غيرتي على زوجي

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

الغيرة تنشأ أصلاً من حُبِّ التملُّك، تمامًا كما نرى الطِّفل يحبُّ أن تكون ألعابُه له وحده، ونراه يبكي إذا اهتمَّت والدتُه بأخيه، أو قال له أحدهم مازحًا: "هذه أمي وليست أمك"؛ لأنَّه يريدها له وحده، دون سواه.

من حقِّك طبعًا أن يهتمَّ زوجُكِ بكِ وحدك، وأن لا يظهر إعجابه أو اهتمامه بامرأة أخرى، ولكن هدِّئي من غضبتك، وأرخِي أعصابك؛ فعلينا أن نأخذ ما نريد بذكاء وبرِضا الطَّرَف الآخَر ومُوافقته الكاملة، وليس غصبًا أو بعد مشكلة وخصام، فيأتي ما نُريده باردًا باهتًا، لا طعم له!!

عمَلُ زوجك يحتِّم عليه الاختلاطَ بالنِّساء، والآن دراسته، ومن الصعب جدًّا أن أقول لكِ: اطلبِي منه أن يغيِّر عمله، أو يترك دراسته؛ لكي تطمئنِّي، ويرتاح بالُك؛ لأنَّك لن ترتاحي، بل ستَجِدي أنَّ هناك أبوابًا أخرى سيُقابل من خلالها النِّساء، ويتعامل معهن، وبذلك لن نستفيد شيئًا مما فعلناه، ولكن دعيني أَحْكِ لكِ قصَّة رمزيَّة من قصص الحِكْمة:

"يُحكَى أن رجلاً كان جالسًا تحت شجرة، ويرتدي معطفًا ثقيلاً يقيه البرد، فقالت الرِّيح للشمس: ما رأيُك بأن نتراهن أيُّنا سيَخلع المعطف عن الرَّجل، فوافقت الشمس، وقالت لها: ابدئي.

فبدأت الريح تصفَرُّ، وتشدُّ من دورانها لتخلع المعطف عن الرَّجل، فما كان منه إلا أن لفَّ عليه المعطفَ بإحكام، فغضبت الرِّيح، وعصفت بقوَّة أكثر، وصارت أغصان الشجيرات تهتزُّ وترتجف، والأوراق تتطاير، والعشب والزهر يرتجف على الأرض، والرَّجُل يتمسك بمعطفه أكثر، ويتشبَّث به أقوى من قبل، حتَّى تعبت الرِّيح، وقالت للشمس: لقد استسلمت.. دورك الآن.

فابتسمت الشمس ابتسامةَ الواثق، وسطعت من بين الغيوم، وأرسلَتْ برفقٍ وهدوء أشعَّتَها، وبسطَتْها على الحديقة والشجر، فما كان من الرجل بعد دقائق معدودة إلاَّ أن شعر بالحرِّ، وخلع المعطف، ووضعه جانبًا!

هل وصلتكِ الرسالة عزيزتي؟

إنها كما قال الرسول - صلَّى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح عن عائشة - رضي الله عنها -: ((ما كان الرِّفق في شيءٍ إلاَّ زانه، وما نُزِع من شيءٍ إلا شانه)).

المرأة قويَّة بأنوثَتِها وضعفها؛ فبِدلالكِ لزوجك وحُبِّك له واهتمامك به؛ تُصبحين المرأةَ الوحيدة التي تراها عيناه، ويخفق لها قلبه، وهذا لن يكون بالصُّراخ أو الغضب أو العصبية.

قلتِ: إن المشكلة أنَّه يذهب للعمل بأحلى الملابس، وأروَعِ العطور، فما المشكلة في ذلك؟ إنَّ ترتيب زوجك واهتمامَه بنفسه دليلٌ على اهتمامك به، وحين يراه الناسُ بأجمل هيئة، سيَتْرك ذلك انطباعًا جيِّدًا عنه في أذهانهم، أمَّا لو كان العكس فإنَّ ذلك سيجعله عُرضة للانتقاص، وانتقاصك أيضًا؛ لأنَّهم سيقولون: وأين زوجتُه؟! كيف سمحَتْ له بالخروج بِهذا الشكل؟!

فأيَّ الظنَّيْن تريدين أن يظُنَّه الناس فيكما؟

من الطبيعيِّ أن تشعري بالغيرة لوجود النِّساء حول زوجك، ولكن زيادة هذه الغيرة عن الحدِّ الطبيعي الذي يجعلك متوتِّرة وقلقة طوال فترة وجوده معهن، ستضرُّك؛ لأنه كما قلتِ: "ينفعل ويغضب إذا فاتحته بالموضوع"! فتخيَّلي أن يراك زوجُك في البيت غيرَ أنيقة، عصبِيَّة ومكتئبة، وتحدِّثينه بقسوة لِتُعلني له عن غضبك، بينما زميلات العمل والدِّراسة بَشُوشات مَرِحات، يُلاطفنه في الحديث، ويُزيِّنَّ له القول! فكيف ستكون المقارنة؟ ولصالح من؟!

لذا؛ اجعلي هذا التوتُّر دافعًا لكِ لتحسين الأمور مع زوجك وتجديدها، فتلمَّسي حاجات زوجك، ورغباته، ولَبِّيها له، تأنَّقي دائمًا، وارتدي أجمل ما لديكِ، دَلِّليه وأحبِّيه، كوني له كما يريد ويحبُّ، وغيِّري من طريقة لبسك دائمًا؛ حتَّى يشعر أنكِ مختلفة في كلِّ مرة يراك، فلا يشعر بالملل، أو تصبح لديه الرغبة في التجديد والتَّنويع، فهذه طبيعة بشريَّة خلقها الله فينا، وخلق لنا الفصول الأربعة، ومختَلِف أشكال الطبيعة لتلبِّي وتُشبع هذه الطبيعة فينا.

الثقة بالنفس مهمة جدًّا، فمتَى ما كنتِ واثقةً من نفسك ومن شكلِك وحُبِّ زوجك لكِ، وصل ذلك إليه، وشعر به، ومتى ما كنتِ مهتزَّة من الداخل، لا تشعرين بأنَّ جمالك طاغٍ وساحر، أو يعجِب زوجك، ويرضيه، فسيَصِله ذلك أيضًا، وسيشعر به، وسترين انعكاس مشاعرك في عينيه؛ مِمَّا سيُزعجك ويؤلِمُك، ولكن لا تلوميه؛ فهو شعر بما شعرتِ أنتِ به.

صحيح أن الاهتمام بالزوج أمرٌ مهمٌّ وواجب، ولكن أن نجعله محورَ حياتنا، وكلُّ الكون يدور حوله، أمر خطير جدًّا؛ لأنَّ الاقتراب الدائم والمستمرَّ يولِّد المشاكل ويورث الملَل؛ لذلك اخلقي مجتمعًا يشغلك، وينمِّي مهارتك، ويطوِّر من ذاتك، مجتمعًا خاصًّا بك وحدك بدونه، تعطينه لِتَأخذي منه، ثم عودي لزوجك أكثر خبرة وثقة، وتفاؤلاً، وثقافة، وأملاً.

عزيزتي، مِن حديثك شعرتُ أن زوجك ذهب وحده ليدرس في الخارج، وأنتِ بقيتِ، فهل هذا صحيح؟

إن كان صحيحًا فإنه أمر قد يسبِّب فجوة بينكما، وشرخًا في علاقتكما؛ بسبب طول الغياب والانقطاع، فإن كنتِ معه فنَعِم الأمر، وإن لم يكن فحاوِلي أن تلحقي به سريعًا.

أما إن كانت الظُّروف تمنعُكِ من الذهاب معه، فحاولي أن تعوِّضي عن ذلك بكثرة التواصل ومُضاعفة الاهتمام، كأن تهتمِّي بإيقاظه وتذكيره بما يوَدُّ أن يتذكَّره، والاطمئنان عليه دائمًا... وغيرها من الأمور التي تجعله يشعر بأنَّك ما زلتِ تُشاركينه بعض التفاصيل، وتهتمِّين به وبأموره حتَّى في البُعد!

رزقَكُما الله الرَّاحة والاستقرار، والحياة السعيدةَ المليئة بالحُبِّ والوئام.

ووافينا بأخبارِك؛ لنتابع سَيْر الأمور معك.