• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    من فضائل شهر رمضان ووجوب صيامه رقم (2)
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    التوبة واستقبال رمضان (خطبة)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    اسم الله تعالى العليم (خطبة)
    رمضان صالح العجرمي
  •  
    أحكام متفرقة في الصيام
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
  •  
    من أقوال السلف في الصيام
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    تنبيه الصائمين بالعناية بالمساجد وكتاب رب ...
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    أهلا ومرحبا برمضان (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر
    السيد مراد سلامة
  •  
    لا تر الناس أنك تخشى الله وقلبك فاجر
    السيد مراد سلامة
  •  
    الصيام وأقسامه
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
  •  
    أعظم سورة في القرآن
    محمد بن سند الزهراني
  •  
    أحكام الدية (خطبة)
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    من صفات عباد الرحمن: قيام الليل (خطبة)
    محمد بن أحمد زراك
  •  
    من فضائل شهر رمضان ووجوب صيامه (1)
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    منهج الإمام يحيى بن سعيد القطان في توثيق الرواة ...
    أ. د. طالب حماد أبوشعر
  •  
    جذور طرائق التدريس الحديثة في الهدي النبوي ...
    هبة أحمد مصطفى
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب
علامة باركود

ألا تحبون أن يغفر الله لكم (خطبة)

ألا تحبون أن يغفر الله لكم (خطبة)
خالد بن حسن المالكي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 6/3/2022 ميلادي - 2/8/1443 هجري

الزيارات: 11006

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات

النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

﴿ أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ﴾ (خطبة)[1]

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته[2]

الخطبة الأولى

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

 

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71].

 

أما بعد:

فتأملوا - رحمكم الله وغفر لكم - كيف بدأ الله تعالى بالنعيم النفسي، قبل النعيم المادي، بدأ سبحانه بوصف سلامة قلوب أهل الجنة، ثم وصف سبحانه جمال مكانهم؛ قال تعالى: ﴿ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [الأعراف: 43].

 

وقال تعالى: ﴿ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ ﴾ [الحجر: 47].

 

فيا من رمت النعيم الحقيقي، دونك قولَه تعالى: ﴿ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ ﴾ [الحجر: 47].

 

قال ابن عطية رحمه الله تعالى: "هذا إخبار من الله عزَّ وجلَّ أنَّه ينقِّي قلوب ساكني الجنَّة من الغلِّ والحقد، وذلك أنَّ صاحب الغلِّ متعذِّب به، ولا عذاب في الجنَّة".

 

وقال الشوكاني رحمه الله تعالى: "التشاحن ينغص الحياة، فلا يطيب لصاحبه عيش".

 

اللهم اجعلنا من أهل الجنة، ﴿ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ ﴾.

 

أحبتي الكرام، من أوتي صدرًا سليمًا لإخوانه، فقد تعجَّل شيئًا من نعيم الجنة، سلامةُ صدرِ المرء من الغشَش، وخُلو نفسِه من نزعةِ التشفي للنفس، والانتصار لحظوظِها، لهي سِمَة المؤمن الصالح، الهيِّن اللَّيِّن الذي لا غلَّ فيه ولا حسَد، قيل لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ: أيُّ الناسِ أفضلُ؟ قال: "كلُّ مخمومِ القلبِ صدوقِ اللسانِ"، قالوا: صدوقُ اللسانِ نعرفُه، فما مخمومُ القلبِ؟ قال: "هو التقيُّ النقيُّ، لا إثمَ فيه ولا بغيَ، ولا غِلَّ ولا حسدَ".

 

مخمومُ القلب - أحبتي الكرام - يؤثر حقَّ الآخرين على حقِّه، ويعلم أنَّ الحياةَ دارُ ممرٍّ، وليسَت دار مَقرٍّ؛ إذ ما الحاجةُ للدنيا إن لم تكُن موصِلَةً إلى الآخرة، بل ما جمال عيشِ المرء، وهو يَكنِزُ في قلبه الأثرة، والغِلظة، والفَظاظَة، ويُفرِزُ بين الحين والآخر، ما يؤكِّد من خلالِه قَسوَةَ قلبِه، وضيق عَطَنِه؟!

 

معاشر الأحبة، ما أكثَرَ الذين يبحَثون عن مصادرِ العزِّة وسبُلها؟ ويشتغلون بالتنقيب عنها يمنةً ويَسرةً، ويتطلعون إلى الاصطباغ بها، أو بشيءٍ منها، مهما بلَغ الجَهدُ في تحصيلها، غيرَ أنَّ ثمَّةَ مصدرًا عظيمًا من مصادرِ العزَّة، يغفل عنه كثير من الناس، معَ سهولَتِه، وقلَّة المؤونةِ في تحصيله، مِفتاحُه شيءٌ من قوَّةِ الإرادة، وزمِّ النفسِ عن استِتمامِ حظوظها، واستيفاءِ كلِّ حقوقِها، يتمثَّل هذا المِفتاحُ، في تصفِيَة القلب، من شواغلِ حظوظ الذّات، وحبِّ الأخذ دون الإعطاءِ.

 

هذه العزةُ برمَّتها، يمكِن تحصيلُها، في ولوجِ بابَ العفو والصَّفح، والتسامح والمغفرة، فطِيبُ النفس، وحسنُ الظن بالآخرين، وقَبولُ الاعتذار، وإقالةُ العثرة، وكَظمُ الغيظ، والعفوُ عن الناس، كلُّ ذلك يعَدُّ من أهمِّ ما حضَّ عليه الإسلام، في تعامُل الناسِ مَعَ بعضِهمُ البعض.

 

ومَن كانت هذه صفَته، فهو خليقٌ بأن يكونَ من أهل العزَّة والرفعة؛ لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "ما نقَصَت صدقةٌ من مالٍ، وما زاد الله عبدًا بعفوٍ إلاَّ عِزًّا، وما تواضَعَ أحدٌ للهِ إلا رفعَه"، فهذِه هي العِزَّة يا باغيها، وهذه هي الرِّفعة يا من تنشُدُها.

 

إنها - معاشر الأحبة - رِفعة وعِزَّة في الدنيا والآخرة، كيف لا؟ وقد وعد الله تعالى المتَّصفِين بها بقولِه: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [آل عمران: 133، 134].

 

ومن كانت هذه سجيَّته، فليُبشِر بمحبَّةِ الله تعالى له، حيث بلَغه مقامًا من مقاماتِ الإحسان، ﴿ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾.

 

معاشر الكرام، العفوُ شِعارُ الصالحين الأنقِيَاء، ذوِي الحِلم والأناة، والنفوس الرضية، والصفحُ دثارهم؛ لأنَّ التنازلَ عن الحقِّ إيثارٌ للآجلِ على العاجل، وبسطٌ لخُلُقٍ نقيٍّ تقيٍّ، ينفُذ بقوّةٍ إلى شِغاف قلوب الآخرين، فلا يملِكون أمامه إلا محبةَ وإكبارَ من هذه صفتُه، وهذا ديدَنُه.

 

معاشر الأحبة، إنَّ العفو عن الآخرين ليس بالأمرِ الهيِّن؛ إذ له في النّفسِ ثِقَلٌ لا يتِمّ التغلُّب عليه، إلاّ بمصارعةِ حبِّ الانتصار والانتقامِ للنفس، ولا يكون ذلك إلا للأقوياءِ الذين أيدهمُ الله تعالى ﴿ بِرُوحٍ مِنهُ ﴾، ومِن هنا يأتي التميُّزُ والبَرازُ عن العُموم، وهذا هو الشَّديد الممدوحُ، في قولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: "ليسَ الشَّدِيدُ بالصُّرَعَةِ، إنَّما الشَّدِيدُ الذي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ".

 

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَن كَظَمَ غيظًا وهو قادرٌ على أن يَنْفِذَه، دعاه اللهُ عزَّ وجلَّ على رؤوسِ الخلائقِ يومَ القيامةِ، حتى يُخَيِّرُه اللهُ مِن الحُورِ ما شاءَ".

 

إخوتي الكرام، إنَّ شريعتَنا الغرّاء، يوم حضَّت المسلمِين على التخلُّق بخلقِ العفو والتجاوُز، لم تقصِر هذا الحضّ في نطاقٍ ضيق، أو دائرة مغلَقَة، بل جعلتِ الأمرَ فيه موسَّعًا، ليشمَلَ جوانبَ كثيرةً من شؤونِ التّعامُل، بل إنَّ الحضَّ على العفوِ، قد تعدَّى إلى ما يخصّ تبايُعَ الناس وشراءَهم، ومدايناتِهم؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "كَانَ تَاجِرٌ يُدَايِنُ النَّاسَ، فَإِذَا رَأَى مُعْسِرًا قَالَ لِفِتْيَانِهِ: تَجَاوَزُوا عَنْهُ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا. فَتَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُ"، ولقد تعدَّى الحضُّ على ذلك إلى أبوابِ الدِّماء والقِصاص، كما في قولِه تعالى: ﴿ وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [المائدة: 45].

 

وثَمَّة تأكيدٌ على عموم الحضِّ على العفوِ في التعاملِ مع الآخرين، في قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ارحموا ترحموا، واغفروا يغفر لكم".

 

قال المُناوي رحمه الله تعالى: "لأنَّه سبحانه وتعالى يحب أسمائَه وصفاتِه، التي منها الرحمةُ، والعفو، ويحب من خلقه من تخلق بها".

 

أحبتي الكرام، إن العفو والتجاوز، لا يقتضِي الذِّلَّةَ والضعف، بل إنه قمَّةُ القوة والشجاعة، وغلَبَةِ الهوى، قال الفضيل بنُ عياض رحمه الله تعالى: "إذا أتاك رجلٌ يشكو إليك رجلًا، فقل: يا أخي، اعفُ عنه، فإنَّ العفو أقرب للتقوى، والعفو باب واسع، ﴿ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴾ [الشورى: 40].

 

عباد الله، إنَّ بعض الناس قد بلغ من القسوةِ ما لا يمكن معها أن يعفوَ لأحد، أو يتجاوَز عنه، لا يظهر في حياته إلاّ الانتقامُ والتشفِّي، كمثَل سماءٍ إذا تغيَّم، لم يُرجَ صَحوُه، وإذا قَدر لا يُنتَظَر عفوه، يُغضِبُه الجرمُ الخفيّ، ولا يُرضيه العذرُ الجليّ، حتى إنّه ليرَى الذنبَ، وهو أضيقُ من ظلِّ الرمح، ويَعمَى عن العذرِ، وهو أبيَنُ من وَضَحِ النهار، يسمَع بإحدى أذنيه القولَ، فيشتطّ ويضطرب، ويُحجبُ عن الأخرَى العذرَ، ولو كان له حُجّةٌ وبرهان.

 

ومَن كانت هذه حالُه، فهو عدوُّ نفسه، وقد استولى عليه سلطان الهوَى، فصرفَه عن الحَسَنِ بالعفوِ، إلى القبيحِ بالتَّشفِّي؛ تقول عائشة رضي الله عنها: "ما ضَرَبَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ شيئًا قَطُّ بيَدِهِ، وَلَا امْرَأَةً، وَلَا خَادِمًا، إلَّا أَنْ يُجَاهِدَ في سَبيلِ اللهِ، وَما نِيلَ منه شيءٌ قَطُّ، فَيَنْتَقِمَ مِن صَاحِبِهِ، إلَّا أَنْ يُنْتَهَكَ شيءٌ مِن مَحَارِمِ اللهِ، فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ".

 

قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: "فإذا كان هذا خيرَ خلق الله، وأكرمَهم على الله، لم يَنتقِمْ لنفسِه، مَعَ أن أَذَاه أَذَى الله، ويتعلّقُ به حقوق الدين، ونفسهُ أشرف الأنفُس، وأزكاها وأبرُّها، وأبعدُها من كل خُلُقٍ مذمومٍ، وأحقُّها بكل خُلُقٍ جميلٍ، ومع هذا فلم يكن يَنتقِم لها، فكيف يَنتقِمُ أحدنا لنفسِه؟ التي هو أعلم بها، وبما فيها من الشرور والعيوب؟ بل الرجل العارف، لا تُساوِي نفسُه عنده أن ينتقم لها، ولا قدرَ لها عنده، يُوجِبُ عليه انتصارَه لها".

 

اللهم ارزقنا الاقتداء بعبدك ورسولك محمد صلى الله عليه وسلم، والائتساء بهديه بمنك وكرمك.

 

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فيا معاشر الأحبة، ينبغي علينا أن نسعى للإصلاح بين الناس، فإذا علمت أخي الحبيب بين شخصينِ خلافًا، فبادر للإصلاح بينهما، استمع إلى قولِ الله عز وجل: ﴿ لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 114]، وقولِه تعالى: ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنفال: 1].

 

ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ألا أخبرُكم بأفضلَ من درجةِ الصيامِ والصلاةِ والصدقةِ؟ قالوا: بلى، قال: إصلاحُ ذاتِ البينِ، وفسادُ ذاتِ البينِ الحالِقةُ".

 

سل نفسك أخي الحبيب: متى كانت آخر مرة سعيت فيها للإصلاح بين متخاصمين؟

 

فدونك بابًا من الأجر عظيم، يغفل عنه كثير من الناس، إلا من وفقه الله تعالى، وشرح صدره للقيام به.

 

واعلَموا - أيها المؤمنون - أنَّ تحضيضَ الشريعة على العفوِ والتجاوُز، لم يكن مقتصِرًا على العفو في الظاهرِ دون الباطن، بل إنَّ الحثَّ عمَّ الظاهر والباطنَ معًا؛ فحضت الشريعة على التجاوز عن الذنبِ بالكلية، واعتبارهِ كأن لم يكن، وبدايةِ صفحةٍ بيضاءَ جديدةٍ، في العلاقة مع المخطئ، وإسقاطِ اللوم الظاهر والباطن، ولذا أمَر الله تعالى نبيَّه صلى الله عليه وسلم، بذلك في قولِه: ﴿ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ ﴾ [الحجر: 85]، وقولِه تعالى: ﴿ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [المائدة: 13]، وقال تعالى: ﴿ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ﴾ [البقرة: 109]، وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [التغابن: 14]، قال السعدي رحمه الله تعالى: فمن عفا عفا الله عنه، ومن صفح صفح الله عنه، ومن غفر غفر الله له، ومن عامل الله فيما يحب، وعامل عباده كما يحبون وينفعهم، نال محبة الله ومحبة عباده، واستوثَق له أمرَه.

 

تقول عَائِشَةُ رضي الله عنها: قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحِ بْنِ أُثَاثَةَ؛ لِقَرَابَتِهِ مِنْهُ، وَفَقْرِهِ -: وَاللَّهِ لَا أُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ شَيْئًا أَبَدًا بَعْدَ الَّذِي قَالَ لِعَائِشَةَ مَا قَالَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿ ﴿ وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النور: 22]، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: بَلَى وَاللَّهِ، إِنِّي أُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لِي. فَرَجَعَ إِلَى مِسْطَحٍ النَّفَقَةَ الَّتِي كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ، وَقَالَ: وَاللَّهِ، لَا أَنْزِعُهَا مِنْهُ أَبَدًا.

 

قال الشافعي رحمه الله تعالى:

لما عفوتُ ولم أحقِدْ على أحدٍ
أرحتُ نفسي مِن همِّ العداواتِ

عباد الله، إن خلق العفو والصفح الرفيع، أمارةٌ من أمارات القائدِ الناجحِ، كما أمرَ الله تعالى نبيَّه صلى الله عليه وسلم به في قولِه: (خُذِ العَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الجَاهِلِينَ)، وكما في قوله تعالى: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾ [آل عمران: 159].

 

معاشر الأحبة:

هذا هو خلق النبي صلى الله عليه وسلم، فأين المشمِّرون المقتَدون؟! أين من يغالبون حبُّ التشفي والانتقام؟! سئِلَت عائشة رضي الله عنها عن خلق رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فقالت: "لم يكن فاحِشًا ولا متفحِّشًا، ولا صخَّابًا في الأسواق، ولا يجزِي بالسيِّئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح".

 

قال تعالى: ﴿ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾ [فصلت: 34].

 

اللهم ربَّنا لك الحمدُ مِلْءَ السَّمواتِ والأرضِ، ومِلْءَ ما شِئتَ مِن شيءٍ بعدُ، اللَّهُمَّ صَلِّ علَى مُحَمَّدٍ وعلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كما صَلَّيْتَ علَى إبْرَاهِيمَ وعلَى آلِ إبْرَاهِيمَ؛ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ علَى مُحَمَّدٍ وعلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كما بَارَكْتَ علَى إبْرَاهِيمَ وعلَى آلِ إبْرَاهِيمَ؛ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

 

﴿ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحشر: 10].

 

﴿ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الصافات: 180 - 182].



[1] المرجع الرئيس لهذه الخطبة، خطبة بعنوان "خلق العفو" للفريق العلمي لموقع ملتقى الخطباء، وهي منشورة على الرابط التالي:

https://2u.pw/m0Dsg

[2] أُلقيت هذه الخطبة يوم الجمعة 10/ 07/ 1443 هـ، بمسجد الإمام الذهبي - بمدينة جدة -، ويمكن مشاهدتها على الرابط التالي:

https://2u.pw/isnqO





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات

مقالات ذات صلة

  • ألا تحبون أن يغفر الله لكم؟
  • ألا تحبون أن يغفر الله لكم (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • مع آية: ألا تحبون أن يغفر الله لكم(مادة مرئية - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • تفسير: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (ألا تعبدوا إلا الله إنني لكم منه نذير وبشير)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ألا تحب أن تكون صحيفتك بيضاء؟(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عثمان السبت)
  • تفسير: (فتولى عنهم وقال ياقوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شرح حديث: لا يرد القدر إلا الدعاء ولا يزيد في العمر إلا البر(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • معنى لا إله إلا الله (لا معبود بحق إلا الله)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير قوله تعالى: { ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون }(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير آية: {الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك..}(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ورشة عمل ترفيهية للأطفال استقبالا لرمضان في أونتاريو
  • التحضير لإطعام المئات خلال شهر رمضان بمدينة فيلادلفيا
  • أعداد المسلمين تتجاوز 100 ألف بمقاطعة جيرونا الإسبانية
  • فيلا بارك يستضيف إفطار للصائمين للمرة الأولى
  • مدينة بيفيرتون تحتفل بأول شهر للتراث الإسلامي
  • إفطار جماعي على أرضية ملعب ستامفورد بريدج
  • 3 دورات للغة العربية والتربية الإسلامية بمدينة أليكانتي الإسبانية
  • بنك الطعام الإسلامي يلبي احتياجات الآلاف بمدينة سوري الكندية

  • بنر
  • بنر
  • بنر
  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1444هـ / 2023م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 2/9/1444هـ - الساعة: 6:14
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب