الحجاب في نيجيريا .. ومعركة الهوية

الحجاب في نيجيريا

ومعركة الهوية

يبدو أن موضوع الحجاب في العالم بأَسره أصبح رمزًا للهُوِيَّة الإسلامية، وليس فرضًا دينيًّا كباقي الفروض، ربما لكونه فرضًا ظاهرًا، وربما لكونه يحمل تحدِّيًا واضحًا لثقافة الْعُري الكوكبية.

ونيجيريا ذات الأغلبية المسلمة واحدة من تلك الدول التي تدور على أرضها معركة تحديد الهوية التي يُمثِّل الحجاب واجهة لها.

نيجيريا الدولة ذات الموقع الإستراتيجي غرب إفريقيا دولة ذات أغلبية مسلمة، يليها النصارى، ثم يأتي في المرتبة الثالثة الوثنيون بأديانهم المتعددة، تتركز الأغلبية الساحقة من المسلمين في الشمال؛ حيث يعانون الفقر والأمية والتهميش بكافة صوره.

نيجيريا أيضًا ساحة للصراع العالمي؛ حيث تمتلك احتياطيًّا نفطيًّا هائلاً بالإضافة للماس وثروات أخرى، مما أسال لُعَاب الغرب والصين، وحتى الكِيان الصِّهيوني، بالإضافة للشركات العملاقة عابرة القارات.

بالتأكيد ليس من مصلحة الغرب أن تَسُود لغة الحوار والعقلانية شركاء الوطن من أتباع الديانات المختلفة؛ حتى لا ينتبهوا لحقيقة الوضع المأساوي الذي تعيشه بلادهم، والذي يجعلها على شَفَا حربٍ أهلية ثانية بعد الحرب الأهلية الأولى التي يرى محلِّلون أن عدد ضحاياها هو الأكبر بعد عدد ضحايا الحرب العالمية الثانية.

هذه المقدمة الطويلة لأحوال نيجيريا كان لا بد منها لمعرفة: لماذا تُحارِب السلطات هناك الحجاب؟ حيث كانت السلطات التعليمية بـ: "لاجوس" قد قررت العام الماضي مَنْعَ تلميذات المدارس الحكومية من ارتداء الحجاب، وقالت "أولادينكا أولاونجوى" مفوضة التعليم بالمدينة التي تعد الأكبر من حيث عدد السكان في إفريقيا بعد مدينة القاهرة: "إن ارتداء الحجاب والرموزَ الدينية مخالف لقوانين تعليم حكومة الولاية، وسيُسْمَح لهن بارتداء الحجاب فقط عند الصلاة وقراءة القرآن".

وأكدت أنه تم عقد اجتماع مع مفوض الثقافة والشؤون الداخلية بالمدينة "الحاج انويلومودامالو" بحضور محامين وأولياء أمور لبحث هذه القضية، وتم اتخاذ قرار بمنع الحجاب والرموز الدينية الأخرى.

وأضافت مسؤولة التعليم بالولاية:

إنه يتوجب على الطالبات اللاتي يرغبن في الاستمرار في ارتداء الحجاب التحويل من المدارس الحكومية إلى المدارس الإسلامية الخاصة!

وهكذا، فمدارس الحكومة الوطنية تضيق عن الحجاب، وأمام الطالبة المسلمة التي تريد ارتداء الحجاب: إما ترك الدراسة وتكريس حالة الجهل المقصود أن تسود بين أبناء المسلمين، أو الالتحاق بمدارس خاصة لن يكون في مقدور الغالبية العظمى الالتحاق بها.

والخيار الثاني أن تتخلى عن خيار الحجاب، وهذا هو الهدف الإستراتيجي من مِثْل هذه القرارات، اللافت للانتباه - ولعله الأسوأ في الأمر - أن بعض الطالبات النصارى قُمْنَ برفع الإنجيل في فناء المدرسة، ورفضن دخول المسلمات المحجبات، فالعقلية الصليبية الرافضة للتعايش مع الآخر توغَّلت حتى وصلت لمستوى الطالبات في المدارس.

المسلمون والمسلمات في نيجيريا بين شقي الرَّحَى:

التوحشِ الغربي الذي جعلهم تحت خط الفقر رغم الثروات الهائلة التي تتمتع بها بلادهم، والنصارى الْمُصِرِّين على صبغ هوية نيجيريا بالروح الصليبية الحاقدة،  وقد تم طلاؤُها بعَلمانية متطرفة.

يحدث ذلك في ظروف اقتصادية خانقة، وارتفاع رهيب لمعدلات الأُمِّية، ومن ثم قد يؤدي لرد فعل عنيف ومتشدد.

هناك جهود كثيرة تُبذَلُ من أجل الوَحْدة والسلام والبعد عن التشدد، حتى إن  عشرات الآلاف من مسلمي نيجيريا قاموا بصلوات جماعية في مناطق مختلفة من البلاد من أجل هذه الأهداف.

وفي الوقت ذاته قُوبِل المسلمون بردود فعل حكومية على شاكلة حظر الحجاب في المدارس الحكومية، وكان رد فعل المسلمين غاية في ضبط النفس؛ حيث شهدت بعض شوارع مدينة العاصمة الاقتصادية "لاجوس" احتجاجات سلمية لمواطنين وفتيات؛ حيث حملت  الفتيات لافتات تدين حظر الحجاب، إلا أن عناد السلطات الحاكمة هناك قد يُفهَم على أنه إصرار على مسخ هوية نيجيريا، وخطة ممنهجة لاقتلاعها من جذورها الإسلامية، وهو ما قد يؤدي لرد فعل متشدد، خاصة من جماعة "بوكو حرام"، ومن ثم قد يكون هذا القرار بداية لدخول نيجيريا نفقًا مظلمًا جديدًا، فهل يعي الساسة والعقلاء في نيجيريا هذا؟