حوض الاستحمام ومجاعة الصومال

مقالي هذا قصير، لكنَّه يحمل من الأحزان ما يفيض عن سَعة النَّفس، فرأيتُ أن أبوح ببعضها.

في أوج مجاعة الصُّومال، وفي خضمِّ الأزمة العاتية التي تَعرَّض لها إخواننا في الصومال، وكأنِّي أرى الموت يطوف، فيحصد الأرواح والنُّفوس، والقلوب تتمزَّق أسًى وحسرة على ما آل إليه أمرُ أهل الصُّومال، ترى كثيرًا من الإخوة في مختَلِف الأقطار الإسلاميَّة يَجمعون التبَرُّعات المادِّية والعينيَّة؛ لتوفير الغذاء والماء والدَّواء لأناسٍ أقل ما يُقال عنهم: إنَّهم بشَر، يجب علينا أن نَرِقَّ لهم، ونُشفق عليهم، فما بالك بأنَّهم إخواننا في الدِّين والوطن، وأنا أقصد الوطنَ العربيَّ بالطبع.

وبعد أن رأيتُ بعض (الفيديوهات) لأهل الصُّومال، وما يحدث لهم ولأطفالهم، إذا بي أقرأ خبَرًا بعدها مباشرة عن أحد أثرياء دولة الإمارات العربيَّة المتحدة يَشتري حوض استحمام في أحد المعارض الدوليَّة، هذا الحوض (البانيو) عبارة عن حجَر كريم، تمَّ نحْتُه على شكل حوض استحمام، وأفاد الخبر بأنَّ هذا الثريَّ الذي رفض الإعلان عن شخصيَّتِه قد اشترى هذا الحوض بما يعادل 2 مليون دولار!

وأتساءل:

كيف ينصر الله أمَّة لا يحسُّ غنِيُّها بفقيرها؟

ألَم يَرِقَّ قلب هذا الرجل لمن يموتون جوعًا في الصومال؟

ألم يحسَّ بتأنيب الضمير وهو يُهدِر ما يَستطيع أن يشتري به الجنَّة؟

ألم يحسَّ بالذَّنب؛ لأنَّه أهدرَ ما يَستطيع أن يُطعِم به عشرات الآلاف، فينقذهم من بَراثنِ الموت؟

ماذا لو كان رسول الله حيًّا، كيف سيكون شعورُه لو علم بهذا؟

ماذا يقول لربِّه الذي سيَسأله عن النَّقير والقِطْمير؟ وعن مالِه؛ من أين اكتسبَه، وفيمَ أنفقَه؟

أنا لا أحرم عليه ما أحله الله له، ولكن الله - جل وعلا - نهى عن الإسراف والتبذير، فقال - جلَّ وعلا -: ﴿ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾[الأنعام: 141]، وقال - جلَّ ذِكْره -: ﴿ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا *إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا ﴾ [الإسراء: 26 - 27]، وقال سبحانه: ﴿ وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا ﴾ [الإسراء: 29]، وقال سبحانه في صفات عباده المؤمنين: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ﴾ [الفرقان: 67].

إنَّ اليوم الذي سيكون فيه المسلمون كالجسَد الواحد يتَداعى بعضُه لبعض، ويشدُّ بعضه بعضًا، ويحس كلٌّ منهم بمصاب أخيه، لَهُو يوم النَّصر - بإذن الله - أنا أُناشد كلَّ أثرياء الوطن العربيِّ - والخليج خاصَّة - هبُّوا لِغَوث إخوانكم، ولا تَركَنوا إلى الدُّنيا، واعلموا أنَّها زائلة، وأنَّ كل جنيه أو ريال أو دينار أو درهم قد يجعلكم في النَّعيم أبدًا، وقد يُورِدُكم المهالك، هدانا الله وإيَّاكم، وأعانكم على أنفسكم.