أمي تكذب على أبي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:

فملخص مشكلتكِ هو:

1- أمكِ حفظها الله تنشغل عن أمور البيت من أكل ونظافة وغيرها، تنشغل عنها بالإغراق في مكالمات بالجوال، وتدَّعي أن ذلك حرية لها، ووالدكِ حفظه الله يغضب من ذلك كثيرًا، وربما سبَّ بأقذع الألفاظ.

2- يبدو أن أمكِ ضعيفة العبادة بدليل إهمالها للواجبات عليها تجاه زوجها وأبنائها، ثم زيادة على ذلك أنها تلجأ إلى الكذب لتتخلص من معاتبات والدكِ.

3- انفعلتِ عندما سمعتِ أمكِ تكذب على والدكِ، وقلتِ لها إنها تكذب، وإنها سبب رئيس لمشاكلكم.

4- بعد ذلك أصبحتِ لا تستطيعين وضع عينكِ في عين والدتكِ، ولا تساعدينها في أمور البيت.

5- هددتكِ بالغضب عليكِ، فقلتِ لها: لا أهتم.

6- ثم تسألين: هل لكِ الحق في اجتناب الكلام مع أمكِ والبعد عنها؟ وهل هذا يعتبر عقوقًا؟ وإن كان عقوقًا، فماذا يجب عليكِ فعله؟

فأقول مستعينًا بالله سبحانه:

أولًا: لا شكَّ أن والدتكِ أخطأت في أفعالها التي ذكرتِها، خاصة الإهمال والكذب، وضعف طاعتها لزوجها، ولهذه الأعمال غير اللائقة أسباب كثيرة؛ منها:

1- ضعف الإيمان، وضعف العبادات التي تقوي الإيمان، خاصة الصلاة والتلاوة والذكر.

ولذا لا بد أولًا من معالجة أساس البلاء؛ وهو هذا الضعف، بتذكيرها ووعظها عن طريق غيركِ من أخواتها العاقلات وغيرهن، فيذكِّرْنها بحقوق الله سبحانه أولًا، بالحرص على المحافظة على العبادات؛ مثل: الصلاة والتلاوة والذكر، وكذلك تعريفها على جليسات صالحات، وإلحاقها بدار نسائية لتعليم القرآن، ثم يذكِّرنها بالموت وبالجنة والنار، وبالأعمال الموصلة للجنة، والمنجية من النار، ثم يذكرنها بحقوق زوجها وأبنائها عليها، وأنها مسؤولة عنهم يوم القيامة؛ كما في قوله سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم: 6].

وكما في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كلُّكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته؛ فالإمام راعٍ ومسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهل بيته ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية على بيت زوجها وولده ومسؤولة عن رعيتها، والولد راعٍ في مال أبيه ومسؤول عن رعيته، والخادم راعٍ في مال سيده ومسؤول عن رعيته؛ فكلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤول عن رعيته))؛ [متفق عليه].

ثانيًا: ثم يذكِّرْنَها بعدم جواز الكذب، وأنه من كبائر الذنوب، ومن صفات المنافقين؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((آية المنافق ثلاث؛ إذا حدَّث كذِب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان))، وفي رواية: ((وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم)).

ثالثًا: لا تنظري لأمكِ شَزْرًا، ولا على أنها مجرمة، بل انظري لأمكِ على أنها مريضة مسكينة تحتاج للشفقة والنصح والدعاء كثيرًا.

رابعًا: لا يجوز لكِ هجر أمكِ، ولا رفع الصوت عليها؛ فالبر ليس مكافأة، بل واجبًا شرعيًّا، لا يسقط أبدًا بسبب بعض الأخطاء، فالله سبحانه أمر ببر الوالدين ولو كانا مشركَينِ، ولو كانا يأمران ابنهما بالشركِ، فكيف بغيرهم؟ كما قال سبحانه: ﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [العنكبوت: 8]، وكما قال سبحانه: ﴿ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [لقمان: 15].

فاستغفري الله مما بدر منكِ، وناصحي أمكِ برفق، وادعي لها.

حفظكِ الله، ووفقكِ لكل خير، وشفى أمكِ، وصلِّ اللهم على نبينا محمد ومن والاه.