• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    كان - صلى الله عليه وسلم - خلقه القرآن
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    (دروس وفوائد كثيرة من آية عجيبة في سورة الأحقاف) ...
    د. محمد أحمد صبري النبتيتي
  •  
    لو عرفوك لأحبوك وما سبوك يا رسول الله - صلى الله ...
    السيد مراد سلامة
  •  
    فوائد الابتلاء بالمرض (خطبة)
    أحمد بن عبدالله الحزيمي
  •  
    بدعة الاحتفال بالمولد النبوي (خطبة)
    الشيخ أحمد إبراهيم الجوني
  •  
    يا أهل الجنة لا موت... لكم الحسنى وزيادة
    د. نبيل جلهوم
  •  
    خطبة: ففيهما فجاهد
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    قصص رويت في السيرة ولا تصح (4)
    بكر البعداني
  •  
    من مائدة الفقه: نواقض الوضوء
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    العودة إلى بدء الوحي: سبيل الأمة للخروج من أزمتها ...
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    الرضا كنز المحبين
    نجاح عبدالقادر سرور
  •  
    وقفات ودروس من سورة آل عمران (4)
    ميسون عبدالرحمن النحلاوي
  •  
    المسائل المجمع عليها في مواد أهلية المتعاقدين في ...
    عبدالله بن صالح بن محمد المحمود
  •  
    المرأة بين الإهانة والتكريم (خطبة)
    عبدالعزيز محمد مبارك أوتكوميت
  •  
    الإلهام والكشف والرؤيا لدى ابن تيمية رحمه الله ...
    إبراهيم الدميجي
  •  
    خطبة: التربية على الإحسان للآخرين
    عدنان بن سلمان الدريويش
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب
علامة باركود

خطبة: ففيهما فجاهد

خطبة: ففيهما فجاهد
الشيخ عبدالله محمد الطوالة

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 2/9/2025 ميلادي - 10/3/1447 هجري

الزيارات: 140

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

خطبة: ففيهما فجاهد

 

إنَّ الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون ﴾ [آل عمران:102].. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُون ﴾ [الحشر:18].. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب:70].

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ في النار.

 

معاشر المؤمنين الكرام: إنّ من أجلّ الغنائم، وأكرم المنن والمواهب، أن يكون الوالدان الكريمان على قيد الحياة، فذلك بابٌ من أبواب الجنة مفتوح.. والسعيدُ الموفق من عرف لوالديه قدرَهما، وأيقنَ أن وجودهما كنزٌ من الأجور والحسنات، وجنةٌ من الرضا والرحمات، ومفتاحٌ من مفاتيح التوفيق والبركات..

 

برُّ الوالدين ليس فقط مِفتاحٌ للجنة، بل هو مفتاحٌ لكل شيءٍ طيّب في هذه الحياة. فمن رام السعادة فليدخل من باب البر، ومن ابتغى رضا الله فليحسن إلى والديه، ومن أرادَ دعوةً لا تُرد، فليبرهما..

 

نعم يا عباد الله: فالموفق من جعلَ برّ والديهِ تاجًا على رأسه، وزادًا لآخرته، وأفردَ لهما من قلبه مكاناً علياً، ومن وقته نصيبًا مفروضاً، ومن دعائه خبيئةً خاصةً.. فإنّ الله تعالى قد عظّمَ أمرهما، وقرن برّهما بعبادته، فقال جلَّ شأنه: ﴿ وَقَضىٰ رَبُّكَ أَلّا تَعبُدوا إِلّا إِيّاهُ وَبِالوالِدَينِ إِحسانًا ﴾ [الإسراء:23]، فأنزلهما منزلةً عالية، وقضى لهما كما قضى لنفسه العليّة، وما ذلك إلا لعظيم حقهما، وكبير فضلهما.. وانظر كيف أكدَ القرآنُ الكريم على برهما بقول تعالى: ﴿ إِمّا يَبلُغَنَّ عِندَكَ الكِبَرَ أَحَدُهُما أَو كِلاهُما فَلا تَقُل لَهُما أُفٍّ وَلا تَنهَرهُما وَقُل لَهُما قَولًا كَريمًا ﴾ [الإسراء:23]، وتأمل كيف قال: (إِمّا يَبلُغَنَّ عِندَكَ الكِبَرَ) إشارةً إلى الملازمةِ لهما، وعدم البعدُ عنهما أو التقصيرِ في حقهما.. خصوصاً إذا تقدما في العمر، وأقبلا على الشيخوخة والكبر، فهما الان في حاجتك، بعد أن بذلا جهدهما في تربيتك، وصرفا أموالهما في رعايتك، فقد أنهيا مهمتهما، ليبدأ دورك.. فتواضع لهما، واخفض لهما جناح الذل إجلالاً ورحمةً، واحذر حتى من مجرّد التأفف ﴿ فَلا تَقُل لَهُما أُفٍّ وَلا تَنهَرهُما ﴾، وتخير عند خطابها من الكلمات ألطفها، ومن العبارات أعذبها ﴿ وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا ﴾.. وتأمل كيف أنّ الله جلّ وعلا لم يُوصِ في كتابه بمثل ما أوصى بهما، بل إنه قرن شكرهُ بشكرهما، فقال تعالى: ﴿ وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِير ﴾ [لقمان:14].. فهل ندركُ عِظَمَ هذا المقام؟ وهل نقدِّرُ قيمةَ هذا الاقتران؟ فلا يُقرنُ بالعظيمُ إلا عظيم، ولا يَربِطُ اللهُ بين أمرين إلا لشرفهما..

 

وانظر كيف جعلَ اللهُ برّهما عبادةً من أعظم العبادات، فقال سبحانه: ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾ [النساء:36]، وبيّن لنا في موضعٍ آخر أنَّ الإحسانَ إليهما حقٌّ لازمٌ لهما، حتى وإن كانا مشركين، مما يدللُ على عظيم منزلتهما.. فمن أرادَ التوفيق في حياته، والبركةَ في وقته، والسِعةَ في رزقه، والنجاحَ في أموره، فليحرص على رضا أبويه، فإن رضاهما من رضى الله، وسخطُهما من سخط الله، ففي الحديث الصحيح: «رِضا اللهِ في رضا الوالدِ، وسخَطُ اللهِ في سخَطِ الوالدِ».. وجاء في حديثٍ صحيح، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال لأحد الصحابة: "ألكَ والدانِ؟ قال: نعَم، قال: الزَمهُما فإنَّ الجنَّةَ تحتَ أرجلِهما"..

 

وَمَعَ كل ما في البر من أجورٍ وبركةٍ وخيرات.. فَإِنَّ من النَّاس من يفوتهم الكثيرَ من هذا الخير العظيم، خصوصاً من يكونُ في مَطلَعِ الشَّبَابِ وَالفُتُوَّةِ، حَتى إِذَا صَحَا مِن سَكرَة الغفلةِ وَأَفَاقَ بعد فوات الآوان، نَدِمَ أَشَدَّ النَّدَمِ عَلَى ما أضَاعَ وَفَرَّطَ.. ولذا فَإِنَّ بِرَّ الوَالِدَينِ وَالإِحسَانَ إِلَيهِمَا، مُسَابَقَةٌ مع الزمنِ قَبلَ أَن يَرحَلَ بِهِمَا، وَمُسَارَعَةٌ لِلوفاءِ لهما قبلَ فِراقِهما، واستثمارٌ لِوجودِهما لردِّ جمِيلهِما، واستغلالٌ لِلفُرصِ السانِحةِ لإِسعادِهِما وَإِدخَالِ السُّرُورِ عليهِما..

 

أَلا فلْيتَّقِ اللهَ كُلُّ ابنٍ حيٍّ والِداهُ، ولْيغتنمها تجارةً رابحةً مع الله، ولْيفز بأَوفَر نصِيبٍ مِنَ البرَكةِ والتَّوفِيقِ، والدرجات العلا عند الله، وليعلم أنه لا يَنبغي لأيِّ شيءٍ في الحياةِ أن يَشغلهُ عَن والداه، فعَن عَبدِاللهِ بنِ عَمرٍو رضِيَ اللهُ عنهُما قالَ: جاءَ رجُلٌ إِلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فاستأذنَهُ في الجِهادِ. فقالَ: "أحيٌّ والِداكَ؟" قالَ: نَعَم. قالَ: "فَفِيهِما فجاهِدْ" والحديثُ في البخارِيُّ ومُسلِمٌ. وفي صحيح مُسلِمٍ، أن رجلاً أَقبَلَ إِلى نَبيِّ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أُبَايِعُكَ عَلَى الهِجرَةِ وَالجِهَادِ أَبتَغي الأَجرَ مِنَ اللهِ. قَالَ: "فَهَل مِن وَالِدَيكَ أَحَدٌ حَيٌّ؟ " قَالَ: نَعَم، بَل كِلاهُمَا. قَالَ: "فَتَبتَغِي الأَجرَ مِنَ اللهِ؟" قَالَ: نَعَم. قَالَ: "فَارجِعْ إِلى وَالِدَيكَ فَأَحسِنْ صُحبَتَهُمَا", إذن فبرُّ الوالدين والإحسانِ إليهما جهادٌ بنصّ الحديث، فَهَنِيئًا لِمَن أَدرَكَ وَالدَيهِ، فَجاهد في برهما بِنَفسٍ طَيِّبَةٍ وخاطِرٍ مُنشرِحٍ، وكانَ في حاجاتِهِمَا دُونَ تضجُّرٍ ولا تسخُّطٍ، فإِنَّ الابن قد يلقى من والده شِدَّةَ طبعٍ أو سلاطةَ لِسانٍ، أَو قد يكون أحدُهما بحاجةٍ لِعِنايةٍ خاصَّةٍ بسبب مرضٍ ونحوه.. وبِمِثلِ هذا يتبيَّنُ البارُّ مِنَ العاقِّ، والواصلُ من القاطِعِ، والمُحسِنُ مِنَ المُسِيءِ، فرحِمَ اللهُ من رحِمَ ضعفَ والِديهِ فرعاهُمَا، وسرَّهُمَا بِصلاحِهِ واستِقامتِهِ، وبذلَ كلَّ ما في وسعه وطاقته، وردَّدَ كَثِيرًا في دُعَائِهِ (رَبِّ ارحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَاني صَغِيرًا)،

 

واعلمُوا أنَّهُ وإِن كانَ بعضُنا قد رحلَ والِداهُ وخلَّفاهُ، فَإِنَّ بابَ البِرِّ ما زالَ مفتُوحًا، وذلك بِالدُّعاءِ لهُما، والتَّرحُّمِ عليهِما والصَّدقةِ عنهُما، ووَصلِ أقارِبِهِما وأهلِ وُدِّهِما، ففي صحيح مُسلمٍ، قالَ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: "إِذَا مَاتَ الإِنسَانُ انقَطَعَ عَنهُ عَمَلُهُ إِلاَّ مِن ثَلاثَةٍ: إِلاَّ مِن صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَو عِلمٍ يُنتَفَعُ بِهِ، أَو وَلَدٍ صَالِحٍ يَدعُو لَهُ"، وَفي صحيح البخَارِيِّ أنَّ سعدَ بنَ عُبادةَ رضِيَ اللهُ عنهُ قالَ: "يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أُمِّي تُوُفِّيَت وَأَنَا غَائِبٌ عَنهَا، أَيَنفَعُهَا شَيءٌ إِنْ تَصَدَّقتُ بِهِ عَنهَا؟ قالَ: "نَعَم" قَالَ: فَإِنِّي أُشهِدُكَ أَنَّ حَائِطِيَ المِخرَافَ صَدَقَةٌ عَلَيهَا".. وفي صحيح مُسلِمٍ أن رسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: "إِنَّ مِن أَبَرِّ البِرِّ صِلَةَ الرَّجُلِ أَهلَ وُدِّ أَبِيهِ بَعدَ أَن يُوَلِّيَ"..

 

اعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّـٰهُ وَبِٱلْوٰلِدَيْنِ إِحْسَـٰناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ ٱلْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا * وَٱخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلّ مِنَ ٱلرَّحْمَةِ وَقُل رَّبّ ٱرْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِى صَغِيرًا * رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِى نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُواْ صَـٰلِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلاْوَّابِينَ غَفُوراً ﴾ [الإسراء:23]..

 

أقول ما تسمعون...

 

الخطبة الثانية

الحمد لله وكفى، وصلاة وسلاما ًعلى عباده الذين اصطفى..

أما بعد، فاتقوا الله عباد الله وكونوا مع الصادقين، وكونوا من: ﴿ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَاب ﴾ [الزمر:18]..

 

معاشر المؤمنين الكرام: لو سأل أحدنا نفسه.. منْ مِن الناسِ أكثرَ مِن والداي يخافُ عليَّ بردَ النسيم, ولفحَ السَّموم؟.. منْ مِن الناسِ غيرهما يُؤثرُني على نفسهِ؟.. منْ مِن الناسِ سواهما يعتقدُ أنَّ صورتي هي أبهى الصورِ عندهُ؟.. منْ مِن الناسِ يتمنى سعادتي ولو بالدنيا كلها.. فليس هناك سوى والداي الكريمان..

 

فالوالدان يندفعان بالفطرة لحبّ ورعاية أولادهما، بل وإلى التضحية بكل غالي ونفيس من أجلهم.. وكما يمتصُ النباتُ النامي كلَّ غذاءٍ في الحبة فإذا هي فُتات، وكما يمتصُ الفرخُ كلَّ غذاءٍ في البيضة فإذا هي قِشرةٌ يابسة، كذلك يمتصُ الأولادُ كلَّ ما لدى الوالدينِ الكريمين من رعايةٍ واهتمام، فإذا بالوالدين في شيخوخةِ الهرم، وانحدارِ العافية, غيرَ أنّ من الأبناء مَنْ ينسى سريعاً صنائعَ الإحسان، ويتنكرُ للرعاية والحنان، ويُسيءَ إلى من قضى عُمرهُ كلهُ مُحسناً إلية.. ووالله إنّ كلّ الكلماتِ لتتوارى خجلاً وحياءً, حين يُفجعُ الوالد أو الوالدة بالجحود والنُّكران، في حين أنهما ينتظران منه البرّ والإحسان.. لسانُ حالهِما ليتك َلم تكن أبنا ًلنا, أَحينَ كبُرنا واحتجنا إليك، جعلتنا أهونِ الأشياءِ عليك.. غَمرتَ غيرينا بالإحسان، وقابلت جميلينا بالنسيان.. فوا أَسفاً عليك..

 

فيا أيها الأبنـاء: أخاطِبُ فيكم الإيمان، واناشِدُ فيكم الأخلاق، استيقظوا قبل الفوات.. فالعقوقُ لا ينفعُ معهُ عملٌ صالحٌ وإن كثُر، العاقُّ لا صـلاةَ لهُ، ولا زكاةَ ولا حجَّ ولا صيامَ.. تأمَّل هذا الحديث الصحيح جيداً.. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ثلاثةٌ لا يَنظُرُ اللهُ إليهِمْ يومَ القِيامةِ: العاقُّ لِوالِدَيْهِ والمرأَةُ الْمُترَجِّلَةُ المتَشَبِّهَةُ بالرِّجالِ، والدَّيُّوثُ. وثلاثةٌ لا يَدخلونَ الجنةَ: العاقُّ لِوالديْهِ، والمُدمِنُ الخمْرَ، والمنّانُ بِما أعْطَى"..

 

فيا معاشر الأبناء: اعلموا أنّ عقوقَ الوالدينِ من أكبر الكبائر، بل إنَّ عاقَّ الوالدينِ ملعونٌ على لسان رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، ففي الحديث الصحيح: "لعنَ اللهُ من عقَّ والديه"، بل إنَّ عاقَّ الوالدينِ حرامٌ عليهِ الجنَّة، كيفَ وقد دعا عليهِ أفضلُ أهلِ السماءِ جبريلُ عليهِ السلام, وأمّنَ على الدعاء أفضلُ الخلقِ صلى الله عليه وسلم، فقد صعدَ صلى الله عليه وسلم درجاتِ منبرهِ ذات مرةٍ فقال: آمين، ثم رقى الثانيةَ فقال: آمين، ثم رقى الثالثةَ فقال: آمين، فلما سألهُ الصحابةُ عن ذلك، قال: "عرضَ لي جبريلُ فقال: يا محمد رغِمَ أَنفُ من أَدركَ أحدَ أبويهِ أو كليهما فلم يُدخِلاه الجنةَ قل: آمين، فقلتُ: آمين"، والحديث في مُسلم، وعن أبي الدرداء رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الوالدُ أوسطُ أبوابِ الجنةِ، فإن شئتَ فأضع ذلك البابَ أو احفظه"، والحديث صححه الألباني..

 

فيا أيها الأبناء: اتقوا الله في آباءكم، اتقوا الله في أمهاتكم، إياكم والعقوق، اجتهدوا في إكرام والديكم والإحسان إليهما، اجتهدوا في طلب رضاهُما وإدخالِ السرورُ عليهما.. فإن لم يكونوا موجودين فأكثروا من الدُّعاءِ لهما، وتصدقوا عنهما، وصِلوا من الناس من كانوا يصلونهُ فإن ذلك من برهما.. وأنتم يا معاشر الآباء الكرام: أعينوا أبناءكم على بركم، وارفقوا بهم، واصبروا عليهم، وادعوا لهم بالهداية والتوفيق، وقدموا بين يدي دُعاءِكم صدقةً تتوسلون بها القبولَ.. ففي الحديث الصحيح قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاث دعوات مُسْتَجابات لا شك فيهن: دعوة الوالد على ولده، ودعوة المظلوم، ودعوة المسافر).. وإياكم ثم إياكم أن تدعوا عليهم لأيّ سبب.. فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعةً يُسألُ فيها عطاءً فيستجيبَ لكم)، تقبل الله منا ومنكم، وأعاننا وإياكم على ما يحب ويرضى..

 

ويا ابن آدم عش ما شئت فإنك ميت، واحبب من شئت فإنك مفرقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، البر لا يبلى، والذنب لا ينسى، والديان لا يموت، وكما تدين تدان..

 

اللهم صل على محمد..





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • القرآن وتعدد النيات (خطبة)
  • عظمة القرآن تدل على عظمة الرحمن (خطبة)
  • مع بداية العام الدراسي (خطبة)
  • كن بلسما (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • فوائد الابتلاء بالمرض (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بدعة الاحتفال بالمولد النبوي (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المرأة بين الإهانة والتكريم (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: التربية على الإحسان للآخرين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الإحصاء في القرآن الكريم والسنة النبوية: أبعاد ودلالات (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الدين النصيحة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • العطايا والمنح بعد المحن (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • كلنا رجال تربية وتعليم (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • لا تظالموا.. (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تأملات في حقيقة الموت (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد يستضيف فعالية صحية مجتمعية في مدينة غلوستر
  • مبادرة "ساعدوا على الاستعداد للمدرسة" تدخل البهجة على 200 تلميذ في قازان
  • أهالي كوكمور يحتفلون بافتتاح مسجد الإخلاص الجديد
  • طلاب مدينة مونتانا يتنافسون في مسابقة المعارف الإسلامية
  • النسخة العاشرة من المعرض الإسلامي الثقافي السنوي بمقاطعة كيري الأيرلندية
  • مدارس إسلامية جديدة في وندسور لمواكبة زيادة أعداد الطلاب المسلمين
  • 51 خريجا ينالون شهاداتهم من المدرسة الإسلامية الأقدم في تتارستان
  • بعد ست سنوات من البناء.. افتتاح مسجد أوبليتشاني في توميسلافغراد

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 10/3/1447هـ - الساعة: 11:15
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب