• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    طهارة المرأة
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    الفرق بين الشبهة والشهوة
    عصام الدين أحمد كامل
  •  
    السجع في القرآن بين النفي والإثبات
    د. عبادل أحمد دار
  •  
    التوثيق القرآني لبيت المقدس
    د. محمد أحمد قنديل
  •  
    الهجرة النبوية: دروس وعبر (خطبة)
    مطيع الظفاري
  •  
    الحديث الرابع: الراحة النفسية والسعادة الأبدية ...
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
  •  
    التجارة مع الله (تجارة لن تبور)
    نجلاء جبروني
  •  
    أحكام سلس البول
    د. خالد النجار
  •  
    المولد النبوي: رؤية تاريخية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    تأملات في سورة ق (خطبة)
    د. خالد بن حسن المالكي
  •  
    تفسير قوله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا ...
    سعيد مصطفى دياب
  •  
    الخلال النبوية (29) {يتبعون الرسول النبي الأمي}
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    من أقوال السلف في فاحشة اللواط
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    من قصص الأنبياء (3)
    قاسم عاشور
  •  
    وقفات مع اسم الله القريب (خطبة)
    رمضان صالح العجرمي
  •  
    فضل التواضع
    رمزي صالح محمد
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / التفسير وعلوم القرآن
علامة باركود

السجع في القرآن بين النفي والإثبات

السجع في القرآن بين النفي والإثبات
د. عبادل أحمد دار
د. عنايت رسول

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 3/9/2025 ميلادي - 11/3/1447 هجري

الزيارات: 182

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

السجع في القرآن بين النفي والإثبات

 

الملخص:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين؛ أما بعد:

فإن القرآن الكريم هو المعجزة العظمى لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، التي عجزت العرب والعجم عن الإتيان بمثلها، ولا يزالون عاجزين عن ذلك إلى أن تقوم الساعة، وكلام القرآن لا يشبه كلام المخلوقين؛ إذ بينهما بون شاسع، وهو في ذروة البلاغة ومنتهى البيان.

 

وقد حمل هذا التفرد الباهر بعضَ علمائنا الكبار على نفي السجع عن القرآن الكريم، محتجِّين بأن السجع كان من دأب الكهَّان الكاذبين الذين كانوا يتكلفون في كلامهم، فيأتون بالتُّرهات ويقعون في وجوه من الاختلال؛ لذلك استبعدوا أن يوجد في القرآن مثل هذا الصنيع، غير أن جمهور المحققين ذهبوا إلى إثبات السجع في القرآن، مع التمييز بين نوعين منه: سجع محمود، وسجع مذموم، فالسجع الوارد في القرآن من النوع المحمود؛ لأنه غير متكلف، بل جاء تابعًا للمعنى، إذ المعنى فيه هو الأصل والمقدم، بل كيف لا؟ والسجع، إذا جاء عفوًا من غير تكلف، زان الكلام وحلَّاه، وهذا هو القول الصحيح الذي عليه الاعتماد، ومع ذلك ينبغي التحرز من إطلاق مصطلح "السجع" على القرآن، والاقتصار على استعمال مصطلح "الفواصل"؛ تعظيمًا لكلام الله، وتشريفًا له.

 

وقد اقتضى هذا أن أتناول في هذا المبحث أيضًا مسألة:"اهتمام القرآن الكريم بالفواصل"؛ إذ ذهب بعض العلماء إلى أن القرآن لا يعتني بالفواصل، بل يركز على المعنى وحده، محتجين بأن العناية بالفواصل تقرِّبه من السجع المذموم، فأنكروا إثبات ذلك لهذا السبب، غير أن جمهور أهل الفضل ذهبوا إلى أن القرآن الكريم يولي الفواصل عنايةً تامةً، مع محافظته الكاملة على كمال المعنى وصفائه، وهذا هو الرأي الصحيح الذي لا مرية فيه، وشأن القرآن الكريم التوسع والشمول؛ إذ جمع الخير كله، ووفَّق بين حلاوة اللفظ وكمال المعنى على أكمل وجه وأتمه.

 

السجعلغة:

مصطلح السجع في اللغة مشتق من لفظة (س، ج، ع) الثلاثية، وتقدم لنا معجمات اللغة لفيفًا من المعاني التي توجِّهنا إلى أصل اشتقاقه؛ بحيث تكاد يتشبه بعضها ببعض.

 

يقول ابن منظور في معجمه لسان العرب: "سجع، يسجع، سجعًا: استوى واستقام وأشبه بعضه بعضًا"[1].

 

ويقول ابن سِيده في معجمه المحكم والمحيط الأعظم: "سجع، يسجع، سجعًا: استوى واستقام وأشبه بعضه بعضًا"، وسجع الحمام يسجع سجعًا: هدل على جهة واحدة؛ إلخ[2].

 

وجماع القول في لفظة السجع من خلال معجمات اللغة العربية تكاد تتفق على أن السجع لغةً بمعنى:

1: الاستواء والاستقامة.

2: يشبه بعضه بعضًا.

 

السجع اصطلاحًا:

أورد علماء البلاغة تعاريف كثيرة ومتنوعة لمصطلح السجع من الناحية الاصطلاحية، اختلفت ألفاظها، وتنوعت عباراتها، مع اتفاقها مضمونًا ومعنًى.

 

ومن هذه التعاريف ما ذهب إليه ابن الأثير؛ حيث عرفه بقوله: "السجع هو تواطؤ الفواصل في الكلام المنثور على حرف واحد"[3].

 

وعرَّفه القزويني بقوله: "السجع هو تواطؤ الفاصلتين من النثر على حرف واحد"[4].

 

من خلال هذين التعريفين، يتبين أن السجع من خصائص النثر، لا من خصائص الشعر.

 

أضرُب السجع ومراتبه:

قسَّم البلاغيون السجع باعتبار الوزن على أربعة أضرُب:

1- المرصَّع:

وهو ما اتفقت فيه ألفاظ الفقرتين أو أكثرها في الوزن والتقفية، نحو قوله صلى الله عليه وسلم: ((اللهم أعطِ منفقًا خلفًا، وأعطِ ممسكًا تلفًا))[5].

 

ونحو قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ ﴾ [الانفطار: 13، 14].

 

2- المتوازي:

وهو ما اتفقت فيه الفقرتان في الكلمتين الأخيرتين؛ نحو قوله تعالى: ﴿ فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ * وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ ﴾ [الغاشية: 13، 14].

 

3- المطرف:

وهو ما اختلفت فاصلتاه في الوزن، واتفقتا في الحرف الأخير؛ نحو قوله تعالى: ﴿ مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا ﴾ [نوح: 13، 14].

 

4- المتوازن: وهو اتفاق الفاصلتين في الوزن دون التقفية:

نحو قوله تعالى: ﴿ وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ * وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ ﴾ [الغاشية: 15، 16].

 

مسألة السجع في القرآن:

ذهب بعض العلماء إلى أنه لا يمكن وجود السجع في القرآن؛ منهم الرماني وقال في كتابه الشهير: (النكت في إعجاز القرآن): "الفواصل حروف متشاكلة في المقاطع توجِب حسن إفهام المعاني، والفواصل بلاغة، والأسجاع عيب، وذلك أن الفواصل تابعة للمعاني، وأما الأسجاع فالمعاني تابعة لها"[6].

 

وقال: "وفواصل القرآن كلها بلاغة وحكمة؛ لأنها طريق إلى إفهام المعاني"[7].

 

ويحاول الرمانيُّ مساندة الفكرة القائلة: إن الكلام المسجوع هو كلام لا طائل تحته، ولا مغزى وراءه، وقد اقتفى الباقلانيُّ أثره، وسلك مسلكه، فبذل قصارى جهده في إثبات أن القرآن لا يتضمن سجعًا.

 

قال: "والذي يقدرونه أنه سجع فهو وهم؛ لأنه قد يكون الكلام على مثال السجع، وإن لم يكن سجعًا... لأن السجع من الكلام يتبع المعنى فيه اللفظ... وليس كذلك ما اتفق مما هو في تقدير السجع من القرآن؛ لأن اللفظ يقع فيه تابعًا للمعنى"[8].

