• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    غزوة الأحزاب وتحزب الأعداء على الإسلام في حربهم ...
    أبو سلمان راجح الحنق
  •  
    من وحي عاشوراء (2): ثبات الإيمان في مواجهة ...
    وضاح سيف الجبزي
  •  
    حقوق العلماء (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    نقض شبهة "البخاري بشر يخطئ فلم تجعلون صحيحه فوق ...
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    خطبة: العناية بالوالدين وبرهما
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    آداب استعمال أجهزة الاتصالات الحديثة (خطبة)
    الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري
  •  
    من مائدة العقيدة: وجوب طاعة الرسول صلى الله عليه ...
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    أعلى النعيم رؤية العلي العظيم (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    اليد العليا خير
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    كان صلى الله عليه وسلم يتداوى بالقرآن
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    الضلال نفق مظلم
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    التسبيح في سورة (ق) تفسيره ووصية النبي صلى الله ...
    بدر عبدالله الصاعدي
  •  
    بيان اتصاف النبي صلى الله عليه وسلم بالرحمة
    د. أحمد خضر حسنين الحسن
  •  
    خطبة: كيف ننجح في التواصل مع الشباب؟
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    الحياة بين الإفراط والتفريط
    شعيب ناصري
  •  
    البناء والعمران بين الحاجة والترف (خطبة)
    د. مراد باخريصة
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / الحديث وعلومه
علامة باركود

نقض شبهة "البخاري بشر يخطئ فلم تجعلون صحيحه فوق النقد؟!"

نقض شبهة البخاري بشر يخطئ فلم تجعلون صحيحه فوق النقد؟!
د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 12/8/2025 ميلادي - 18/2/1447 هجري

الزيارات: 95

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

نقض شبهة "البخاري بشرٌ يخطئ، فلم تجعلون صحيحه فوق النقد؟!"


المقدمة:

الحمد لله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان، وأرسل خاتم الأنبياء بشريعة الرحمة والبيان، وجعل من العلماء ورثة الأنبياء، يحفظون السنَّة ويذبُّون عنها، ويردُّون عنها تحريف الغالين وتأويل الجاهلين، أما بعد:

فقد كثرت في الآونة الأخيرة الاعتراضات على صحيح الإمام البخاري، وانطلقت تلك الاعتراضات- في كثير منها- من قواعد فلسفية أو عقلية مغلوطة، لا تمتُّ إلى منهج أهل الحديث بصلة، ولا تنطلق من قواعد العلم النقدي المنهجي الذي أقامه الجهابذة منذ القرون الأولى.

 

ومن أبرز تلك الشبهات: الزعم بأن البخاري بشر، والبشر يخطئون، فينبغي إذن ألا يُجعل كتابه فوق النقد أو التسليم المطلق.

 

وهذه الشبهة- وإن غُلِّفَت بمظهر عقلاني- فإنها تقوم على مغالطات منطقية، وتغافلٍ عن حقائق تاريخية وعلمية راسخة.

 

وفي هذا المقال، نناقش هذه الشبهة من أوجه متعددة، نبين فيها الأساس المنهجي في توثيق «الجامع الصحيح»، والعناية التي تلَقَّاها عبر العصور، وتفنيد الادِّعاء القائل بأن البخاري قد رُفِع إلى منزلة العصمة، مع بيان أن ما وُجِّه إلى الصحيح من نقد- وإن قلَّ- إنما هو علامة عافية علمية ومنهجية، لا دلالة على ضعف أو وهن في أصل الكتاب أو في مؤلفه.

 

وقد فنَّدَ الشيخ د. علي العمران- حفظه الله- هذه الشبهة في كتابه الماتع «إعلاء صحيح البخاري» (138) فقال: كثيرٌ ممَّن يطعن في صحيح البخاريِّ ينطلق انطلاقًا خاطئًا في تصوُّر حقيقة صحيح البخاري، فتجدهم يربطون المسألةَ بقضيَّةٍ لا وجودَ لها، كما يفعلون في شبهة (عصمة الإمام البخاريِّ)، ومنها هذه الشبهة التي تُثار دائمًا لردِّ أحاديث البخاري، فيقال: البخاري بشرٌ يخطئ، فلمَ تجعلون صحيحه فوق النَّقد؟!

 

ونستطيع أن نجيب عن هذا الإيراد من خلال الأوجه التالية:

أولًا: مجرد احتمال وجود الشيء لا يقتضي وجوده: ونعني به أنَّ من يقول: إنَّ البخاريَّ بشرٌ يمكن أن يخطئ في صحیحه، نقول له: هذا مجرد توقُّع لوجود الخطأ، فلا يمكنك أن تمارسَ قفزًا حكميًّا فتقول: إذن بالضرورة يوجد خطأ! فاحتمال الوجود لا يعني الوجود بالضرورة، والبشريَّة لا تقتضي حتميَّة وجود الخطأ في كلِّ ما يأتي به الشخصُ، وإذا كان الأمر كذلك فيَجب على من يدَّعي أن البخاريَّ قد أخطأ في صحيحه ألَّا تكونَ حُجَّته مرتكزة على بشريَّة البخاري، وإنما على التدليل على وجود الخطأ في نفس الأمر.

 

فإن قيل: سلَّمنا لكم بأن احتمالَ وجود الخطأ لا يعني وجوده، فسلِّموا لنا أيضًا بأن احتمال صحَّته لا يعني صحَّتَه! فكما أن احتماليةَ وجود الخطأ تقتضي احتماليَّة وجود الصواب، فکذلك العکس، وبناءً علیه فلا یمكنکم الجزم بصحَّة كتاب البخاري.

 

نقول: نعم هذا صحيح، ولكن هذا يلزمُنا إذا ادَّعينا أنَّ عملَ البخاري صحيحٌ لمجرد احتمال صحَّته، ونحن لم ندَّعِ ذلك؛ بل اعتمدنا في تصحيح عمل البخاري على دلائل وحُججٍ أخرى كثيرة.

 

ثانيًا: إجحافٌ بالتخصُّص: القول بأنَّ البخاري بشر فينبغي أن يكون في عمله خطأ فيه إجحافٌ بالتَّخصص العلمي، فالبخاري متخصِّصٌ في هذا العلم، أمضى عمره كلَّه في سبيل تحصيله وتمحيصه وتدقيقه والعناية به، وقد شهد له جهابذة المُحدِّثين وأهل النَّقْد بالنُّبوغ في هذا الفن، فالصحيح إذًا ألَّفه متخصصٌ في هذا الفنِّ حتى قال عنه ابن خزيمة: «ما رأيتُ تحت أديم هذه السماء أعلمَ بالحديث من محمَّد بن إسماعيل البخاري». كما أنَّ الكتاب في الأصل ليس كتابَ تدبُّرات ولا تأمُّلات ولا فلسفاتٍ من البخاري، وإنَّما هو انتقاءٌ وجمعٌ وترتيبٌ لأحاديث موجودة متَّصلة الأسانيد إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه الأحاديث مدوَّنة في الكتب التي قبل البخاري؛ كموطَّأ الإمام مالك، ومسند الإمام أحمد وغيرهما من الكتب، فانتقاءُ مثل هذه الأحاديث وجمعُها من متخصص في هذا الفنِّ، وبشروط علميَّة صارمة؛ أمرٌ مقبول ولا إشكال فيه، وعدم وجود الخطأ أو ندرته في مثل هذا العمل من مثل هذا المتخصِّص أمرٌ مقبولٌ أيضًا، كما لو جاء رجلٌ أفنى عمره في دراسة الطَّب، ثم مارسه سنواتٍ طويلة، فعرف دقائقه وخباياه، ثمَّ كتب بحثًا جَمَع فيه الأدوية التي اتَّفق الأطباء على منفعتها، ولم يذكر في بحثه ما اختلفوا فيها، ثمَّ دفعَ بحثه إلى كبار الأطبَّاء فوافقوه على قوله، وشهدوا له بالإتقان، فهذا البحثُ من هذا المتخصِّص له قيمةٌ علميَّةٌ كبرى، ولا يقال: ما دام أنَّه بشر فمن الضَّروري أن يقع فيه خطأ!

 

ثالثًا: الصَّرامة في الرواية: من الأمور التي تجعلنا نجزم بصحَّة أحاديث صحيح البخاري: الصَّرامة العلميَّة التي انتهجها في انتقاء أحاديث الصَّحيح، وقد كان العلماء قبل البخاري يكتبون الأحاديثَ، ويصنِّفون المصنفات في ذلك، لكنَّهم لم يعتنوا بإفراد الصحيح عن غيره، ثمَّ جاء البخاري فجمع الحديثَ الصحيح فقط دون أن يُدخل معه غيره، واشترط شروطًا صارمةً في عمله هذا، فالذي جعلَ العلماء يقبلون عمل البخاريِّ هو أنَّه طبَّق قواعد المحدِّثين، وكان شديد الصَّرامة في الانتقاء والانتقاد، وأمعن في الاحتياط للصِّحة، فاختار أعلى درجات الصحة فيما يورده من الحديث.

 

وتظهر هذه الصَّرامة في الرواية في قول البخاري: «ما أدخلت في كتابي الجامع إلا ما صحَّ، وتركت من الصَّحيح حتى لا يطول»، وقوله: «لم أخرج في هذا الكتاب إلا صحيحًا، وما تركت من الصَّحيح أكثر». ولشدَّة عنايته بصحيحه انتقاه من ستمائة ألف حديث، وبقي يكتبه وينقِّحه ستَّ عشرة سنة، يقول البخاري: «صنفتُ الجامع من ستمائة ألف حديث في ست عشرة سنة، وجعلته حجَّة فيما بيني وبين الله». فهذه العناية بالكتاب، والصَّرامة في الشروط، والتحري، وطول المدَّة، هي التي جعلت صحيح البخاري مقبولًا عند الأمة، لا لأن البخاري معصومٌ أو لا يخطئ.

 

رابعًا: صحيح البخاري مشروع أمَّة: من أكثر ما جعلَ الأمَّة تعتمد صحيح البخاري وتعتقد صحَّته: أنَّه خَرَجَ من كونه مجردَ مشروعٍ شخصيٍّ للبخاري إلى كونه مشروعًا للأمَّة؛ وذلك لأنَّ العلماء في عصر البخاري قد وافقوه وتلقَّوه بالقبول، وأجمعوا على صحَّة جميع ما فيه سوى أحرف يسيرة سيأتي الحديث عنها، قال النووي: «اتَّفق العلماء رحمهم الله على أنَّ أصحَّ الكتب بعد القرآن العزيز: الصحيحان البخاري ومسلم، وتلقَّتهما الأمَّة بالقبول، وكتاب البخاري أصحُّهما وأكثرهما فوائد ومعارف ظاهرة وغامضة، وقد صحَّ أنَّ مسلمًا كان ممَّن يستفيد من البخاري ويعترف بأنَّه ليس له نظيرٌ في علم الحديث، وهذا الذي ذكرناه من ترجيح كتاب البخاري هو المذهب المختار الذي قاله الجماهير وأهل الإتقان والحذق والغوص على أسرار الحدیث». فهذا الصحيح الذي انتقاه البخاري من أحاديث كثيرة عرضه على العلماء، فأقرُّوه كما يقول العقيلي: «لما ألَّف البخاري كتاب الصَّحيح عرضه على أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وعلي بن المديني وغيرهم، فاستحسنوه، وشهدوا له بالصحة إلا في أربعة أحاديث»، قال العقيلي: «والقول فيها قول البُخاريّ، وهي صحيحة». فخرج الكتاب من كونه مشروعًا خاصًّا بالبخاري إلى كونه مشروعَ أمَّة، فنحن نعتقدُ صحَّة ما في هذا الكتاب ونقرُّه ونعتمده؛ لأنَّ الأمَّة قد أجمعت على تلقِّيه بالقبول؛ لا لأنَّ البخاري لا يخطئ أو أنَّه معصوم.

 

ولا شكَّ أنَّ قبول الأمَّة للكتاب ليس تقليدًا للبخاري؛ ولكن لأنَّ المنهجيَّة العلمية التي سار عليها البخاريُّ منهجيَّة دقيقة صارمة كما بيَّنَّا، وقد اختبرها العلماء فوجدوا أنَّ المعايير التي وضعها معايير عالية، ثم تتابعوا- عبر العصور- على اختبار ما كتبه من أحاديث على تلك المعايير فوجدوها متطابقة، فشهدوا له بالإتقان. واحتمال أن يخطئ البخاري واردٌ بلا شك؛ لكن هذه العناية الفائقة التي لقيها الجامع الصَّحيح من الإمام البخاري، ومن الأئمَّة النُّقَّاد المعاصرين له، ومن العلماء الجهابذة الذين أتوا من بعده، وتلقِّي الأمَّة له بالقبول، واتِّفاق العلماء على أنَّ كلَّ ما فيه صحيح مقطوع به إلا أحرفًا يسيرةً بيَّنها العلماء؛ يجعل صحيح البخاري في جملته خاليًا من الخطأ أو یکاد.

 

وخلاصة هذه النقطة: أنَّ ما في صحيح البخاري ليس آراء رجل اسمه محمَّد بن إسماعيل، وإنما هو كتابٌ جمَع فيه البخاريُّ أحاديث سمعها من شيوخه بأسانيدهم إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم، وهي أحاديث معروفة عند علماء الحديث ورواته، ومدوَّنة في كتبهم، لكنَّ البخاري قد وضع معايير شديدة دقيقة، فاختار منها ما تحقَّقت فيه تلك المعايير، كما أنَّ هذه المعايير يتفق عليها نُقَّاد الحدیث وجهابذته، ولم یخترعها البخاريُّ من نفسه.

 

ومن يلقي هذه الشبهة وأمثالها يصور البخاريَّ وكأنَّه متكئ على أريكته، ينتقي حديثًا ثم يصحِّحه كما يشاء ويشتهي، ثم يأتي العلماء من بعده فيسلِّمون له بذلك في سذاجةٍ بالغة يُنزَّه عنها عامة الناس، فضلًا عن أن يقع فيها هؤلاء الجهابذة.

 

خامسًا: من قال: إنَّا جعلنا صحيح البخاري فوق النَّقد؟! بقي صحيح البخاري على مرِّ السنين مثارًا للفحص والنَّظر من أئمِّة أجلاء، وانتقد بعضُهم بعضَ الأحاديث، ثمَّ جاء العلماء وبحثوا في هذه الأحاديث المنتقَدة، فالأمر ليس سرًّا يخفيه أهل الحديث عن النَّاس، فهم لا يقولون: إنَّ صحيح البخاري لم يتعرَّض إلى أي نقدٍ مذ وضعه مؤلِّفه! لكن ما يقولونه هو أنَّ هذه النَّقَدَات میزةٌ للبخاري، ولیست مثلبة علیه؛ ذلك أنَّ تعرُّضَه للنَّقد من بعض العلماء يعني أنَّه مرَّ بتمحیص مراتٍ عديدة، وجلُّ ما فيه قد وقع الاتِّفاق عليه بعد هذا التَّمحيص والتَّدقيق، وتبقى المواضع التي فيها خلافٌ بين البخاري وبين هؤلاء النُّقاد موضع بحثٍ ومناقشة، وإلى هذا يشير ابن الصلاح حين قال: «ما انفرد به البخاري أو مسلم مندرجٌ في قبيل ما يُقطع بصحَّته؛ لتلقِّي الأمَّة كل واحد من كتابيهما بالقبول على الوجه الذي فصَّلناه من حالهما فيما سبق، سوى أحرفٍ يسيرة تكلَّم عليها بعض أهل النقد من الحُفَّاظ؛ كالدارقطني وغيره، وهي معروفةٌ عند أهل هذا الشَّأن، والله أعلم». ومعنى هذا الكلام: أنَّ كلَّ ما في صحيح البخاري ثابتٌ مقطوعٌ به إلا تلك الأحرف اليسيرة، ولا يصحُّ أن يأتي أحدٌ فيقول: أنا أشكُّ في صحيح البخاري؛ لأنَّ هناك من نقد بعض الأحاديث، فإنَّ وقوع هذا النَّقد هو الذي قوَّى صحيح البخاري وجعله مقطوعًا به، لا لأنَّ البخاري بذل جهدًا فيه فحسب، ولكن لأنَّ أئمَّة الحديث النُّقَّاد على مرِّ العصور درسوا هذا الكتاب وفحصوه ووضعوه تحت مجهر النَّقد، فخرجوا بتأييد البخاري في أغلب الكتاب.

 

ومن دلائل إنصافٍ علماء الحديث وموضوعيَّتهم في هذا الفحص والنَّقد لصحيح البخاري: أنَّهم اختلفوا مع البخاري في بعض الأسانید وبعض المتون، فنحن إذًا لم نجعل البخاريَّ فوق النَّقد، بل قد تعرَّض للنَّقد؛ لكن ليس على يد العابثين كما ينادَى به اليوم، ولكن على يد متخصِّصين في علم الحديث، ومع ذلك فقد أيَّدوا البخاريَّ، فلا يصحُّ أن ينطلقَ إنسانٌ من هذه الجزئية- وهي وجود بعض الأحاديث المختلف عليها- ليشكِّك في صحیح البخاري کلِّه، وینادي بعدم قبوله.

 

فإن قيل: لِمَ لا تسمحون للأمَّة بنقد البخاريِّ كما نقده الدارقطني وغیره؟

 

نقول: نقدُ صحيح البخاري لا يمكن أن يكونَ مُتاحًا لكلِّ من أحبَّ ذلك بحجَّة أن الدارقطني قد نقده، بل ليس من حقِّ غير العالم بالسُّنة أن يُدخِل نفسه في مناقشة الأحاديث التي وقع فيها الخلاف بين البخاري وبين غيره، فانتقادُ الإمام الكبير الدارقطني أو غيره من النُّقاد لأحاديث يسيرة في صحيح البخاري لا يعني أن يأتي كل من هبَّ ودبَّ فيفعل مثل فعله!

 

فالمنهجيَّة التي يُنادى بها اليوم في نقد صحيح البخاري منهجيَّة خاطئة، وهي قولهم: إنَّ صحيح البخاري قد نقد العلماءُ المتخصصون بعض أحاديثه فيحقُّ لنا أن نشارك في نقده، وأن نشكِّكَ فيه أيضًا.

 

وقولنا هذا هو دفاعٌ عن المنهجية العلميَّة السليمة، لا عن صحيح البخاري فحسب، وليس الأمر خاصًّا بصحيح البخاري ولا بالعلم الشَّرعي، فكما أننا لا نقبل طمس الحقائق، والحَجْر على العلماء أن يبثُّوا علمهم الصَّحيح، فكذلك لا نقبل دخول غير المتخصِّصين ليتكلَّموا كما شاؤوا، وذلك صيانة للعلم أيًّا كان ذلك العلم.

 

فالبخاري إذن لم يكن فوق النَّقد كما يتصوَّر ويُصوِّر من يأتي بهذه الحجَّة، بل مارس العلماءُ النَّقد العلميَّ الصَّحيح على صحيح البخاري، وخالفوه في أحاديث قليلة شهيرة معروفة، ونقدُ صحيح البخاري معروف عند من له اشتغالٌ بعلوم الحدیث.

 

وخلاصة الكلام: أنَّ النقد الذي وُجِّهَ لبعض أحاديث صحيح البخاري نقطة إيجابية؛ لأنَّه يبيِّن أنَّ العلماء قد تعاملوا مع صحيح البخاريِّ على أنَّه كتابٌ بشريٌّ معرَّضٌ للخطأ، ولم يأخذوا به على أنَّه من معصوم؛ لكنَّهم بعد التَّمحيص والتَّدقيق والنَّقد قبلوه وصحَّحوه إلا أحرفًا يسيرة، فتبقى الأحاديث الأخرى مقبولة عند العلماء المتخصِّصين، ومعترفًا بأنَّها كلها صحيحة مقطوعٌ بها، وهذا النَّزر اليسير يُدرس ليعرف هل الحقُّ فيه مع البخاري أو غيره، وقد فعله الحافظ ابن حجر حقًّا، فدَرَسَ الأحادیث التي انتقدها الدارقطني حديثًا حديثًا، وخلص إلى نتيجةٍ اختصرها بقوله: «وليست كلها قادحة؛ بل أكثرها الجوابُ عنه ظاهر، والقدحُ فيه مندفع، وبعضها الجواب عنه محتمل، واليسير منه في الجواب عنه تعسُّف».

 

فالحافظ ابن حجر يقول: هناك بعض الأحاديث القليلة التي انتُقدت على الإمام البخاري؛ الجوابُ عنها يمكن لكن بتعسُّف! فهل هذا قول من قَبِلَ صحيح البخاري على أنَّه كتاب معصوم وجعله فوق النَّقد؟!

 

الخاتمة:

خلاصة القول: إن ما يُثار حول صحيح الإمام البخاري من دعاوى تتعلق ببشريته وإمكانية وقوعه في الخطأ لا تنهض حجة لإسقاط مكانة كتابه أو التشكيك في عموم محتواه. فالجامع الصحيح لم يكن جهدًا فرديًّا عابرًا، بل مشروعًا علميًّا أمضى فيه مؤلفه ست عشرة سنة، وطبَّق فيه أشد شروط التصحيح وأدقها، ثم عرضه على علماء عصره فنقدوه وأثنوا عليه، فصار بإجماع الأمة كتابًا معتمدًا مقبولًا.

 

وقد دُرِس الكتاب حديثًا عبر قرون، ونُقدت بعض المواضع منه بميزان أهل الحديث لا بمنهجية العوام أو الفكر المعاصر المتحرر من الضوابط. وما بقي بعد ذلك من مواضع يسيرة مختلف فيها، فليست مما يطعن في أصل الكتاب أو يبيح لمن لا دراية له بالخوض في نقده.

 

وعليه، فإن الدعوة إلى فتح باب النقد غير المنضبط تحت شعار "البخاري بشر" إنما هي هدم لأسس المنهج العلمي الراسخ، ومصادمة لواقع التلقي التاريخي الذي يشهد لصحة هذا الكتاب ومكانته، ولا يُقبَل نقد صحيح البخاري إلا من متخصص متمكن، كما لا يُقبَل نقد الجراحة أو الفيزياء أو الهندسة من غير أهلها.

 

وبهذا يظهر بطلان الشبهة، وثبات مكانة "الجامع الصحيح" بوصفه أصحَّ كتاب بعد كتاب الله تعالى، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل، والحمد لله رب العالمين.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • نقض شبهة استدل بها المخالفون من كلام الشيخ محمد بن عبدالوهاب
  • نقض شبهة الملحد وتثبيت إيمان الموحد

مختارات من الشبكة

  • بين الاجتهاد الشخصي والتقليد المشروع: رد على شبهة «التعبد بما استقر في القلب»(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وقفة مع كتاب (ليس للباقلاني) إجابة عن شيء من الشبه والإشكالات والدعاوى (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • نقض الاجتهاد(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التحذير من نقض العهد(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير سورة البقرة .. الآية ( 28 )(مقالة - موقع الشيخ عبدالرحمن بن محمد الدوسري)
  • حديث: «نقصان عقل المرأة ودينها» بين نصوص السنة وشبهات الحداثة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الرد على شبهات حول صيام عاشوراء(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مخطوطة نقض عثمان بن سعيد الدارمي على بشر المريسي وكتاب الرد على الجهمية (نسخة ثانية)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة نقض عثمان بن سعيد الدارمي على بشر المريسي وكتاب الرد على الجهمية(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • تحريم ارتكاب ناقض من نواقض الإيمان(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • كاتشابوري تحتفل ببداية مشروع مسجد جديد في الجبل الأسود
  • نواكشوط تشهد تخرج نخبة جديدة من حفظة كتاب الله
  • مخيمات صيفية تعليمية لأطفال المسلمين في مساجد بختشيساراي
  • المؤتمر السنوي الرابع للرابطة العالمية للمدارس الإسلامية
  • التخطيط لإنشاء مسجد جديد في مدينة أيلزبري الإنجليزية
  • مسجد جديد يزين بوسانسكا كروبا بعد 3 سنوات من العمل
  • تيوتشاك تحتضن ندوة شاملة عن الدين والدنيا والبيت
  • مسلمون يقيمون ندوة مجتمعية عن الصحة النفسية في كانبرا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 17/2/1447هـ - الساعة: 21:49
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب