين، وربط ذلك بالتفسير الموضوعي للكتاب العزيز وأبعاده الفقهية.

فجمعُ الآيات الإنسانية في القرآن الكريم، وربطها بالعلم ضروري للفهم العميق للدين، وتثبيت الإيمان، وإقامة الحجة، ودعوة غير المسلمين، وتعزيز المعرفة الإلهية في قلوب الموحدين، وإثبات أن مصدر القرآن هو الله الخالق سبحانه، كما يبين كيف أن العلم يسخَّر لخدمة البشرية في إطار المبادئ القرآنية لخيرها ونفعها وسعادتها.

ومن هنا تظهر أهمية جمع الآيات المتعلقة بالإنسان وربطها بالعلم:

1- الفهم العميق وتدبر آيات الله:

يساعد العلمُ المسلمَ على فهم الآيات الكونية والبشرية في القرآن وتدبرها بشكل أعمق، مما يطور معرفته الإلهية ويصل به إلى اليقين.

2- تثبيت الإيمان وإقامة الحُجة:

إن ربط الحقائق القرآنية بالعلم التجريبي القائم على الأدلة المادية يقوِّي الإيمان، ويُثبت أن ما جاء في القرآن هو الحق، ويقيم الحجة على منكري الرسالة.

3- الدعوة إلى الله وتصحيح المفاهيم الخاطئة:

يمكن استخدام الإعجاز العلمي في القرآن والسنة كأداة لدعوة غير المؤمنين، وإقامة حوار علمي معهم لإهدائهم إلى طريق الحق، كما يبين علم الأجنة والمطر والنباتات كآيات كونية.

4- تحقيق السعادة للبشرية:

تكمن سعادة البشرية في الربط الصحيح بين الدين والعلم؛ حيث يحدد الدين كيفية استخدام العلم في الخير، ويرشد الإنسان إلى طريقه.

5- بيان قدرة الله وعظمته:

تشير الآيات التي تربط بين العلم والخلق إلى عظمة الله وقدرته في الخلق والتصرف في الكون، وتشجع الإنسان على التفكر في هذه الآيات.

6- توجيه العلم لخدمة الإنسان:

القرآن الكريم يأمر بالبحث عن العلم، ويحث العلماء على الاستزادة منه، ويبين كيف أن العلم إذا رُبط بالدين يخدم الإنسانية، ويحقق لها السعادة.

يقول سبحانه وتعالى: ﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [الزمر: 9].

وقال تعالى: ﴿ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ﴾ [طه: 114].

والله تعالى أعلى وأعلم.