الاطلاع والانتفاع بما قال فيه الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -: من استطاع

الاطلاع والانتفاع

بما قال فيه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: "من استطاع.."

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا؛ أما بعد:

فهذه جملة منتقاة من الأحاديث الصحيحة الكريمة، والدرر الغالية النفيسة؛ التي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((من استطاع))، جمعتها لما اطلعت عليها؛ للانتفاع بها، ثم أحببتُ نشرها للفائدة، وأسميتها: «الاطلاع والانتفاع بما قال فيه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: من استطاع».

"من استطاع منكم أن يُطيل غرته...":

عن نعيم المجمر قال: رقيتُ مع أبي هريرة رضي الله عنه على ظهر المسجد فتوضأ، فقال: إني سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((إن أمتي يُدعَون يوم القيامة غرًّا محجلين من آثار الوضوء، فمن استطاع منكم أن يُطيل غرته فليفعل))؛ [أخرجه البخاري رقم: (136)، ومسلم رقم: (246)، وقوله: ((فمن استطاع منكم)) مدرجة في الحديث المرفوع من بعض الرواة من قول أبي هريرة رضي الله عنه، وانظر: فتح الباري: (1/218)، وإرواء الغليل رقم: (94)، وسلسلة الأحاديث الصحيحة (1/509)، والضعيفة (3/104) رقم: (1030)].

"من استطاع منكم الباءة...":

عن علقمة قال: كنت مع عبدالله، فلقِيه عثمانُ بمنًى، فقال: يا أبا عبدالرحمن، إن لي إليك حاجة، فخلَوا، فقال عثمان: هل لك يا أبا عبدالرحمن في أن نزوجك بكرًا تذكِّرك ما كنت تعهد؟ فلما رأى عبدالله أن ليس له حاجة إلى هذا، أشار إليَّ، فقال: يا علقمة، فانتهيت إليه، وهو يقول: أمَا لئن قلت ذلك؛ لقد قال لنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((يا معشر الشباب، منِ استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغضُّ للبصر، وأحصن للفرْجِ، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء))؛ [أخرجه البخاري رقم: (4778)، ومسلم رقم: (1400)].

"من ‌استطاع منكم أن يستتر من النار... ":

عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((ما منكم من أحد إلا وسيكلمه الله يوم القيامة، ليس بين الله وبينه ترجمان، ثم ينظر فلا يرى شيئًا قُدامه، ثم ينظر بين يديه فتستقبله النار، ‌فمن ‌استطاع منكم أن يتقي النار ولو بشق تمرة))؛ [أخرجه البخاري رقم: (6174)].

وعن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((من ‌استطاع منكم أن يستتر من النار ولو بشق تمرة، فليفعل))؛ [أخرجه مسلم رقم: (1016)].

"‌من ‌استطاع منكم أن ينفع أخاه... ":

عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: ((أرخص النبي صلى الله عليه وآله وسلم في رقية الحية لبني عمرو، لدغت رجلًا منا عقرب، ونحن جلوس مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال رجل: يا رسول الله، أرقي؟ قال: ‌من ‌استطاع منكم أن ينفع أخاه، فليفعل))؛ [أخرجه مسلم رقم: (2199)]، وفي رواية: ((كان لي خال يرقي من العقرب، فنهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الرُّقى، قال: فأتاه، فقال: يا رسول الله، إنك نهيت عن الرقى، وأنا أرقي من العقرب، فقال: ‌من ‌استطاع منكم أن ينفع أخاه، فليفعل))، وفي رواية: ((نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الرقى، فجاء آل عمرو بن حزم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقالوا: يا رسول الله، إنه كانت عندنا رقية نرقي بها من العقرب، وإنك نهيت عن الرقى، قال: فعرضوها عليه، فقال: ما أرى بأسًا، ‌من ‌استطاع منكم أن ينفع أخاه، فلينفعه)).

"من استطاع ‌أن ‌يموت ‌بالمدينة... ":

عن الصميتة - امرأة من بني ليث - تحدث صفية بنت أبي عبيد رضي الله عنه، أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((من استطاع منكم ألَّا يموت إلا بالمدينة فليمُت بها، فإنه من يمُت بها يُشفع له، أو يُشهد له))؛ [أخرجه ابن حبان في صحيحه رقم: (1032 - موارد)، والطبراني في المعجم الكبير (24/331/ 824)، والبيهقي في الشعب (2/1/83/1)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب رقم: (1194)، وقال رحمه الله في سلسلة الأحاديث الصحيحة رقم: (‌‌2928): "قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات، وفي إسناده اختلاف يسير لا يضر إن شاء الله تعالى"].

وعن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((من استطاع ‌أن ‌يموت ‌بالمدينة فليفعل، فإني أشفع لمن مات بها))؛ [أخرجه الترمذي رقم: (3917)، وابن ماجه رقم: (3112)، وابن حبان رقم: (3733 - الإحسان)، وأحمد (2/74) والبغوي في شرح السنة (7/324/ 2020)، وصححه الترمذي، وابن حبان، والألباني رحم الله الجميع في صحيح الجامع، وصحيح الترغيب رقم: (1193) رحم الله الجميع، وقال في سلسلة الأحاديث الصحيحة (6/1034): "وسنده صحيح على شرط الشيخين"، وقال شيخنا مقبل الوادعي رحمه الله في الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين (4/157، 158): "هو حديث صحيح على شرط الشيخين، وله علة غير قادحة، كما في الصارم المنكي (ص 38)، وانظر له: كتاب الشفاعة (ص: 256، 257)].

"‌من ‌استطاع ‌منكم ‌ألَّا يُحال ‌بينه وبين الجنة... ":

عن طريف أبي تميمة قال: شهدت صفوانَ وجندبًا وأصحابه وهو يوصيهم، فقالوا: هل سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شيئًا؟ قال: سمعته يقول: ((من سمَّع سمَّع الله به يوم القيامة، قال: ومن شاقَّ شقَّ الله عليه يوم القيامة، فقالوا: أوصِنا، فقال: إن أول ما ينتن من الإنسان بطنه، ‌فمن ‌استطاع ألَّا يأكل إلا طيبًا فليفعل، ومن استطاع ألَّا يحال بينه وبين الجنة بملء كف من دم أهراقه، فليفعل، قلت لأبي عبدالله: من يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، جندب؟ قال: نعم، جندب))؛ [أخرجه البخاري رقم: (6733)].

وعن جندب بن عبدالله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((من ‌استطاع ‌منكم ‌أ‌لَّا ‌يحول ‌بينه وبين الجنة ملء كف من دمِ امرئٍ مسلم أن يُهريقه؛ كأنما يذبح به دجاجة، كلما تعرض لِبابٍ من أبواب الجنة، حال الله بينه وبينه، ومن استطاع ألَّا يجعل في بطنه إلا طيبًا، فإن أول ما ينتن من الإنسان بطنه))؛ [أخرجه الطبراني فى المعجم الكبير (2/171/1662)، وقال الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة رقم: (‌‌3379): "إسناد صحيح لولا عنعنة الحسن - وهو البصري - لكنه قد صحَّ مرفوعًا من غير طريقه..."].

"من استطاع ألَّا يجعل في بطنه إلا طيبًا... ":

انظر الأحاديث المتقدمة في: ((من ‌استطاع ‌منكم ‌ألَّا يُحال ‌بينه وبين الجنة)).

"من ‌استطاع ‌منكم ‌ألَّا ‌يَحولَ ‌بينه وبين قِبلته أحد... ":

عن أبي عبَيْدٍ حاجب سليمان قال: رأيت عطاء بن يزيد الليثي قائمًا يصلِّي، فذهبت أمرُّ بين يديه، فردَّني، ثم قال: حدَّثني أبو سعيد الخدري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((‌من ‌استطاع ‌منكم ‌ألَّا ‌يَحولَ ‌بينه وبين قِبلته أحد، فليفعل))؛ [أخرجه أبو داود رقم: (699)، وصححه الألباني في صحيح الجامع، وقال رحمه الله في صحيح أبي داود رقم: (696 - الأم): "قلت: إسناده حسن صحيح"].

"من استطاع منكم أن يكون له خبء... ":

عن الزبير بن العوام رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((من استطاع منكم أن يكون له خبءٌ ‌من ‌عمل ‌صالح، ‌فليفعل))؛ [أخرجه الخطيب في التاريخ (11/263)، وصححه الألباني رحمه الله في صحيح الجامع، وهو في سلسلة الأحاديث الصحيحة رقم: (‌‌2313)].

"‌من ‌استطاع ‌منكم ‌أن ‌يسجد... ":

عن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((‌من ‌استطاع ‌منكم ‌أن ‌يسجد فليسجد، ومن لم يستطع، فلا يرفع إلى جبهته شيئًا يُسجَد عليه، ولكن بركوعه وسجوده يومئ برأسه))؛ [أخرجه الطبراني في الأوسط (1/43/1 - زوائده)، وفيه ضعف، لكن له شواهد كما في سلسلة الأحاديث الصحيحة رقم: (‌‌323)، وأصل صفة الصلاة (ص: 97 - 100) للألباني].

"‌من ‌استطاع منكم فلا يُغلَبنَّ... ":

عن جرير قال: ((كنا عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فنظر إلى القمر ليلةً - يعني البدر - فقال: إنكم سترَون ربكم، كما ترَون هذا القمر، لا تضامُّون في رؤيته، ‌فإن ‌استطعتم ألَّا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا، ثم قرأ: ﴿ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ ﴾ [ق: 39]، قال إسماعيل: افعلوا، لا تفوتنكم))؛ [أخرجه البخاري رقم: (529)، ومسلم رقم: (633)].

عن جرير رضي الله عنه قال: ((كنا عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليلةَ أربع عشرة من شهر، فقال: أترَون هذا القمر؟ فإنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر، لا تضامون في رؤيته، ‌فمن ‌استطاع منكم، فلا يُغلَبَنَّ على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها))؛ [أخرجه الحميدي (799)، والطبراني (2/ 296 - رقم: 2234)].

"من ‌استطاع ‌أن ‌يستكثر... ":

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((الصلاة خير موضوع، فمن ‌استطاع ‌أن ‌يستكثر فليستكثر))؛ [رواه الطبراني في الأوسط (245)، صححه ابن حبان رحمه الله كما في فتح الباري (2/479)، وحسنه لشواهده الألباني رحمه الله في صحيح الجامع، وقال في صحيح الترغيب رقم: (390) الحاشية (2): "قلت: له شواهد يتقوى بها، فأخرجه الطيالسي وأحمد والحاكم من طريقين عن أبي ذر، وأحمد وغيره من حديث أبي أمامة، فالحديث حسن إن شاء الله تعالى"].

"من استطاع منكم ألَّا يحول ‌بينه ‌وبين ‌القبلة... ":

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: ((أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قام فصلَّى صلاة الصبح وهو خلفه، فقرأ، فالتبست عليه القراءة، فلما فرغ من صلاته قال: لو رأيتموني وإبليسَ فأهويتُ بيدي، فما زلتُ أخنقه حتى وجدت برد لُعابه بين إصبعيَّ هاتين: الإبهام والتي تليها، ولولا دعوة أخي سليمان؛ لأصبح مربوطًا بسارية من سواري المسجد، يتلاعب به صبيان المدينة، فمن استطاع منكم ألَّا يحول ‌بينه ‌وبين ‌القبلة ‌أحد، ‌فليفعل))؛ [أخرجه أحمد (3/ 82، 83)، وقال الألباني رحمه الله في سلسلة الأحاديث الصحيحة رقم: (‌‌3251): "قلت: وإسناده جيد، رجاله ثقات رجال مسلم، غير مسرة بن معبد، وهو صدوق له أوهام؛ كما في التقريب"، قلت – بكر - لكن له شواهد، ولذا قوَّاه غير واحد من أهل العلم رحمهم الله، وانظر: أصل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم (ص: 124 - 126)].