 

ولقد ردَّ عليهما وعلى كل من سار على هذا النهج كثيرٌ من أهل العلم؛ مثل: ابن قدامة، وابن سنان الخفاجي، وابن القيم.

 

أما ابن قدامة، فقد قسم السجع على قسمين:

القسم الأول: سجع محمود: هو السجع الذي تتبع الألفاظ فيه المعنى، وليس فيه أي تكلف ولا تصنُّع، بل تفنُّن وتلطف.

 

القسم الثاني: سجع مذموم: وهو السجع الذي تكلف فيه، وقدَّم اللفظ على المعنى، فأصبح الكلام فارغًا لا روح فيه.

 

قال في هذه الشأن: "لأنه - (أي رجل) - أتى بكلامه مسجوعًا كله، وتكلف فيه السجع تكلف الكهَّان، وأما إذا أتى به في بعض كلامه ومَنْطِقِه، ولم تكن القوافي مختلفة متكلفة، ولا متمحَّلة مستكرهة، وكان ذلك على سجية الإنسان وطبعه، فهو غير منكر ولا مكروه"[9].

 

وكذلك رد ابن الأثير على النظرية التي تنكر وجود السجع في القرآن الكريم مطلقًا، فذكر بأن بعض الناس قد ذموا السجع على إطلاقه، وهذا ليس بشيء؛ إذ لو كان الأمر كما يزعمون، لما وُجد السجع في القرآن، وهو فيه كثير، حتى إن السورة بأكملها قد تأتي مسجوعة، كسورة "الرحمن" وما شابهها.

 

وقد رد ابن سنان الخفاجي على الرماني والباقلاني في كتابه الشهير (سر الفصاحة)، موضحًا أن القاعدة التي اعتمداها في نفي السجع عن القرآن الكريم، وهي التفريق بين السجع والفواصل، لا تستند إلى أساس متين، فقد زعما أن السجع تتبع فيه الألفاظ المعانيَ، بينما الفواصل تتبع فيها المعاني الألفاظ، وهو – في نظر الخفاجي – تفريق باطل، كما انتقد قولهما: إن كل ما يندرج تحت مسمى السجع يتسم بالتكلف والتصنع، ويبتعد عن المعنى، مؤكدًا أن هذا التعميم لا يصح، وأن في القرآن ما يدخل ضمن السجع المقبول من غير تكلف ولا إخلال بالمعنى.

 

قال: "وأما قول الرماني: إن السجع عيب، والفواصل – على الإطلاق - بلاغة، فغلط"[10].

 

ثم ذكر الأصل في هذه المسألة بأنه إذا كان السجع متكلفًا، كان مذمومًا ومردودًا، وإذا لم يكن كذلك بل كان تابعًا للمعنى، كان حسنًا وجميلًا.

 

وبالنسبة لوجود السجع في القرآن، فقد أقره وجهر به، وأورد بضعة أمثلة على هذا، وقال: "وجميع هذه السور على هذا الازدواج، وهو جائز أن يسمى سجعًا؛ لأن فيه معنى السجع، ولا مانع في الشرع يمنع من ذلك"[11].

 

فهو لا يفرِّق بين الفواصل والسجع؛ إذ يرى أن كليهما اسم لمسمى واحد، وأنهما إذا خَلَيَا من التكلف، كانا مقبولَين وجذابين، وإذا دخلهما التكلف، صارا مردودين ومنكرين.

 

لكن تحرَّج بعض العلماء من استخدام مصطلح "السجع"، عند الكلام على الأسلوب القرآني؛ قال جلال الدين السيوطي: "إن غالبية العلماء لا يُجيزون استعمال كلمة (سجع) للقرآن"[12].

 

وقد اشتق العلماء له اسمًا من إحدى آيات القرآن الكريم، وهي قوله تعالى: ﴿ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ ﴾ [هود: 1]، فأطلقوا مصطلح "الفواصل" على خواتيم الآيات القرآنية.

 

ويقول التفتازاني: "إن كلمة (سجع) لا تطلق على القرآن لا لأنه ليس سجعًا، بل رعاية للأدب تعظيمًا له، مادامت هذه الكلمة تعني سجع الحمام، وهي تسمية لا يليق استعمالها للأسلوب القرآني"[13].

 

فالسجع موجود في القرآن، إليه مال ابن القيم الجوزية، وبعد أن فنَّد كل اعتراضات الفريق المخالف قال: "وورد في القرآن العظيم آيات كثيرة خالية من السجع، وآيات كثيرة مشحونة بالسجع، حتى إن بعض السور شملها السجع من أولها إلى آخرها؛ مثل: اقتربت الساعة، وسورة الضحى، وغير ذلك"[14].

 

لكن العلماء، تشريفًا للقرآن، وتعظيمًا له، قد تجنبوا إطلاق مصطلح "السجع" عليه، واصطلحوا على تسميته بـ "الفواصل"، ومن ثَم، ينبغي لنا أن نمتثل لهذا الاختيار وننقاد إليه، وإن لم يكن بين المصطلحين فرقٌ جوهري في الأصل، ولا مشاحَّة في الاصطلاح.

 

وهنا يطرح السؤال: هل يهتم القرآن الكريم بالفواصل أم بالمعنى فقط؟ يرى بعض العلماء أن القرآن لا يُعنى كثيرًا بالفواصل من حيث التماثل الصوتي، وإنما يقدم ويؤخر، ويعرِّف وينكِّر، ويذكر ويحذف، كل ذلك في سبيل تحقيق الغاية العليا، وهي الإيضاح والإبلاغ لِما يتضمنه من معانٍ ولطائف دقيقة.

 

قال صاحب نظم الدرر: "لا يُقال في شيء من القرآن: أنه قدَّم أو أخَّر لأجل السجع؛ لأن معجزة القرآن ليست في مجرد اللفظ، بل فيه وفي المعنى"[15].

 

وقال في موضع آخر: "وعند قوله تعالى: ﴿ وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى ﴾ [الضحى: 4]: وليس التقديم لأجل الفاصلة، فقد ثبت بطلان هذا"[16].

 

وخلافًا لما سبق، فإن الكثرة الكاثرة من المحقِّقين يرَون إثبات السجع في القرآن، كما يلاحَظ من كلامهم على سورة طه، حين قدم الله تعالى ذكر هارون على موسى عليهما السلام، مع أن موسى أفضل من أخيه، فما سبب هذا التقديم، ها هي أقوالهم بين أيديكم، تلاحظون من خلالها بوضوح موقفهم الدال على اهتمام القرآن برؤوس الآي، واعتنائه بالفاصلة دون أن يخل ذلك بالمعنى.

 

قال ابن عاشور: "ووجه تقديم هارون هنا الرعاية على الفاصلة"[17].

 

وقال ابن عطية: "وقدم هارون قبل موسى لتستوي رؤوس الآي"[18].

 

وقال أبو السعود: "تأخير موسى عند حكاية كلامهم لرعاية الفواصل، وقد جوز أن يكون ترتيب كلامهم أيضًا هكذا، إما لكبر سن هارون عليه الصلاة والسلام..."[19].

 

وقال صديق حسن خان: "إنما قدم هارون على موسى هنا حكاية كلامهم، وأخَّر في الشعراء رعاية لفواصل الآي، وعناية بتوافق رؤوسها"[20].

 

وقال الشوكاني: "إنما قدم هارون على موسى في حكاية كلامهم رعاية لفواصل الآي، وعناية بتوافق رؤوسها"[21].

 

وقال الآلوسي: "تأخير موسى عليه السلام عند حكاية كلامهم المذكورة في سورة الأعراف المقدَّم فيه موسى عليه السلام؛ لأنه أشرف من هارون... لرعاية الفواصل..."[22]، وقال السمعاني: "وقدم هارون على موسى على وفق رؤوس الآي"[23].

 

وقال البيضاوي: "قدم هارون لكبر سنه أو لرويِّ الآية"[24].

 

وقال النسفي: "وإنما قدم هارون هنا وأخَّر في الشعراء محافظةً للفاصلة"[25].

 

فهؤلاء الأجلَّاء كلهم أثبتوا اهتمام القرآن بالفواصل.

 

وسلك من المعاصرين الدكتور فاضل صالح السامرائي مسلك الجمهور، وذكر بأن القرآن يعتني بهذا الانسجام عناية كبيرة؛ لأن فيه تأثيرًا بالغًا على النفس والمشاعر، لذلك قدم هارون على موسى في آية طه للانسجام مع فواصل الآي، ولو قال غير ذلك لاختلَّ النظم والموسيقى الصوتية، غير أن الدكتور يرى بأن القرآن لا يفعل هذا فقط لهذا الغرض، بل هو يراعي في كل ذلك ما يقتضيه التعبير والمعنى[26].

 

فالقول الذي يبدو راجحًا في هذا الباب هو ما ذهب إليه جمهور العلماء، ومنهم العالم اللغوي الشهير الدكتور فاضل صالح السامرائي، وكتبه ممتلئة وخاصة (على طريق التفسير البياني) بهذه القضية، غير أنه لا ينبغي إطلاق أحد القولين بمعزل عن الآخر؛ فلا يقال: إن تقديم هارون على موسى عليهما السلام كان من أجل رعاية الفاصلة فقط، دون النظر في سياق الآية وما يقتضيه المعنى، كما لا يقال كذلك: إن التقديم كان لمعنى خاص لا علاقة له بالفاصلة.

 

بل الصواب أن ينظَر إلى الأمر بنظرة تكاملية، تراعَى فيها دقة التعبير القرآني من حيث المعنى، مع الانسجام الصوتي في رؤوس الآي.

 

إن التقديم أو التأخير في القرآن إنما هو لمراعاة المعنى قبل أن يكون لمراعاة اللفظ؛ لأن مراعاة المعنى هي الأساس وليس اللفظ، والكلام البليغ لا يخل بالمعنى على حساب اللفظ، بل يجمع بين جمال المعنى واللفظ، فكيف بالقرآن أبلغ الكلام؟[27]

 

فالجمع بين هاتين الفضيلتين – عناية القرآن بالمعنى ورعايته للفواصل – هو الأنسب والأليق بكتاب الله تعالى؛ إذ جمع الخير بحذافيره، وأثبت عنايته البالغة بجمال اللفظ وروعة المعنى، وقد استقر فضل الفواصل بعد أن ظهر أنها حلية وزينة للكلام المنظوم، تزيِّنه وتجمله، واكتسبت منزلة عالية في البلاغة، إذ أُقيمت الدراسات حولها، وبيَّنت أثرها البالغ في النفس، ووقعها الشديد في السمع والوجدان.

 

ولقد أحسن الشيخ محمد فارون نبهان حينما قال في مؤلفه: (كتاب المدخل إلى علوم القرآن الكريم):

"ومن أثبت السجع في القرآن، فإنه لم يعتبر أن السجع عيب في القرآن، وبخاصة إذا كان ذلك السجع خاليًا من تكلف أو تصنع، ولا يمكن لسجع القرآن إلا أن يكون في أعلى درجات الفصاحة، والنهي مقتصر على سجع الكهَّان، لِما يتصف به ذلك السجع من زيف وباطل.

 

ولذلك؛ فإن الخلاف ظاهري، وهو خلاف مصطلح وتسمية، ولا يترتب عليه أي أثر، ولا شكَّ أن أسلوب القرآن متميز، ولو وقع الالتزام بالمصطلحات القرآنية لكان أفضل، ولابتعدنا عن كثير من المزالق، فالفاصلة القرآنية ذات خصوصيات أسلوبية، وذات صيغ متعددة، وذات تعبيرات إعجازية قد تدلُّك بدرجات متفاوتة، فما يدركه البعض من مظاهر الإعجاز والجمال قد لا يدركه البعض الآخر.

 

ولا شكَّ أن القرآن راعى المناسبة بين الفواصل، وهو أمر مألوف في اللغة، ومحمود في الأسلوب، ومؤثر في جمال العبارة"[28].

