• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    تسخير الكون للإنسان: نظرات وتأملات
    عامر الخميسي
  •  
    التقادم في القضايا المدنية (PDF)
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    الاستقامة طريق السلامة
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    خطبة: معالم القدوة من سيرة الرسول صلى الله عليه ...
    أ. د. حسن بن محمد بن علي شبالة
  •  
    قصة التوكل والمتوكلين (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    تنافس الصحابة - رضي الله عنهم - في حفظ القرآن
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    النجش
    عبدالرحمن بن يوسف اللحيدان
  •  
    وليس كل ما يروى عن الصالحين وقع: إبراهيم بن أدهم ...
    إبراهيم الدميجي
  •  
    أسباب مضاعفة الحسنات
    د. أيمن منصور أيوب علي بيفاري
  •  
    الإلحاد جفاف معنوي.. وإفلاس روحي
    نايف عبوش
  •  
    الاحتكار
    محمد علي عباد حميسان
  •  
    البهائم تلعن عصاة بني آدم
    د. عبدالله بن يوسف الأحمد
  •  
    رسول الرحمة والإنسانية (خطبة)
    د. عبد الرقيب الراشدي
  •  
    زاد الداعية (10): التوحيد أولا وقبل كل شيء
    صلاح صبري الشرقاوي
  •  
    أوقات النهي عن الصلاة (درس 1)
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    ذلكم وصاكم به (خطبة)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / السيرة والتاريخ / السيرة
علامة باركود

خطبة: معالم القدوة من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم

خطبة: معالم القدوة من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم
أ. د. حسن بن محمد بن علي شبالة

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 16/9/2025 ميلادي - 24/3/1447 هجري

الزيارات: 126

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

معالم القدوة من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم


عباد الله، نقف اليوم مع آية عظيمة من كتاب الله سبحانه وتعالى، تحكي لنا شيئًا من شمائل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتدعونا إلى التأسِّي والاقتداء به في كل أحوالنا وشؤوننا؛ يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾ [الأحزاب: 21]، هذه الأسوة وصفها الله سبحانه بأنها حسنة، ووصف من يهتدي بها أنه ﴿ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ ﴾ [الأحزاب: 21].

 

معالم القدوة في سير النبي صلى الله عليه وسلم وسنَّته كثيرة، والأمة اليوم محتاجة إلى تذكُّرها ومعرفتها والتأسِّي بها؛ ذلك لأن اللفظ مهما كان بليغًا ومقنعًا، إلا أن الإنسان يتأثر بالفعل أكثر منه، فمهما كان التوجيه اللفظي بليغًا ومهمًّا، فإن القدوة الحسنة أبلغ منه تأثيرًا في الواقع، فالناس يتأثرون بالعمل أكثر من تأثرهم بالقول؛ لذلك أرسل الله الرسل من البشر؛ ليكونوا قدوةً وأسوة لأقوامهم، ينظرون في سيرهم وحياتهم وأفعالهم وسلوكهم، فيعملون مثلهم ويقتدون بهم.

 

وقد رد الله سبحانه وتعالى على الأقوام الذين طلبوا أن يكون الرسل من الملائكة، وبين أنهم لا يفقهون ولا يفهمون الحكمة من إرسال الرسل من البشر، فالملائكة مخلوقات تختلف عن البشر من ناحية الأصل والتكوين، فهي مخلوقات نورانية، مبرأة من النقص والعيب، ﴿ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم: 6]، فإذا أرسل الله الرسل من الملائكة، غابت القدوة والأسوة في أفعالهم، واحتج الناس حينما يخطؤون بأن الملائكة لا تخطئ، وحينما يقصرون يقولون: نحن لا نرى الأسوة المجسدة في شخص إنسان.

 

لذلك اختار الله سبحانه وتعالى واصطفى الرسل من البشر، بل اختارهم من أطهر وأفضل الناس في أقوامهم؛ ليكونوا قدوةً وأسوة لهم في كل جوانب حياتهم.

 

أيها المؤمنون، عباد الله، قد كان النبي صلى الله عليه وسلم الأسوة والقدوة الحسنة لأمته في كل المجالات، بل حفظه الله سبحانه وتعالى منذ نعومة أظفاره من أن يقع فيما يخل بقدوته وأسوته للناس، حتى إنه بعثه الله سبحانه وتعالى بعد الأربعين عامًا حين كانت قد اكتملت فيه جميع الصفات الحسنة، وكان الناس يعرفونه بالصادق الأمين، وكان يقوم بالأعمال الطيبة التي لا يقوم بها غيره قبل أن يبعث صلى الله عليه وسلم.

 

لقد قالت له خديجة رضي الله عنها بعد أن جاءها خائفًا بعد رؤيته جبريل، وقال لها: ((زمِّلوني، زمِّلوني، لقد خشيتُ على نفسي))، قالت له: والله لا يُخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرحم وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتُعين على نوائب الدهر، فهذه الصفات، وتلك الأخلاق التي كان يمتاز بها صلى الله عليه وسلم قبل أن يُبعث، فما بالكم بحاله بعد البعثة؟

 

وقد هيَّأه الله سبحانه وتعالى؛ ليكون الأسوة الكاملة والقدوة الحسنة لأمته صلى الله عليه وسلم، فقد شق الله صدره وغسل قلبه، وأخرج ما فيه من نزغات الشيطان وعمره ست سنوات؛ ليكون القدوة الحسنة المكتملة للبشرية بعده، ثم لما أراد أن يعرج به إلى السماء، شقَّ صدره وطهَّر قلبه، وزاده نقاءً وتزكية؛ لتكون أخلاقه صلى الله عليه وسلم أكمل، وليتهيَّأ للرحلة السماوية المختلفة عن الرحلة الأرضية.

 

أيها المؤمنون، عباد الله، كل ذلك من أجل أن يكون هو القدوة الحسنة لأمته في كل شؤون حياته، ولو تتبَّعنا مواضع القدوة في شخصيته لطال بنا الحديث، ولكننا سنذكر نماذج من قدوته صلى الله عليه وسلم في بعض الجوانب:

الجانب الأول: الرسول القائد:

لقد اختار الله سبحانه وتعالى محمدًا صلى الله عليه وسلم؛ ليقوم بمهمة القيادة للبشرية كلها، يقود أصحابه ويقود الناس أجمعين، بل في رحلة الإسراء والمعراج، بعث الله له الأنبياء وصلى بهم إمامًا؛ ليشعره أن القيادة قد وصلت إليه، وأن الأمة ستقتدي به قائدًا لها على مر التاريخ.

 

فما جوانب القدوة في قيادته صلى الله عليه وسلم؟ لقد مثَّل النبي صلى الله عليه وسلم القائد الكامل الذي قاد الأمة بكل أمانة ورفق ورحمة، كان يسهر من أجل قضاء حاجتها، ويسعى في تيسير أمورها، ينمي أموالهم ويوزِّعها بينهم بالعدل، ينصف الناس من نفسه، يجوع كما يجوع الناس، ويشبع كما يشبعون.

 

شاركهم في الغزوات، وهو القائد الملهم، حفَر معهم الخندق، وامتلأت لحيته بالتراب، وهو يضرب بالفأس تلك الحجارة التي اعترضتهم أثناء الحفر.

 

نعم، أيها المؤمنون، تعرَّض القائد الملهم صلى الله عليه وسلم لعدة محاولات للاغتيال، وهو قائم بهمة القيادة لأمته، لقد كسرت رباعيته وشُجَّ وجهه، وأُدميت قدماه، وهو مع ذلك يقود أصحابه بكل شجاعة وبسالة؛ قال أنس رضي الله عنه: "كان إذا حمى الوطيس بنا - أي اشتد الأمر في القتال - احتمينا برسول الله صلى الله عليه وسلم".

 

نعم، لقد كان كريمًا مع رعيته، يعطي عطاءَ مَن لا يخشى الفقر، وكان لا يشق عليهم في أوامره، وقد وردة كثير من الأحاديث فيها علة ذلك بقوله: ((لولا أن أَشُقُّ عليهم لأمرتهم بكذا وكذا))، فقد كان حريصًا على الرفق بالأمة، يسعى بحاجات أضعفهم قبل قويِّهم، يكون بمثابة الأب المشفق على أولاده صلى الله عليه وسلم.

هذه القيادة العظيمة التي قاد بها النبي صلى الله عليه وسلم أمته، فأخرج من هذه الأمة قادة أمثاله اقتدوا به، فساروا على نهجه؛ مثل: الخلفاء الراشدين الأربعة، وقواد الجيش، وغيرهم ممن تولوا مسؤوليات الأمة، وما ذلك إلا نتاج تربيته صلى الله عليه وسلم وتأسيهم واقتدائهم بأفعاله.

 

أيها المؤمنون، عباد الله، بل إنه صلى الله عليه وسلم ظل حريصًا على أمته حتى بعد وفاته، وقال ذلك الدعاء الذي يجب أن يسمعه كلُّ مسؤول: ((اللهم مَن وَلِيَ مِن أمر أمتي شيئًا فشَقَّ عليهم، فاشقُق عليه)).

 

إنه صلى الله عليه وسلم مثل القائد العظيم القدوة للبشرية كلها، ولقد شهد له بذلك أعداؤه قبل أصدقائه، وقبل محبِّيه، لقد كتب أحد الغربيين كتابًا في بيان مائة شخصية عظيمة في التاريخ، فجعل محمدًا صلى الله عليه وسلم الأول للقادة الذين كملت فيهم الصفات من جميع الجوانب، فاقتدت بهم البشرية في ذلك.

 

والحديث عن قيادته صلى الله عليه وسلم يطول، وحسبنا ما ذكرنا، وحريٌّ بكل قائد أو مسؤول يتحمل مسؤولية هذه الأمة أن يجعل الأسوة والقدوة فيه صلى الله عليه وسلم نُصب عينيه؛ ليكون ممن اتبعه بإحسان، وسار على طريقته.

 

الموضع الآخر من مواضع القدوة في شخصيته صلى الله عليه وسلم:

إنه الرسول العابد الذي أكثَر من عبادة ربه سبحانه وتعالى، لقد كان نموذجًا فريدًا في العبودية والطاعة والاستقامة، وعندما نظر بعض أصحابه في عبادته وكأنهم تقالُّوها، فأخبرهم وقال لهم: ((أما إني أخشاكم وأتقاكم لله))، لقد بلغ في عبادته المنزلة الكبرى، كان يقوم الليل حتى تتفطر قدماه، فيقال له: "لماذا تفعل ذلك وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟"، فيقول: (أفلا أكون عبدًا شكورًا؟).

 

وكان صلى الله عليه وسلم إذا قام يصلي يُسمَع لصدره أزيزٌ كأزيز المرجل من شدَّة البكاء والخشوع، وطلب يومًا من عبد الله بن مسعود أن يسمعه شيئًا من القرآن، فقرأ عليه آيات من أوائل سورة النساء، حتى وصل إلى قوله تعالى: ﴿ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا ﴾ [النساء: 41]، فقال لعبد الله: ((حسبُك))، فالتفت فإذا عيناه تذرفان من الخشوع والتأثر بالقرآن.

 

أيها المؤمنون، عباد الله، إن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم كانت من أعظم وأحسن العبادات، لقد عبد ربه سبحانه وتعالى حتى أتاه اليقين، وكان كثيرًا ما يُكثر السكوت والتفكر؛ ليستحضر عظمة الله وقدرته في كتاب الكون المفتوح بعد أن كان يتدبَّر كلام ربه في الكتاب المنزل عليه.

 

نعم أيها المؤمنون، لقد كان يزور القبور ويسلِّم على الموتى ويدعو لهم ويستغفر لهم.

 

وكان يعيش حياة التواضع والعبودية، وكان كثير الاستغفار والتسبيح، لا تفوته لحظةٌ إلا وهو في طاعة لله سبحانه وتعالى، وهو القائل صلى الله عليه وسلم: ((إنه ليُران على قلبي، وإني لأستغفر الله أكثر من مائة مرة))، قال أهل العلم: إن الران الذي كان يقع على قلبه ليس بسبب المعاصي والمنكرات، فقد كان بعيدًا عنها، ولكنه لانشغاله ببعض حاجات الدنيا، وما تقتضيه طبيعة البشر؛ كالأكل وقضاء الحاجة ونحوها من المباحات، فيعتبر ذلك من آثار الران على قلبه لابتعاده عن الذكر والاستغفار والعبودية لله سبحانه وتعالى؛ قال أنس رضي الله عنه: حصرت للنبي صلى الله عليه وسلم في مجلس واحد أكثر من مائة مرة، وهو يقول: ((أستغفر الله وأتوب إليه)).

 

أيها المؤمنون، عباد الله، الحديث عن عبادته صلى الله عليه وسلم وزُهده واستغفاره وذكره يطول، وحسبنا أن نقتدي به فيما ذكرنا من هذه الأعمال التي تقرِّب الإنسان من الله سبحانه وتعالى.

 

ومن مواضع الأسوة والقدوة في حياته صلى الله عليه وسلم: الرسول رب الأسرة:

نعم، لقد كان صلى الله عليه وسلم ربًّا لأُسر متعددة، زوجاته تسع وله ذرية وأحفاد، وكان يتعامل في هذا الجانب الاجتماعي بالقدوة الحسنة والنموذج الأمثل.

 

لقد كان يوجه أهله إلى الخير، ويحذِّرهم من الخطأ، ويربِّيهم على التقوى، ويدعوهم إلى الابتعاد عن كل ما فيه خللٌ في الأخلاق والتصورات.

 

لقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم حسن ابن ابنته يدخل في فمه حبة تمرٍّ من تمور الصدقة، فأدخل النبي صلى الله عليه وسلم يده إلى فمه وأخرجها منه وقال له: ((أما تعلم أن الصدقة لا تحل لنا؟"))، وهذا نوع من التربية على أكل الحلال للأطفال وأفراد الأسرة.

 

أين هذا؟ أين هذا الموضع من القدوة والأسوة عند الآباء والأمهات اليوم الذين يربون أولادهم وأبناءهم على أكل الحرام، وأن الحلال ما وصلت إليه أيديهم؟! إنها والله معضلة أن تتحول القدوة والأسوة إلى تعليم الحرام والنهي عن الحلال.

 

أما مع أزواجه صلى الله عليه وسلم، فقد تعامل معهنَّ بكل رِفق ولين، رغم ما كان يعاني منه البيت النبوي من وجود الضرَّات، فقد كان له تسع زوجات، وكانت بينهن من الحساسية والخلافات ما يستدعي منه التدخل لحل المشكلات، أو أحيانًا الهجر، فقد هجر زوجاته شهرًا وجلس بمفرده، وأيضًا ذات مرة أرسلت إحدى زوجاته صحفة فيها طعام إلى بيت ضرتها، فلما أتى بها الغلام ورأتها الضرة الأخرى ضربتها بيدها حتى انكسرت وتساقط الطعام منها، فقام النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبتسم لهذا الفعل الذي فيه الغيرة الزائدة، وقال: ((غارتْ أمُّكم))، ثم أخذ الطعام ووضعه في مكان آخر، وأخذ صحفة من صحاف المرأة التي كسرتها، وأرسلها إلى ضرتها، وقال: ((صحفة بدل صحفة)).

 

هكذا كان صلى الله عليه وسلم يتعامل مع أهله وزوجاته؛ ليكون هو القدوة والأسوة الحسنة لهم.

 

نعم، أيها المؤمنون، لقد مثل النبي صلى الله عليه وسلم في البعد الاجتماعي والعاطفي، فكان قدوة حسنة لزوجاته وذريته وأحفاده، وكانت تأتي ابنته فاطمة رضي الله عنها لتزوره، فيقوم من مجلسه ويقبِّل رأسها، ثم يُجلسها بجواره، ويعتني بإدخال السرور عليها.

 

أما عن باقي حياته الاجتماعية، فالحديث يطول في الكلام عليها، ولكن حسبنا أنه كان النموذج الأول في الأسوة والقدوة والتربية والمشاعر الطيبة نحو أهله وأقاربه.

 

أيها المؤمنون، عباد الله، ومن مواضع الأسوة القدوة في حياته صلى الله عليه وسلم:

جانب المعاملات؛ لقد كان صلى الله عليه وسلم في جانب المعاملات أكمل الناس أسوة وقدوة ونموذجًا فريدًا في التعامل الحسن مع كل الناس، المحبين والكارهين على السواء، لقد تعامل مع المؤمنين أحسن التعامل، وتعامل أيضًا مع المنافقين الذين كانوا يعيشون حوله في المدينة، ومع اليهود والنصارى الذين كانوا حوله، تعامَل معهم بكل رحمة ورِفق وإحسانٍ، ولذلك كانت النتيجة أن أكثرهم دخل في الإسلام لحسن تعامله؛ قال أنس رضي الله عنه: "خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين، فما قال لي لشيء لم فعلت، ولا لشيء فعلته، ألا فعَلته".

 

لقد كان نموذجًا في التعامل مع كل الناس، الصغار والكبار، الأقرباء، والبعداء، لقد كان يتعامل بالبيع والشراء، وكان أحسنهم تعاملًا، اقترض وكان أحسنهم قضاءً، شارك غيره بالتجارة وكان أحسنهم مشاركة، لقد اشترى جملًا من جابر رضي الله عنه لما كان مسافرًا معه، وهزل الجمل ولم يتحرك، فقال لجابر: ((بعني جملك))، قال: "بعته لك يا رسول الله"، فانقده بالثمن، ثم ركب عليه حتى وصل إلى المدينة، وكأنه أراد أن يروضه لصاحبه، ثم أرجعه ولم يأخذ منه الثمن.

 

ولقد اقترض من يهودي ثم زاده، واقترض من أكثر من شخص، ثم لما أنقدهم زادهم، فكان أحسن الناس قضاءً صلى الله عليه وسلم، لقد كان يستضيف الضيف ويُكرمه، ويحسن المعاملة لكل من حوله من الجيران والزوار، كان يزور المريض ويدعو له بالشفاء، ويتَّبع الجنازة ويعزي الموتى، وكان يقبل الهدية ويكافئ عليها، كل ذلك في غاية الحسن والكمال والنقاء الذي يجب أن يكون قدوة لنا جميعًا.

 

أيها المؤمنون، ما أحوجنا اليوم إلى الاقتداء به صلى الله عليه وسلم في هذه الجوانب، خصوصًا حين غابت القدوة عن كثير من الناس.

 

ومن جوانب القدوة في حياته صلى الله عليه وسلم:

الرسول القاضي؛ لقد تولَّى النبي صلى الله عليه وسلم القضاء والحكم بين الناس، وكان الناس يحتكمون إليه، فيَفصِل بينهم بالعدل دون شططٍ أو خللٍ، لقد كان يستمع إلى شكواهم ويقول لهم: ((أيها الناس، إنكم تحتكمون إليَّ، وأنا بشر، أسمع من أحدكم، وقد يكون ألحنَ بحجته على خَصمه، فأقضي له على نحو ما أسمع، فمن قضيتَ له من حقِّ أخيه شيئًا، فإنما اقتطَع له قطعة من النار)).

 

وكان صلى الله عليه وسلم يحكم في القريب والبعيد على حدٍّ سواء، وحين جاء من يشفع في حد من حدود الله، غضِب صلى الله عليه وسلم؛ لأن المشفوع له من أعلى الناس وأكثرهم مقامًا ورُتبة، فقال: ((أيها الناس، إنما أهلك من كان قبلكم، أنهم إذا سرِق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وإذا سرق فيهم القوي ترَكوه، والذي نفسي بيده، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها)).

 

هكذا كان صلى الله عليه وسلم يتعامل في القضاء والحكم بين الناس، يحكم بما أراه الله سبحانه وتعالى، وفي يوم من الأيام اختصم أنصاري مع الزبير على شيء من الماء، فحكم النبي صلى الله عليه وسلم للزبير أن يسقي ثم يترك الماء لمن بعده، فقال ذلك الرجل: أن كان ابن عمتك، قضيت له، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم من قوله، وأنزل الله قوله سبحانه وتعالى: ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [النساء: 65].

 

أيها المؤمنون، عباد الله، ومع هذا كان يقيم الحدود وكان رفيقًا بمن يُقام عليهم الحد؛ جاءتهم امرأة اعترفت بالزنا، فردها لعلها تغيب، ثم جاءت فردها، ثم أُقيم عليها الحد، فأصاب شيء من دمها شخص من الذين كانوا حولها فشتَمها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تسبها، فإنها قد تابت توبة، لو قسمت على أهل المدينة لكفَتهم)).

 

وفي موقف آخر جِيءَ له برجل كان يشرب الخمر، فلعنه أحدهم حين أقيم عليه الحد، فقال صلى الله عليه وسلم: ((لا تلعنوه، إنه يحب الله ورسوله))، وهذا يدل على رحمته وشفقته بالعصاة وأصحاب الكبائر، وكان لا يعين الشيطان عليهم، بل يدعوهم إلى التوبة والاستغفار، ويقيم عليهم الحدود، ولا يفرق بين غني وفقير، ولا قريب وبعيد.

 

والحديث عن قضائه صلى الله عليه وسلم وعدله يطول، وهو موضع القدوة والأسوة، خاصة في هذا العصر الذي نرى فيه ابتعادًا للعدل وتزويرًا الحقائق، فما أحوج القضاة والحكام في بلاد المسلمين إلى قراءة هذا الجانب من سيرته، والاقتداء به صلى الله عليه وسلم.

 

أسأل الله جل وعلا أن يَجعلنا وإياكم من يستمعون القول، فيتبعون أحسنَه، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله ربِّ العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، أشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.

 

عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فهي خير الزاد؛ كما قال الله: ﴿ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [البقرة: 197].

 

عباد الله، الحديث عن معالم القدوة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم طويل وكثير، ويحتاج إلى خطب متعددة، بل يحتاج إلى مدارسة من قبل الأمة لسيرته وشمائله؛ لتأخذ معالم القدوة والأسوة في حياته كلها صلى الله عليه وسلم، فهو الأسوة والقدوة للأجيال في كل جوانب الحياة.

 

أيها المؤمنون، عباد الله، اليوم نحن بحاجة إلى الأسوة والقدوة الحسنة، نظرًا لغياب القدوات الحسنة في كثير من المجتمعات.

 

إن الناس اليوم يتذكرون سيرة صلى الله عليه وسلم، ويحتفلون بذكرى مولده، ويا ليتهم يتبعون مواطن القدوة والأسوة في حياته، فيعلمونها للناس، فهذا هو المشروع من ذكرى السيرة النبوية وما فيها من مناسبات وأيام عظيمة.

 

ولا يغني مجرد أن يتذكر الناس المولد بشعارات وألوان وإنارات، وإنما المشروع هو أن يتذكَّروا سيرته وحياته، وجوانب القدوة والأسوة في حياته صلى الله عليه وسلم.

 

ولم نستطع في هذه الخطبة أن نَستكمل الجوانب الأخرى، لكن حسبُنا أن نقول: إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان القدوة الحسنة المطلقة في كل جوانب الحياة، عدا الامور الخاصة به، فهو الأسوة والقدوة للبشرية كلها، فقد أرسله الله رحمة لها، فهو قدوة لهم في ملبسه، وفي مشربه، وفي مأكله، وفي هديه وسمته، وفي تعامله في الحرب والسلم، وفي سفره وحضره، وفي حبه للشيء وكرهه، وفي فرحه وحزنه، وفي غضبه ورضاه، وفي سائر أحواله والقدوة الحسنة، في ذلك كله هي عبارة عن تشريع وأخلاق راقية.

 

فلابد من مدارسها، وتذكير الناس بها، ودعوتهم إلى امتثالها، فهذا هو المعنى الذي أمرنا الله سبحانه وتعالى به في قوله: ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾ [الحشر: 7].

 

عباد الله، إننا نواجه اليوم حملة شرسة من أعداء الملة والدين في محاربة القدوات الحسنة، وإنشاء القدوات المزيفة، وصناعة التفاهات على الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، حتى صار الناس يقتدون بالسفهاء والأرذال من أبناء المجتمع، ويتركون الاقتداء بالصالحين والقدوات الحسنة.

 

أيها المؤمنون، إن من معالم القدوة في سيره النبي صلى الله عليه وسلم هو الاتباع له، بل هو عنوان الحب لله جل وعلا؛ كما قال: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ﴾ [آل عمران: 31].

 

فمن كان يحب الله حقًّا، فعليه أن يتَّبع النبي صلى الله عليه وسلم في كل شؤونه ظاهرًا وباطنًا، ويتبعه في عقيدته السليمة الصحيحة البعيدة عن الخرافات والخزعبلات، ويتَّبعه في تعامله كقائد وقاضٍ ورب أسرة، ومعلم وتاجر، وغيرها من الأحوال الإنسانية التي عاشها النبي صلى الله عليه وسلم.

 

إنما نشاهد اليوم إيجاد قدوات بديلة للنبي صلى الله عليه وسلم، ودفع البشرية إلى الاتباع لها، إنما هم دعاة على أبواب جهنم يقذفون الناس فيها.

 

إن الأنبياء والرسل هم الذين أرسلهم الله؛ ليكونوا قدوات حسنة للخلق، فلا بد للمسلم أن يقتدي بهم ويسير على نهجهم.

 

ومن يدَّعي حبَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، يجب أن يكون ألصق الناس بسنته، سائرًا على طريقته، بعيدًا عن مخالفتها، حتى يدخل تحت هذه الآية: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ﴾ [آل عمران: 31].

 

تَعصي الإله وأنت تَزعُم حبَّه
هذا لعَمري في القياس شنيعُ
لو كان حبُّك صادقًا لأَطعتَه
إن المحبَّ لمن يُحب مُطيعُ

 

أين من يدَّعي حبَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم هو قاطع للصلاة؟ أين من يدعي حب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يبطش ويأكل حقوق الناس، ويظلم المساكين، ويعيش على قوت المحتاجين؟ أين من يدَّعي حب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بعيد عن سنته وسيرته في هيئته وسمته وسائر أحواله؟

 

أيها المؤمنون، نحن بحاجة إلى القدوة الحسنة، والرسول صلى الله عليه وسلم خير القدوات وأفضلهم، فلا بد أن نسير على سيرته ونقتدي بهديه.

 

لقد صار أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ومَن تبِعهم بإحسان على وَفق هذا الاقتداء والتأسِّي برسول الله صلى الله عليه وسلم، فحصل لهم أن رضي الله عنهم ورضوا عنه، وزكَّاهم ووعدهم الجنة خالدين فيها؛

 

قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [التوبة: 100].

 

إن هذه الآية ترسم لنا الطريق وتبيِّن لنا النتيجة، فمن أراد النصر والتمكين، وأراد الفوز والفلاح في الدنيا والآخرة، فعليه باتباع النبي صلى الله عليه وسلم واتباع سيرته، واتباع سيرة أصحابه الذين اتبعوه بإحسان.

 

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم من المقتدين به، والسائرين على نهجه، والمتمثلين بأسوته في كل جوانب حياتنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • معالم القدوة في سيرة الإمام الشافعي

مختارات من الشبكة

  • النبي القدوة -صلى الله عليه وسلم- في الرد على من أساء إليه (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • محبة الرسول صلى الله عليه وسلم اتباع لا ابتداع (خطبة)(مقالة - موقع د. صغير بن محمد الصغير)
  • اكتشف أبناءك كما اكتشف رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه رضوان الله عليهم (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة النبي صلى الله عليه وسلم والشعر(مقالة - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • من طامع في مال قريش إلى مؤمن ببشارة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وفاء النبي صلى الله عليه وسلم بالعهود (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فضل طلب العلم وأهله ومسؤولية الطلاب والمعلمين والأسرة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فضل العلم وأهله وبيان مسؤولية الطلاب والمعلمين والأسرة (خطبة)(مقالة - موقع الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري)
  • عالم الفساد والعفن: السحر والكهانة والشعوذة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • رسول الرحمة والإنسانية (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • 100 متطوع مسلم يجهزون 20 ألف وجبة غذائية للمحتاجين في مينيسوتا
  • مسابقة الأحاديث النبوية تجمع أطفال دورات القرآن في بازارجيك
  • أعمال شاملة لإعادة ترميم مسجد الدفتردار ونافورته التاريخية بجزيرة كوس اليونانية
  • مدينة نابريجناي تشلني تحتفل بافتتاح مسجد "إزجي آي" بعد تسع سنوات من البناء
  • انتهاء فعاليات المسابقة الوطنية للقرآن الكريم في دورتها الـ17 بالبوسنة
  • مركز ديني وتعليمي جديد بقرية كوياشلي بمدينة قازان
  • اختتام فعاليات المسابقة الثامنة عشرة للمعارف الإسلامية بمدينة شومن البلغارية
  • غوريكا تستعد لإنشاء أول مسجد ومدرسة إسلامية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 24/3/1447هـ - الساعة: 13:22
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب