فوائد من طلب العلم وتعليمه والدعوة إليه

فوائد من طلب العلم وتعليمه والدعوة إليه

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه أجمعين؛ أما بعد:

فبحمد الله وتوفيقه، قمتُ بشرح عددٍ من الكتب في دروس بالمساجد والزوم، وقامت شبكة الألوكة مشكورة بنشر هذه الدروس في صفحتي بالشبكة، فجزاهم الله خير الجزاء، وقد استفدت من شرح هذه الكتب الفوائد التالية:

الفائدة الأولى: أن على طالب العلم الإحساس بنعمة العلم وفضل العمل به، وتعليمه، وحمد الله على ذلك؛ كما قال سبحانه: ﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [الزمر: 9].

والاجتهاد في العمل بالعلم؛ لأن مِن أرقى درجات العلم أن يكون طالب العلم أولَ مَن ينتفع بعلمه، ويعمَل به قولًا وعملًا، ويؤكد هذا المعنى القرطبي رحمه الله في تفسيره للآية السابقة بقوله: "الذين يعلمون هم الذين ينتفعون بعلمهم ويعملون به، فأمَّا من لم ينتفع بعلمه، ولم يعمل به، فهو بمنزلة مَن لم يعلم".

وكما في الحديث التالي: يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَن يُرد الله به خيرًا يُفقهه في الدين)؛ متفق عليه.

الفائدة الثانية: تأكَّد لي جزمًا أكثر من ذي قبل أن التوفيق مَحضُ فضلٍ من الله سبحانه، وليس من جهد الإنسان فقط، بل التوفيق للجهد في التحضير وحسن الإلقاء، هو فضل من الله؛ لقوله سبحانه: ﴿ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ﴾ [هود: 88].

الفائدة الثالثة: بناءً على الفائدة السابقة، فإنه ينبغي لطالب العلم الإكثار من الدعاء بسؤال الله التوفيق قبل كل خطبة أو كلمة، أو درس أو محاضرة؛ مستحضرًا قوله سبحانه: ﴿ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ﴾ [هود: 88]، وقوله سبحانه: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾ [غافر: 60].

الفائدة الرابعة: أن التدريس لا يكون لطلاب العلم فقط، بل حتى العامة بحاجة لدروس قصيرة تناسب مستواهم؛ لأنهم الآن لا يسمعون في الغالب إلا كلمات وعظية، وهذه فيها خيرٌ، ولكن تعليمهم العلم الشرعي المؤصل، فيه خير أكثر، خاصة إذا كانت الدرس قصيرة ومركزة.

الفائدة الخامسة: العناية بعلم التوحيد ضرورة مُلِحةٌ جدًّا، خاصة مع انتشار وسائل التواصل، وما فيها من خزعبلات تُهون جانب التوحيد، وتقدَح فيه بالشِّركيات والسحر، والأبراج والكهانة وغيرها، فالناس كلهم عامتهم وخاصتهم بحاجة مُلِحةٌ للعناية به تعلمًا وتعليمًا وعملًا.

الفائدة السادسة: حاجة الداعية الملحة لاستحضار الإخلاص، وأنه لا يَملِكه، وأنه عزيز، وأنه سببٌ عظيم لقبول الله أولًا لعمله، ثم قبول الناس لعلمه، ومن ثم الإلحاح على الله سبحانه بطلبه باستمرار.

الفائدة السابعة: أن علم طالب العلم ينمو ويزكو، ويزداد متانة بالاستمرار في البحث والتعليم، وبدونهما أو أحدهما تَخبو شعلة العلم ونوره.

الفائدة الثامنة: أن العلم الشرعي الصحيح هو ما أورَث الخشية والإنابة والتذلل لله، وهذا هو معنى قوله سبحانه: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ﴾ [فاطر: 28].

لأن العلماء هم أكثر الناس علمًا بالله سبحانه وبعظمته سبحانه، وما يجب له عز وجل من الإجلال والخضوع، وذلك من خلال قوة إيمانهم بأسماء الله الحسنى وصفاته العلى، وما تضمنته من إخلاص التوحيد بأنواعه الثلاثة: (الربوبية والألوهية والأسماء والصفات)؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأعراف: 180].

الفائدة التاسعة: أن كثرة تلاوة القرآن يوميًّا مع التدبر سبيلٌ عظيم لنيل العلم وللبركة فيه.

الفائدة العاشرة: أن التقوى (مراقبة الله في السر والعلن)، هي ثمرة العلم الصحيح، وهي أيضًا من الأسباب الجليلة لفتح أبواب العلم والبركة فيه، وفي وقت طالبه؛ لقوله تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 282].

الفائدة الحادية عشرة: تقدير العلماء كافة، خاصة من استفاد طالب العلم من علمهم، وذلك بالدعاء لهم، وذكر محاسنهم، والذب عن أعراضهم، والترحم على مَن مات منهم، والدعاء لهم ونشْر علمهم، والدلالة عليه؛ للحديث التالي: (عن بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ومَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُونَهُ، فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَرَوْا أَنَّكُمْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ)؛ رواه أبو داود والنسائي، وصحَّحه الألباني في صحيح أبي داود.

الفائدة الثانية عشرة: يا طالب العلم، أنت ضعيف جدًّا دون توفيق الله سبحانه لك، والمغريات والصوارف عن العلم والدعوة كثيرة جدًّا ولا تنتهي، فكن عصاميًّا لا تَفتنك الدنيا وزَهرتها عما هو خير لك في الدنيا والآخرة.

الفائدة الثالثة عشرة: تذكَّر أن من أُوتي طرفًا من العلم، فقد أُوتي خيرًا كثيرًا، ونعمة لا تقدَّر بثمن؛ فإياك إياك من حقران النفس وما يورثه من كسلٍ وخمولٍ، أو زهدٍ في تعليم الناس الخيرَ، بل لتنشط في ذلك ولتُكثر من الاستعانة بالله سبحانه، ويكفيك شرفًا وحثًّا قوله سبحانه: ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [فصلت: 33]؛ أي: لا أحد أحسن منه.

والحديثان التاليان: عَن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم قَالَ: (مَنْ دَعَا إِلَى هُدىً كانَ لهُ مِنَ الأجْر مِثلُ أُجورِ منْ تَبِعهُ، لاَ ينْقُصُ ذلكَ مِنْ أُجُورِهِم شَيْئًا)؛ رواهُ مسلمٌ.

- وعنْهُ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: (إِذَا ماتَ ابْنُ آدَم انْقَطَع عَملُهُ إلاَّ مِنْ ثَلاثٍ: صَدقَةٍ جَاريَةٍ، أوْ عِلمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أوْ وَلدٍ صالحٍ يدْعُو لَهُ)؛ رواهُ مسلمٌ.

الفائدة الرابعة عشرة: عندما تتصدر للناس ستُبتلى بالاستفتاء، وهو إما خير لك وإما فتنة، ومنزلق خطير، ولذا أُوصيك ألا تستحيي من قول: (لا أعلم)، ولا تتسرع في الفتيا إلا بعلم راسخٍ، أو تُحيل السائل لعالم متمكن.

فقد نهى الله عن ذلك بقوله سبحانه: ﴿ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف: 33]؛ فانظر كيف جعل الله القول على الله بغير علم فوق هذه الأشياء كلها؟!

قال تلميذ الإمام مالك الإمام الشافعي رحمهما الله تعالى: لقد صحبت مالكًا، فسئل عن ثمان وأربعين مسألة، فقال في اثنتين وثلاثين منها: لا أدري.

الفائدة الخامسة عشرة: الحذر أثناء التحضير من الإنترنت؛ لأنه في نفس الوقت الذي توجَد فيه مواقعُ علمية رصينة، تُسهل لطالب العلم تحضيرَ دروسه، فإنه توجد مواقع أخرى تَدُسُّ السم في العسل بمعلومات مغلوطة، يُحشَد لها الكثيرُ من الأدلة والاستنباطات غير الصحيحة، والأحاديث الموضوعة أو الضعيفة، أو نسبة أقوال مزوَّرة إلى العلماء.

حفِظكم الله ورزَقكم العلم النافع والعمل به، وتعليمَه والإخلاصَ في ذلك.

وصلِّ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.