 

النتيجة:

إن السجع موجود في القرآن الكريم، بل إن بعض السور تشتمل عليه من أولها إلى آخرها، ولا يصح قول من زعم أن السجع مذموم على الدوام؛ لأنه يتبع فيه اللفظ المعنى، كما لا يصح كذلك القول بأن السجع محمود مطلقًا ومرضي عنه في كل حال.

 

والراجح من الأقوال، وهو القول الوسط، أن السجع نوعان: محمود ومذموم، فالمحمود منه هو ما ورد في القرآن الكريم، أما المذموم، فليس منه في شيء.

 

ومع هذا، فقد رغِب العلماء عن إطلاق هذا المصطلح على القرآن، تشريفًا له وتعظيمًا، فاستُعيض عنه بمصطلح "الفواصل".

 

المصادر والمراجع:

1: ابن منظور، لسان العرب، مادة سجع، تح: عبدالرحمن محمد قاسم النجدي، دار صادر، بيروت، 1992 ط 1.

 

2: ابن سِيده، المحكم والمحيط الأعظم في اللغة، تح: مصطفى السقا، وحسين نصار، مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي، القاهرة، ط: 1.

 

3: ابن الأثير، المثل السائر، تح: محمد محيي الدين عبدالحميد، المكتبة العصرية، بيروت، لبنان، 1995، ط1.

 

4: الخطيب القزويني، الإيضاح في علوم البلاغة، شرح وتعليق، د: عبدالمنعم خفاجي، ط 3، 1971.

 

5: ابن حبان، صحيح ابن حبان، 3333.

 

6: الرماني، إعجاز القرآن، ضمن ثلاث رسائل في إعجاز القرآن، الطبعة الرابعة، دار المعارف، تحقيق الدكتور محمد خلف الله، والدكتور محمد زغلول سلام.

 

7: الرماني: إعجاز القرآن، ضمن ثلاث رسائل في إعجاز القرآن، الطبعة الرابعة، دار المعارف، تحقيق الدكتور محمد خلف الله، والدكتور محمد زغلول سلام.

 

8: الكتاب: إعجاز القرآن للباقلاني، المؤلف: أبو بكر الباقلاني محمد بن الطيب (ت 403هـ)، المحقق: السيد أحمد صقر، الناشر: دار المعارف – مصر، الطبعة: الخامسة، 1997م .

 

9: الكتاب: نقد الشعر، المؤلف: قدامة بن جعفر بن قدامة بن زياد البغدادي، أبو الفرج (ت 337هـ)، الناشر: مطبعة الجوائب – قسطنطينية، الطبعة: الأولى، 1302.

 

10: الكتاب: سر الفصاحة، المؤلف: أبو محمد عبدالله بن محمد بن سعيد بن سنان الخفاجي الحلبي (ت 466هـ)، الناشر: دار الكتب العلمية، الطبعة: الأولى، 1402هـ - 1982م.

 

11: الكتاب: الإتقان في علوم القرآن، المؤلف: عبدالرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (ت 911هـ)، المحقق: محمد أبو الفضل إبراهيم، الناشر: الهيئة المصرية العامة للكتاب، الطبعة: 1394هـ - 1974م.

 

12: الشرح المختصر لتلخيص المفتاح (مطبوع مع "الوشاح على الشرح المختصر: لمحمد الكرمي)، ط: 1375.

 

13: ابن القيم الجوزية: الفوائد، المشوق إلى علوم القرآن وعلم البيان، طبعة عالم الكتب – بيروت.

 

14: الكتاب: نظم الدرر في تناسب الآيات والسور، المؤلف: إبراهيم بن عمر بن حسن الرباط بن علي بن أبي بكر البقاعي (ت 885هـ)، الناشر: دار الكتاب الإسلامي، القاهرة.

 

15: الكتاب: التحرير والتنوير = تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد، المؤلف: محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور التونسي (المتوفى: 1393هـ)، الناشر: الدار التونسية للنشر – تونس، سنة النشر: 1984 هـ، عدد الأجزاء: 30 (والجزء رقم 8 في قسمين).

 

16: الكتاب: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، المؤلف: أبو محمد عبدالحق بن غالب بن عبدالرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي (ت 542هـ)، المحقق: عبدالسلام عبدالشافي محمد، الناشر: دار الكتب العلمية – بيروت، الطبعة: الأولى - 1422 هـ.

 

17: الكتاب: تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم، المؤلف: أبو السعود العمادي محمد بن محمد بن مصطفى (ت 982هـ)، الناشر: دار إحياء التراث العربي – بيروت.

 

18: الكتاب: فتح البيان في مقاصد القرآن، المؤلف: أبو الطيب محمد صديق خان بن حسن بن علي بن لطف الله الحسيني البخاري القنوجي (ت 1307هـ)، عني بطبعه وقدم له وراجعه: خادم العلم عبدالله بن إبراهيم الأنصاري، الناشر: المكتبة العصرية للطباعة والنشر، صيدا – بيروت، عام النشر: 1412 هـ - 1992م.

 

19: الكتاب: فتح القدير، المؤلف: محمد بن علي بن محمد بن عبدالله الشوكاني اليمني (ت 1250هـ)، الناشر: دار ابن كثير، دار الكلم الطيب - دمشق، بيروت، الطبعة: الأولى - 1414هـ.

 

20: الكتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، المؤلف: شهاب الدين محمود بن عبدالله الحسيني الآلوسي (ت 1270هـ)، المحقق: علي عبدالباري عطية، الناشر: دار الكتب العلمية – بيروت، الطبعة: الأولى، 1415هـ.

 

21: الكتاب: تفسير القرآن، المؤلف: أبو المظفر، منصور بن محمد بن عبد الجبار بن أحمد المروزى السمعاني التميمي الحنفي ثم الشافعي (ت 489هـ)، المحقق: ياسر بن إبراهيم وغنيم بن عباس بن غنيم، الناشر: دار الوطن، الرياض – السعودية، الطبعة: الأولى، 1418هـ - 1997م.

 

22: الكتاب: أنوار التنزيل وأسرار التأويل، المؤلف: ناصر الدين أبو سعيد عبدالله بن عمر بن محمد الشيرازي البيضاوي (ت 685هـ)، المحقق: محمد عبدالرحمن المرعشلي، الناشر: دار إحياء التراث العربي – بيروت، الطبعة: الأولى - 1418هـ.

 

23: الكتاب: أنوار التنزيل وأسرار التأويل، المؤلف: ناصر الدين أبو سعيد عبدالله بن عمر بن محمد الشيرازي البيضاوي (ت 685هـ)، المحقق: محمد عبدالرحمن المرعشلي، الناشر: دار إحياء التراث العربي – بيروت، الطبعة: الأولى - 1418 هـ.

 

24: فاضل صالح السامرائي: التعبير القرآني.

 

26: عمر بن عبدالمجيد البيانوي: قواعد التقديم والتأخير.

 

27: الكتاب: المدخل إلى علوم القرآن الكريم، المؤلف: محمد فاروق النبهان، الناشر: دار عالم القرآن – حلب، الطبعة: الأولى، 1426 هـ - 2005 م.



[1] ابن منظور، لسان العرب، مادة سجع، تح: عبدالرحمن محمد قاسم النجدي، دار صادر بيروت، 1992، ط: 1.

[2] ابن سيده، المحكم والمحيط الأعظم في اللغة، تح: مصطفى السقا، وحسين نصار، مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي، القاهرة ط 1، د. ت، مادة (س ج ع)، ج 1، ص 178.

[3] ابن الأثير، المثل السائر، تح: محمد محيي الدين عبدالحميد، المكتبة العصرية، بيروت، لبنان، 1995، ط 1، ص 95، 1995، د ط، ج 1.

[4] الخطيب القزويني، الإيضاح في علوم البلاغة، شرح وتعليق، د. عبدالمنعم خفاجي، ط 3، 1971، ص 547.

[5] ابن حبان، صحيح ابن حبان 3333، أخرجه في صحيحه.

[6] الرماني: إعجاز القرآن، ضمن ثلاث رسائل في إعجاز القرآن ص 97، الطبعة الرابعة، دار المعارف، تحقيق الدكتور محمد خلف الله، والدكتور محمد زغلول سلام.

[7] الرماني: إعجاز القرآن، ضمن ثلاث رسائل في إعجاز القرآن ص 98، الطبعة الرابعة، دار المعارف، تحقيق الدكتور محمد خلف الله، والدكتور محمد زغلول سلام.

[8] الباقلاني: إعجاز القرآن، ص 57، 58.

[9] ابن قدامة: نقد الشعر ص 16.

[10] الخفاجي: سر الفصاحة: 165 وما بعدها.

[11] الخفاجي: سر الفصاحة: 165 وما بعدها.

[12] جلال الدين السيوطي: الإتقان في علوم القرآن، ج 2، ص 97.

[13] الشرح المختصر لتلخيص المفتاح مطبوع مع الوشاح على الشرح المختصر: لمحمد الكرمي، ج 2، ص 175، ط: 1375.

[14] ابن القيم الجوزية: الفوائد المشوق إلى علوم القرآن وعلم البيان، ص 252، طبعة عالم الكتب - بيروت.

[15] البقائي: نظم الدرر، ج 12، ص 310.

[16] البقائي: نظم الدرر، ج 22، ص 93.

[17] ابن عاشور: التحرير والتنوير، ج 13، ص 263.

[18] ابن عطية: المحرر الوجيز، ج 4، ص 52.

[19] أبو السعود: إرشاد العقل السليم، ج 6، ص 28.

[20] صديق حسن خان: فتح البيان في مقاصد القرآن، ج 8، ص 253.

[21] الشوكاني: فتح القدير، ج 3، ص 443.

[22] الآلوسي البغدادي: روح المعاني، ج 8، ص 541.

[23] أبو المظفر: تفسير السمعاني، ج 3، ص 341.

[24] البيضاوي: أنوار التنزيل، ج 4، ص 33.

[25] أبو البركات النسفي: مدارك التنزيل وحقائق التأويل، ج 2، ص 374.

[26] فاضل صالح السامرائي: التعبير القرآني: ص 217، 218.

[27] عمر بن عبدالمجيد البيانوي: قواعد التقديم والتأخير: ص 116.

[28] محمد فاروق نبهان: كتاب المدخل إلى علوم القرآن الكريم: ص 129.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الفن القصصي في القرآن
  • العدد والحساب في القرآن الكريم
  • السحاب في القرآن
  • آية الإنسان والبيئة في القرآن
  • الفتنة في القرآن
  • السماء والسماوات في القرآن الكريم
  • وزن ( انفعل ) في القرآن
  • وزن (فعل) في القرآن

مختارات من الشبكة

  • السجع في القرآن (PDF)(كتاب - آفاق الشريعة)
  • دروس في النقد والبلاغة الدرس الثالث: السجع(مقالة - حضارة الكلمة)
  • من المحسنات اللفظية: السجع والاقتباس(مقالة - حضارة الكلمة)
  • كلمات وصفت القرآن(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المصاهرة بين موسى وشعيب عليهما السلام بين النفي والإثبات(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المختصر المفيد في إثبات وجود العزيز الحميد (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الصرف بين معاني القرآن للفراء ومعاني القرآن للأخفش(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • مفهوم القرآن الكريم بين الوحي وعلماء القرآن(مقالة - آفاق الشريعة)
  • واجبنا نحو القرآن الكريم (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تضرع وقنوت(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • برنامج للتطوير المهني لمعلمي المدارس الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • مسجد يستضيف فعالية صحية مجتمعية في مدينة غلوستر
  • مبادرة "ساعدوا على الاستعداد للمدرسة" تدخل البهجة على 200 تلميذ في قازان
  • أهالي كوكمور يحتفلون بافتتاح مسجد الإخلاص الجديد
  • طلاب مدينة مونتانا يتنافسون في مسابقة المعارف الإسلامية
  • النسخة العاشرة من المعرض الإسلامي الثقافي السنوي بمقاطعة كيري الأيرلندية
  • مدارس إسلامية جديدة في وندسور لمواكبة زيادة أعداد الطلاب المسلمين
  • 51 خريجا ينالون شهاداتهم من المدرسة الإسلامية الأقدم في تتارستان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 10/3/1447هـ - الساعة: 18:21
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب