"أنتم قتلتم عائلتي"..

هذه الكلمات تصدرت الصفحتين الأولى والثانية في جريدة "دي بيرس" الهولندية في الخامس من شهر مايو 2008م، هذه الكلمات التي قالها كهل أفغاني لصحافي هولندي وهو يجري معه اللقاء، بشأن المجزرة التي راح ضحيتها 80 شخصًا؛ رجالاً ونساءً وأطفالاً.

ومن بين الضحايا 22 شخصًا من عائلة واحدة؛ من قرية "قلعة ركا" هم عائلة السيد "سلطان جان محمد" (65 عامًا)، الذي واجه الصحافي بالسؤال التالي: هل من المسموح في قانونكم أن تقتلوا الأبرياء؟

"سلطان جان محمد" الذي فقد عائلته في قصف ليلي من قبل القوات الهولندية، أما الذين فقدوا بعضًا من أهاليهم أو بيوتهم أو مصادر رزقهم، فبصعوبة حصلوا على ما يسد رمقهم.

يشرح "سلطان جان محمد" قصة القصف في تلك الليلة الرهيبة ليلة 16و 17 من يونيو 2007م في منطقة (غورا) قائلاً: كانت الساعة تشير إلى الخامسة بعد الظهر، عندما نادت القوات الدولية بمنع التجوال وأن يبقى الجميع في بيوتهم، ولا يجوز لأحد حتى الوقوف على سطح منزله، وقالوا: لا تخافوا؛ فالقتال ليس ضدكم، ولكن في قرية أخرى تمامًا، نحن نحاصر هذه القرية كي لا يهربوا -يقصدون طالبان- من تلك القرية إلى قريتكم، وحظر التجوال سيرفع غدًا عن هذه القرية "قلعة ركا" التي تبعد بضعة كيلومترات عن مدينة "غورا" التي كانت هدفًا لطالبان.

وقبل 16 من يونيو (حزيران) 2007م بأسابيع، حدثت اشتباكات بين "طالبان" والقوات الأفغانية الحكومية، فتدخلت القوات الهولندية لمساندة القوات الحكومية حينما كانت الاشتباكات بعيدة عنا، لكن في المساء ماذا حدث؟

لم يتمكن السيد "سلطان" وصف الأحداث بدقة؛ لأنه بقى مع عائلته في الداخل.

ويتابع "سلطان" قائلاً: وفي الساعة الرابعة فجرًا سمعت هدير الطائرات التي ألقت أربعَ أو خمسَ قنابلَ على القرية؛ فنزلت على بيوتنا مباشرةً.

ثمانية بيوت هُدمت فوق رؤوسنا، وكنت ملقى تحت الركام، حتى أخرجني الأهالي وأنا غائب عن الوعي، وأخذوني إلى مشفى في مدينة "تارن كوت" وبقيت هناك عشرة أيام وبعد ذلك أخذوني إلى مدينة "قندهار"؛ لتوفر العلاج هناك أكثر، وهناك أخبروني أن أفراد عائلتي قد قُتلوا.. فقدت ستة من أبنائي التسعة، واثنتين من بناتي الثلاثة، وأحفادي وحفيداتي جميعًا، وزوجتي الوحيدة، والذين بقوا على قيد الحياة من عائلتي دفنوا الأموات منا.

أما الحكومة فقالت: إن هؤلاء كانوا من "طالبان"، وطالب ممثل الحكومة بإثبات غير ذلك، وطلبوا رؤية الموتى الصغار ولم نُرهم وجوه نسائنا؛ لأن هذا غير جائز، عندئذ قلنا لممثلي الحكومة استنكارًا: لماذا ألقيتم القنابل على هؤلاء؟

وفضلاً عن كارثة فِقدان الأهل فقد فقدت مصدر رزقي؛ إذ كنت أملك سبع بقرات وعشرين نعجةً، ماتوا في القصف أيضًا، ومنذ ذلك اليوم لم نشم رائحة اللحم، وأعيش الآن في خيمة أتلقى مساعدات من زوجات أبنائي في باكستان.

أعطتني الحكومة حوالي مائتي يورو فقط تعويضًا، ولم تعطني القوات الدولية شيئًا، وقد اشتريت بهذه النقود دواءً لستة من أقاربي، الذين يرقدون في مشفى في "قندهار".

وختم "سلطان" كلامه بتساؤل:

هل من المسموح في قانونكم أن تقتلوا الأبرياء؟!

فبعد أن قتلوا أبناءنا لم يطلبوا منا حتى السماح، وزارة النيابة العامة تدرس هذه الحادثة منذ يونيو 2007م، نريد إيضاحًا من الحكومة هل ستعوضنا عن بيوتنا وأبنائنا؟

البرلماني الأفغاني "عبدالخالق" القادم من قرية "قلعة ركا" قرية "سلطان جان محمد" يقول: الجنود الهولنديون الموجودون في مقاطعة "أوروزغان" جنوبي "أفغانستان" منذ عام 2006م قتلوا المئات من الأبرياء، ولا توجد إحصائيات محددة؛ لأنه لا توجد هناك منظمات لحقوق الإنسان في المنطقة، حتى منظمة الصليب الأحمر لا تنشط هناك؛ لذلك فمصادرنا للحصول على المعلومات هي الشخصيات المهمة في المنظمة، وشهود عيان من أهالي الضحايا.

ويقول "عبدالخالق": إنه قام بنفسه بأداء واجب العزاء تجاه العائلة المنكوبة.

والسيد "تورجان" (59 عامًا) فقد زوجته، وابنه، واثنين من أحفاده؛ إذ قصفوا قريتهم "كاكراك" في منتصف الليل دون أي تحذير أو إنذار مسبق، ويقول السيد "تورجان": إننا خرجنا من بيوتنا في ذعر رهيب هاربين.

ويستأنف "تورجان":

نريد الحق!

لماذا قصفونا؟!

لماذا قتلت أسرتي؟!

وفي مقاطعة "ده رقاد" في 24 من سبتمبر (أيلول) 2007م فقد السيد "أمان الله" (60 عامًا) زوجته، واثنين من أبنائه، واثنتين من بناته، ويقول: لم يعد لدينا بيت نسكنه، كل شيء قد دُمِّر، مجموع من قضى نحبه في هذا القصف 76 مدنيًّا، النيابة العامة تقول: إنه في يوم 25 سبتمبر -عند الهجوم على "كاكراك"- كانت هناك طائرتا هليكوبتر من نوع "أباتشي" تحلقان في سماء المنطقة، وعلقت وزارة الدفاع بأنه كانت هناك طائرة واحدة، وبعيدة عن أجواء القرية.

أما أهم قاضي في منطقة "أوروزغان" الملا "محمد جان" فيقول: شرحت بطريقة منظمة ما يحصل على أرض الواقع للقوات الهولندية؛ قلت لهم: إنكم قتلتم كثيرين من غير ذنب، فحسب تقديراتي: قتل ما بين 500 إلى 600 مدني عام 2007م، وكان القسم الأعظم من القصف الماضي من قبل القوات الأجنبية.

من أصل 75 مليون يورو خصصت من أجل "أوروزغان" من قِبَل القوات الهولندية لم ينفق حتى الآن سنت واحد!.

قام بترجمة المقالة من اللغة الهولنديّة: سيف الدين يوسف

أضف تعليقك:	إعلام عبر البريد الإلكتروني عند نشر تعليق جديد
الاسم
البريد الإلكتروني	(لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق	رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

الذكرى السنوية الأولى لمجزرة قلعة ركا

"أنتم قتلتم عائلتي"..

هل من المسموح في قانونكم أن تقتلوا الأبرياء؟!

قام بترجمة المقالة من اللغة الهولنديّة: سيف الدين يوسف