• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الأدلة العقلية على وجود الخالق جل وعلا
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    الإيمان بالرسل وثمراته (خطبة)
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
  •  
    فتنة المال وأسباب الكسب الحرام (خطبة)
    الشيخ إسماعيل بن عبدالرحمن الرسيني
  •  
    الحلال بركة والحرام هلكة (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    استعجال العذاب
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    صلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم (خطبة)
    د. عبد الرقيب الراشدي
  •  
    النكاح أركانه وشروطه (خطبة)
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    تحريم قول ما شاء الله وشئت أو ما شاء الله وشاء ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    بيع التلجئة
    عبدالرحمن بن يوسف اللحيدان
  •  
    خلاف الفقهاء في حكم الاستنجاء وهل يصح فعله بعد ...
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    التزهيد في الاقتداء بأفعال النبي صلى الله عليه ...
    عمرو عبدالله ناصر
  •  
    الإعجاز العلمي في القرآن بين الإفراط والتفريط
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الأحكام الفقهية والقضائية للذكاء الصناعي (PDF)
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    لطائف دلالات القرآن في خواتم سرد القصص
    بشير شعيب
  •  
    فضل التعوذ بكلمات الله التامات
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    حقوق الوطن (1)
    د. أمير بن محمد المدري
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / السيرة والتاريخ / رجالات الإسلام
علامة باركود

الثابتون على الحق (7) خباب بن الأرت

الثابتون على الحق (7) خباب بن الأرت
الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 11/6/2025 ميلادي - 15/12/1446 هجري

الزيارات: 12116

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الثابتون على الحق (7)

خباب بن الأرت

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْأَعْلَى؛ ﴿ الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى * وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى * فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى ﴾ [الْأَعْلَى: 2-5]، نَحْمَدُهُ حَمْدًا كَثِيرًا، وَنَشْكُرُهُ شُكْرًا مَزِيدًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ؛ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ بِرَحْمَتِهِ، وَيُضِلُّ عَنْ دِينِهِ مَنْ كُتِبَتْ عَلَيْهِ شِقْوَتُهُ، لَا رَادَّ لِأَمْرِهِ، وَلَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ، وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ، وَعَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ حَمَلَ رِسَالَةَ رَبِّهِ، وَدَعَا إِلَى دِينِهِ، وَصَدَعَ بِدَعْوَتِهِ، وَصَبَرَ عَلَى أَذَى قَوْمِهِ؛ حَتَّى أَظْهَرَ اللَّهُ تَعَالَى دِينَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ، وَخَضَعَ أَكْثَرُ الْعَرَبِ لِشَرِيعَتِهِ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَاسْتَقِيمُوا عَلَى أَمْرِهِ، وَتَمَسَّكُوا بِدِينِهِ؛ فَإِنَّكُمْ مَسْئُولُونَ عَنْهُ فِي قُبُورِكُمْ وَيَوْمَ بَعْثِكُمْ؛ ﴿ فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ ﴾ [الزُّخْرُفِ: 43-44].

 

أَيُّهَا النَّاسُ: الْهِدَايَةُ لِدِينِ الْحَقِّ هِبَةٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى يَهَبُهَا مَنْ يُحِبُّ مِنْ عِبَادِهِ، وَالثَّبَاتُ عَلَى الْحَقِّ حَالَ الْفِتَنِ وَالْمِحَنِ مَطْلَبٌ عَزِيزٌ، لَا يُحَقِّقُهُ إِلَّا الْعُظَمَاءُ مِنَ النَّاسِ، مِمَّنْ رَبَطَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى قُلُوبِهِمْ، وَزَكَّى نُفُوسَهُمْ، وَاصْطَفَاهُمْ دُعَاةً لِدِينِهِ، وَهُدَاةً لِخَلْقِهِ، وَالثَّبَاتُ عَلَى الدِّينِ مَنْقَبَةٌ عَظِيمَةٌ حَقَّقَهَا الرُّسُلُ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، وَتَبِعَهُمْ فِي تَحْقِيقِهَا أَفَاضِلُ الْبَشَرِ.

