اتحاد جمعيات وجماعات معتمدة وشخصيات بارزة في المجتمع المسلم السريلانكي

اتحاد جمعيات وجماعات معتمدة

وشخصيات بارزة في المجتمع المسلم السريلانكي

في بداية العام 2011م عندما بدأت حركة "بودو بالا سينا" البوذية المتشددة تشن هجمات على المسلمين بدعاوى كاذبة، يزعم فيها أن هناك مساعي خفية لتحويل سريلانكا إلى بلد مسلم في المستقبل القريب، مشيرين إلى زيادة تعدادهم في الإحصائيات في كل محافظة من المحافظات الخمس والعشرين.

وبدأت الحركة تقود مسيرات احتجاجية على بعض مساجد المسلمين بأنها واقعة على أنقاض مقدسات بوذية ذات أهمية تاريخية، وشنَّت هجمات على عدة مساجد.

واستهدفت الحركة البوذية جمعية علماء سريلانكا بأنها تروج الأصولية والإرهاب في سريلانكا، وتفرض على جمهور الشعب السريلانكي أكل الحلال، بحكم أنها هي الجهة المانحة لشهادة الحلال للمنتجات السريلانكية والمستوردة من الخارج للمسلمين ولغير المسلمين على حد سواء، ونادت الشركات والمستهلكين بمقاطعة علامة الحلال، على الرغم من أن الشهادة فتحت أسواقًا جديدة في العالم للمنتجات السيريلانكية ما يَقرب عددها 3500 من المنتجات المحلية.

وقد شعر المسلمون في سريلانكا بعجزهم في مواجهة التحديات العنصرية المتزايدة والتعصُّب الديني والدفاع عن حقوقهم، فضلاً عن معاناتهم الشديدة من الحرب الأهلية التي كانت تخوضها البلاد مع الانفصاليين ثوار نمور التاميل.

وبدأ المفكرون المسلمون والعلماء والمثقفون يسعون لتوحيد صف المسلمين على اختلاف مساراتهم وتوجهاتهم السياسية والدينية والحركية؛ للوقوف أمام التحديات وقفة رجل واحد وصوت مستقل وموحد في الساحة، ومواقف مدروسة بما يخدم مصالحهم بالمشاركة الفعالة في بناء الوطن يدًا بيد مع الطوائف الأخرى من خلال الأطر الديمقراطية والسبُل السلمية.

فالخلافات الدينية في المسائل الفرعية، والتوجهات الحركية، والتعصب المذهبي والحركي - كانت تحول دون تحقيق الوحدة بين صفوف المسلمين على كل المستويات، والتي جعلتهم في صراع مستمر فيما بينهم دون التنبه إلى ما يحيط بهم من تحديات ومخاطر، ومن يترصد بهم من المستغلين لخدمة أغراض سياسية وأطراف تستهدف المسلمين على الصعيدين الإقليمي والمحلي.

واجتمع بعض الناشطين المسلمين، ومن ضمنهم ممثلون للجماعات والعلماء والمثقفين في كولومبو، في محاولة لتوحيد صف المسلمين على اختلاف توجهاتهم الحركية والفكرية والمذهبية؛ لتشكيل مجالس في كل قرية ومدن يَسكن فيها المسلمون؛ وذلك لإدارة شؤونهم فيما يخص أمن واستقرار عيشهم، والدفاع عن حقوقهم، والحفاظ على هُويتهم وعاداتهم وتقاليدهم، وما يخص حسن المعاشرة مع سائر الطوائف غير المسلمة وتوعية الناس للتمسك بقيم التعايش السلمي مع الجميع في قرى ومدن غير مسلمة.

وعلى المستوى الوطني قاموا بتشكيل مجلس موحد من كافة الجمعيات والجماعات والمؤسسات الإسلامية على اختلاف توجهاتهم الحركية والمذهبية يسمي بـ"مجلس الشورى الوطني"، وبعد دراسات مطولة وعميقة حول كيفية التنسيق مع كافة الأطراف داخل المجتمع المسلم فيما يخص قضايا وهموم مشتركة، والبحث عن الحل وسبل ضمان تحقيقها.

وقد اتفق الجميع على أن يكون المبدأ الإسلامي للشورى المحور الأساسي للمجلس لصنع القرارات، بعد المشاورات وتبادل الآراء والفكر والمعلومات بين جميع التكتلات والجمعيات والجماعات والشخصيات، على أن تكون السياسات والمبادئ المتفق عليها هي التي تسيِّر تلك التكتلات على مختلف توجهاتها، بدل أشخاص وتيارات ومصالح أطراف سياسية وتوجهات حركية؛ وذلك بقصد تجنب تمزيق صف المسلمين مرة أخرى.

ومن الدواعي التي أدت الى نشأة آلية موحدة هو فقدان ثقة المسلمين في قياداتهم السياسية المتنازعة، والتي فقدت ثقلها في الميزان السياسي، وأصبحت عاجزة عن الدفاع عن حقوق المسلمين وآمالهم، وخاصة فيما يخص بقضية الحلول السياسية للأزمة العرقية.

وبعد حلقات من المشاورات والمباحثات اتفق أعضاء المجلس التأسيسي لمجلس الشورى على تشكيل لجان من الخبراء للقيام بإعداد الدراسات والبرامج والخطط والمشاريع حول تلك المبادئ والسياسات التي يهتم فيها المجلس قبل الدخول في مرحلة التنفيذ لاستيعاب آراء جميع الأطراف وإقناعها بالقرارات النهائية.

وشاء قدر الله أن يَحظى المجلس باعتراف الجميع في أوساط المسلمين والأوساط السياسية والقيادات المدنية والدينية رغم حداثة نشأته، مما جعل الأطراف المذكورة تُراجع المجلس للتعرُّف على مواقفه تجاه قضايا الوطن والمجتمع.

وفي شهر رمضان عام 2012م دعا المجلس المجتمع المسلم في سريلانكا للمشاركة في حملة جمع توقيعات على تقرير يَلفت اهتمام رئيس الجمهورية إلى حملة تعصبية شنَّتها بعض الحركات العنصرية السنهالية والبوذية ضد المسلمين في عدة مناطق الجزيرة، واستجاب المسلمون للإعلان وقاموا بإعطاء التوقيعات المطلوبة حسب طلب المجلس ابتداءً من بعد صلاة عيد الفطر؛ حيث تمكن المجلس من جمع مائتين وخمسين ألف توقيع خلال يوم واحد، رغم ضيق الوقت وقلة التوعية، وتم تقديم التقرير المذكور إلى رئاسة الجمهورية.

والجدير بالذكر أن وزير خارجية سريلانكا في اجتماع له مع المجلس بتنسيق من وزارة الدفاع قد طلب من المجلس تقديم بيان مفصل حول هموم المسلمين وقضاياهم؛ ليرفعها إلى رئيس الجمهورية لاتخاذ الإجراءات اللازمة وإعلانها قبل جلسة منظمة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، والمزمع عقدها في شهر مارس في جنيف؛ حيث يُناقَش فيه مقترح قدمته الولايات المتحدة حول مزاعم انتهاك حقوق الإنسان في سريلانكا، واقتراف جرائم حرب من خلال المرحلة الأخيرة للحرب الداخلية.

وقد تم تشكيل لجنة من الخبراء للقيام بإعداد البيان المطلوب؛ لتقديمه بشكل رسمي لرئيس الجمهورية؛ للتوصل إلى حلول سلمية لقضايا المسلمين، وكفِّ أذى القوى العنصرية والتي تعوق مسيرة السلام والتعايش السلمي بين الطوائف لأغراض سياسية ومادية وخدمة مصالح قوى أجنبية في المنطقة.

أُسِّس المجلس على مبادئ وسياسات تمنع عضوية الوزراء وأعضاء البرلمان وأعضاء المجالس الإقليمية والبلديات وكبار الأحزاب السياسية؛ تجنبًا للنفوذ السياسي وتدخل التيارات السياسية، والتي سوف تحول دون تحقيق أهداف المجلس، بفرض سياساتهم وتوجهاتهم على الجميع.

ولكن المجلس لديه آلية خاصة لاستيعاب القيادات السياسية والتعاون معهم ومشاورتهم في قضايا المسلمين على وجه الخصوص، وقضايا الوطن على الوجه العام، كما يفتح لهم المجال للتشاور مع المجلس؛ للتعرف على مواقف يتخذها المجلس تجاه قضيةٍ ما أو أمور خاصة ببرامجهم السياسية ومشاريعهم التنموية، وللاستفادة من دراسات تقوم بها لجان الخبراء التابعة للمجلس.

وبمجرد توحيد صف المسلمين خلال فترة قصيرة، تمكَّن المسلمون من الحصول على قوة تمنع قوى استهدفت مؤسسة دون أخرى لتَمزيق صف المسلمين، مرة تُشير إلى أن السلفيين وأهل السنة والجماعة أخطر دون المسلمين التقليديين أصحاب الطرق الصوفية، ومرة أخرى تُشير إلى جماعة التبليغ بأنهم يروِّجون التشدد والتعصب وخاصة فيما يخص الثوب للرجال والنقاب للمرأة... إلخ.

ومن أولويات أنشطة المجلس: تشكيل لجنة لحسن الجوار والتعايش السلمي مع سائر الطوائف، وقد قامت اللجنة بإعداد دراسة مفصَّلة في اختصاصها بمشاورة الخبراء ومساهمة العلماء والمثقفين، وسوف يتم عقد جلسات في أنحاء الجزيرة لتوعية المسلمين حول كيفية التعامل مع غير المسلمين، متحلين بالقيم والموازين الإسلامية والأخلاقية والإنسانية، والتخلي عن العنف والشدة في مواجهة التحديات، والتمسك بوحدة صفهم كمسلمين على اختلاف توجهاتهم ومذاهبهم الفقهية والحركية.

وبجانب المجلس التنفيذي هناك أمانة عامة تقوم بتنسيق الاجتماعات، وإعداد الأوراق وتحضير الملتقيات، وترتيب الاتصالات والمواصلات، تشمل 22 من المتطوعين.

وبالنسبة لميزانية المجلس فهو يعتمد بشكل مباشر على مساهمات الأعضاء لتغطية التكاليف التي تضمن استمرارية المجلس، ولعدم وجود مركز دائم يتم عقد الاجتماعات في مكاتب الجمعيات والجماعات الواقعة في كولومبو.