• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    عاشوراء: فضل ودروس (خطبة)
    عبدالعزيز أبو يوسف
  •  
    عظمة القرآن تدل على عظمة الرحمن (خطبة)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    مكانة الصحابة رضي الله عنهم في الكتاب والسنة ...
    الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري
  •  
    الوصية بالوالدين (خطبة)
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
  •  
    خطبة (المولد النبوي)
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    ذكر الله سبب من أسباب نزول السكينة
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    خطبة: عندما يكون الشاب نرجسيا
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    علمتنا الهجرة (خطبة)
    د. عبد الرقيب الراشدي
  •  
    خطبة: تدبر أول سورة البقرة
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
  •  
    تفسير: (وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    تحريم الحلف بالأمانة
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    الإسلام دعا إلى تأمين معيشة أهل الذمة من غير ...
    الشيخ ندا أبو أحمد
  •  
    منهج السجاوندي في الوقف على ما قبل (إذ) (PDF)
    د. محمد أحمد محمد أحمد
  •  
    خطبة: حسن الظن بالله
    يحيى سليمان العقيلي
  •  
    من طامع في مال قريش إلى مؤمن ببشارة سيدنا محمد ...
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    حكم عمليات التجميل
    د. مصطفى طاهر رضوان
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / عقيدة وتوحيد / التوحيد / في آيات الله
علامة باركود

عظمة القرآن تدل على عظمة الرحمن (خطبة)

عظمة القرآن تدل على عظمة الرحمن (خطبة)
الشيخ عبدالله محمد الطوالة

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 15/8/2025 ميلادي - 21/2/1447 هجري

الزيارات: 1104

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

عظمة القرآن تدل على عظمة الرحمن

 

﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ﴾ [الأنعام:1]، ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ [النمل:93]، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريك لهُ، ﴿ هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُون ﴾ [غافر:68]، وأشهدُ أن محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه، وصفيهُ وخليله، إمامُ المرسلين، وخاتمُ النبيين، وقائدُ الغرِّ المحجلينِ، وسيِّدِ ولدِ آدم أجمعين.. اللهم صلِّ على محمدٍ في الأولين، وصلِّ عليه في الآخرين، وصلِّ عليه إلى يوم الدين، وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدّين.

 

أما بعد: فاتقوا اللهَ عبادَ اللهِ..

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران:102]،

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب:70]..

 

معاشر المؤمنين الكرام: في زمنٍ طغى فيه تعظيمُ الماديات، وبُهِرَ الناسُ بما وصلوا إليه من اختراعاتٍ ومُنجزات.. فضعُف في المقابل في نفوسهم تعظيمُ خالقِ الأرضِ والسموات.. تلك العبادةُ الجليلة، والمقامُ الرفيع، الذي هو أصلٌ من أصولِ الإيمان، وعملٌ من أشرفِ أعمالِ القلوب، يجبُ ترسيخُها والتربي عليها، لا سيّما وقد تفشّت مظاهرُ التهاونِ والاستخفافِ بمسلمات الدين وثوابته، والتهكم بشرائع الله ومحرماته.. كيف وقد قال الله تعالى موبخًا من لم يعظمه: ﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ ﴾ [الزمر:67]، وقال سبحانه: ﴿ مَّا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا ﴾ [نوح:13].

 

ثم اعلموا يا عباد الله: أنّ الإيمانَ باللهِ ليس مجردَ معرفةٍ ثقافية، وإنما هو منزلةٌ عاليةٌ، تقومُ على مبدئِ الإجلالِ والتعظيمِ، تأمّل ما يقولهُ اللهُ تعالى عن أهل النار: ﴿ خُذُوهُ فَغُلُّوه * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوه * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوه * إِنَّهُ كَانَ لاَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيم ﴾ [الحاقة:30 ].. فهو وإن كانَ يؤمنُ بوجود الله، فإنه كانَ لا يؤمنُ بعظمة الله، وعليه فلا يصِحُ إيمانٌ بلا تعظيم، ولا يتحقّقُ تَعظيمٌ بلا معرفة، والعبدُ كلّما ازدادَ معرفةً بالله، ازدادَ لهُ تعظيمًا وإجلالا.. قال تعالى: ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ ﴾ [محمد:19].. وما أجملَ أن يرتقِيَ المؤمنُ بإيمانِهِ من دائرة العلمِ والمعرفة، إلى عالم الاستئناسِ والمعايشة.. وحينها فقط يتذوّقُ العبدُ حلاوةَ الإيمان.

 

فمن هو الإلهُ يا عباد الله، الإله! ﴿ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيم * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلاَمُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُون * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم ﴾ [الحشر:22].

 

هو الأولُ فليسَ قبلهُ شيء، والآخرُ فليسَ بعدهُ شيء، والظاهرُ فليسَ فوقهُ شيء، والباطنُ فليسَ دونهُ شيء، ﴿ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ﴾ [الإسراء:44].. ﴿ وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاء وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَال ﴾ [الرعد:13].. ﴿ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُون ﴾ [غافر:62].

 

الله.. مَنْ لا يغيبُ عن عِلمِهِ غائِبْة.. ولا يَعْزُبُ عن نظره مثقالُ ذرّة.. ﴿ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبّكَ مِن مّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي ٱلأرْضِ وَلاَ فِي ٱلسَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذٰلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِين ﴾ [يونس:61]..

 

الله ﴿ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُور ﴾ [سبأ:2]..

 

الله ﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُور ﴾ [غافر:19]..

 

الله ﴿ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير ﴾ [الحديد:2]..

 

الله ﴿ رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلاَق * يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لاَ يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّار ﴾ [غافر:15]..

 

الله ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِير ﴾ [الشورى:11]..

 

﴿ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِير ﴾ [الأنعام:18]..

 

أيها الأحبة في الله: من أرادَ أن يعيشَ العظمةَ في أوج تصوّرها، وأوضحِ صورها فليفتح قلبهُ للقرآن العظيم، وليتدبّر ما فيه من الآيات والذكرِ الحكيم.. فالقرآنُ كلّهُ توحيدٌ وتعظيم.. القرآنُ هو المنهجُ الأقوى والأقوم، فلنتعلّم منه كيف نُعظِّمُ ربَّنا ونُسلِم، ﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلاَ الإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيم * صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ أَلاَ إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأُمُور ﴾ [الشورى:52].. ﴿ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ ﴾ [الواقعة:74].. ﴿ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى ﴾ [الأعلى:1]..

 

القرآنُ العظيم: كتابٌ مُذهلٌ: ﴿ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ﴾ [هود:1]..

 

كتابٌ عجيب: أبهر الحكماء وأذهل البلغاء، كتابٌ غزيرُ المعاني، بليغُ الأسلوبِ والمضمون، متينُ الحبكِ والتركيبِ، قويُّ الوقعِ والتأثير، سهلُ الفهمِ والاستيعاب، ميسورُ الحفظِ والتّذكر، جميلُ النغمةِ والجرْسِ، ترتاحُ النفوسُ لسماعةِ، وتنشرحُ الصدورُ بتلاوته، وتطمئنُ القلوبُ بترديده.. ﴿ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ﴾ [الزمر:23]..

 

كتابٌ مُبهر: له سطوةٌ ظاهرة، وقوةُ تأثيرٍ على النفوس مُذهِلة، يقولُ الامامُ الأصفهاني رحمه الله: إنّ من إعجاز القرآنِ صِنيعهُ بالقلوب، وتأثيرهُ في النفوس، فإنك لا تسمعُ كلامًا غير القرآنِ منظومًا ولا منثورًا، إذا قرعَ السمعَ ووصلَ إلى القلب، كان له من اللذةِ والحلاوةِ من جهة، والروعةِ والمهابةِ من جهةٍ أخرى، حتى تقشعرُّ منه الجلود، وتوجَلَ له القلوب، وتفيضُ منه العيون.. ﴿ لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ﴾ [الحشر:21].. وليست هذه فقط هي أوجهُ عظمةِ القرآنِ الكريم.. فأوجه عظمةِ القرآنِ كثيرة، منها: سبقُهُ لذكرِ عددٍ كبيرٍ من الحقائقِ الكونيةِ، والتي كان من المستحيلُ التعرفُ عليها بدون أجهزةٍ تقنيةٍ مُتقدمة، وهو ما لم يكن متوفرًا وقتَ نزولِ القرآن.. والآياتُ التي تتحدثُ عن الظواهرِ الكونيةِ في القرآن الكريمِ تزيدُ عن الألف آيةٍ، وكل ما تمّ الكَشَفُ عنه علميًا، وثبت صِحته، فقد وجِدَ أنه يتطابقُ تمامًا مع ما ذكره القرآن.. مِصداقًا لقوله تعالى: ﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾ [فصلت:53]..

 

ومن أوجهِ عظمةِ القرآنِ الكريم اشتمالهُ على تشريعٍ ربانيٍّ مُذهل، بلغَ الغايةَ في الدقة والكمال، وفي الصّلاح والإصّلاح، وفي الجودةِ والإتقان، نظامٌ تشريعيٌ أخلاقيٌ تربويٌ مُتكامل، يُعرِّفُ النَّاسَ بخالِقهم، ويرتقي بسلوكهم وأخلاقِهم، وينظّمُ سائِرَ شؤونِ حياتهِم.. منهجٌ صالحٌ لكلِّ زمانٍ ومكانٍ ومجتمع.. سَهلُ الفَهمِ، ميسُورُ التكاليفِ، يُوازِنُ بين المثالِيةِ والواقِعِية، ويتلاءَمُ مع الفِطرةِ السَّويةِ، ويَدعو إلى كُلِّ فضِيلةٍ، ويَنهى عن كُلِّ رذِيلة..

 

ومن ظنَّ أنَّ في الأمر مُبالغةً أو تجاوزًا للمعقول، فهاهم أهلُ الذكاءِ المتخصصين في القانون (أفرادًا ومؤسسات) كانوا وما زالوا يجتهدونَ منذُ أمدٍ بعيد، بحثًا عن دستورٍ مثاليٍّ يَحكُمُ حياةَ النّاسَ ويضبطُ أمورهم، وتنصلِحُ به أحوالهم، ولكنهم عجزوا جميعًا عن ذلك، وفشلوا فشلًا ذريعًا، فلا يُرقّعونَ جانبًا إلا انفتقَ عليهم جانبٌ آخر، ولا يُصلحونَ طرفًا إلا فسد الطرف الآخر، وهذا واقعهم المتخبِطُ اقتصاديًا، والمتفككُ اجتماعيًا، والمتهلهلُ أمنيًا، والمضطربُ نفسيًا يشهدُ بذلك.. بينما تاريخُ الإسلامِ بطوله، وتنوعِ دوله، واختلافِ بيئاته، يشهدُ على عظمة التشريعِ الرباني، وصلاحهِ لكلِّ جيلٍ وبيئة، وصدقَ الله: ﴿ أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِير ﴾ [الملك:14]..

 

إلى غير ذلك من أوجه العظمة في القرآن وما أكثرها.. والتي سيطول بنا الأمرُ جدًا لو ذهبنا نتتبعها..

 

فأيُّ عظمةٍ هذه؟.. وأيُّ كتابٍ هذا الذي نزل قبل أربعة عشر قرنًا ولا يزال غضًّا طريًّا، جديدًا نديًا كأنما أُنزل البارحة.. كتابٌ مُنير، وصراطٌ مُستقيم، لا تنقضي عجائبه، ولا يخلقُ عن كثرة الرد، ولا يشبعُ منه العلماء.. فهو - واللهِ - أعظمُ شاهدٍ على عظمة مُنزلِه، وكمالِ حِكمته، وعظيمِ رحمته.. ﴿ أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُون ﴾ [العنكبوت:51].

 

والله لو اجتمعت كلماتُ الأدباء، وأبياتُ الشعراء، وأقوالُ البلغاء والحكماء لَما استطاعت أن تصفَ معشارَ عظمةِ هذا الكتاب.. ﴿ قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ﴾ [الإسراء:88]..

 

والله ما قرأت العيونُ، ولا سمعت الآذانُ شيئًا مثلُ القرآن، ولا خاطبَ القلوبَ والعقولَ شيءٌ مثلُ القرآن.. ووالله ما في الدنيا شيءٌ يُشبهُ القرآن، فلقد بارت أجملُ القصائدِ وأحلاها، وفَقدت رونقها وذهبَ بهائُها، أمَّا القرآنُ فلا.. هُجرت أروعُ القَصصِ والروايات ونُسيت أقوى الكتبِ والمؤلفات.. أمَّا القرآنُ.. فقد بقيَ كما هو غضًّا طريًّا، جديدًا نديًّا، كأنما أُنْزِلَ البارحةَ: ﴿ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ ﴾ [الزمر:23].. بقيَ القرآنُ وسيبقى: ﴿ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [المائدة:16].. بقيَ القرآنُ وسيبقى: كتابٌ عزيز: ﴿ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾ [فصلت:42]..

 

فالحمد لله الذي جعله شفاءً لما في الصدور، وهدايةً ورحمةً وبشرى للمؤمنين، ونسأله تعالى أن يشرفنا بتعلمه وتعليمه وخدمته، وأن يجعلنا من أهله وخاصته..

 

اعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: ﴿ إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا ﴾ [الإسراء:9]..

 

أقول ما تسمعون....

 

الخطبة الثانية

الحمد لله وكفى، وصلاة وسلاما على عباده الذين اصطفى..

 

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله وكونوا مع الصادقين، وكونوا ممن يستمعُ القولَ فيتبعُ أحسنه.. أولئك الذين هداهم الله، وأولئك هم أولو الألباب..

 

أحبتي في الله: وقفةٌ في محراب العظمة، تسكبُ في القلب نورا ويقينا، وتجلبُ للنفس سكينةً وطمأنينة، وتُشِعُ في الصدر أنسًا وحبورًا، وتثمرُ محبةً وخوفا ورجاءً وتعظيمًا..

 

والمسلم إذا تدبرَ كتابَ ربه وتأمّلَ آياته، وتفكّرَ في معاني أسماءِ اللهِ وصفاته، أشهدهُ مَلِكًا عظيمًا، مُقتَدِرًا حكيمًا، واحدٌ في مُلكِهِ، مُستويٍ على عرشه، يُدبرُ أمرَ عبادهِ ومملكته، يأمرُ وينهى، يخلقُ ويرزُق، يُبدئُ ويُعيد، يُحييُ ويُميت، يَخفِضُ ويَرفَع، يَقضِي ويَحكُم، كوَّنَ الأكوانَ، ودبَّرَ الأزمانَ، ولا يَشْغَلُهُ شأنٌ عن شأنٍ، لا يَلحَقُهُ وَهْمٌ، ولا يَكْتَنِفُهُ فَهْمٌ، ولا يُحيط به عِلم، عليُّ كبيرٌ، عزيزٌ قديرٌ، لطيفٌ خبير، ﴿ ليسَ كمثله شيءُ وهو السميعُ البصيرُ ﴾ [الشورى:11].

 

أَحاطَ بكلِّ شيءٍ عِلما، ووسِعَ كلَّ شيءٍ رحمةً وحِلما، وقهرَ كلَّ مخلوقٍ عِزةً وحُكما، ﴿ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا ﴾..

 

ذلَّ لجبروته العظماء، وسبحت بحمده كُلُّ الأشياء، ﴿ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ﴾..

 

لا تُدركُه الأبصار، ولا تُغيرهُ الأعصار، ولا تتوهمُه الظنونُ والأفكار، وكلُّ شيءٍ عندهُ بمقدار..

 

تواضعَ كلُّ شيءٍ لعظمته، وذلَّ كُلُّ شيءٍ لعزته، وخضعَ كُلُّ شيءٍ لهيبته، واستسلَم كُلُّ شيءٍ لمشيئته، ﴿ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ ﴾..

 

تنزَّهَ عن الشركاء والأنداد، وتَقدسَ عن الأشباه والأضداد، وتعالى عن الزوجة والأولاد.. ﴿ وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ﴾..

 

مَن تكلم سمعه، ومن سكت علمه، ومن تابَ قبلَهُ ورحِمَه، ﴿ وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ ﴾..

 

سبحانه وبحمده.. خزائنهُ ملئا.. ويمينهُ سحّاءَ.. ولا يتعاظمهُ ما أعطى.. ويَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ..

 

تتابعَ بِرهُ، وتمَّ نُورهُ، واتصلَ خَيرهُ، وصَدقَ خَبرهُ، وتَحقّقَ أَمرهُ، ﴿ وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ ﴾ [الحج:40]، ﴿ وَمَنْ كَفَرَ، فَلَا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ ﴾ [لقمان:23]..

 

تُسبحُ له السماواتُ وأملاكُها، والنجومُ وأفلاكُها، والأرضُ وفجاجُها، والبِحارُ وأمواجها، والغاباتُ وأشجارها، ﴿ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ﴾ [الإسراء]..

 

إليهِ وإلا لا تُشدُّ الركائِبُ، ومِنهُ وإلا فالمؤمِلُ خَائِبُ..

وفيهِ وإلا فالغرامُ مُضيعٌ، وعنهُ وإلا فالمحدِثُ كاذِبٌ..

لديهِ وإلا لا قرارَ لساكنٍ، عليهِ وإلا لا اعتمادَ لطالب..

 

وبعدُ يا عباد الله: فإنّ الارتباطَ الوثيقَ بخالقنا العظيمِ جلَّ وعلا، وتَعلُقُ القلبِ به سبحانه، وتعلُّمِ أسمائهِ الحسنى، وصفاتهِ العلا، إنَّ ذلك ليغمرُ القلبَ طمأنينةً، ويسكُبُ في النفس سكينةً، ويمنحُ الروحَ راحةً، ويهبُ للعقل رُشدًا، وبصرًا وبصيرةً.. فليُجاهِد المسلِمُ نفسهُ في ذات الله وطلبِ مرضاته، وليُروّضها على ذكره وشُكرهِ وحُسنِ عبادته، ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِين ﴾..

 

وليعلمْ المسلمَ عِلمَ يقين، أنّ السعادةَ كلَّ السعادةِ في القرب من الله، والسعي في طلب رضاه.. وأنّ الشقاءَ كلَّ الشقاءِ في البعد عن الله، والإعراض عن منهج الله، ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا ﴾ [طه:124]..

 

فتمسكوا يا عباد الله بكتاب ربكم العظيم، واجعلوه نور قلوبكم، وصراطكم المستقيم، ودستور حياتكم، ومنهجكم القويم، وحبل نجاتكم المتين.. ﴿ لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُون ﴾ [الأنبياء:10]..

 

ويا ابن آدم عش ما شئت...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • كيف يعلمنا القرآن الكريم التعامل مع الضغط النفسي المزمن
  • المرأة في القرآن (2)
  • قبسات من علوم القرآن (1)
  • الوقف في خدمة القرآن الكريم: تطلعات وطموحات
  • قبسات من علوم القرآن (2)
  • قبسات من علوم القرآن (3)

مختارات من الشبكة

  • إطلالة على أنوار من النبوة(مقالة - موقع الشيخ الدكتور عبدالله بن ضيف الله الرحيلي)
  • شرح كتاب الأصول الثلاثة: (وأعظم ما أمر الله به التوحيد وهو إفراد الله بالعبادة)(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • البلوغ وبداية الرشد: حين يكون الزواج عند البلوغ محور الإصلاح التربوي(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • دعاء الربانيين: مفتاح النصر وسر المحن(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شذا الريحان من مزاح سيد ولد عدنان صلى الله عليه وسلم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: ماذا بعد الحج(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من مائدة العقيدة: وجوب محبة الرسول صلى الله عليه وسلم وتعظيمه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أربعون حديثا في عظمه الله (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • من مائدة العقيدة: وجوب طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم والاقتداء به(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أسماء العقل ومشتقاته في القرآن(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • طلاب هارفارد المسلمون يحصلون على مصلى جديد ودائم بحلول هذا الخريف
  • المعرض الرابع للمسلمين الصم بمدينة دالاس الأمريكية
  • كاتشابوري تحتفل ببداية مشروع مسجد جديد في الجبل الأسود
  • نواكشوط تشهد تخرج نخبة جديدة من حفظة كتاب الله
  • مخيمات صيفية تعليمية لأطفال المسلمين في مساجد بختشيساراي
  • المؤتمر السنوي الرابع للرابطة العالمية للمدارس الإسلامية
  • التخطيط لإنشاء مسجد جديد في مدينة أيلزبري الإنجليزية
  • مسجد جديد يزين بوسانسكا كروبا بعد 3 سنوات من العمل

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 20/2/1447هـ - الساعة: 12:2
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب