جزء مسلوب من الأمة (يافا)

الحديث عن مدينةٍ إذا وقفت على شاطئها ترى نسيم البحر يدخل إلى قلبك قبل أن يدخل إلى رِئَتَيْكَ، وترى البحر في فؤادك قبل أن تراه عيناك، جوُّها معتدل في شتَّى الفصول، وهواؤها طيِّب وبناؤها جميل، تلتقي فيها الأرض مع السماء مع البحر، لم يخطئ الكنعانيون في تسميتها.

شاطئها رملي، وحجارتها صفراء بُنِيت منها مبانيها، تُمَيِّزها فاكهة اشتهرت بها وأخذت اسمها، عاش فيها أرباب الديانات معًا دهورًا طويلة.

عروس الشاطئ، وزهرة مدن الساحل، يطل ميناؤها على البحر فيقول لأهل الأرض: خذوا وهاتوا، وصل عدد سكانها في عام 1947م إلى ما يربو على سبعين ألفًا، وما أن دخل العام التالي ووصلت الشهر الخامس حتى لم يبقَ منها إلا حوالي آلاف ثلاثة، فماذا حلَّ بها؟ أبركان ثار فيها؟ أم عاصفة ضربتها؟ أم نار أحرقتها؟ أم زلازل اعترتها؟ أم أن أحدًا قد سرقها؟ وهل تُسْرَق المدن؟!

نعم، لا تستغربوا، فقد تُسْرَق المدن والبلاد إذا غفل عنها أهلها، وتُسْرَق القِيَم إذا تنازل عنها ذووها واستبدلوها بأخرى فاسدة، ويُسْرَق العباد.

شدَّني للحديث عن هذه المدينة رجلٌ مُسِنٌّ جاوَز الثمانين، أمضى فيها أعوامًا ثلاثة في الأربعينيات، يوم كان شابًّا عمل في معامل للنَّسيج فيها، هي ليست قرية صغيرة، إنها تعود لما قبل الميلاد بأربعة آلاف سنة.

عندما دخلت إلى الشبكة العنكبوتية وقد أوليت هذه المدينة بعض الاهتمام، وجدت لها بعض الصور القديمة فبكيت، وعلى مثلها فليبكِ الرِّجال، وعلى مثلها تذرف الدموع..

أين مدارسها اليوم؟ أين مؤسساتها اليوم؟ أين مساجدها، أين بريدها، شرطتها، أحياؤها، أمواتها، سكانها، مقاهيها؟! كيف تُطْمَس معالم بلد ومدينة؟!

هل تعلمون أيُّها السادة ماذا أصابها؟ أصابها زلزال حقد وبركان كراهية، وفي غفلة وضعف من أمَّتها سرقت نهارًا جهارًا.

هل تتصوَّرون أن أحدًا يسرق نيويورك أو لندن؟! أتتصوَّرون أن تُسْرَق إنكلترا مهد الديمقراطية الخادعة والخدَّاعة؟! يصعب لمن يعرف هذه المدن والبلاد أن يتصوَّر أنَّها تُسْرَق، فقد دكَّ هتلر لندن بطائراته، وحوَّل بعضًا من مبانيها إلى ركام، وعاد أهلها فبنوا ما تهدَّم وزادوا في البناء.

أيُّها الأخ أينما كنت، تقول بالإسلام أو بالعروبة:
سرقوا منا يافا، سرقوا منا الجميلة، بلد المدارس والصحف.

لمحة تاريخية وجغرافية عن يافا:
مدينة عربية فلسطينية تقع على الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، وهي نافذة فلسطين إلى العالم، ويُعَدُّ ميناؤها الأول من حيث الأهمية التجارية، تقع إلى الجنوب من مصبِّ نهر العوجاء بـ (7) كم، وإلى الشمال الغربي من القدس على بعد 60 كم، يافا تحريف لكلمة يافي الكنعانية؛ وتعني: الجميلة، أطلق عليها اليونانيون اسم جوبي، وذكرها الفرنجة باسم جافا، يمتدُّ تاريخها إلى 4000 ق. م حيث بناها الكنعانيون، فتحها عمرو بن العاص، واستمرَّت إسلامية حتى الانتداب البريطاني، وبعده حتى نكبة 1948م واحتلال اليهود لها وتشريد غالبية سكانها، في عام 1947 بلغ عدد سكانها 72000، في عام 1948بلغ 3500.

أحياء المدينة:
البلدة القديمة - المنشية - العجمي - أرشيد - النزهة - الحبلة - هريش.

نشطت بالصناعات النسيجية والورق، والزجاج والإسمنت، وضمَّت ميناءً ومركزًا لصيد الأسماك، ومركزًا للنشاط الثقافي والأدبي، صدرت فيها معظم الصحف والمجلات الفلسطينية، بلغت مدارسها قبل 1948م 47 مدرسة، 19 منها مختلطة، فيها ستة أسواق، 12 جامعًا، 10 كنائس.

بلدات وقرى تابعة ليافا:
إجليل الشمالية - القبلية - أبو كشك - بيت دجن - بيار عدس - جريشة - الجماسين الشرقي - الجماسين الغربي - حرم سيدنا علي - الخيرية - رنتية - السافرية - ساقية - سروانة - سلمة - السوالمة - الشيخ مونس - العباسية - فجة - كفر عانة - المحمودية - المسعودية - المويلح - ولهلمه - يازور.
عجبًا؛ في يافا يختال الباغي!! عجبًا؛ وتنام الأمة!!

تعالوا نذكر يافا للأطفال، للنشء القادم، نذكر ما فيها من خير وظلال وغلال، في يافا حي المنشية، في يافا حي النزهة، في يافا حي العجمي، في يافا أحياء أخرى، في يافا أسواق ومدارس، في يافا مساجد، يافا تدعوكم يا أطفال، يافا تناديكم يا أطفال، غنُّوا يافا يا أطفال، في يافا نهر العوجا، في يافا أودية أخرى ترفد واديه، في يافا تاريخ الأمجاد، يافا تتكلَّم بالضاد، وتنادي أحفاد الأحفاد.

السارق مجهول أم معلوم؟ ومعين الباغي باغٍ مثله، جاؤونا من خلف البحر، جاؤونا بعيون الشر، سرقوا يافا وقراها، سرقوا أجزاء عزيزة، سرقوا مُدَنًا أخرى، سرقوا منَّا وطنًا.

ستعود يافا ستعود، ويعود الوطن يعود، لكني والله أقول: قد طال نوم الأمة.

أضف تعليقك:	إعلام عبر البريد الإلكتروني عند نشر تعليق جديد
الاسم
البريد الإلكتروني	(لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق	رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي