لا أرتاح لوالدة خطيبتي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

نشكركم على تواصلكم معنا، وثقتكم في شبكة الألوكة.

حسبما فهمتُ مِن عرضك لمشكلتك أنك تَتَحَسَّس مِن موضوع زواج المرأة المُتَوَفَّى عنها زوجُها، لكنك لم تُوضِّحْ لنا الأسباب التي تجعلك تَكرَهُ هذا الأمر؛ هل هي أسباب نفسية؟ أو فكرية؟ وما علاقة هذا بابنتها التي أصبحتْ خطيبتك وزوجتك مستقبلًا؟!

عمومًا دعني أضع لك بعض الافتراضات ثم نُناقشها معًا، ونتعرَّف على مدى صحتها مِن عدمه:

الافتراض الأول: أنك تُعاني مِن صدمة نفسية!

حيث - ربما - مَرَّ عليك نموذج امرأة تُوُفِّي عنها زوجها، ثم تَزَوَّجَتْ بعده، وحصلتْ سلبيات متعلِّقة بأسرتها وتربيتها لأولادها نتيجة هذا الزواج، فقمتَ باستحضار صورتها الذِّهنية، وعقدتَ مقارنةً سلوكيةً تعميميةً، بمعنى: أنَّ كلَّ مَن تزوجتْ بعد وفاة زوجها ستكون مثلَ تلك المرأة السيئة، أو التي لم تُسعفها ظروفها في تحسين حياتها الأسرية والتربية القويمة للأبناء.

في مثل هذه الحالة ستحتاج لجلساتٍ نفسيةٍ سلوكيةٍ معرفيةٍ مع مختصٍّ نفسيٍّ، وربما تُعالج نفسك بدون الحاجة للذَّهاب إلى المختصِّ النفسيِّ، وذلك بأنْ تجلسَ مع نفسك جلسةً هادئةً في مكانٍ بعيد عن الضوضاء، وتستحضر صورة تلك المرأة، وتبدأ بتخيلها وكأنك تتكلَّم معها، ثم تُوجِّه إليها أسئلة مختلفة، مثل: لماذا تزوجتِ بعد وفاة زوجك؟

بالطبع لن تُجيبك هي، ولكن تخيَّلْ نفسك أنك تُجيب مكانها، وكأنك شخصان اثنان، ستكون شخصيتك الثانية بمثابة تلك المرأة، والتي ستلجأ للدفاع عن نفسها ورد الاتهامات الباطلة، ستقول لك مثلًا: أنا محتاجة للزواج، ليس هناك مَن يعولني أو يصرف عليَّ أنا وأبنائي... إلخ.

وهكذا بقية الأسئلة، حتى تنتهي من جميع الأسئلة التي تخطر ببالك.

هذه التقنية في علم النفس تسمى: الكرسي الفارغ Empty Chair في العلاج المعرفي السلوكي CBT؛ حيث تتخيَّل كرسيًّا فارغًا أمامك تجلس فيه تلك المرأة التي تريد أن تُحاورها، وأنْ تُوجه إليها اعتراضاتك وأسئلتك، يمكنك البحث عنها في الإنترنت لتُتقنها بشكل أفضل.

والأصلُ أن يقومَ بتطبيقها معك معالجٌ نفسيٌّ، لكن لا يَتَيَسَّر لكثير مِن الناس الحصول على المعالج النفسي.

الافتراض الثاني: أنَّ هذه الفكرة ليستْ صدمةً نفسيةً، وإنما صدمة ثقافية!

بمعنى أنه تَوَلَّد لديك اعتقاد خاطئ - قد يَنطلق مِن قاعدةٍ أخلاقية - بأنَّ تلك المرأة لا يَنبغي أنْ تتزوج، وعليها أن تبذلَ حياتها لتربية أبنائها فحسب، وهذه القاعدةُ غير سليمة واقعيًّا، إذ إن تربية الأبناء لا تتعارَض مع الزواج الثاني - عادةً - وإن حصل تعارُض فهو محدود جدًّا لا يَرقَى على مستوى المنع مِن الزواج الثاني.

أمَّا ما يَحصُل مِن نماذجَ سيئةٍ، فليس سببه الزواج الثاني، وإنما سببُه سُلوكيات تلك المرأة الخاطئة في التربية، فليس لها علاقة بالزواج الثاني، بل ربما كانتْ تُمارس سلوكياتها الخاطئة مع أبنائها في ظل الزواج الأول!

إذًا لا يوجد هناك مُبَررٌ منطقي في مَنْع أُمِّ الأبناء مِن الزواج بعد وفاة زوجها، فزواجُها له مسارٌ مختلفٌ عن مسار تربية الأبناء.

الزواج حقٌّ مَكفولٌ للمرأة بعد وفاة الزوج، فإذا إن لم يكنْ هناك ضرر فلا بأس بالزواج، وأُمُّ خطيبتك صَبَرتْ على تربية زوجتك سبع سنين، منذ أن كان عمرها ثلاث سنوات، مع أن هذا لا يَلزمها في الأصل، ثم بعد زواجها لم يَحْصُلْ ضررٌ في تربيتها، فلم يَعُدْ هناك مُبَررٌ لهذا التخوُّف؛ لذلك فأُمُّ خطيبتك هنا تستحق منك التقدير والاحترام، بدلًا من الكره وعدم التقدير.

ولا ينبغي أن تُصَرِّح لزوجتك بأنك تكره أمها؛ لأن هذا يُؤذي مشاعرها، حتى وإن ابتسمتْ لك وجامَلَتْك في مشاعرك، فعليك مراعاة مَشاعرها واحترام عاطفتها، فهذا مِن العدل والإنصاف والعِشرة بالمعروف.

نسأل الله تعالى أن يُيَسِّرَ زواجكما، وأن يُؤَلِّفَ بين قلبيكما