 

وَهَذِهِ سِيرَةُ عَلَمٍ مِنْ أَعْلَامِ الثَّابِتِينَ، أُوذِيَ فِي اللَّهِ تَعَالَى فَثَبَتَ، وَعُذِّبَ فِي سَبِيلِهِ فَصَبَرَ، وَلَازَمَ الْحَقَّ حَتَّى ظَفِرَ، سُبِيَ صَغِيرًا فَبِيعَ فِي مَكَّةَ، وَكَانَ يَعْمَلُ حَدَّادًا يَصْنَعُ السُّيُوفَ، فَلَمَّا بُعِثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبَقَ إِلَى اتِّبَاعِهِ، فَكَانَ مِنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ، ذَلِكُمْ هُوَ خَبَّابُ بْنُ الْأَرَتِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ، وَفِي تَقَدُّمِ إِسْلَامِهِ قَالَ يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ: «أَسْلَمَ خَبَّابُ بْنُ الْأَرَتِّ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَارَ الْأَرْقَمِ، وَقَبْلَ أَنْ يَدْعُوَ فِيهَا»، وَفِي تَعْذِيبِهِ عَلَى إِسْلَامِهِ قَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: «كَانَ خَبَّابُ بْنُ الْأَرَتِّ مِنَ الْمُسْتَضْعَفِينَ الَّذِينَ يُعَذَّبُونَ بِمَكَّةَ لِيَرْجِعَ عَنْ دِينِهِ».

 

ثَبَتَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ثُبُوتَ الْجِبَالِ الرَّوَاسِي، وَلَمْ يَتَرَخَّصْ بِنُطْقِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ مَعَ اطْمِئْنَانِ قَلْبِهِ بِهَا، بَلْ وَاطَأَ لِسَانُهُ قَلْبَهُ عَلَى الْإِيمَانِ، وَإِغَاظَةِ أَعْدَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، فَعَذَّبُوهُ أَشَدَّ الْعَذَابِ، قَالَ الشَّعْبِيُّ: «لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ إِلَّا أَعْطَى مَا سَأَلُوهُ يَوْمَ عَذَّبَهُمُ الْمُشْرِكُونَ إِلَّا خَبَّابًا، كَانُوا يُضْجِعُونَهُ عَلَى الرَّضْفِ، فَلَمْ يَسْتَغْنُوا مِنْهُ شَيْئًا. وَفِي رِوَايَةٍ: قَالَ: أَعْطَوْهُمْ مَا سَأَلُوا إِلَّا خَبَّابًا، فَجَعَلُوا يُلْزِقُونَ ظَهْرَهُ بِالرَّضْفِ حَتَّى ذَهَبَ لَحْمُ مَتْنِهِ».

 

وَمَعَ شِدَّةِ الْعَذَابِ الَّذِي لَاقَاهُ الْمُسْتَضْعَفُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ؛ طَلَبُوا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدُّعَاءَ لَهُمْ بِالنَّصْرِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ، فَأَرْشَدَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الثَّبَاتِ، وَسَلَّاهُمْ بِذِكْرِ الثَّابِتِينَ قَبْلَهُمْ، وَبَشَّرَهُمْ بِنَصْرِهِمْ، وَظُهُورِ أَمْرِهِمْ، وَانْتِشَارِ دِينِهِمْ، وَحَثَّهُمْ عَلَى عَدَمِ اسْتِعْجَالِ ذَلِكَ، قَالَ خَبَّابٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «شَكَوْنَا إِلَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ، قُلْنَا لَهُ: أَلَا تَسْتَنْصِرُ لَنَا؟ أَلَا تَدْعُو اللَّهَ لَنَا؟ قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الْأَرْضِ فَيُجْعَلُ فِيهِ، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللَّهُ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لَا يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ أَوِ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ؛ وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

 

وَبِسَبَبِ إِسْلَامِ خَبَّابٍ مَنَعَهُ الْمُشْرِكُونَ حَقَّهُ وَمَالَهُ؛ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ خَبَّابٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «كُنْتُ قَيْنًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ لِي عَلَى الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ دَيْنٌ، فَأَتَيْتُهُ أَتَقَاضَاهُ، قَالَ: لَا أُعْطِيكَ حَتَّى تَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: لَا أَكْفُرُ حَتَّى يُمِيتَكَ اللَّهُ ثُمَّ تُبْعَثَ. قَالَ: دَعْنِي حَتَّى أَمُوتَ وَأُبْعَثَ، فَسَأُوتَى مَالًا وَوَلَدًا فَأَقْضِيكَ. فَنَزَلَتْ: ﴿ أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا * أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا ﴾ [مَرْيَمَ: 77-78]» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

 

وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ فِي مَكَّةَ يَنْقِمُونَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُجَالَسَتَهُ لِخَبَّابٍ وَأَمْثَالِهِ؛ كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «مَرَّ الْمَلَأُ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعِنْدَهُ خَبَّابٌ، وَصُهَيْبٌ، وَبِلَالٌ، وَعَمَّارٌ، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ، أَرْضَيْتَ بِهَؤُلَاءِ؟ فَنَزَلَ فِيهِمُ الْقُرْآنُ: ﴿ وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ ﴾، إِلَى قَوْلِهِ: ﴿ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ ﴾ [الْأَنْعَامِ: 51-58]» رَوَاهُ أَحْمَدُ.

 

وَلَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى رَفَعَ شَأْنَ خَبَّابٍ وَصَحْبِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ بِالْإِسْلَامِ، وَهَاجَرَ خَبَّابٌ إِلَى الْمَدِينَةِ وَشَهِدَ بَدْرًا وَالْمَشَاهِدَ كُلَّهَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفُتِحَتْ عَلَيْهِ الدُّنْيَا بِبَرَكَةِ الْجِهَادِ، وَغَنَائِمِ الْفُتُوحِ؛ فَخَافَ خَبَّابٌ ذَهَابَ أَجْرِهِ بِمَا فُتِحَ لَهُ مِنَ النِّعَمِ بَعْدَ ذَلِكَ، قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «هَاجَرْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَلْتَمِسُ وَجْهَ اللَّهِ، فَوَقَعَ أَجْرُنَا عَلَى اللَّهِ، فَمِنَّا مَنْ مَاتَ لَمْ يَأْكُلْ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئًا؛ مِنْهُمْ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَمِنَّا مَنْ أَيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرَتُهُ فَهُوَ يَهْدِبُهَا، قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ فَلَمْ نَجِدْ مَا نُكَفِّنُهُ إِلَّا بُرْدَةً، إِذَا غَطَّيْنَا بِهَا رَأْسَهُ خَرَجَتْ رِجْلَاهُ، وَإِذَا غَطَّيْنَا رِجْلَيْهِ خَرَجَ رَأْسُهُ، فَأَمَرَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُغَطِّيَ رَأْسَهُ، وَأَنْ نَجْعَلَ عَلَى رِجْلَيْهِ مِنَ الْإِذْخِرِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

 

وَوَقَّرَ عُمَرُ خَبَّابًا وَأَجَلَّهُ؛ لِأَنَّهُ عُذِّبَ فِي ذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَرَّبَهُ مِنْهُ، وَصَدَّرَهُ فِي مَجْلِسِهِ، قَالَ أَبُو لَيْلَى الْكِنْدِيُّ: «جَاءَ خَبَّابُ بْنُ الْأَرَتِّ إِلَى عُمَرَ فَقَالَ: ادْنُهْ، فَمَا أَحَدٌ أَحَقُّ بِهَذَا الْمَجْلِسِ مِنْكَ إِلَّا عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، فَجَعَلَ خَبَّابٌ يُرِيهِ آثَارًا فِي ظَهْرِهِ مِمَّا عَذَّبَهُ الْمُشْرِكُونَ»، وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: «دَخَلَ خَبَّابُ بْنُ الْأَرَتِّ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَأَجْلَسَهُ عَلَى مُتَّكَئِهِ وَقَالَ: مَا عَلَى الْأَرْضِ أَحَدٌ أَحَقُّ بِهَذَا الْمَجْلِسِ مِنْ هَذَا إِلَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ، قَالَ لَهُ خَبَّابٌ: مَنْ هُوَ يَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: بِلَالٌ، قَالَ: فَقَالَ لَهُ خَبَّابٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَا هُوَ بِأَحَقَّ مِنِّي، إِنَّ بِلَالًا كَانَ لَهُ فِي الْمُشْرِكِينَ مَنْ يَمْنَعُهُ اللَّهُ بِهِ، وَلَمْ يَكُنْ لِي أَحَدٌ يَمْنَعُنِي، فَلَقَدْ رَأَيْتُنِي يَوْمًا أَخَذُونِي وَأَوْقَدُوا لِي نَارًا، ثُمَّ سَلَقُونِي فِيهَا، ثُمَّ وَضَعَ رَجُلٌ رِجْلَهُ عَلَى صَدْرِي، فَمَا اتَّقَيْتُ الْأَرْضَ إِلَّا بِظَهْرِي، ثُمَّ كَشَفَ عَنْ ظَهْرِهِ فَإِذَا هُوَ قَدْ بَرِصَ». وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ الشَّعْبِيُّ: «سَأَلَ عُمَرُ خَبَّابًا عَمَّا لَقِيَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، انْظُرْ إِلَى ظَهْرِي، فَنَظَرَ، فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ! قَالَ خَبَّابٌ: لَقَدْ أُوقِدَتْ لِي نَارٌ وَسُحِبْتُ عَلَيْهَا فَمَا أَطْفَأَهَا إِلَّا وَدَكُ ظَهْرِي».

 

فَرَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ خَبَّابٍ وَأَرْضَاهُ، وَعَنِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، وَجَمَعَنَا بِهِمْ فِي دَارِ كَرَامَتِهِ وَمُسْتَقَرِّ رَحْمَتِهِ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.

 

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...

 

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوهُ؛ ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 281].

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: كَانَ خَبَّابٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَرِيمًا بَعْدَ غِنَاهُ، مُنْفِقًا مِنْ مَالِ اللَّهِ تَعَالَى، قَالَ شَقِيقُ بْنُ سَلَمَةَ: «دَخَلْنَا عَلَى خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ فِي مَرَضِهِ فَقَالَ: إِنَّ فِي هَذَا التَّابُوتِ ثَمَانِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَاللَّهِ مَا شَدَدْتُ لَهَا مِنْ خَيْطٍ، وَلَا مَنَعْتُهَا مِنْ سَائِلٍ، ثُمَّ بَكَى، فَقِيلَ: مَا يُبْكِيكَ؟ قَالَ: أَبْكِي؛ إِنَّ أَصْحَابِي مَضَوْا وَلَمْ تُنْقِصْهُمُ الدُّنْيَا شَيْئًا، وَإِنَّا بَقِينَا بَعْدَهُمْ حَتَّى مَا نَجِدُ لَهُ مَوْضِعًا»، وَكَانَ خَبَّابٌ مُعَظِّمًا لِلْقُرْآنِ؛ فَعَنْ فَرْوَةَ بْنِ نَوْفَلٍ الْأَشْجَعِيِّ قَالَ: «كُنْتُ جَارًا لِخَبَّابٍ، فَخَرَجْتُ يَوْمًا مِنَ الْمَسْجِدِ، وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِي، فَقَالَ: يَا هَنَاةُ، تَقَرَّبْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِمَا اسْتَطَعْتَ؛ فَإِنَّكَ لَنْ تَقَرَّبَ إِلَيْهِ بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ كَلَامِهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي الزُّهْدِ.

 

وَمَرِضَ خَبَّابٌ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ، وَاشْتَدَّ أَلَمُهُ حَتَّى اكْتَوَى، قَالَ قَيْسُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ: «دَخَلْنَا عَلَى خَبَّابٍ نَعُودُهُ وَقَدِ اكْتَوَى سَبْعَ كَيَّاتٍ، فَقَالَ: إِنَّ أَصْحَابَنَا الَّذِينَ سَلَفُوا مَضَوْا وَلَمْ تُنْقِصْهُمُ الدُّنْيَا، وَإِنَّا أَصَبْنَا مَا لَا نَجِدُ لَهُ مَوْضِعًا إِلَّا التُّرَابَ، وَلَوْلَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَانَا أَنْ نَدْعُوَ بِالْمَوْتِ لَدَعَوْتُ بِهِ...»، وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ قَالَ خَبَّابٌ: «لَوْلَا أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لَا يَتَمَنَّى أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ لَتَمَنَّيْتُهُ. وَلَقَدْ رَأَيْتُنِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَمْلِكُ دِرْهَمًا، وَإِنَّ فِي جَانِبِ بَيْتِي الْآنَ لَأَرْبَعِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، ثُمَّ أُتِيَ بِكَفَنِهِ، فَلَمَّا رَآهُ بَكَى، وَقَالَ: لَكِنَّ حَمْزَةَ لَمْ يُوجَدْ لَهُ كَفَنٌ إِلَّا بُرْدَةٌ مَلْحَاءُ، إِذَا جُعِلَتْ عَلَى رَأْسِهِ قَلَصَتْ عَنْ قَدَمَيْهِ، وَإِذَا جُعِلَتْ عَلَى قَدَمَيْهِ قَلَصَتْ عَنْ رَأْسِهِ، حَتَّى مُدَّتْ».

 

مَاتَ خَبَّابٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِالْكُوفَةِ فِي خِلَافَةِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلَاثِينَ، وَعُمْرُهُ ثَلَاثٌ وَسَبْعُونَ سَنَةً، وَصَلَّى عَلَيْهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَوَقَفَ عَلَى قَبْرِهِ فَقَالَ: «رَحِمَ اللَّهُ خَبَّابًا؛ لَقَدْ أَسْلَمَ رَاغِبًا، وَهَاجَرَ طَائِعًا، وَعَاشَ مُجَاهِدًا، وَابْتُلِيَ فِي جِسْمِهِ أَحْوَالًا، وَلَنْ يُضَيِّعَ اللَّهُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا».

 

لَقَدْ كَانَ خَبَّابٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أُنْمُوذَجًا لِلثَّابِتِينَ عَلَى الْحَقِّ فِي الضَّرَّاءِ وَالسَّرَّاءِ؛ فَثَبَتَ عَلَى الْحَقِّ حِينَ عُذِّبَ عَلَيْهِ، وَثَبَتَ حِينَ فُتِحَتْ لَهُ الدُّنْيَا، فَمَا أَحْرَى الْمُؤْمِنَ أَنْ يَتَأَسَّى بِهِ فِي ثَبَاتِهِ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ تَعَالَى.

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الثابتون على الحق (2) مؤمن آل فرعون
  • الثابتون على الحق (4) أصحاب الأخدود
  • الثابتون على الحق (6) بلال بن رباح
  • تبرؤ المتبوعين من أتباعهم

مختارات من الشبكة

  • الثبات: أهميته وسير الثابتين (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سلسلة دروب النجاح (6) العقلية النامية: مفاتيح النمو الشخصي(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • حديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز نكاح امرأة على نعلين(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
  • سالم بن عبد الله بن عمر رحمه الله وأثره في الجانب الاجتماعي والعلمي في المدينة المنورة(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • تراجم: المأمون – عبدالحميد الكاتب – عبدالله بن معاوية – طارق بن زياد – الأحنف بن قيس - عمرو بن العاص(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • السيرة النبوية للأطفال(مقالة - موقع عرب القرآن)
  • مخطوطة حديث محمد بن عبدالله بن المثنى بن أنس بن مالك الأنصاري عن شيوخه(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • دور الصحابة رضي الله عنهم في حفظ القرآن مدونا ومكتوبا في السطور(مقالة - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • ماذا تعرف عن نبينا صلى الله عليه وسلم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الإمام الفقيه محمد بن إدريس الشافعي(مقالة - ثقافة ومعرفة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • أطباء مسلمون يقودون تدريبا جماعيا على الإنعاش القلبي الرئوي في سيدني
  • منح دراسية للطلاب المسلمين في بلغاريا تشمل البكالوريوس والماجستير والدكتوراه
  • مبادرة "زوروا مسجدي 2025" تجمع أكثر من 150 مسجدا بمختلف أنحاء بريطانيا
  • متطوعو كواد سيتيز المسلمون يدعمون آلاف المحتاجين
  • مسلمون يخططون لتشييد مسجد حديث الطراز شمال سان أنطونيو
  • شبكة الألوكة تعزي المملكة العربية السعودية حكومة وشعبا في وفاة سماحة مفتي عام المملكة
  • برنامج تعليمي إسلامي شامل لمدة ثلاث سنوات في مساجد تتارستان
  • اختتام الدورة العلمية الشرعية الثالثة للأئمة والخطباء بعاصمة ألبانيا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 10/4/1447هـ - الساعة: 13:17
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب