• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    منهج القرآن الكريم في تنمية التفكير العلمي: كيف ...
    محمد نواف الضعيفي
  •  
    أيام أبي بكر الصديق رضي الله عنه (خطبة)
    ساير بن هليل المسباح
  •  
    الله لطيف بعباده
    محمد بن عبدالله العبدلي
  •  
    خطبة (إنكم تشركون)
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    لطائف من مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية
    سائد بن جمال دياربكرلي
  •  
    فصل آخر: في معنى قوله تعالى: {فإذا سويته ونفخت ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    علة حديث: ((لا تؤذي امرأة زوجها في الدنيا إلا ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    التذكير بأيام الله (خطبة)
    د. عبد الرقيب الراشدي
  •  
    طعام وشراب النبي صلى الله عليه وسلم (خطبة)
    الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري
  •  
    التسبيح سبب للحصول على ألف حسنة في لحظات
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    التحذير من الكسل (1)
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    حين يتجلى لطف الله
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: الحذر من الظلم
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    التوحيد بين الواقع والمأمول (خطبة)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    حين يستحي القلب يرضى الرب (خطبة)
    الشيخ إسماعيل بن عبدالرحمن الرسيني
  •  
    البعثة المحمدية وحال الناس قبلها
    عبدالقادر دغوتي
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب
علامة باركود

لا خوف عليهم ولا هم يحزنون

لا خوف عليهم ولا هم يحزنون
الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 4/7/2019 ميلادي - 2/11/1440 هجري

الزيارات: 64824

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

﴿ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾


الْحَمْدُ لِلَّهِ الرَّبِّ الْكَرِيمِ، الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ؛ جَادَ عَلَى خَلْقِهِ بِالدِّينِ الْقَوِيمِ، وَأَرْسَلَ إِلَيْهِمُ النَّبِيَّ الْأَمِينَ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِمُ الْكِتَابَ الْمُبِينَ، فَهَدَاهُمْ بِهِ مِنَ الضَّلَالِ إِلَى الْهُدَى، وَمِنَ الشِّرْكِ إِلَى التَّوْحِيدِ، وَمِنَ الْجَهْلِ إِلَى الْعِلْمِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ وَعَدَ الْمُؤْمِنِينَ بِالْجَزَاءِ الْعَظِيمِ، وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ، وَالْفَوْزِ الْكَبِيرِ، وَأَوْعَدَ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ بِالْعَذَابِ الْأَلِيمِ، وَالْخُلُودِ فِي الْجَحِيمِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ نَصَحَ لِأُمَّتِهِ أَعْظَمَ النُّصْحِ، وَقَالَ: «إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُ النَّاسِ كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَارًا، فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ جَعَلَ الْفَرَاشُ وَهَذِهِ الدَّوَابُّ الَّتِي تَقَعُ فِي النَّارِ يَقَعْنَ فِيهَا، فَجَعَلَ يَنْزِعُهُنَّ وَيَغْلِبْنَهُ فَيَقْتَحِمْنَ فِيهَا، فَأَنَا آخُذُ بِحُجَزِكُمْ عَنِ النَّارِ، وَهُمْ يَقْتَحِمُونَ فِيهَا» صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَأَقِيمُوا لَهُ دِينَكُمْ، وَأَسْلِمُوا لَهُ وُجُوهَكُمْ، تَسْعَدُوا فِي دُنْيَاكُمْ وَأُخْرَاكُمْ ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرَّعْدِ: 28].

 

أَيُّهَا النَّاسُ: مَلَذَّاتُ الدُّنْيَا كَثِيرَةٌ، وَزَخَارِفُهَا عَدِيدَةٌ، وَشَهَوَاتُهَا مُثِيرَةٌ، وَمِنْهَا الْمُبَاحُ وَمِنْهَا الْمُحَرَّمُ. وَيَطِيبُ بِهَا عَيْشُ النَّاسِ، وَيَوَدُّونَ الْخُلْدَ فِيهَا، وَيَفِرُّونَ مِنَ الْمَوْتِ طَلَبًا لِمَلَذَّاتِهَا، وَلَنْ يَبْقَى فِيهَا بَشَرٌ. وَلَكِنَّ هَذِهِ الْمَلَذَّاتِ وَالزَّخَارِفَ وَالشَّهَوَاتِ الدُّنْيَوِيَّةَ الَّتِي فُتِنَ النَّاسُ بِهَا يَكْتَنِفُهَا خَوْفٌ وَحَزَنٌ يُكَدِّرَانِ عَيْشَهَا، فَالْخَوْفُ يَكُونُ عَلَى فَقْدِ شَيْءٍ مِنْهَا، أَوْ مُصَابٍ مُنْتَظَرٍ يُنَغِّصُ الْعَيْشَ فِيهَا. وَالْحَزَنُ يَكُونُ عَلَى مَا فَاتَ مِنْهَا، أَوْ عَلَى مُصِيبَةٍ نَكَأَتْ فِي الْقَلْبِ جُرْحَهَا.

 

وَلَمَّا كَانَ نَعِيمُ الْجَنَّةِ لَا يُكَدِّرُهُ خَوْفٌ وَلَا حَزَنٌ نَفَاهُمَا اللَّهُ تَعَالَى عَنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَلَا خَوْفٌ مِنْ مُسْتَقْبَلٍ مَجْهُولٍ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَقْبَلَ فِي الْجَنَّةِ مَعْلُومٌ، وَهُوَ خُلْدٌ فِي النَّعِيمِ وَالْحُبُورِ، وَلَا حَزَنٌ عَلَى فَوَاتِ شَيْءٍ؛ لِأَنَّ مَنْ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَازَ وَلَمْ يَفُتْهُ شَيْءٌ، وَلَا عَلَى مُصِيبَةٍ نَكَأَتْ فِي الْقَلْبِ؛ لِأَنَّ الْجَنَّةَ لَيْسَ فِيهَا مَصَائِبُ؛ وَلِأَنَّ الْقُلُوبَ قَدْ طُهِّرَتْ مِنْ جُرُوحِ الدُّنْيَا وَمَصَائِبِهَا وَأَكْدَارِهَا. وَأَبْأَسُ أَهْلِ الدُّنْيَا حِينَ يُصْبَغُ فِي الْجَنَّةِ صَبْغَةً وَاحِدَةً يَنْسَى كُلَّ بُؤْسٍ مَرَّ بِهِ فَيَقُولُ: «مَا مَرَّ بِي بُؤْسٌ قَطُّ، وَلَا رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ» كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ.

 

وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَلَا عَجَبَ أَنْ نَجِدَ فِي آيَاتِ التَّرْغِيبِ فِي الْقُرْآنِ نَفْيَ الْخَوْفِ وَالْحَزَنِ عَنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَبِنَفْيِهِمَا يُنْفَى عَنْهُمَا كُلُّ شَيْءٍ يُكَدِّرُ عَلَى الْعَبْدِ طِيبَ عَيْشِهِ، وَصَفْوَ نَعِيمِهِ فِي الْجَنَّةِ.

 

وَقَدْ تَكَرَّرَ نَفْيُ الْخَوْفِ وَالْحَزَنِ عَنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِي الْقُرْآنِ كَثِيرًا، وَجَاءَ فِي سِيَاقَاتٍ عِدَّةٍ:

فَجَاءَ نَفْيُ الْخَوْفِ وَالْحَزَنِ فِي ذِكْرِ الِاهْتِدَاءِ بِهُدَى اللَّهِ تَعَالَى، وَالْإِسْلَامِ لَهُ سُبْحَانَهُ، وَتَبْشِيرِ أَهْلِهِ بِالْأَجْرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 38]، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 112].

 

وَقَدْ يُعَبَّرُ عَنْ ذَلِكَ بِالْإِيمَانِ أَوْ بِالتَّقْوَى أَوْ بِالصَّلَاحِ أَوْ بِالِاسْتِقَامَةِ، وَكُلُّهَا تَعْنِي الِالْتِزَامَ بِدِينِ اللَّهِ تَعَالَى ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَمُوَاطَأَةَ الْقَلْبِ اللِّسَانَ فِي الْتِزَامِ الْإِيمَانِ، وَإِتْبَاعَ الْقَوْلِ الْعَمَلَ؛ فَإِنَّ الْإِيمَانَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ، وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ مِنَ الْإِيمَانِ ﴿ وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [الْأَنْعَامِ: 48]، ﴿ يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [الْأَعْرَافِ: 35]، ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الْأَحْقَافِ: 13- 14].

 

وَجَاءَ نَفْيُ الْخَوْفِ وَالْحَزَنِ فِي سِيَاقِ مَدْحِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ تَعَالَى وَالْإِيمَانِ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 62]؛ وَذَلِكَ أَنَّ لِلْإِيمَانِ مُبْتَدَأً وَمُنْتَهًى، فَمُبْتَدَؤُهُ وَأَصْلُهُ الرَّكِينُ الْإِيمَانُ بِاللَّهِ تَعَالَى، وَتَحْتَهُ تَنْدَرِجُ أَرْكَانُ الْإِيمَانِ الْأُخْرَى، وَهِيَ الْإِيمَانُ بِالْمَلَائِكَةِ وَالنَّبِيِّينَ وَالْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ وَبِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ. وَمُنْتَهَى الْإِيمَانِ: الْإِيمَانُ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ؛ لِأَنَّهُ مَوْعِدُ الْجَزَاءِ، وَمَوْضِعُ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ، وَالْخُلُودِ الدَّائِمِ فِي النَّعِيمِ أَوْ فِي الْعَذَابِ. قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: «الْأُصُولُ الثَّلَاثَةُ الَّتِي اتَّفَقَ عَلَيْهَا جَمِيعُ الْمِلَلِ، وَجَاءَتْ بِهَا جَمِيعُ الرُّسُلِ؛ هِيَ الْإِيمَانُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ».

 

وَفِي آيَةٍ أُخْرَى ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى مَعَ الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ إِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ؛ لِأَهَمِّيَّتِهِمَا، فَهُمَا رُكْنَانِ مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ، وَالصَّلَاةُ تَزْكِيَةٌ لِلنَّفْسِ، وَصَلَاحٌ لِلْقَلْبِ، وَالزَّكَاةُ تَزْكِيَةٌ لِلْمَالِ، وَوِقَايَةٌ مِنَ الشُّحِّ: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 277].

 

وَجَاءَ نَفْيُ الْخَوْفِ وَالْحَزَنِ فِي سِيَاقِ الْإِنْفَاقِ فِي سُبُلِ الْخَيْرِ، وَصِيَانَةِ الْمُنْفِقِ نَفْسَهُ عَنِ الْمَنِّ وَالْأَذَى، وَهَذَا مِنْ ذِكْرِ الْخَاصِّ بَعْدَ الْعَامِّ، وَإِلَّا فَإِنَّ الْإِنْفَاقَ فِي سُبُلِ الْخَيْرِ مِنْ أَجْزَاءِ الْإِيمَانِ وَدَلَائِلِهِ، وَلَكِنْ نُصَّ عَلَيْهِ لِأَهَمِّيَّتِهِ وَلِوِقَايَةِ قُرَّاءِ الْقُرْآنِ مِنَ الشُّحِّ وَالْبُخْلِ وَالْإِمْسَاكِ، وَتَحْرِيضِهِمْ عَلَى تَسْلِيطِ الْمَالِ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ، فَذَلِكَ مِنَ الْغِبْطَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْحَدِيثِ النَّبَوِيِّ؛ لِفَلَاحِ الْمُنْفِقِ فِي الْعَاجِلِ وَالْآجِلِ: ﴿ وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [التَّغَابُنِ: 16]، فَلَا عَجَبَ أَنْ يَعِدَ اللَّهُ تَعَالَى الْمُنْفِقِينَ فِي سُبُلِ الْخَيْرِ بِنَفْيِ الْخَوْفِ وَالْحَزَنِ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ فَهُمْ فِي ظِلِّ صَدَقَاتِهِمْ: ﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 262].

 

وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُرِيدُ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ التَّحَلِّيَ بِالْكَرَمِ وَالسَّخَاءِ وَنَدَاوَةِ الْيَدِ فَإِنَّهُ حَرَّضَهُمْ سُبْحَانَهُ عَلَى الْإِنْفَاقِ سِرًّا وَجَهْرًا، وَوَعَدَهُمْ بِالْأَجْرِ الْعَظِيمِ، وَنَفَى عَنِ الْمُنْفِقِينَ الْخَوْفَ وَالْحَزَنَ؛ وَذَلِكَ لِئَلَّا يَخَافَ الْعَبْدُ ذَهَابَ مَالِهِ بِإِنْفَاقِهِ فِي سُبُلِ الْخَيْرِ، وَافْتِقَارِهِ بَعْدَ غِنَاهُ، فَمَا أَنْفَقَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى هُوَ الَّذِي يَبْقَى لَهُ. وَالْأَصْلُ إِخْفَاءُ النَّفَقَةِ؛ لِئَلَّا يُدَاخِلَهَا الرِّيَاءُ وَالسُّمْعَةُ؛ وَلِئَلَّا يَقَعَ بِهَا أَذًى وَمِنَّةٌ؛ وَلِذَا جَاءَ فِي وَصْفِ الْمُنْفِقِ الَّذِي يُظِلُّهُ اللَّهُ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَّهُ: «تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ»، وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّ مَنْ كَانَ سَخِيَّ النَّفْسِ، نَدِيَّ الْيَدِ، وَكَانَ الْإِنْفَاقُ دَيْدَنَهُ؛ فَإِنَّهُ -وَلَا بُدَّ- أَنْ يُنْفِقَ فِي السِّرِّ وَالْعَلَنِ؛ إِذْ تَمُرُّ بِهِ مَوَاقِفُ تَحْتَاجُ إِلَى إِنْفَاقٍ عَاجِلٍ، وَيَعْجِزُ فِيهَا عَنْ إِخْفَاءِ نَفَقَتِهِ، وَمَنْ كَانَ هَذَا شَأْنَهُ فَمَنْفِيٌّ عَنْهُ الْخَوْفُ وَالْحَزَنُ ﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 274].

 

بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ...

 

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوهُ، وَاعْمَلُوا صَالِحًا تَجِدُوهُ ﴿ وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا ﴾ [النِّسَاءِ: 124].

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: جَاءَ نَفْيُ الْخَوْفِ وَالْحَزَنِ فِي آيَاتِ الذِّكْرِ الْحَكِيمِ فِي سِيَاقِ ذِكْرِ الشُّهَدَاءِ الَّذِينَ بَذَلُوا أَرْوَاحَهُمْ فِدَاءً لِدِينِهِمْ ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 169- 170].

 

وَجَاءَ نَفْيُ الْخَوْفِ وَالْحَزَنِ فِي سِيَاقِ ذِكْرِ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمِ ﴾ [يُونُسَ: 62 - 64].

 

وَبِهَذَا نَعْلَمُ أَنَّ الْعَبْدَ إِذَا حَقَّقَ الْإِيمَانَ وَالْعَمَلَ الصَّالِحَ فَازَ فِي الْآخِرَةِ بِزَوَالِ الْخَوْفِ وَالْحَزَنِ عَنْهُ. وَلَكَ أَنْ تَتَخَيَّلَ -أَيُّهَا الْمُؤْمِنُ- حَيَاةً أَبَدِيَّةً تَخْلُو مِنْ أَيِّ خَوْفٍ وَأَيِّ حَزَنٍ، فَتِلْكَ هِيَ حَيَاةُ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْآخِرَةِ. وَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَعْرِفَ مَعْنَى ذَلِكَ فَانْظُرْ إِلَى كُلِّ الْمُنَغِّصَاتِ عَلَى النَّاسِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، سَتَجِدُ أَنَّهَا لَا تَخْرُجُ عَنْ حَزَنٍ عَلَى شَيْءٍ فَائِتٍ، أَوْ خَوْفٍ مِمَّا هُوَ مُتَوَقَّعٌ وَقَادِمٌ، وَذَلِكَ لَيْسَ فِي الْآخِرَةِ أَبَدًا.

 

وَمَنْ حَقَّقَ الْإِيمَانَ فِي الدُّنْيَا، وَأَتْبَعَ الْقَوْلَ الْعَمَلَ أَمِنَ فِي الْآخِرَةِ مِنْ كُلِّ خَوْفٍ وَمِنْ كُلِّ حَزَنٍ ﴿ لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾ [الْأَنْبِيَاءِ: 103]، ﴿ وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [الزُّمَرِ: 61]، وَيُقَالُ لَهُمْ: ﴿ يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ ﴾ [الزُّخْرُفِ: 68]، وَيُقَالُ لَهُمْ: ﴿ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ ﴾ [الْأَعْرَافِ: 49].

 

فَالْعَمَلَ الْعَمَلَ -عِبَادَ اللَّهِ- لِدَارٍ لَا خَوْفَ فِيهَا وَلَا حَزَنَ، بَلْ أَمْنٌ دَائِمٌ، وَسُرُورٌ مُتَجَدِّدٌ، وَنَعِيمٌ أَهْلُهُ فِيهِ مُتَقَلِّبُونَ، وَنِعَمٌ هُمْ بِهَا فَاكِهُونَ. وَلْنَأْخُذْ عِبْرَةً مِنْ حَرِّ الدُّنْيَا؛ إِذْ يُصِيبُ النَّاسَ حَزَنٌ بِسَبَبِهِ، وَالْمُوسِرُونَ يَفِرُّونَ أَوَّلَ الصَّيْفِ إِلَى بِلَادٍ بَارِدَةٍ خَوْفًا مِنْهُ، وَالْفِرَارُ إِلَى اللَّهِ خَيْرُ فِرَارٍ، ﴿ فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ ﴾ [الذَّارِيَاتِ: 50].

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تفسير: (قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون)
  • تدبر آية: (فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون)
  • تفسير قول الله تعالى: (وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين فمن آمن وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون)
  • تفسير: (يا بني آدم إما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون)
  • تفسير: (ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون)

مختارات من الشبكة

  • أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون في الدارين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وصية الله لآدم وذريته وقوله تعالى: (فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون)(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • هل اليهود والنصارى لا خوف عليهم ؟(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • تفسير سورة قريش وقوله تعالى (الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف)(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • في الاستعاذة بالله من الشيطان خوف أن يتخبط المسلم عند الموت(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خوف من خطيبي السلفي(استشارة - الاستشارات)
  • خوف زائد من الرياء(استشارة - الاستشارات)
  • خطبة: {وآمنهم من خوف}(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خوف وتردد بعد عقد القران(استشارة - الاستشارات)
  • وقفات تأملية مع قوله تعالى: الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • للسنة الخامسة على التوالي برنامج تعليمي نسائي يعزز الإيمان والتعلم في سراييفو
  • ندوة إسلامية للشباب تبرز القيم النبوية التربوية في مدينة زغرب
  • برنامج شبابي في توزلا يجمع بين الإيمان والمعرفة والتطوير الذاتي
  • ندوة نسائية وأخرى طلابية في القرم تناقشان التربية والقيم الإسلامية
  • مركز إسلامي وتعليمي جديد في مدينة فولجسكي الروسية
  • ختام دورة قرآنية ناجحة في توزلا بمشاركة واسعة من الطلاب المسلمين
  • يوم مفتوح للمسجد للتعرف على الإسلام غرب ماريلاند
  • ندوة مهنية تبحث دمج الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة في التعليم الإسلامي

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/5/1447هـ - الساعة: 10:8
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب