• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    لن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها
    بدر شاشا
  •  
    مناقشة بعض أفكار الإيمان والإلحاد (WORD)
    الشيخ سعيد بن محمد الغامدي
  •  
    مجلس ختم صحيح البخاري بدار العلوم لندن: فوائد ...
    محفوظ أحمد السلهتي
  •  
    وفاء النبي صلى الله عليه وسلم بالعهود (خطبة)
    السيد مراد سلامة
  •  
    الإمامة في الدين نوال لعهد الله وميراث الأنبياء ...
    د. عبدالله بن يوسف الأحمد
  •  
    الاستمرارية: فريضة القلب في زمن التقلب
    أحمد الديب
  •  
    هشام بن حسان ومروياته عن الحسن المرفوعة: جمعا ...
    حصة بنت صالح بن إبراهيم التويجري
  •  
    دعاء الشفاء ودعاء الضائع
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    لنصلح أنفسنا ولندع التلاوم (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    تخريج حديث: رقيت يوما على بيت حفصة، فرأيت النبي ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    أسماء العقل ومشتقاته في القرآن
    محمد ونيس
  •  
    كيف نكتسب الأخلاق الفاضلة
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: المؤمن
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    وقفات تربوية مع سورة التكاثر
    رمضان صالح العجرمي
  •  
    {وما كان لنبي أن يغل}
    د. خالد النجار
  •  
    خطبة: {أفمن زين له سوء عمله...}
    د. محمد بن عبدالله بن إبراهيم السحيم
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / الحديث وعلومه
علامة باركود

إنا لله وإنا إليه راجعون (2)

إنا لله وإنا إليه راجعون (2)
الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 3/10/2018 ميلادي - 23/1/1440 هجري

الزيارات: 216437

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

إنا لله وإنا إليه راجعون (2)


الْحَمْدُ لِلَّهِ الْخَلَّاقِ الْعَلِيمِ؛ خَلَقَ عِبَادَهُ مِنَ الْعَدَمِ، وَرَبَّاهُمْ بِالنِّعَمِ، وَابْتَلَاهُمْ بِالسَّرَّاءِ لِيَشْكُرُوا، وَبِالضَّرَّاءِ لِيَصْبِرُوا، فَهَنِيئًا لِمَنْ كَانَ شَكُورًا صَبُورًا، وَوَيْلٌ لِمَنْ كَانَ كَفُورًا جَزُوعًا، نَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ، وَنُثْنِي عَلَيْهِ الْخَيْرَ كُلَّهُ، وَنَشْكُرُهُ وَلَا نَكْفُرُهُ، وَنَخْلَعُ وَنَتْرُكُ مَنْ يَفْجُرُهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ لَا يَقْضِي عَلَى مُؤْمِنٍ قَضَاءً إِلَّا كَانَ خَيْرًا لَهُ؛ فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَعَلَيْهِ السَّخَطُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ أُصِيبَ بِأَذَى الْمُشْرِكِينَ فَاحْتَمَلَ أَذَاهُمْ، وَأُصِيبَ بِشَظَفِ الْعَيْشِ وَقِلَّةِ ذَاتِ الْيَدِ فَرَضِيَ بِعَيْشِهِ، وَأُصِيبَ فِي وَلَدِهِ كُلِّهِمْ فَمَاتُوا فِي حَيَاتِهِ، وَدَفَنَهُمْ بِيَدَيْهِ الشَّرِيفَتَيْنِ إِلَّا فَاطِمَةَ نُعِيَتْ إِلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ فَصَبَرَ وَاحْتَسَبَ وَاسْتَرْجَعَ، فَكَانَ قُدْوَةً فِي الصَّبْرِ لِلْمَفْجُوعِينَ الْمَوْجُوعِينَ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ:

فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَأَسْلِمُوا لَهُ وُجُوهَكُمْ، وَأَقِيمُوا لَهُ دِينَكُمْ، وَاسْتَسْلِمُوا لِشَرْعِهِ، وَارْضَوْا بِقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ؛ فَإِنَّهُ «لَا يُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتَّى يُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ، حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ، وَأَنَّ مَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ»، ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ﴾ [التَّغَابُنِ: 11].

 

أَيُّهَا النَّاسُ:

فِي الِاسْتِرْجَاعِ فِي الْمُصِيبَةِ رَبْطٌ عَلَى الْقُلُوبِ؛ لِئَلَّا تَمِيدَ إِلَى الِاعْتِرَاضِ وَالْجُحُودِ، وَتَذْكِيرٌ لِلنُّفُوسِ بِأَنَّ الْمَرْجِعَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فَتَهُونُ الْمُصِيبَةُ وَلَوْ كَانَتْ عَظِيمَةً؛ لِعِلْمِ الْمُؤْمِنِ الْمُسْتَرْجِعِ أَنَّ الْجَزَاءَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى عَظِيمٌ، وَأَنَّ مَا يَنْتَظِرُهُ مِنْ ثَوَابٍ أَعْظَمُ مِمَّا فَقَدَ فِي مُصِيبَتِهِ.

 

وَكُلُّ مُصِيبَةٍ كَبُرَتْ أَمْ صَغُرَتْ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ فِي الدِّينِ أَمْ كَانَتْ فِي الدُّنْيَا؛ فَإِنَّهُ يُشْرَعُ لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَسْتَرْجِعَ فِيهَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَلَّمَنَا ذَلِكَ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: ﴿ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 155- 156].

 

وَالْمُصِيبَةُ فِي الدِّينِ هِيَ أَعْظَمُ الْمَصَائِبِ وَأَشَدُّهَا ضَرَرًا عَلَى الْعَبْدِ، وَجَاءَ فِي الدُّعَاءِ الْمَأْثُورِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَلَا تَجْعَلْ مُصِيبَتَنَا فِي دِينِنَا»، وَتَكُونُ الْمُصِيبَةُ فِي الدِّينِ عَامَّةً وَخَاصَّةً، وَمِنَ الْعَامَّةِ: شُيُوعُ الْكُفْرِ وَالْبِدْعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ، وَتَكْذِيبُ الْمُكَذِّبِينَ، وَعُلُوُّ الْكَافِرِينَ، وَاعْتِزَازُ الْمُنَافِقِينَ؛ وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ مَصَائِبِ الدِّينِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ فِي إِضْلَالِ النَّاسِ، كَمَا أَنَّ فِيهِ اسْتِجْلَابًا لِلْعَذَابِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَدْفَعُ الْعَذَابَ عَنِ النَّاسِ بِإِيمَانِ الْمُؤْمِنِينَ وَعِبَادَتِهِمْ وَصَلَاحِهِمْ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: «لَمَّا أُخْرِجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَخْرَجُوا نَبِيَّهُمْ، إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، لَيُهْلَكُنَّ...» رَوَاهُ أَحْمَدُ.

 

وَمِنْ مَصَائِبِ الدِّينِ:

مَوْتُ الْعُلَمَاءِ الرَّبَّانِيِّينَ؛ لِأَنَّ مَوْتَهُمْ نَقْصٌ فِي النَّاسِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا ﴾ [الرَّعْدِ: 41]، قَالَ: «مَوْتُ عُلَمَائِهَا وَفُقَهَائِهَا، وَذَهَابُ خِيَارِ أَهْلِهَا». وَلَمَّا مَاتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «جَاءَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَنَظَرَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَلَمَّا مَاتَ الْإِمَامُ عَامِرٌ الشَّعْبِيُّ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: «إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، إِنْ كَانَ لَقَدِيمَ السِّنِّ، كَثِيرَ الْعِلْمِ، وَإِنَّهُ لَمِنَ الْإِسْلَامِ بِمَكَانٍ».

 

وَمِنْ هَذَا الْبَابِ: اسْتِرْجَاعُ الْعَالِمِ بِسَبَبِ حَاجَةِ النَّاسِ إِلَيْهِ فِي الْعِلْمِ وَالْفَتْوَى؛ تَوَاضُعًا مِنْهُ، وَاسْتِدْلَالًا بِهِ عَلَى مَوْتِ مَنْ هُمْ أَكْبَرُ مِنْهُ فِي الْعِلْمِ وَالْفَضْلِ، كَمَا فَعَلَ الْإِمَامُ الثَّوْرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، فَقَدْ رَوَى خَلَفُ بْنُ تَمِيمٍ قَالَ: «رَأَيْتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ بِمَكَّةَ وَقَدْ أَكْثَرَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ فَقَالَ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، أَخَافُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ ضَيَّعَ هَذِهِ الْأُمَّةَ حَيْثُ احْتِيجَ إِلَى مِثْلِي».

 

وَكَذَلِكَ الِاسْتِرْجَاعُ عِنْدَ مُخَالَفَةِ السُّنَّةِ؛ لِأَنَّ مُخَالَفَتَهَا سَبَبٌ فِي إِمَاتَتِهَا، وَبِمَوْتِ السُّنَنِ تَظْهَرُ الْبِدَعُ، وَيَفْشُو الْجَهْلُ، وَيُعْبَدُ اللَّهُ تَعَالَى بِغَيْرِ مَا شَرَعَ سُبْحَانَهُ، وَمِنْ ذَلِكَ اسْتِرْجَاعُ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا رَآهُمْ تَأَوَّلُوا فَأَتَمُّوا الصَّلَاةَ فِي مِنًى مُخَالِفِينَ بِذَلِكَ سُنَّةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

 

وَكَذَلِكَ الِاسْتِرْجَاعُ عِنْدَ رُؤْيَةِ مَنْ يَسْأَلُ النَّاسَ بِالْقُرْآنِ؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ تُطْلَبُ بِهِ الْآخِرَةُ، وَلَا تُطْلَبُ الدُّنْيَا بِهِ، وَجَاءَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ: «مَرَّ بِرَجُلٍ وَهُوَ يَقْرَأُ عَلَى قَوْمٍ، فَلَمَّا فَرَغَ سَأَلَ، فَقَالَ عِمْرَانُ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَلْيَسْأَلِ اللَّهَ بِهِ، فَإِنَّهُ سَيَجِيءُ قَوْمٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ بِهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ.

 

وَمِنْهُ أَيْضًا: الِاسْتِرْجَاعُ فِي الْمَوْعِظَةِ حِينَ يَذْكُرُ الْوَاعِظُ جُمْلَةً مِمَّا وَقَعَ فِيهِ النَّاسُ مِنَ الْمُخَالَفَاتِ فَيَخْتِمُهَا بِالِاسْتِرْجَاعِ لِبَيَانِ أَنَّهُمْ فِي مُصِيبَةٍ عَظِيمَةٍ، وَقَدْ وَعَظَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى النَّاسَ مَوْعِظَةً بَلِيغَةً خَتَمَهَا بِقَوْلِهِ: «فَبِاللَّهِ تَغْتَرُّونَ، وَعَلَيْهِ تَجْتَرِئُونَ، وَلِأَنْفُسِكُمْ تَخْدَعُونَ، وَلِلَّهِ لَا تُرَاقِبُونَ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ».

 

وَمِنْ مَصَائِبِ الدِّينِ مَا يَكُونُ خَاصًّا بِالْعَبْدِ، فَمَنْ أُصِيبَ فِي شَيْءٍ مِنْ دِينِهِ بِتَفْرِيطِهِ فِي طَاعَةٍ، أَوْ وُقُوعِهِ فِي مَعْصِيَةٍ، أَوْ فَوَاتِ خَيْرٍ يَطْلُبُهُ؛ اسْتَرْجَعَ لِمُصِيبَتِهِ فِيهِ، قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: «إِذَا فَاتَتْكَ صَلَاةٌ فِي جَمَاعَةٍ فَاسْتَرْجِعْ؛ فَإِنَّهَا مُصِيبَةٌ»، وَعَنْ سَوَادِ بْنِ دَاوُدَ: «أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ جَاءَ وَقَدْ فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ فِي الْجَمَاعَةِ فَاسْتَرْجَعَ حَتَّى سُمِعَ صَوْتُهُ خَارِجًا مِنَ الْمَسْجِدِ».

 

وَكَذَلِكَ مَصَائِبُ الدُّنْيَا يُسْتَرْجَعُ فِيهَا سَوَاءٌ كَانَتْ عَامَّةً؛ كَغَرَقٍ أَوْ هَدْمٍ أَوْ وَبَاءٍ أَوْ غَلَاءٍ أَوَ غَيْرِ ذَلِكَ، أَوْ كَانَتْ خَاصَّةً كَفَقْدِ حَبِيبٍ، أَوْ تَلَفِ مَالٍ، أَوْ خَسَارَةِ تِجَارَةٍ، أَوَ غَيْرِ ذَلِكَ، فَحَرِيٌّ بِمَنْ صَبَرَ وَاسْتَسْلَمَ لِقَدَرِ اللَّهِ تَعَالَى وَبَادَرَ بِالِاسْتِرْجَاعِ أَنْ يُعَوِّضَهُ اللَّهُ تَعَالَى خَيْرًا مِمَّا فَقَدَ؛ كَمَا فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ، فَيَقُولُ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ: ﴿ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 156]، اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي، وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا، إِلَّا أَخْلَفَ اللَّهُ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا، قَالَتْ: فَلَمَّا مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ، قُلْتُ: أَيُّ الْمُسْلِمِينَ خَيْرٌ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ؟ أَوَّلُ بَيْتٍ هَاجَرَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ إِنِّي قُلْتُهَا، فَأَخْلَفَ اللَّهُ لِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ...» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

 

وَفِي الِاسْتِرْجَاعِ فِي فَقْدِ الْوَلَدِ حَدِيثُ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا مَاتَ وَلَدُ الْعَبْدِ قَالَ اللَّهُ لِمَلَائِكَتِهِ: قَبَضْتُمْ وَلَدَ عَبْدِي، فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيَقُولُ: قَبَضْتُمْ ثَمَرَةَ فُؤَادِهِ، فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيَقُولُ: مَاذَا قَالَ عَبْدِي؟ فَيَقُولُونَ: حَمِدَكَ وَاسْتَرْجَعَ، فَيَقُولُ اللَّهُ: ابْنُوا لِعَبْدِي بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ، وَسَمُّوهُ بَيْتَ الْحَمْدِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ.

 

وَمَهْمَا اسْتَصْغَرَ الْعَبْدُ مُصِيبَتَهُ فَإِنَّ اسْتِرْجَاعَهُ فِيهَا خَيْرٌ لَهُ؛ إِذْ يَمْتَثِلُ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى، وَيَذْكُرُهُ بِالِاسْتِرْجَاعِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَلِيفَةَ قَالَ: «كُنْتُ مَعَ عُمَرَ فِي جِنَازَةٍ فَانْقَطَعَ شِسْعُهُ فَاسْتَرْجَعَ ثُمَّ قَالَ: كُلُّ مَا سَاءَكَ مُصِيبَةٌ»، وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: «انْقَطَعَ قُبَالُ نَعْلِ عُمَرَ فَقَالَ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَفِي قُبَالِ نَعْلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، كُلُّ شَيْءٍ أَصَابَ الْمُؤْمِنَ يَكْرَهُهُ، فَهُوَ مُصِيبَةٌ».

 

نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُعَلِّمَنَا مَا يَنْفَعُنَا، وَأَنْ يَرْزُقَنَا الْعَمَلَ بِمَا عَلَّمَنَا، وَأَنْ يَجْعَلَنَا مِنْ عِبَادِهِ الصَّالِحِينَ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...

 

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ:

فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوهُ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ، عَلِيمٌ بِمَا يُصْلِحُهُمْ، وَهُوَ سُبْحَانُهُ أَرْحَمُ بِهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، فَلَا يُصِيبُهُمْ إِلَّا بِمَا فِيهِ نَفْعٌ لَهُمْ، فَكَانَ الِاسْتِرْجَاعُ تَخْفِيفًا لِأَلَمِ الْمُصَابِ، وَتَرْسِيخًا لِلْإِيمَانِ، وَتَذْكِيرًا بِالْمَصِيرِ وَالْمَعَادِ ﴿ إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى ﴾ [الْعَلَقِ: 8].

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:

تَعْوِيدُ اللِّسَانِ عَلَى الِاسْتِرْجَاعِ فِي كُلِّ مَا يُصِيبُ الْإِنْسَانَ مِمَّا يُضَايِقُهُ وَيُزْعِجُهُ وَلَوْ كَانَ صَغِيرًا خَيْرٌ مِنَ التَّأَفُّفِ وَاللَّوْمِ وَالْعِتَابِ، فَضْلًا عَنِ الْغَضَبِ وَالْخِصَامِ وَالشِّجَارِ؛ فَإِنَّ الْغَضَبَ يَفْتِكُ بِالْأَعْصَابِ، وَيُنْهِكُ الْأَجْسَادَ، وَيُفَرِّقُ الْأَزْوَاجَ، وَيَقْلِبُ الْبَيْتَ إِلَى جَحِيمٍ لَا يُطَاقُ. وَكَثِيرًا مَا يَرَى الرَّجُلُ مِنْ زَوْجِهِ وَوَلَدِهِ مَا يُزْعِجُهُ فَلَوْ أَنَّهُ رَكَنَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَأَكْثَرَ مِنَ الِاسْتِرْجَاعِ فِي كُلِّ مَوْقِفٍ لَا يُحِبُّهُ؛ لَوَجَدَ مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ خَيْرًا كَثِيرًا فِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ وَآخِرَتِهِ؛ وَلَعَادَ ذَلِكَ عَلَى أَهْلِهِ وَوَلَدِهِ بِالصَّلَاحِ وَالرَّشَادِ.

 

وَقَدْ فَسَّرَ الْإِمَامُ الزَّاهِدُ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الِاسْتِرْجَاعَ تَفْسِيرًا بَدِيعًا يَحْسُنُ بِالْمُؤْمِنِ أَنْ يَقِفَ عَلَيْهِ. قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِرَجُلٍ: «كَمْ أَتَتْ عَلَيْكَ، قَالَ: سِتُّونَ سَنَةً، قَالَ: فَأَنْتَ مُنْذُ سِتِّينَ سَنَةً تَسِيرُ إِلَى رَبِّكَ تُوشِكُ أَنْ تَبْلُغَ، فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا أَبَا عَلِيٍّ، إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، قَالَ لَهُ الْفُضَيْلُ: تَعْلَمُ مَا تَقُولُ، قَالَ الرَّجُلُ: قُلْتُ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. قَالَ الْفُضَيْلُ: تَعْلَمُ مَا تَفْسِيرُهُ؟ قَالَ الرَّجُلُ: فَسِّرْهُ لَنَا يَا أَبَا عَلِيٍّ، قَالَ: قَوْلُكَ: إِنَّا لِلَّهُ، تَقُولُ: أَنَا لِلَّهِ عَبْدٌ، وَأَنَا إِلَى اللَّهِ رَاجِعٌ، فَمَنْ عَلِمَ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ رَاجِعٌ، فَلْيَعْلَمْ بِأَنَّهُ مَوْقُوفٌ، وَمَنْ عَلِمَ بِأَنَّهُ مَوْقُوفٌ، فَلْيَعْلَمْ بِأَنَّهُ مَسْؤولٌ، وَمَنْ عَلِمَ أَنَّهُ مَسْؤولٌ، فَلْيُعِدَّ لِلسُّؤَالِ جَوَابًا، فَقَالَ الرَّجُلُ: فَمَا الْحِيلَةُ؟ قَالَ: يَسِيرَةٌ، قَالَ: مَا هِيَ؟ قَالَ: تُحْسِنُ فِيمَا بَقِيَ يُغْفَرُ لَكَ مَا مَضَى وَمَا بَقِيَ، فَإِنَّكَ إِنْ أَسَأْتَ فِيمَا بَقِيَ أُخِذْتَ بِمَا مَضَى وَمَا بَقِيَ».

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • إنا لله وإنا إليه راجعون (1)

مختارات من الشبكة

  • تفسير قوله تعالى: {الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون}(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • إنا لله وإنا إليه راجعون!(مقالة - آفاق الشريعة)
  • إنا لله وإنا إليه راجعون ملاذ ذوي المصائب(مقالة - موقع الدكتور أحمد إبراهيم خضر)
  • تفسير: (وبرزوا لله جميعا فقال الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • إنا لله(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أنا متـرجم إذا أنا مبدع!(مقالة - حضارة الكلمة)
  • حديث: إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
  • حتى يقول المصطفى: أنا لها أنا لها(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حديث: إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم(مقالة - موقع الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسلمون يقيمون ندوة مجتمعية عن الصحة النفسية في كانبرا
  • أول مؤتمر دعوي من نوعه في ليستر بمشاركة أكثر من 100 مؤسسة إسلامية
  • بدأ تطوير مسجد الكاف كامبونج ملايو في سنغافورة
  • أهالي قرية شمبولات يحتفلون بافتتاح أول مسجد بعد أعوام من الانتظار
  • دورات إسلامية وصحية متكاملة للأطفال بمدينة دروججانوفسكي
  • برينجافور تحتفل بالذكرى الـ 19 لافتتاح مسجدها التاريخي
  • أكثر من 70 متسابقا يشاركون في المسابقة القرآنية الثامنة في أزناكاييفو
  • إعادة افتتاح مسجد تاريخي في أغدام بأذربيجان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 8/2/1447هـ - الساعة: 11:41
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب