• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    التوازن في حياة المسلم (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: ركيزة ...
    د. خالد طه المقطري
  •  
    بين الثناء على البخاري ورد أحاديثه: تناقض منهجي ...
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    أهمية الإخلاص والتقوى
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    تلاوة النبي صلى الله عليه وسلم للقرآن وقيامه به ...
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    خطبة: أولادنا وإدمان الألعاب الإلكترونية
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    من مائدة التفسير: سورة الكوثر
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    الكتمان
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    شبح الغفلة
    نوال محمد سعيد حدور
  •  
    نماذج من سير الأتقياء والعلماء والصالحين (10) أبو ...
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    خطبة: احفظ الله يحفظك
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
  •  
    لماذا ضحك النبي صلى الله عليه وسلم عند دعاء ...
    عمرو شكري بدر زيدان
  •  
    المنكرات الرقمية: فريضة الحسبة في زمن الشاشات
    د. خالد طه المقطري
  •  
    ذكر الله سبب من أسباب إعانة الله لك
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    عداوة الشيطان للإنسان
    الشيخ صلاح نجيب الدق
  •  
    تفسير قوله تعالى: {وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب
علامة باركود

الثبات في زمن الفتن (خطبة)

الثبات في زمن الفتن (خطبة)
د. محمود بن أحمد الدوسري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 25/12/2024 ميلادي - 24/6/1446 هجري

الزيارات: 19081

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الثبات في زمن الفتن

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِهِ الْكَرِيمِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، أَمَّا بَعْدُ، الْفِتَنُ مَزْلَقُهَا عَظِيمٌ، وَوَقْعُهَا عَلَى النُّفُوسِ خَطِيرٌ، قَلَّ مَنْ يَنْجُو مِنْهَا، وَيَسْلَمُ مِنْ ضَرَرِهَا، وَلَهَا وَقْعٌ عَظِيمٌ عَلَى نَفْسِ الْمُؤْمِنِ وَقَلْبِهِ؛ فَقَدْ تُوقِعُهُ فِي الْكُفْرِ، أَوِ الشِّرْكِ، أَوِ النِّفَاقِ، أَوِ الْبِدَعِ، أَوِ الْقَتْلِ، أَوِ الْأَهْوَالِ الْعَظِيمَةِ – وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ- وَتِلْكَ خَسَارَةٌ عَظِيمَةٌ، وَهَلَاكٌ كَبِيرٌ، وَمِنْ أَهَمِّ عَوَامِلِ الثَّبَاتِ عَلَى الدِّينِ فِي زَمَنِ الْفِتَنِ:

1-الِاسْتِعَاذَةُ بِاللَّهِ مِنَ الْفِتَنِ: فَلَا تُدْفَعُ الْفِتَنُ بِأَعْظَمَ مِنَ الِالْتِجَاءِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَالِاسْتِعَانَةِ بِهِ فِي دَفْعِ شُرُورِهَا، وَالتَّحَرُّزِ مِنَ الْوُقُوعِ فِيهَا، وَالْحِمَايَةِ مِنْ مَفَاسِدِهَا، وَالثَّبَاتِ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَهَكَذَا كَانَ يَفْعَلُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَأْمُرُ غَيْرَهُ بِالِاسْتِعَاذَةِ مِنْهَا؛ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْعُو فِي الصَّلَاةِ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا، وَفِتْنَةِ الْمَمَاتِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.

 

قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ رَحِمَهُ اللَّهُ – عِنْدَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا، وَفِتْنَةِ الْمَمَاتِ»: (هَذِهِ كَلِمَةٌ ‌جَامِعَةٌ ‌لِمَعَانٍ ‌كَثِيرَةٍ، وَيَنْبَغِي لِلْمَرْءِ أَنْ يَرْغَبَ إِلَى رَبِّهِ فِي رَفْعِ مَا نَزَلَ، وَدَفْعِ مَا لَمْ يَنْزِلْ، وَيَسْتَشْعِرَ الِافْتِقَارَ إِلَى رَبِّهِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ، وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَعَوَّذُ مِنْ جَمِيعِ مَا ذُكِرَ دَفْعًا عَنْ أُمَّتِهِ، وَتَشْرِيعًا لَهُمْ؛ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ صِفَةَ الْمُهِمِّ مِنَ الْأَدْعِيَةِ). فَمَنْ لَجَأَ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَاعْتَمَدَ عَلَيْهِ، وَاسْتَعَانَ بِهِ؛ فَقَدْ آوَى إِلَى رُكْنٍ رَكِينٍ، وَنَاصِرٍ لَا يُهْزَمُ.

 

2- تَجَنُّبُ الْفِتَنِ، وَالْفِرَارُ مِنْهَا: قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [الْأَنْفَالِ:25]. قَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: (قَرَأْتُ هَذِهِ الْآيَةَ زَمَانًا وَمَا أُرَانَا مِنْ أَهْلِهَا، فَإِذَا ‌نَحْنُ ‌الْمَعْنِيُّونَ ‌بِهَا). وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: (أَمَرَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ لَا يُقِرُّوا ‌الْمُنْكَرَ ‌بَيْنَ ‌أَظْهُرِهِمْ فَيَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِالْعَذَابِ)، وَعَنِ السُّدِّيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ: (هَذِهِ نَزَلَتْ فِي أَهْلِ بَدْرٍ خَاصَّةً، ‌وَأَصَابَتْهُمْ ‌يَوْمَ ‌الْجَمَلِ فَاقْتَتَلُوا)، وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: (وَمَقْصُودُ الْآيَةِ: وَاتَّقُوا فِتْنَةً تَتَعَدَّى الظَّالِمَ؛ فَتُصِيبُ ‌الصَّالِحَ ‌وَالطَّالِحَ)، فَفِي الْآيَةِ تَحْذِيرٌ مِنَ اللَّهِ لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْفِتَنِ، وَأَمْرٌ لَهُمْ بِاجْتِنَابِهَا، وَالِابْتِعَادِ عَنْهَا، وَعَنْ أَهْلِهَا؛ حَتَّى لَا يُصَابَ الْمُسْلِمُ بِشَرِّهَا، فَيَدْخُلَ فِيمَنْ دَخَلَ فِيهَا، أَوْ يَهْلَكَ فِيمَنْ هَلَكَ.

 

وَحَثَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى اجْتِنَابِ الْفِتَنِ، وَالْبُعْدِ عَنْهَا، وَالْهَرَبِ مِنْهَا؛ كَمَا فِي قَوْلِهِ: «سَتَكُونُ فِتَنٌ: الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي، مَنْ تَشَرَّفَ لَهَا؛ تَسْتَشْرِفْهُ [أَيْ: مَنْ تَطَلَّعَ لَهَا؛ وَاتَتْهُ فَوَقَعَ فِيهَا]، فَمَنْ وَجَدَ فِيهَا مَلْجَأً أَوْ مَعَاذًا؛ فَلْيَعُذْ بِهِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَفِي رِوَايَةٍ: «تَكُونُ فِتْنَةٌ: النَّائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْيَقْظَانِ، وَالْيَقْظَانُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي، فَمَنْ وَجَدَ مَلْجَأً أَوْ مَعَاذًا؛ فَلْيَسْتَعِذْ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، فَبِحَسَبِ تَعَرُّضِ الْمَرْءِ لِلْفِتَنِ، وَاسْتِجَابَتِهِ لَهَا، وَتَفَاعُلِهِ مَعَهَا؛ يَنَالُهُ مِنْ شَرِّهَا.

 

وَكُلَّمَا بَعُدَ الْإِنْسَانُ عَنِ الْفِتَنِ؛ كَانَ أَسْلَمَ لَهُ فِي دِينِهِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِذَا نَزَلَتْ أَوْ وَقَعَتْ؛ فَمَنْ كَانَ لَهُ إِبِلٌ فَلْيَلْحَقْ بِإِبِلِهِ، وَمَنْ كَانَتْ لَهُ غَنَمٌ فَلْيَلْحَقْ بِغَنَمِهِ، وَمَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَلْحَقْ بِأَرْضِهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

 

وَالسَّعِيدُ هُوَ الَّذِي اجْتَنَبَ الْفِتَنَ، وَفَرَّ مِنْهَا، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنَ، إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنَ، إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنَ» صَحِيحٌ – رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرَ مَالِ الْمُسْلِمِ غَنَمٌ يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ [‌جَمْعُ ‌شَعَفَةٍ؛ وَهِيَ رُؤُوسُ الْجِبَالِ] الْجِبَالِ، وَمَوَاقِعَ الْقَطْرِ؛ يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ الْفِتَنِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

 

3- الصَّبْرُ عِنْدَ وُقُوعِ الْفِتَنِ: الْمُؤْمِنُ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا مُعَرَّضٌ لِلْفِتَنِ بِشَتَّى أَنْوَاعِهَا، فَإِذَا أُصِيبَ بِدَائِهَا فَعَلَيْهِ أَنْ يَلْجَأَ إِلَى الصَّبْرِ؛ فَإِنَّهُ الْعِلَاجُ النَّاجِعُ الَّذِي يَكْشِفُ دَاءَ الْفِتَنِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ﴾ [الْعَنْكَبُوتِ:1-3]. قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللَّهُ: (لَيْسَ لِمَنْ قَدْ فُتِنَ بِفِتْنَةٍ دَوَاءٌ مِثْلُ الصَّبْرِ، فَإِنْ صَبَرَ كَانَتِ الْفِتْنَةُ مُمَحِّصَةً لَهُ، وَمُخَلِّصَةً مِنَ الذُّنُوبِ، كَمَا يُخَلِّصُ الْكِيرُ خَبَثَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ... فَالْفِتْنَةُ قَسَّمَتِ النَّاسَ، إِلَى صَادِقٍ وَكَاذِبٍ وَمُؤْمِنٍ وَمُنَافِقٍ، وَطَيِّبٍ وَخَبِيثٍ، فَمَنْ صَبَرَ عَلَيْهَا كَانَتْ رَحْمَةً فِي حَقِّهِ، وَنَجَا بِصَبْرِهِ مِنْ فِتْنَةٍ أَعْظَمَ مِنْهَا، وَمَنْ لَمْ يَصْبِرْ عَلَيْهَا وَقَعَ فِي فِتْنَةٍ أَشَدَّ مِنْهَا).

 

وَلَمَّا كَانَ الصَّبْرُ ذَا أَثَرٍ عَظِيمٍ فِي الثَّبَاتِ عِنْدَ الْفِتَنِ؛ قَرَنَهُ اللَّهُ بِالْفِتْنَةِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿ ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النَّحْلِ: 110]؛ أَيْ: إِنَّ رَبَّكَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ لِمَنْ هَاجَرَ فِي سَبِيلِهِ، وَتَرَكَ دِيَارَهُ وَأَمْوَالَهُ مُبْتَغِيًا رِضْوَانَ اللَّهِ، وَفُتِنَ عَلَى دِينِهِ لِيَرْجِعَ إِلَى الْكُفْرِ، وَلَكِنَّهُ ثَبَتَ عَلَى إِيمَانِهِ، وَجَاهَدَ أَعْدَاءَ اللَّهِ وَصَبَرَ؛ فَإِنَّهُ يَنَالُ بِذَلِكَ مَغْفِرَةَ اللَّهِ لِذُنُوبِهِ، وَرَحْمَتَهُ لَهُ.

 

وَأَرْشَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ إِلَى الصَّبْرِ عِنْدَ الْفِتَنِ، وَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ مَشَقَّةٌ بَالِغَةٌ، تَبْلُغُ مَشَقَّةَ مَنْ يَصْبِرُ عَلَى قَبْضِ الْجَمْرِ: «يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ الصَّابِرُ فِيهِمْ عَلَى دِينِهِ؛ كَالْقَابِضِ عَلَى الْجَمْرِ» صَحِيحٌ – رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

 

وَلَمَّا شَكَا النَّاسُ إِلَى أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا يَلْقَوْنَ مِنْ فِتْنَةِ الْحَجَّاجِ دَلَّهُمْ عَلَى الصَّبْرِ؛ فَعَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ قَالَ: أَتَيْنَا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ فَشَكَوْنَا إِلَيْهِ مَا نَلْقَى مِنَ الْحَجَّاجِ، فَقَالَ: «اصْبِرُوا؛ فَإِنَّهُ لَا يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ إِلَّا الَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ حَتَّى تَلْقَوْا رَبَّكُمْ» سَمِعْتُهُ مِنْ نَبِيِّكُمْ صَلَى اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

 

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ...

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ..

وَمِنْ أَهَمِّ عَوَامِلِ الثَّبَاتِ عَلَى الدِّينِ عِنْدَ الْفِتَنِ:

4- الْمُبَادَرَةُ إِلَى الطَّاعَاتِ عِنْدَ وُقُوعِ الْفِتَنِ: حَثَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمُسَارَعَةِ إِلَى الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ عِنْدَ حُلُولِ الْفِتَنِ؛ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ تُقَوِّي صِلَةَ الْعَبْدِ بِرَبِّهِ، وَتَحْمِيهِ مِنْهَا، فَيَقْوَى إِيمَانُهُ، فَلَا تَجِدُ الْفِتَنُ إِلَى قَلْبِهِ سَبِيلًا؛ كَمَا فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

 

وَلِذَا دَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَزْوَاجَهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ إِلَى الصَّلَاةِ، وَالِاشْتِغَالِ بِهَا وَقْتَ الْفِتَنِ؛ لِيَتَقَوَّيْنَ بِذَلِكَ عَلَى دَفْعِهَا، وَالْخُرُوجِ مِنْ شَرِّهَا، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً فَزِعًا يَقُولُ: «سُبْحَانَ اللَّهِ! مَاذَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْخَزَائِنِ؟ وَمَاذَا أُنْزِلَ مِنَ الْفِتَنِ؟ مَنْ يُوقِظُ صَوَاحِبَ الْحُجُرَاتِ [يُرِيدُ زَوْجَاتِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ]؛ لِكَيْ يُصَلِّينَ، رُبَّ كَاسِيَةٍ فِي الدُّنْيَا، عَارِيَةٍ فِي الْآخِرَةِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

 

وَالْعِبَادَةُ وَقْتَ نُزُولِ الْفِتَنِ بِمَنْزِلَةِ الْهِجْرَةِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ كَمَا فِي قَوْلِهِ: «الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ؛ وَفِي رِوَايَةٍ: «الْعِبَادَةُ فِي الْفِتْنَةِ كَالْهِجْرَةِ إِلَيَّ» صَحِيحٌ – رَوَاهُ أَحْمَدُ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: (وَسَبَبُ ذَلِكَ: أَنَّ النَّاسَ فِي زَمَنِ الْفِتَنِ يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ، وَلَا يَرْجِعُونَ إِلَى دِينٍ، فَيَكُونُ حَالُهُمْ شَبِيهًا بِحَالِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَإِذَا انْفَرَدَ مِنْ بَيْنِهِمْ مَنْ يَتَمَسَّكُ بِدِينِهِ، وَيَعْبُدُ رَبَّهُ، وَيَتَّبِعُ مَرَاضِيَهُ، وَيَجْتَنِبُ مَسَاخِطَهُ؛ كَانَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ هَاجَرَ مِنْ بَيْنِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُؤْمِنًا بِهِ، مُتَّبِعًا لِأَوَامِرِهِ، مُجْتَنِبًا لِنَوَاهِيهِ).

 

5- تَمَنِّي الْمَوْتِ عِنْدَ الْفِتَنِ الْمُهْلِكَةِ: فَخَيْرٌ لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَطْلُبَ مِنْ رَبِّهِ اسْتِعْجَالَ الْمَوْتِ؛ لِيَمُوتَ وَهُوَ ثَابِتٌ عَلَى إِيمَانِهِ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ خَيْرٌ مِنَ الْفِتْنَةِ الَّتِي تُذْهِبُ دِينَهُ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اثْنَتَانِ يَكْرَهُهُمَا ابْنُ آدَمَ: الْمَوْتُ؛ وَالْمَوْتُ خَيْرٌ لِلْمُؤْمِنِ مِنَ الْفِتْنَةِ، وَيَكْرَهُ قِلَّةَ الْمَالِ؛ وَقِلَّةُ الْمَالِ أَقَلُّ لِلْحِسَابِ» صَحِيحٌ – رَوَاهُ أَحْمَدُ.

 

وَمِنْ تَمَنِّي الْمَوْتَ عِنْدَ حُلُولِ الْفِتَنِ الْمُهْلِكَةِ، قَوْلُهُ تَعَالَى – فِي شَأْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهَا السَّلَامُ: ﴿ فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا ﴾ [مَرْيَمَ: 23]. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: (تَمَنَّتْ مَرْيَمُ الْمَوْتَ مِنْ جِهَةِ الدِّينِ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا خَافَتْ أَنْ يُظَنَّ بِهَا الشَّرُّ فِي دِينِهَا، وَتُعَيَّرَ فَيَفْتِنَهَا ذَلِكَ. الثَّانِي: لِئَلَّا يَقَعَ قَوْمٌ بِسَبَبِهَا فِي الْبُهْتَانِ وَالنِّسْبَةِ إِلَى الزِّنَا، وَذَلِكَ مُهْلِكٌ. وَعَلَى هَذَا الْحَدِّ يَكُونُ تَمَنِّي الْمَوْتِ جَائِزًا).

 

وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ سُؤَالِ الْمَوْتِ عِنْدَ حُلُولِ الْفِتَنِ، وَالْخَشْيَةِ مِنْ ضَيَاعِ الدِّينِ: حَدِيثُ اخْتِصَامِ الْمَلَأِ الْأَعْلَى – وَفِيهِ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَإِذَا أَرَدْتَ بِعِبَادِكَ فِتْنَةً؛ فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ غَيْرَ مَفْتُونٍ» صَحِيحٌ – رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

 

وَأَمَّا إِذَا أَصَابَ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ فِي نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ؛ فَعَلَيْهِ بِالصَّبْرِ؛ لِيَعْظُمَ أَجْرُهُ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ، فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ مُتَمَنِّيًا فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتِ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. قَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: (فِيهِ: ‌التَّصْرِيحُ ‌بِكَرَاهَةِ ‌تَمَنِّي الْمَوْتِ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ؛ مِنْ مَرَضٍ، أَوْ فَاقَةٍ، أَوْ مِحْنَةٍ مِنْ عَدُوٍّ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِنْ مَشَاقِّ الدُّنْيَا. فَأَمَّا إِذَا خَافَ ضَرَرًا فِي دِينِهِ، أَوْ فِتْنَةً فِيهِ فَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ.وَفِيهِ: أَنَّهُ إِنْ خَافَ وَلَمْ يَصْبِرْ عَلَى حَالِهِ فِي بَلْوَاهُ بِالْمَرَضِ وَنَحْوِهِ؛ فَلْيَقُلْ: «اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتِ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي...» وَالْأَفْضَلُ الصَّبْرُ وَالسُّكُونُ لِلْقَضَاءِ).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • البحث عن السعادة في زمن الفتن (خطبة)
  • فقه الرشد في زمن الفتن (خطبة)
  • وصايا نافعة في زمن الفتن (خطبة)
  • فعند الله ثواب الدنيا والآخرة
  • خطبة: وقفة محاسبة في زمن الفتن

مختارات من الشبكة

  • الثبات... الثبات...(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الثبات على الدين (2) الطريق إلى الثبات (خطبة)(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • الثبات الثبات عباد الله(مقالة - آفاق الشريعة)
  • يا مسلمي أوربا: الثبات الثبات(مقالة - المسلمون في العالم)
  • الشيخ أحمد بن عبدالرحمن المهنا في محاضرة: الثبات في زمن الفتن(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز بن عقيل العقيل)
  • الثبات في زمن الفتن (PDF)(كتاب - موقع الشيخ عبدالرحمن بن عبدالعزيز الدهامي)
  • الفتن وأسباب الثبات (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الثبات في الدين في عصر الفتن والمتفرقين إلى أن يأتينا اليقين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الليلة التاسعة عشرة: الثبات في زمن المتغيرات(مقالة - ملفات خاصة)
  • الثبات في زمن المتغيرات(مادة مرئية - موقع الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز بن عقيل العقيل)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • التخطيط لإنشاء مسجد جديد في مدينة أيلزبري الإنجليزية
  • مسجد جديد يزين بوسانسكا كروبا بعد 3 سنوات من العمل
  • تيوتشاك تحتضن ندوة شاملة عن الدين والدنيا والبيت
  • مسلمون يقيمون ندوة مجتمعية عن الصحة النفسية في كانبرا
  • أول مؤتمر دعوي من نوعه في ليستر بمشاركة أكثر من 100 مؤسسة إسلامية
  • بدأ تطوير مسجد الكاف كامبونج ملايو في سنغافورة
  • أهالي قرية شمبولات يحتفلون بافتتاح أول مسجد بعد أعوام من الانتظار
  • دورات إسلامية وصحية متكاملة للأطفال بمدينة دروججانوفسكي

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 10/2/1447هـ - الساعة: 21:56
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب