• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | محاضرات وأنشطة دعوية   أخبار   تقارير وحوارات   مقالات  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" ...
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية ...
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في ...
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    اختتام ندوة حول العلم والدين والأخلاق والذكاء ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    لقاءات دورية لحماية الشباب من المخاطر وتكريم حفظة ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    تزايد الإقبال السنوي على مسابقة القرآن الكريم في ...
    خاص شبكة الألوكة
  •  
    مناقشة القيم الإيمانية والتربوية في ندوة جماهيرية ...
    خاص شبكة الألوكة
شبكة الألوكة / المسلمون في العالم / مقالات
علامة باركود

من اليهودية إلى الإسلام... عبدالله المُشَهِّد ولاء وبراء تكافل وإخاء

عمار بن محمد بوزير

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 3/9/2011 ميلادي - 4/10/1432 هجري

الزيارات: 8661

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [سورة آل عمران آية 102] ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [سورة النساء آية 1] ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [سورة الأحزاب آية 70-71] أما بعد:

 

كلما طالعنا كتب السير والتاريخ وقرأنا نبذا من سير السلف الصالح من صحابة وتابعين وغيرهم، إلا ونقف عند أولئك الذين تركوا أديانهم الفاسدة وعقائدهم الضائعة، لما استبان لهم نور التوحيد وبهاء الإسلام، كسلمان الفارسي رضي الله عنه وتلك الرحلة الشاقة المضنية في البحث عن الدين الصحيح الموصل إلى رحاب الله جل وعلا، ولطالما رافقتنا في تلك القصص صور ناصعة خالدة من تبرؤ المؤمنين من الكافرين ولو كانوا أولي قربى ورحم، وما قصة أبي بكر الصديق مع ابنه عبد الرحمن يوم بدر عنا ببعيد، وكذلك ما وقع من أسماء مع أمها والحديث في صحيح البخاري (برقم...).

 

كما أنا نستمتع بما ترويه لنا تلك القصص من التكاتف بين المسلمين وإخوانهم الجدد، الداخلين في زمرة المؤمنين، وأواصر الأخوة التي تنبني بمجرد إعلان كلمة الحق وشهادة التوحيد، من غير النظر إلى الماضي وإن كان داميا ولا الخلفية وإن كانت محزنة، هذه العقيدة هي التي رحبت بخالد (الفتح) الذي أذاق المسلمين الويلات وهو كافر بـ(أحد)، وهي نفسها التي غفرت لوحشي فعلته وقدمته جنديا في سبيل الله ضد المرتدين، من بعد ما كان عدوا لدودا للموحدين.

 

ونحن نطالع هذه الصفحات الناصعة من تاريخ أمتنا الغالية، يخيل إلينا أنا لن نراها ماثلة أمام أعيننا أبدا، لبعد الأمة عن روح العقيدة الصافية وانحيازها عن مشارب التوحيد الخالص، إلا أننا نتذكر في الوقت نفسه أن الخيرية فيها لا تزال قائمة، والأمة الإسلامية أمة ولادة، تضرب لنا في كل وقت وحين أمثلة رائعة تصح أن تحتذى، وتكون علما على المعاني الراقية والفضائل السامية.

 

ففي وقت كانت فيه الجزائر ترزح تحت نير الاستدمار الفرنسي الذي حط بكلكله على الأمة الإسلامية الجزائرية، فجرعها كل أنواع الخزي والعار، وأنزل بها كل أنواع التخلف بداية بالدين الذي صار غريبا بين أهله إلى اللغة التي هي قُنَّاحَته وبابه، فاستبدل الفرنسية بالعربية وأرغم الناس على لوكها، إلى غير ذلك من مظاهر الاستعباد والاستبداد.

 

بالرغم من هذا كله فومضات الحق كانت تسطع من حين لآخر، ومعدن الأمة الإسلامية الجزائرية في بريق والتماع، وتضرب فيه الأمة أمثلة رائعة تضاهي تلك التي قرأناها ولطالما ولعنا بها.

 

والمحطة اليوم مع قصة سجلتها لنا صحائف جريدة البصائر تدور أحداثها بمدينة عين البيضاء تلك المدينة التي لا زالت حمالة لأهل العلم وطلبته ومحبيه، علماء وطلبة علم كان لهم الدور الكبير في المسيرة الإصلاحية بالجزائر.

 

إنها قصة تجسدت فيها عقيدة الولاء للموحدين والبراء من المشركين الكافرين بكل المعاني وأصدقها واتضحت فيها علائق الرابطة الإسلامية والأخوة الدينية بأجمل صورة وأنصعها، قصة أبطالها أهالي مدينة عين البيضاء البسطاء في معايشهم، الفقراء في جيوبهم، لكنهم العاشقون لدينهم ولربهم،الأغنياء بتوحيدهم وصبرهم وتوكلهم على بارئهم.

 

اقتسم البطولة معهم قادم جديد و أي قادم، إنه أحد أعيان يهود المدينة الذين تنكروا –كما أجدادهم-لأمة الإسلام المغاربية التي آوتهم سنين طويلة فما إن وطئت أرضنا القوات الصليبية حتى كانوا خير عون لهم على حماة الأمس، إنه اليهودي السابق (دوخان ريمو بن إلياهو).

 

كان (ريمو) أحد أفراد الجالية اليهودية التي تمركزت في مدينة عين البيضاء - عرين قبيلة الحراكتة العريقة في عروبتها وفروسيتها– إثر دخول القوات الاستعمارية لها بعد مقاومة شديدة فكانت البلدة أوربية خالصة عدى بعض المسلمين فيها، ومع الزمن وتسارعه كثر عدد المسلمين فأسسوا مسجدا هو (العتيق) ، وعُيّن لها قاضيا وإماما وغير ذلك من خطط المجتمع المسلم، وكانت العلاقة بين هذا المجتمع كما هي الحالة عليه في كل الجزائر، عز للأوربي -نصرانيا كان أو يهوديا-، وذل للمسلم الأهلي كيفما كان.

 

كان اليهود يشتغلون في ذلك الوقت بكل ما يدر عليهم المال، من صياغة، وتلحيم، وشتى أنواع التجارات بل كانوا هم أهلها وأربابها، وكان نصيب (ريمو) من هذا كله سيارة أجرة لأبيه يشتغل عليها في خط (عين البيضاء – قسنطينة) محتكا بذلك بأهل المدينة مسلمها وكافرها، غير أن المساكنة تقتضي لا محالة المخالطة بل وتصل حتى للمجانسة والمشاكلة، وهذا الذي غير حياة صديقنا (ريمو) رأسا على عقب، فخلطة المسلمين الذين لم تكن لهم كبير دنيا بل ولا عند كثير منهم تعمق في الدين غير أن البراءة الأصلية والفطرة السوية التي كان يتعامل بها هؤلاء الأهليون كانت كفيلة بأن تحدث الزلزال القوي في أعماق أعماق نفس (ريمو)[1].

 

لا تسعفنا الأوراق ولا الروايات عن المرحلة الحاسمة التي قرر بعدها (ريمو) التحول إلى (عبد الله البيضاوي) أو (عبد الله المُشَهِّد) كما يحلوا لأهل المدينة مناداته به، غير أنها وبالتأكيد كانت من أصعب المراحل استطاع فيها إيمان (عبد الله) التغلب على كل خوف (بطش اليهود) أو طمع (إغراءاتهم) أو عناد (العقيدة اليهودية).

 

غير أن التاريخ حفظ لنا تلك الروح القوية التي تحلى بها (عبد الله المشهد)في مقارعة أعند خلق الله على الإطلاق وأشد فرقة عصت أوامر الله.

 

تحدى (عبد الله) ليس اليهود فحسب بل السيادة الفرنسية في شخص أبيه رئيس بلدية عين البيضاء، واستمر على ذلك الإيمان الراسخ إلى أن وافته المنية مسلما مقبلا على الله مدبرا من الكفر، كارها للعودة فيه قاطعا الأواصر بينه وبين ماضي العناد، مادا جسور الوفاق بينه وبين حاضر ومستقبل الاستسلام لرب العباد.

 

فرحة وأي فرحة

تحت زاوية (مراسلات) حملت جريدة البصائر -لسان جمعية العلماء المسلمين الجزائريين _ مراسلتين من الشرق الجزائري الأولى من أم البواقي والثانية من عين البيضاء، كان للزردة في الأولى نصيب من الطعن والرد والفضح والتحذير وحملت عنوان: زردة أولاد سيدي أحمد بن اونيس ومضارها على المجتمع الإنساني.

 

أما الثانية فجاءت محملة بشآبيب الفرحة العارمة من أهالي عين البيضاء لإقدام أحد اليهود على اعتناق الإسلام فقال راقمها وهو أحد أركان الإصلاح بهذه المدينة الشيخ الحاج بلقاسم زيناي رحمه المولى[2] مفتتحا مقاله:"مما يفرح به المؤمن المهتم بشأن دينه المصطفى عند الله أن يرى أن الناس قد أقبلوا عليه ودخلوا فيه أفواجا لقد كان في بلدة عين البيضاء ابن إسرائيلي لقبه واسمه (دخان ريمو بن إلياهو) من عائلة (دخان) رباه أبوه المثري في المدارس العلمية الفرنساوية حتى حصل على إجازات علمية فرجع إلى (عين البيضاء) وصار يركن إلى مخالطة أبناء المسلمين ويتجنب أبناء اليهود وهو في ذلك الوقت سائق لسيارة أبيه[3]. ففرحة أهل عين البيضاء بإسلام (ريمو) لم تكن فرحة عادية فهو إسلام يهودي في المقام الأول وابن رئيس بلديتهم ثانيا ورمز من رموز الإستعمار ثالثا أفلا تكون إذا فرحتهم هذه فرحة باهرة بحق؟ بلى والله.

 

شعب الإيمان تحتل شعب القلب:

لكل قادم جديد إلى الإسلام شيء يشده في بادئ الأمر وقصص المسلمين الجدد حمالة لكثير من هذه المشاعر وتلك الأفكار على اختلاف مشارب أصحابها ولم يشذ صاحبنا (ريمو) عن القاعدة فشعائر الاسلام أخذت تتغلغل في قلبه وتأخذ بفؤاده شيئا فشيئا حتى تمكنت من حشاشته يقول الشيخ زيناي:" ...جتى صار يصوم رمضان مع الأولاد خفية على أبيه وربما يطلع عليه أحيانا فيهدده وينكر عليه وهو يتفكر في إشهار إسلامه لما تبين له من من محاسن الدين وصحة شرائعه..... وأخذ يصلي في الحمامات مع معرفة الوضوء وكذلك القراءة الكافية في الصلاة مع أولاد الإسلام ثم تدرج فأخذ يصلي في المساجد وفي شهر محرم ذهب معنا لملاقاة الحجاج وصلى معنا في جامع عنابة ثم بعد أن رجعنا إلى البلدة صمم على إظهار إسلامه".

 

براء من الكفر وأهله وإن كانوا من ذويه وآله

ليست الرغبة في تطبيق شعائر الدين الإسلامي السمح فقط هي ما ميز (ريمو)، بل إن الإيمان المتجذر في قلبه دعاه دعوة صادقة لمفارقة الباطل وأهله بدءا بآل بيته: والديه، وكأني به يتمثل سيرة أبي حذيفة بن عتبة حين دعا والده للبراز يوم بدر، وعلى هذه الطريق وبخطى ثابة سار (عبد الله المشهد) ونفر من والديه وبني جنسه مفارقا دياجير الكفر، متحصنا بقلاع الإيمان قال الشيخ زيناي:"...ويستسيغ قطع العلائق مع والديه وأولى بني جنسه إختيارا للدين وصار يمتنع من الأكل مع أبويه والنوم عندهما".

 

أليست هذه عبقة البراء من الكفر قد نفثت في روع (عبد الله )، داعية إياه لمذهب جده إبراهيم وأصحابه جينما قالوا لقومهم: ﴿إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ﴾ [الممتحنة آية 4].وهذا والله من أشد ما يبهرك في هذا الرجل غذ البراء من الأهل في الغالب ما يتأخر عند الداخلين الجدد في الإسلام، لأن روابط الأسرة الواحدة والحب الفطري المغروس في قلوب العباد يصعب على المؤمن الجديد التخلي عنها بسهولة.

 

غير أننا اكتشفنا مع (عبد الله المشهد) شكلا آخر من أشكال الإيمان العرم الذي غطى على كل علائق الدنيا كافرا بها بأجمعها مؤمنا بعلاقة الإسلام خير علاقة وأحقها في الوجود.

 

﴿بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾ [سبأ آية 33]:

لم يستسغ اليهود هذه الصدمة الموجعة، خاصة وقد جاءت من أمة يعدون أهلها من العبيد -إن صح التعبير-، كيف بغالب أن يميل إلى مغلوب وكيف بسيد أن يخضع لمسود؟ فكانت ردة فعلهم متنوعة تنوع أساليب الخبث اليهودي عن هذا يقول الشيخ زيناي مواصلا :" ثم بعد أن رجعنا إلى البلدة صمم على إظهار إسلامه فهيأ له أحد المسلمين كسوة إسلامية فلبسها وصرح بالشهادة المنجية وصلى الجمعة والجماعة مع الناس فرأى اليهود ذلك فقاموا له وقعدوا واجتمعوا وعدوه أول من فتح باب الإسلام لليهود ونسبوه إلى الجنون، وجاء أبوه يسب كل من قربه إليه أو واساه، ويرميه بالسحر، فلم يقابل من المسلمين إلا بالحلم لمكانة ابنه عندهم وجاء عمه براهب من تونس وجاءت أخواله من خنشلة وطلبوه فذهب إليهم بإذن المسلمين مع التحرز التام خوف اختطافه فلم يثنوه أبدا عن مراده، وحاجهم بأنه لا يقرأ من الدين كثيرا فإن شئتم أتيتكم بعالم من المسلمين فيجادل عني، وواعدوه بتزويج بنت فاضلة مع سيارة عالية وثمن يفوق أربعين ألفا إن رجع إلى دينه اليهودي."

 

ولنا مع هذه الفقرة وقفات:

- "يسب كل من قربه إليه أو واساه ويرميه بالسحر" قال جل وعلا في حق نبيه صلى الله عليه وسلم ﴿إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا﴾ [الإسراء آية 47] وفي حق موسى عليه الصلاة السلام يقول ﴿فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا﴾ [الإسراء 101] فهذه التهمة من أهل الباطل ليست غريبة عنهم بل هي سلاح كل ضعيف حينما لا يجد للحق سبيلا يلجأ إلى الغيب وما كان خافيا.

 

- "فذهب إليهم بإذن المسلمين مع التحرز التام خوف اختطافه" هذه هي اللحمة الإسلامية التي لا تنفطر أبدا ولا توازيها لحمة عرق ولا تعادلها رابطة أرض، عروة وثقى لا انفصام لها، (ريمو) اليهودي عدو الأمس هو (عبد الله)أخ اليوم المسلم فالذود عنه وكف الأذى عن حياضه من أوجب الواجبات، خاصة ضد قوم الغدر رداؤهم والمكر دثارهم والخبث زينتهم.

 

-" وواعدوه بتزويج بنت فاضلة مع سيارة عالية وثمن يفوق أربعين ألفا " يذكرنا هذا بما أخرجه ابن جرير في سبب نزول قول الله تعالى: ﴿وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا﴾ [الإسراءآية 90] من حديث ابن عباس وفيه وبعدما حكى استدعاء كفار قريش لنبينا صلى الله عليه وسلم قالوا له: ((فإن كنت إنما جئت بهذا الحديث تطلب به مالا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا وإن كنت إنما تطلب الشرف فينا، سوّدناك علينا، وإن كنت تريد ملكًا ملكناك علينا، وإن كان هذا الذي يأتيك بما يأتيك رئيًا تراه قد غلب عليك -وكانوا يسمون التابع من الجن: الرئي -فربما كان ذلك، بذلنا أموالنا في طلب الطب، حتى نبرئك منه، أو نُعذَر فيك)).

 

وكأني بـ(عبد الله المشهد) يجيبهم بما أجاب به نبينا صلى الله عليه وسلم حين قال لعتات قومه: ((ما بي ما تقولون، ما جئتكم بما جئتكم به أطلب أموالكم، ولا الشرف فيكم، ولا الملك عليكم، ولكن بعثني إليكم رسولا وأنزل عليّ كتابًا، وأمرني أن أكون لكم بشيرًا ونذيرًا، فبلغتكم رسالة ربي، ونصحت لكم، فإن تقبلوا مني ما جئتكم به، فهو حظكم في الدنيا والآخرة، وإن تردّوه عليّ أصبر لأمر الله، حتى يحكم الله بيني وبينكم)) وكذلك ثبت (عبد الله المشهد) وتابع محمدا بن عبد الله صلى الله عليه وسلم وثبت ثبوت الجبال الراسيات ولم يتغير رغم كل المغريات قال الشيخ زيناي:"فأبى وخابت مساعيهم وأخبرهم أن همه ما عند الله لا ما عندهم".

 

 

 

رحلة كرحلة سلمان:

كما سبق فمن أروع ما قرأناه في سير الصحابة تلك الرحلة التي قام بها سلمان الفارسي رضي الله عنه عبر الزمن والأمكنة فعمره الذي قارب الثلامئة عام سخر بأكمله للبحث عن الحق والاستزادة من العلم و رحلته عبر أقطار وأقاليم متنوعة للوصول إلى صاحب العلم الصحيح كل هذا كان غاية في الروعة والجمال ومنبؤ لا محالة عن صدق ويقين في الله.

 

ولم يكن صاحبنا (عبد الله) مخالفا لهذا النهج، كيف يخالفه وقد اتبع دينا أول كلمة أنزلت فيه من عند البارئ جل جلاله هي ﴿إقرأ﴾ وهو يسمع نبيه يقول: ((طلب العلم فريضة على كل مسلم)) فلا بد إذا من الرحلة لملاقاة العالم. فكان حينها اللقاء بأسد العرين وحامي حمى الإسلام والعروبة بحق في القطر الجزائري الإمام الرئيس عبد الحميد بن باديسرحمة الله عليه قال الشيخ زيناي: "ثم سافر مع أفراد إلى الشيخ عبد الحميد بن باديس فزوده بنصائح بعد أن هنأه بسعادة الدارين".

 

تكافل وإخاء منقطع النظير:

روى البخاري في الصحيح من حديث أبي موسى قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو أو قل طعام عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية فهم مني وأنا منهم)).

 

هذه هي العقيدة التي سار عليها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والأحاديث الدالة على ذلك كثيرة، وبما أن هذه الأمة لا اقتباس لها إلا من مشكاة النبوة ولا اقتداء لها إلا بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقد سلك أهل مدينة عين البيضاء نفس السبيل، سبيل التكافل والتظافر.

 

وإن كانت يهود قد أغرت فقيدها بما أغرته به واضعة بين يديه كل مشتهيات الدنيا، فضعاف المسلمين على فقرهم وعوزهم كانوا أكرم وأبر بالوافد الجديد، وعلموا أن إعانته وإغناءه فيه تثبيت لقلبه، وتركيز لدعائم التوحيد في فؤاده، وذلك ما تم فعلا قال الشيخ زيناي: "ولما رجع إلى عين البيضاء اهتم أهل البلاد به وجمعوا له ما يزيد عن ثلاثة آلاف فرنكا[4] وهم جادون أن يزيدوا له ما يشتري به سيارة يتكسب بها كما هي حرفته[5] مع فرح به وإجلال له كما يجب لضيف نزل بالمسلمين وترك أقاربه ينظرون إليه شزرا بتحسر وتلهف".

 

مسلم بالرغم من كل شيء

اجتاز أخيرا (عبد الله المشهد) أكبر عقبة في حياته الإسلامية هي عقبة المواجهة، مواجهة اليهود وبني قومه، واحتاج ليحتل مكانه في صفوف المسلمين فكان له ذلك مع قليل من التكعير – صنعته الإدارة الإستعمارية آنذاك-، غير أن إيمانه الجازم ظل دوما حليفه وساعده إلى أن لقي الله تعالى قال الشيخ زيناي عن هذه المرحلة:"وأخذ يحضر دروس الدين ويحفظ الحديث والقرآن وقد راودناه على التزويج[6]" فأبى إلا بعد الحج إلى بيت الله الحرام ...وقد ذهب إلى قاضي البيضاء[7] ليثبت عنده إسلامه رسميا ففرح به، لكنه تأسف كثيرا حيث لم يسمح له القانون بذلك فدله على (النوتير) [8] فذهب إليه فأمره أن يجعل بيده وصية وإشهادا في قاغد تامبر (4) فرنك ويتركه لديه حتى يدفن في مقابر المسلمين إن مات ففعل وهمه أن يلقب نفسه في عائلة الإسلام حتى يتمكن إحراز الإذن في السلفر إلى الحج أو غيره بصفته مسلما في نظر القانون".

 

وما لم يحكه الشيخ زيناي في المقال أن (عبد الله المشهد) عاش في البيضاء كما المسلم الأصيل، بل وأحياه الله حتى رأى راية الإسلام تعلو فوق بيوتات المدينة، وشاهد الجزائر وهي ترفل في نعيم الاستقلال، ومن جميل صنيع الدولة الجزائرية بعد التحرر أنها أعادت إليه نصيبه من أملاك عائلته اليهودية التي حرم منها -من قبل- وساهم هو في المجتمع المسلم فأنجب أبناء نجباء وبنات خيرات لا شك أنه زاد بهم رصيد الأمة الإسلامية محققا وعد ((إني مباه بكم الأمم))، وهم الآن منتشرون في المدينة غير ناكرين أصل أبيهم بل قل مفتخرين به، وحق لهم ذلك بل بعضهم طالما حمد الله على إسلام جده.

 

هذه هي قصة (عبد الله المشهد البيضاوي) صفحة ناصعة بهية من تاريخ الإسلام وبشائره في الجزائر الحبيبة، أزفها إلى الخلف ليفرحوا بما صنعه السلف فرحمة الله على أولئك وستره معنا، ونسأله تعالى أن ينفع بها كل واقف عليها وصل اللهم وسلم على محمد وآله وصحبه أجمعين.



[1] حدثني أحد رفقاء (ريمو) أن هذا الأخير لم تكن له خلطة كبيرة مع بني جنسه من اليهود بل أغلب جلسائه هم من المسلمين فتأمل تأثير المسلمين على غيرهم وإن كانوا من الأميين.

[2] عميد الإصلاحيين بمدينة عين البيضاء الشيخ المصلح الثائر بلقاسم بن الطاهر زيناي (1902م-1969م) مدير المدرسة الإسلامية بها وإمام مساجدها لمدة معتبرة ونائب رئيس شعبة جمعية العلماء المسلمين بعين البيضاء قبل أن ينفصل عنها، تلقى تعليمه بها ثم انتقل إلى تونس فتخرج من جامع الزيتونة وعاد أدراجه إلى مسقط رأسه أين بدأ مسيرته الإصلاحية. أنظر الشهيد العلامة الشيخ العربي التبسي للأستاذ الطيب بن نادر(ص27-36) ورسالة التركة المغمورة للأستاذ الشريف شناتلية (ص14-26).

[3] البصائر السنة الأولى العدد (22) (15 ريع الأول 1355هـ)الموافق لـ:(5جوان 1936م) وكل ما أنقله من رواية الشيخ زيناي للقصة فهو من هذا المقال.

[4] حدثني أحد الشهود وهو من تلاميذ الشيخ زيناي أنهم كانوا يطوفون بالناس في الأسواق والبيوتات يجمعون المال، وما تخلف عن ذلك أحد من أهل المدينة.

[5] وقد تم لهم ذلك واشتريت السيارة فعلا.

[6] تزوج من بعد ذلك امراة تونسية لا زالت على قيد الحياة.

[7] ربما هو القاضي أحسن بولحبال أو الشيخ عبود الونيسي رحمهما الله تعالى.

[8] أي الموثق.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • رحلة الأخت روندا من النصرانية إلى الإسلام
  • إخاء بناء

مختارات من الشبكة

  • اليهودية الليبرالية واليهودية التقدمية(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الشخصية اليهودية الإسرائيلية وأثرها في صياغة الحرب النفسية اليهودية الإسرائيلية (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • اليهودية الأرثوذكسية في الكيان الإسرائيلي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • مكانة المرأة في الأديان السماوية الثلاث (الإسلام، اليهودية، النصرانية) (PDF)(كتاب - ملفات خاصة)
  • بريطانيا: إدراج اليهودية في امتحانات المدارس وتجاوز الإسلام(مقالة - المسلمون في العالم)
  • دور المنظمات اليهودية مع الإسلام(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • تشديد العقوبة على جريمة الزنا في اليهودية والمسيحية والإسلام (نقاط الاتفاق)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مراعاة الأدب والحياء في اللباس في اليهودية والمسيحية والإسلام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تحريم لحم الخنزير في اليهودية والمسيحية والإسلام (نقاط الاتفاق)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أبحاث في الشرائع اليهودية والنصرانية والإسلام(WORD)(مقالة - موقع الأستاذ الدكتور فؤاد عبدالمنعم أحمد)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب