اكتئاب أفقدني الشعور بالوقت والحياة

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

أهلًا بكِ عزيزتي في شبكة الألوكة.

أغْفَلْتِ بعضَ الأمور في رسالتك، والتي كانتْ ستُساعدنا أكثر على التشخيص بدقةٍ, مثل: مِن كم سنة تحديدًا زاد الأمر سوءًا؟ ما ترتيبك بين إخوتك؟ هل والداكِ منفصلان أو لا؟ هل نَشَأْتِ في جَوٍّ أُسَرِيٍّ عنيفٍ يملَؤُه الصراخ؟ أم أنه جوٌّ لطيف طبيعي ومتفهم؟ ما طبيعة الجانب الديني في الأسرة؟ هل لديكِ صديقات؟ ما نوع علاقتكِ بهم؛ سطحية أو عميقة؟ هل أنتِ ذات طبيعة عقلانية أو عاطفية؟ ما الأمور التي تستهويكِ أو تخرجكِ - ولو قليلًا - مِن حالتك النفسية؟ هل تعانين مِن فقدان للوزن؟ هل هناك وقتٌ مُعَيَّنٌ يتحسَّن فيه مزاجك؟ هل تُراودكِ أفكارٌ غريبة أو غير مفهومة أو مبررة باستثناء فكرة: "حقيقة الحياة"؟

كلُّ هذه الأسئلةُ - عزيزتي - ستُساعدنا على التشخيص بدقة, ومعرفةِ إن كانتْ هناك أسبابٌ واضحةٌ وملموسة لما تشعرين به، فنبدأ في مُعالجة الأسباب والتكيُّف معها, أو نبحث عما يمكن أن يكونَ هو السبب!

عمومًا وبما أننا لم نلمسْ سببًا ظاهِريًّا في رسالتك، فسأكتب لكِ بناءً على ما لمستُه وتوقعتُه.

ما وصفتِه مِن أعراضٍ في شخصيتكِ مِن حُزنٍ دائمٍ, وتساؤُلٍ عن معنى الحياة, واختفاءِ الدافعية للحلم، وعدم القُدرة أو الرغبة في محبة الآخرين والاندماج معهم, وإحساسكِ بالوَحْدة رغم وجودهم, وإحساسك بالضيق إذا ابتسمتِ أو ضحكتِ وكأنكِ ارتكبتِ ذنبًا - كلُّ هذه الأمور تأخذنا للقول بأنكِ تُعانين مِن اكتئابٍ, لكن ما دام أنكِ لم تذْكُري شيئًا عن الرغبة في الموت أو الانتحار؛ فهذا يخبرنا بأنه ليس اكتئابًا مِن النوع المَرَضِيِّ أو الحادِّ, بل هو ما يُطْلِق عليه المختصون النفسيون مصطلح: عُسْر المزاج Dysthymia, وهو نوعٌ مِن الاكتئاب مزمنٌ وطويلٌ؛ أي: يمْتَدُّ لفتراتٍ طويلةٍ مِن العمر - كما في حالتك - ويتَّسِم بالتشاؤم والتعاسة, والشكِّ الذاتيِّ في أمورٍ تُعَدُّ مِن المُسَلَّمات, لكن لا تظهر فيه الأعراضُ البدَنيةُ للنوع الرئيسي للاكتئاب، وهذا النوعُ مِن الاكتئاب يطول ويستمرُّ لدرجة أنه يُصبح مؤَشِّرًا على شخصيةٍ كئيبةٍ أكثر مما هو اضطرابٌ نفسيٌّ, وهو ما يجعلنا نعتقد أنه ينطبق عليكِ؛ بناءً على ما ذكرتِه في رسالتك.

.. الآن وقد عرَفنا مشكلتك, علينا أن نعرفَ الحلَّ لها:

والحلُّ - عزيزتي - يبدأ مِن عندك, فإن كانتْ لديكِ الرغبةُ الصادقةُ في تغيير هذا الأمر فستغيرينه - بإذن الله, وإن استسلمتِ للأمر، وقلتِ: إنه حالة مُزمنة، ومنذ زمنٍ بعيدٍ، ولن تتغيرَ؛ فهي فعلًا لن تتغير؛ لأنكِ لم تبذلي جُهدًا لتغييرها!

أول ما عليكِ فِعْلُه - عزيزتي - هو كسْرُ الحاجز النفسي الذي يمنعكِ مِن الاختلاط بالناس, ويُشْعِركِ بالضيق إذا ابتسمتِ وضحكتِ, فهذا الحاجزُ موجودٌ في عقْلِك, وكسرُه يكون بفعلِه, ابتسمي واضحكي، وخالطي الناسَ، واخرجي معهم.

سيكون الأمرُ صعبًا في أول الأمر، وغريبًا عليكِ، لكنكِ ستعتادينه مع الوقت، وتذكَّري قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((تبسُّمك في وجه أخيك صدقة))، وقوله أيضًا - عليه الصلاة والسلام -: ((المؤمنُ الَّذي يخالطُ النَّاسَ ويصبِرُ علَى أذاهُم، خيرٌ منَ الَّذي لا يخالِطُ النَّاسَ، ولا يصبرُ علَى أذاهم))، فأنتِ بكسركِ لهذا الحاجر في نفسكِ تكسبين أجْرَ الابتسامة, وأجْرَ مُخالطة الناس، والخيرية التي شهد بها الرسولُ - عليه الصلاة والسلام، وأجْرَ محارَبة المرض ومجاهدته والصبر عليه, فتخيَّلي عظمَ الأجور التي تنتظرك!

أما تساؤُلاتك عن معنى الحياة، فلا تتوقعي أن إجاباتها ستخطر فجأةً على ذهنك, بل إنَّ السؤالَ يحتاج لجوابٍ, والجوابُ لن تجديه إلا بالبحث والتنقيب, فاقرئي وابحثي حتى تصلي للمعلومة الشافية وفي الوقت نفسه لا تذهبي للكتب المترجَمة أو الكتب الجديدة، أو التي تتحدث مِن منطَلَقٍ عقلاني بحتٍ؛ لأنها قد تُؤثِّر على أفكارك وتُشَوِّشها, وتجعلكِ تشكِّين في أمورٍ أكبر, وتزعجكِ أكثر مما تريحك! ولكن ابدَئي بالكُتُب الأصيلة في الدين, التي تتحدث بأسلوبٍ سهلٍ عميقٍ ومفهومٍ، واقرئي أيضًا سيرةَ سيد الخلْقِ - عليه أفضلُ الصلاة والسلام - فستجدين في سيرته منهجًا يُعَلِّمكِ كيف تعيشين حياتكِ، وتستمتعين بها، وتحافظين على دينك وعلاقاتك, ولكن لا تقرئيها مِن منظور الحلال والحرام فقط, بل مِن منظور النبيِّ الإنسانِ المحبِّ المتعايش الفاهم لطبيعة النفس البشريةِ!

وأخيرًا - عزيزتي - عليكِ أن تبدَئي بممارسة الرياضة، اشتركي في نادٍ رياضيٍّ إن كان هذا ممكنًا, أو مارِسي الرياضةَ الخفيفة في المنزل؛ كالمشي، أو الهَرْولة، أو الوثب على الحبل, أو تمارين الشد, أو غيرها؛ فالرياضةُ لها أثرٌ كبيرٌ في تحسين المزاج، وإفراز الهرمونات الباعثة على السعادة والانبساط؛ كهرمون الإندروفين، الذي يجعل الإنسانَ يشعر بالسعادة والرضا؛ لذا مارسي الرياضةَ، ولا تتركيها أبدًا حتى تتخلصي من الكآبة وتستمتعي بالحياة.

أتمنى أن أكون قد أفدتكِ، ولا تتردَّدي في مراسلتنا إن كان لديكِ استفسارٌ أو سؤالٌ

وشكرًا مجدَّدًا لثقتكِ في شبكة الألوكة