• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  موقع الأستاذ الدكتور عبدالله بن إبراهيم بن علي الطريقيأ. د. عبدالله بن إبراهيم بن علي الطريقي شعار موقع الأستاذ الدكتور عبدالله بن إبراهيم بن علي الطريقي
شبكة الألوكة / موقع أ. د. عبدالله بن إبراهيم بن علي الطريقي / حوارات وتحقيقات صحفية


علامة باركود

التعدد بين التشريع والعادات.. والنساء يتحدثن عن معاناتهن

مي الشايع

المصدر: موقع: جريدة الرياض

تاريخ الإضافة: 3/5/2011 ميلادي - 29/5/1432 هجري

الزيارات: 42656

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الإسلام ارتقى بحقوق المرأة لدرجة لم توفرها جميع الأديان في تناغم وتوافق كبيرين يتناسب وتركيبها النفسي والعضوي، ولكن المشكلة الأزلية للمرأة في المجتمعات العربية والإسلامية ليست في التشريع وإنما في التطبيق، وغلبة العادات والتقاليد والأعراف التي مثلت قانوناً يمارس على المرأة.

 

وما زالت كثير من النساء يدفعن ثمن الفهم الخاطئ للتشريع الإلهي لحقوقهن كاملة ابتداءً بالزواج وانتهاءً بحقوق الإرث، بل إن الظلم تجاوز مداه لنرى المهتمين بالقضايا الأسرية من علماء ومفكرين ومتخصصين يميلون إلى تحميل المرأة مسؤولية الإصلاح تحت لواء الصبر والتحمل والمجاهدة متغافلين عن الطرف الآخر أو النصف الآخر وهو الرجل. وهذا الفهم المتوارث جيلاً بعد آخر لحقوق المرأة سنعرض صورة من صوره على المرأة في عالم التعدد.

 

ولم أكن أتصور في بحثي خلف الأبواب المغلقة للأسر أن ألمس مثل حجم وكثافة هذه الصور الحزينة للنساء اللاتي يبحثن عن العدل والإنصاف والإنسانية التي شرعها الله لهن تحت ميثاق التعدد، ونظراً لخصوصية وحساسية الموضوع سأكتفي بذكر الاسم الأول فقط لجميع الشخصيات.

 

الزوجة.. الهدية:

(حنان) تقول: تزوجت كأي فتاة وأحببت زوجي كأي امرأة لا ترى في هذا العالم سوى زوجها الذي تسير كل حياتها على سبيل إرضائه.. كان شعاري "هو جنتي وناري" وهدفًا جميلًا لوقوفي أمام المرآة كي أتجمل طوال اليوم، أمكث في مطبخي ما شاء الله، أعد أصناف الطعام وألوان الشراب وأنا أتخيل ملامح سعادته وسروره بما أصنع. عندما يغادر المنزل انهمك في رعاية أبنائي وبيتي وقلبي متعلق بلقائه مهما تأخر.. على أمل عودته لأحلق معه في أجواء الطمأنينة والسكينة، وبمعنى آخر كنت أرى نفسي زوجة مثالية لزوج أكثر مثالية لأنه يستحق ذلك كله.

 

وتبددت هذه السعادة كما تقول حنان عندما لاحظت تهامس أقارب زوجها عن رغبته في الزواج بامرأة أخرى، ولم تهتم بل اعتبرتها نوعًا من أنواع الإشاعات لزعزعة الاستقرار في حياتها مع زوجها حيث تصورت بأن الجميع من الأقارب يحسدونهما على حبهما وتفانيهما، وفي إحدى ليالي انتظاره وبعد عودته من عيادته حيث يعمل طبيبًا أخبرها بعد مقدمات ساحرة وعبارات منمقة عن الحب والوفاء وكونها أروع امرأة في الوجود أخبرها بخطبته لشقيقة زميله في المستشفى وهي الأخرى طبيبة تأخر بها سن الزواج.. كانت ردة فعل حنان الأولى الخروج من حياته نهائيًا فلا طاقة لها على رؤية امرأة أخرى تشاركها زوجها الذي عاشت معه عشرة أعوام ساهمت خلالها في نجاحه في عمله فغادرت إلى منزل أهلها تاركة أبنائها الأربعة عند أهل زوجها. وطال انتظارها.. وتزوج بالثانية وسافر لقضاء شهر العسل ولم يتصل بها أو يزورها رغم علمه بحالتها النفسية السيئة وحاجتها إلى قربه في هذا الوقت، وبعد أن عاد من سفره زارها بصحبة أبنائه الأربعة وبيده هدية متواضعة ليعود بها إلى المنزل.. وتحت إلحاح أهلها ومبرراته وحاجة أبنائها إليهما معًا عادت معه إنسانة أخرى على حد وصفها.

 

وتستطرد قائلة: مضى على زواجه الثاني أربعة أعوام أنجب خلالها طفلين لم تشعر خلالهما بطعم السعادة أو الهناء فلا عدل في المعاملة أو المبيت أو حتى العناية والاهتمام بالأبناء بل إن لزوجته الثانية سلطان وهيمنة عليه إلى أبعد الحدود، فما يكاد يأتي عندنا إلا وتبدأ اتصالاتها بالهاتف والجوال والرسائل، أشعر به يمكث عندي وهو يخشى غضب الثانية، لم يعد زوجًا كما في السابق رغم أنني بشهادة الجميع أجمل منها ومسالمة وطيبة ومطيعة، فقد أطعته عندما رفض أن أعمل بعد تخرجي لأنه طبيب ويريد ربة بيت لا زوجة عاملة، يجب إشرافي على مأكله وتربية أبنائه وهذا الشرط الظالم أراه الآن قد غاب فزوجته مثله طبيبة أي امرأة عاملة والخادمة تطبخ طعامه والمربية ترعى أبناءه وزوجته معه في المستشفى وفي المنزل، يذهبان معًا ويسافران معًا لها معظم الوقت والرعاية والاهتمام وأنا لي ما يفضل من وقته واهتمامه بل إن الظلم امتد لأبنائي فقد أصبح يتذمر من إزعاجهم ومشاكلهم وطلباتهم واختتمت معاناتها قائلة: لقد ظلمني زوجي ولم يوفق للعدل بيننا فهل هناك من ينصف؟

 

اكتبي لمن يرى في التعدد الحل لمشاكل العوانس والمطلقات أن الرجال يحلون مشكلة امرأة على أنقاض امرأة أخرى! ويبنون بيوتًا على هدم بيوت أخرى عندما يعجزهم العدل.

 

التعدد من الخارج:

(قماش) في بداية حديثي معها قالت بثورة لا أريد أن أتحدث عن معاناتي وأحب أن تعلموا بأنني الزوجة الأولى لرجل مزواج تزوج أكثر من خمس نساء جميعهن أجنبيات ولا يمكث معهن إلا عامًا أو عامين ليطلقهن بحجة أنه لم يرتح لأي واحدة، وله من كل زوجة بنت أو ابنة مع أمهاتهن في بلادهن.

 

وأضافت لكني أريد أن أوجه رسالة لمن يحثون الرجال على التعدد دون أن يحثوهم على العدل ويغلظوا في هذا الأمر. لقد أساء الرجال استخدام هذا الحق وكانت النتيجة نساء مهملات مهجورات وقبيلة من الأبناء لا يعلمون عنهم شيئًا. والأمر الثاني إعطاء التصاريح للرجال للزواج من الخارج دون قيود خاصة للمتزوجين منهم فقبل مدة نشرت جريدتكم عن هذا الموضوع وعن الأطفال السعوديين من أمهات أجنبيات مطلقات ومدى معاناتهم، فهل شددت الجهات المسؤولة على التعدد من الخارج؟

 

التعدد للتأديب!!

(جهير) بحكم أنها مطلقة ولها ابنة من زوجها الأول فقد قبلت أن تكون الزوجة الثانية خاصة وأنه شاب ما زال في الثلاثينات وليس له سوى طفل واحد وكان شرطها لقبوله معرفة السبب في رغبته في التعدد فأخبرها بأن زوجته الأولى مريضة نفسيًا وتخضع للعلاج بالمهدئات مما يجعلها غير قادرة على القيام بواجباتها الزوجية وهي على علم برغبته في الزواج. فقبلت به وتوسمت به الخير لأنه على خلق وعلم ودين ولم يكن لها شرط سوى أن تستقل بمسكن عن الزوجة الأولى وبالفعل أسكنها في الدور العلوي من المنزل وخصص الدور الأول للأولى وتقول جهير: كنت سعيدة جدًا في شهور الزواج الأولى وشعرت بأنه البلسم للشقاء الذي عشته مع زوجي الأول وزادت سعادتي بعد أن رزقني الله طفلًا منه كما أنه لم يمانع أن تكون ابنتي عندي وتأتي لزيارتي وخلال العام الأول كان عادلًا بيننا ولم أشعر بأي منغصات. وفي أحد الأيام طلب مني أن أوافق على السكن مع زوجته الأولى في نفس الدور لأن المساحة كبيرة وهي مريضة ويحتاج طفله الآخر منها للرعاية بالإضافة إلى أن إمكاناته المادية لم تعد تسمح بانفصال كل زوجة في مسكن خاص.. وبعد تردد وافقت على طلبه وليتني لم أوافق؟ فقد كانت الصدمة الأولى التي أذهلتني عندما

 

رأيت زوجته الأولى لأول مرة فهي جميلة ومعافاة بل وتهتم به أشد ما يكون الاهتمام ولها مكانتها الخاصة في قلبه فهي التي أقنعته بموافقتها على أن نكون معًا في منزل واحد، فابتعلت الصدمة الأولى وحاولت التأقلم لأنني أحببته، فخصص لي حجرة مستقلة أمام حجرتها وكان البيت حقًا مشاعًا لكن وبمرور الأيام تغير زوجي.. فكان يدخل إلى البيت فيسارع إلى مناداتها وطلب جميع احتياجاته منها ويأكل من الطعام الذي تصنعه ويلاطفها كثيرًا في الوقت الذي أشعر بحديثه معي وملاطفته لي كتأدية الواجب، وحاولت في بادئ الأمر أن أبرر ما أشعر به هو مجرد الغيرة أو الوساوس.. ولكن الحقيقة بدأت تظهر عندما أصبح يكثر الخروج معها ويتركني في المنزل بحجة أنها مريضة وحالتها النفسية غير مستقرة وتحتاج إلى الترويح، وعندما تكون ليلتها كنت اسمع ضحكه ومزاحه معها وعندما تكون ليلتي معه يكون عكس ذلك ويتعذر بأنه متعب ومجهد وأن لديه أعمالًا ..إلخ، واستمر الوضع هكذا على مدى عامين إلى أن أتت اللحظة الحاسمة عندما فقدت السيطرة على مشاعري وذهبت في إحدى الليالي أطرق باب حجرتهما وأصوات الموسيقى تنبعث من آلة التسجيل وبعد فترة فتح الباب وطلبت منه أن ينقلني إلى مسكن آخر إذ لم أعد أحتمل هذا الوضع وكانت الصدمة الثانية عندما تولت زوجته الأولى الإجابة عنه قائلة: ألم تفهمي حتى الآن بأن زواجه منك كان غلطة. لقد وقع خلاف بيننا طلقني خلاله طلاقًا رجعيًا ولأنه تحت تأثير الغضب رغب في الزواج سريعًا لتأديبي كما كان يتصور، وأنا لست مريضة وبيننا عشرة وحب وطفل وهو نادم الآن على زواجه منك ولكنه قد تورط بهذا الطفل الذي بينكما فإما أن تعيشي على هذا الوضع أو أن تتركينه وشأنه وسيتكفل بالنفقة على ولده. ولم أسمع منه كلمة واحدة بل كان صامتًا لا يتكلم والسكوت معناه الرضا. وعدت إلى منزل أهلي مطلقة للمرة الثانية بقايا إنسان فلقد أحببت وأخلصت وتفانيت ولم يقابل هذا إلا بالظلم والجحود فثمن تأديب الزوجة زوجة أخرى وكأننا أحجار في لعبة شطرنج محرمة. فكيف لنا معاشر النساء أن نشق  قلوب الرجال لنعرف نواياهم للزواج من ثانية وثالثة ورابعة، لو كانوا يتقون الله ويعلمون بأن الزواج ميثاق غليظ قبل أن يكون حلًا لمشكلة أي امرأة لما تمادوا في الظلم. وتختتم بأسى قائلة: إنني الآن مطلقة في الخمسين من عمري منذ عشرة أعوام ولا أرغب في الزواج.

 

انتهاء الصلاحية:

(العنود) في مستهل حديثها قالت إن الله يأمر بالعدل والإحسان وينهى عن الظلم ولقد حظيت المرأة بعناية فائقة في الكتاب والسنّة قال تعالى: ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [النساء: 19] وقوله عليه الصلاة والسلام: "أوصيكم بالنساء خيراً". والله تعالى عندما شرع التعدد قال لن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم لأنه أعلم بطبائع النفس البشرية وقدراتها وفي الوقت الذي أباح زوجة واثنتين وأربعًا قيده بالعدل. وقد ذكر كثير من العلماء أن الرجل  الذي يجد في نفسه القدرة على العدل فلا حرج عليه في التعدد والحاصل أن معظم الرجال في مجتمعات الخليج خاصة أخذ في التعدد على أنه حق مشاع للقادر على العدل والذي لم يقدر فمنهم من يتزوج لمجرد المتعة ولا شيء سواه فنادرٌ من يتزوج سمراء أو من لا تتصف ببعض الجمال، بل أصبحوا يعددون بالأجنبية، إذًا فالزواج من أجل حل مشكلات المجتمع وتحصينه غير وارد في فكر معظم الرجال.

 

وبعد هذه المقدمة الموضوعية والبليغة سردت معلمة الاجتماعيات قصتها إذ تزوجت منذ تسعة عشر عامًا وأنجبت سبعة أبناء عاشت مع زوجها صابرة على ظروفه المادية البسيطة وقبلت العيش مع أهله إلى أن تحسن وضعه المادي وتعاونت معه على بناء منزل خاص بهما، وضعا في بنائه حصاد السنين وبعد أن تحقق حلمهما بالاستقلالية وتأمين المسكن للأبناء وبدأت الأحوال المادية لهما تتحسن بعد مزاولة زوجها لعدد من الأنشطة التجارية، وكبر الأبناء نسبيًا، إذ تفاجأت به يتزوج بأخرى أجنبية من إحدى الدول العربية المعروف عنها اصطياد الكهول والشيوخ من رجال الخليج لتزويجهم ببناتهن، فقام بتخصيص الجزء العلوي من المنزل بأكمله للزوجة الجديدة وحشر زوجته الأولى وأبناءها السبعة في الجزء السفلي من المسكن وعندما سألته عن سبب زواجه أخبرها بأن الشرع حلل له أربعًا وهي تتمنى لو أنه تزوج بامرأة قريبة من عمره أو من بنات وطنه، بل تزوج مراهقة في عمر بناته! لم تقبل به إلا لماله. فلم يكن ذلك بالأمر الهين عليها ذلك أن صبرها ومعروفها معه لم يقدر. وكافأها بأن نسي الفضل بينها، وعندما عاتبته مجرد عتاب وذكرته بأن البيت بيتهما معًا ثارت ثائرته ووعدها بأن يدفع لها حصتها في المنزل، أو أن يشتري لزوجته الثانية منزلًا آخر. فبكل بساطة نسي كل شيء ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل أصبح يزورهم كالضيف ويتذمر من طلبات أبنائه وبناته ولا يكاد يصرف إلا ما يحتاجه المنزل والأبناء أما ما يتعلق بمصروفها كزوجة فإنه لا يعطيها ريالًا واحدًا على حد قولها وحجته في ذلك أنها موظفة أما الأخرى فغير ذلك بل إنه يسافر مع الثانية إلى بلادها مرتين في العام، وعندما تطالبه بالعدل يذكرها بأن أهلها هنا وأهل الأخرى بعيدون وهي تصف نفسها بأنها حطام امرأة ولولا إيمانها بالله ثم صبرها لكانت الآن صريعة الأمراض النفسية والعصبية.

 

استغلال التعدد:

(سارة) تؤكد على أن أجمل أيام عمرها ذهبت سدى بسبب عدم العدل في التعدد وأنها برغم بلوغها منتصف العقد الخامس من عمرها مازالت تشعر بأنها لم تحظ من الزواج كحق طبيعي ولهذا قبلت بالزواج من رجل يصغرها بعشرين عامًا لعلها تجد معه السكينة والأمان اللتان حرمت منهما وتعوض سنين الشباب التي رحلت.

 

فقد تزوجت في صغرها من رجل متزوج من امرأة أخرى وكان ذا مال وجاه ذلك أغرى والديها بالهدايا وغلاء المهر وبحكم صغر سنها وعدم نضجها  وافقت، وبعد أيام من هذا الزواج أدركت بإحساس الأنثى أن هذا الرجل لم يتزوجها إلا من أجل المتعة فقط. فكان يمارس معها الحلال والحرام في العلاقة الزوجية واكتشفت أن ميوله الشاذة هي التي جعلته يرغب في الزواج من ثانية على أم أبنائه ومما أكد ظنونها أنه كان يجبرها على تناول العقاقير المانعة للحمل، وبعد مضي عشرة أشهر أخبرت والدتها بحقيقة الأمر فأشارت عليها بأن لا تنساق لرغباته في غير ما أحل الله فإن كان يقبل بذلك وإلا تفريق بإحسان، وما أن خيرته بذلك سرعان ما طلقها بعد أن ترك بصمة سوداء في عواطفها تجاه الرجال وكره شديد لطبيعة العلاقة الشرعية بين الزوجين. وبعد مدة ليست بالقصيرة تقدم لها رجل على خلق ودين وثراء متزوج من ثلاث نساء ويريدها الرابعة فأرغمها أهلها للمرة الثانية على الزواج منه وزفت إليه جسد بلا روح، وحين لاحظ امتناعها في أحيان كثيرة عن فراشه شرحت له معاناتها من تجربتها الأولى وأنها تركت أثرًا سيئًا على نفسيتها وأنها بحاجة إلى تفهمه ورعايته، إلا أنه رغم علمه وتفقهه في الدين لم يصبر ويستوعب الأمر وكان يرى بأن العدل يقضي بذلك مهما كانت الظروف! فأنجبت له أربعة من الأبناء وعاشت معه عشرين عامًا لا تجد متعة ولا سكنًا ولا اهتمامًا بمشاعرها وعواطفها وكانت الخلافات تنشب بينهما دائمًا لهذه الأسباب، وانتهى الأمر بالطلاق رغم تنازلها عن حقها الشرعي في المبيت كزوجة لتهب ليلتها لإحدى زوجاته. ولكنه لم يقبل.. وقبل عامين تقدم لخطبتها شاب يصغرها سنًا متزوج يريد التعدد وعندما علم من أقاربها بقصتها تزوجها زواج مسيار مشترطًا ألا تعلم زوجته بذلك وقبلت بهذا الوضع لأنها تبحث عن السكينة والأمان.

 

نسيان الفضل!!

(حياة) أخبرتنا عن تجربة شقيقتها الكبرى التي توفيت منذ خمسة أعوام بعد أن أصيبت بمرض خبيث وفي الأيام الأخيرة من مرضها تزوج زوجها بأخرى، ولم يراع طبيعة مرضها وتأثيره على نفسية المصاب به.... فتدهورت صحتها كثيرًا بعد أن علمت بخبر زواجه. فلم يكن همه سوى الزواج بأخرى بعد  أن يئس من شفاء شقيقتها، فزواجه قضى على ما تبقى من عافيتها إذ توفيت بعد زواجه بشهر واحد. وقد تأثر الجميع لموقف زوجها وذكروه بصحبة عشرة أعوام وإنجاب خمسة أطفال، ولم يثنه ذلك عن تأجيل رغبته تلك! فسرعان ما تخلى عنها ونسي ما كان بينهما من فضل وماتت زوجته وفي قلبها حسرة من خذلان زوجها وأنانيته التي منعته من احتساب الأجر بالصبر على شقيقتها إلى أن يقدر الله ما شاء.

 

التخلي عن المسؤولية:

(ابتهال) تجاوزت العقد الثالث من العمر ولم تتزوج ويعود عزوفها عن الزواج خوفها من التعدد وآثاره السلبية لمن لا يعلم كيف يعدل، ويكون مسؤولًا. فقد نشأت في عائلة مشاعٌ في محيطها أمر التعدد فوالدها تزوج أكثر من عشر نساء فثلاث ثابتات والرابعة مجال تغيير ساعده في ذلك إمكانياته المادية، فكانت الحصيلة خمس عشرة بنتًا وعشرين ولدًا. والدها لا يعلم عن أمر تربيتهم ورعايتهم شيئًا، فقد أوكل مهام الرعاية والاهتمام للأمهات فقط، فهو لا يزورهم إلا من وقت لآخر ويغدق بالأموال عليهم ليعوضهم عن بُعده غير مدرك أنهم يفتقدون إحساسهم بالأبوة والرعاية والتوجيه الأبوي، فالعلاقة بينه وبين أبنائه هي التمويل المادي وتوفير ما يلزم لاستمرارية الحياة، فمن إخوانها وأخواتها الأشقاء وغيرهم من أخفق في دراسته ومن تكابد والدتها في رعايتها وتحقيق مطالبها.. ووالدهم غارق في تجارته ونسائه، لذلك هي تشترط على كل متقدم ألا يتزوج عليها ووالدها يرفض هذا الشرط، لأنه لا يتفق مع الأعراف والتقاليد، وهي حتى الآن ترفض الزواج حتى لا تتكرر المأساة على حد وصفها، وتؤكد على أن الزواج يعني استقرار ومشاركة وأبناء لهم كل الحقوق.

 

جزاء سنمار:

(غنيمة) أقدمت على الخطبة لزوجها من امرأة مطلقة وذلك لعدم قدرتها على الإنجاب كما كانت تعتقد، فحبها لزوجها وإحساسها بالعجز لاكتمال سعادته جعلتها هي بنفسها تقدم على الخطبة له من امرأة تعرفها!! ولكن بعد مضي أكثر من عام اكتشفت الحقيقة في أن الزوج  هو العائق في الإنجاب وليست هي أو زوجته الثانية وتذكرت رفضه مرارًا لإجراء أية فحوصات لمجرد الاطمئنان سلامته وخلوه من أية أمراض تعيق إنجاب الأطفال، ولكن بعد زواجه الثاني وتحت إلحاح الزوجة الجديدة راجع العيادات المتخصصة والتي أكدت ضرورة إجراء عمليات جراحية له كي يستطيع الإنجاب، وبعد أن خضع لذلك حملت زوجته الجديدة وأنجبت له طفلين فانشغل بهما وبأمهما، وأولاهما كل عنايته ووقته، وكان الجحود والنكران والإهمال من نصيب غنيمة!! لدرجة أنه أصبح يلمح بالطلاق كلما طالبته بحقوقها على الرغم من تضحيتها وصبرها وضياع الفرصة منها في الإنجاب.

 

وأوضح عن كون التعدد مندوبًا إليه ومرغبًا فيه أم هو مجرد رخصة:

إنه لا فائدة كبيرة من وراء هذا السؤال، لأن المحصلة واحدة، وهي الإباحة. ولكن قد يكون في حق البعض مستحبًا ومرغوبًا، وفي حق آخر يكون مباحًا فقط. لكنه يكون منهيًا عنه إذا كان الإنسان لا يستطيع العدل. وبهذا يتبين أن الحكم يختلف من شخص إلى آخر.

 

• وحول تركيز بعض العلماء والدعاة على الترغيب في التعدد دون التأكيد على أهمية العدل:

التعدد وحل المشكلات الاجتماعية:

هل أصبح التعدد في حاضرنا الحل الأمثل لمشكلات العنوسة والطلاق والانحراف والترمل؟

 

تولت الإجابة عن هذا السؤال بعض ممن يعنيهن الأمر:

(هند) تؤكد على أنه ليس الحل الأمثل في ظل الفهم الخاطئ لفقه التعدد فالزوج الذي يعدد على حد تعبيرها يبحث في الغالب عن فتاة غير متزوجة صغيرة السن جميلة موظفة إلى آخره بمعنى آخر أنه يريد حياة جديدة فهل أمثال هؤلاء وهم الغالبية يفكرون في المطلقة أو العانس أو الأرملة أو العقيم؟ في تصورها أن الحل يكون مبنيًا من واقع دراسة ميدانية علمية لمعالجة هذه المشاكل.

 

(زهوة) من الإمارات تستغرب الإقبال على التعدد في الوقت الذي تزداد فيه نسب الطلاق والذي يعني التفكك الأسري ومن أسبابه إهمال الزوج لمسؤولياته نحو زوجته وأبنائه فأيهما الأولى معالجة البيوت التي على حافة الانهيار أم إنشاء المزيد على أنقاض الأخرى؟

 

(ميرفت) من جمهورية مصر العربية تؤكد رفضها أن تكون الزوجة الثانية أو الثالثة فهذا الرجل الراغب بالتعدد أتيحت له فرصة الارتباط بامرأة هو الرجل الأول في حياتها وهي بالمثل تريد الحصول على نفس الفرصة بمعنى أن تكون المرأة الأولى والأخيرة في حياته فالمشكلة ليست في الزواج بحد ذاته بالنسبة للعوانس ولكن في اختيار الرجل المناسب لتتحقق الغاية من الزواج.

 

(علا) من لبنان ترى بأنه من غير الممكن مناقشة التعدد لأنه أمر شرعي خاصة في وجود أسباب تدعو إلى ذلك مثل مرض الزوجة أو عقمها ولكن الأمر الأهم والذي يجب مناقشته هو في قدرة هذا الزوج على العدل بين زوجتين أو أكثر سواء كانت زوجته مريضة أو عقيم فهو مطالب بالعدل.

 

(سلوى) من السودان تؤكد هي الأخرى بأن مشكلة العنوسة بالتحديد لا يقتصر حلها على التعدد لأنه مشروط بالعدل، والعدل أمر مستحيل في ظل ظروف الحياة الحالية وتعقيداتها. ولكن لابد من فتح أبواب أخرى كحلول لمشكلة العنوسة والتي منها التركيز على حل الأزمات الاقتصادية التي يعاني منها الشباب فتحسين أوضاعهم وإعانتهم على الزواج ستؤدي حتمًا إلى القضاء على مشكلة ما يسمى بالعنوسة.

 

(ليلى) تتساءل لماذا لا يلتفت المهتمون بحل القضايا الاجتماعية لسفر الشباب للخارج وتوفر البديل المؤقت عن الزوجة الأمر الذي يجعلهم ينصرفون عن فكرة الزواج أو تأجيلها إلى أجل غير مسمى، وفي هذا تضييع للخلق والدين وهدر للأموال التي من الأفضل أن يجمعوها لأجل الزواج بالحلال وهذا في نظرها أحد أسباب العنوسة لدى البنات في مجتمع الخليج خاصة.

 

(بدرية) من سوريا توضح بأن التعدد يفزعها خاصة إذا حصل بعد مضي سنوات عديدة من الزواج فبعد أن يكبر الأبناء وتصل المرأة إلى سن اليأس والرجل في سن الكهولة ويحن إلى الشباب يتزوج من أخرى!!! وهي ترى بأن الزوجة الأولى في هذا الحالة أشبه بأن تكون بالآلة التي انتهت صلاحيتها بعد أن أسست الأسرة وصبرت على سنوات قحطه وساهمت في نجاحه وإثرائه وإنجاب الأبناء ورعايته فيكون جزاؤها أن يدير ظهره لها، تحت مشاعر مراهقة بعد الخمسين. وتتساءل ما ذنب الزوجة التي جعلتها مشاغلها وحسن تبعلها لزوجها تتحمل الإهمال وعدم التقدير وهذه الخدمة؟ ألا يعد هذا ظلماً؟ ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة فمن حبه لزوجته خديجة رغم فارق السن بينهما لم يتزوج عليها وكان يذكر محاسنها أمام زوجاته بعد وفاتها وكان وفياً لها إلى آخر لحظة من حياته.

 

القوامة الصحيحة والسكن والتحصين:

سئل فضيلة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله هل تعدد الزوجات مباح في الإسلام أو مسنون؟ في الجزء الأول من الفتاوى الاجتماعية فأجاب رحمه الله:

تعدد الزوجات مسنون مع القدرة ويدل على ذلك قوله تعالى: ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا ﴾ [النساء: 3] ولفعله عليه الصلاة والسلام فإنه قد جمع تسع نسوة ونفع الله بهن الأمة وهذا من خصائصه عليه الصلاة والسلام أما غيره فليس له أن يجمع أكثر من أربع ولما في التعدد من المصالح العظيمة للرجال والنساء وللأمة الإسلامية جمعاء. فإن تعدد الزوجات يحصل به للجميع غض الأبصار وحفظ الفروج وكثرة النسل وقيام الرجال على العدد الكثير من النساء بما يصلحهن ويحميهن من أسباب الشر والانحراف. أما من عجز عن ذلك وخاف ألا يعدل فإنه يكتفي بواحدة لقوله تعالى: ﴿ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً ﴾ [النساء: 3].

 

العدل فريضة:

الأستاذ الدكتور "عبدالله بن إبراهيم الطريقي" الأستاذ بالمعهد العالي للقضاء أشار في بداية إجاباته عن بعض التساؤلات حول التعدد تحدث عن أهمية الزواج وعن كونه استجابة لداعي الفطرة، وعش الزوجية هو مأوى النفوس، وملاذ الرجل والمرأة حينما يشعر أي منهما بالوحشة والعزلة، أو الملل والسآمة، أو شظف الحياة ونصبها. وهو في الإسلام طهارة وحصانة "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه اغض للبصر، وأحصن للفرج" هكذا يقول عليه الصلاة والسلام وهو راحة وسكينة ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا ﴾ [الأعراف: 189]. ومن طبيعته التراحم والتواد بين الزوجين ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾ [الروم: 21]. ومن هنا أصبح هذا الزواج مصدر سعادة وطهر وعفة لكل من الرجل والمرأة.

 

وأضاف د. عبدالله على وجود الفروقات المختلفة بين كل من الرجل والمرأة، جاءت تشريعات الإسلام مستجيبة لخصائص كل منهما. فأسند إلى الرجل من الأعمال ما يتسم بالمشقة والمغامرة والإجهاد العقلي والجسمي، واسند إلى المرأة من الأعمال ما يتسم بالعطف والحنان والجمال وكلف الرجل بالرعاية والمسؤولية والقوامة بصفة عامة، واسند إلى المرأة من ذلك ما يناسبها مثل رعاية البيت، والأطفال ونحو ذلك. ولعل مثل هذا التوزيع والتقسيم العادل بين كل من الرجل والمرأة، يجيب عما يتساءل عنه الكثير من الناس وعلى الأخص من غير المسلمين، ما سبب وجود القوامة بين الرجل وإسناد الطلاق إليه والسماح له بتعدد الزوجات إلى أربع، وإيجاب النفقة عليه دون المرأة. والى ذلك جاءت الإشارة في مثل قول الحق تعالى: ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ﴾ [النساء: 34]. وقوله ﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ﴾ [البقرة: 228].

 

وأوضح إلى أن قضية تعدد الزوجات لا بأس من طرحها مثل أي قضية اجتماعية إذا قصد من ذلك التنبيه إلى السلبيات، والتحذير من التجاوزات.

 

وقد أجاب د. عبدالله على التساؤلات المطروحة بهذا الخصوص في ضوء الرؤية الإسلامية أو الشرعية منها:

هل قيد الشارع التعدد بالعدل؟

أكد د. عبدالله أن التعدد مقيد بالعدل، فإن العدل فريضة إسلامية في كل المعاملات البشرية ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ ﴾ [النحل: 90] ﴿ وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ * أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ * وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ ﴾ [الرحمن: 7 - 9].

 

قال قتادة عن هذه الآيات "اعدل يا ابن آدم كما تحب أن يعدل عليك وأوف كما تحب أن يوفى لك، فإن بالعدل صلاح الناس"والعدل بين الزوجات هو جزء من ذلك العدل الشامل في الإسلام كما قال الحق تعالى ﴿ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ﴾ [النساء: 3]. وفي الحديث (إذا كان عند الرجل امرأتان فلم يعدل بينهما جاء يوم القيامة وشقه ساقط) رواه الترمذي وأبو داود والنسائي. والعدل المقصود هنا هو التسوية بين الزوجات في القسم أي المبيت وفي النفقة الواجبة.ولا بأس أن يعطي كل واحدة ما يكفيها وما يناسبها، أما ميل القلب فهذا غير إرادي فلا عتاب فيه لكنه يكون مذمومًا إذا  ظهرت آثاره على تصرفاته، فأعطى ومنع وقسم بموجبه.

 

قال: إن الأمر بحسب المقامات، فهو إذا كان يخاطب أناسًا آخرين ويلمح منهم ضعف الشخصية أو انسياقًا مع الهوى فالواجب أن يحث على العدل بقدر ما يحث على التعدد.

 

أما إذا كان بصدد علاج مشكلة العنوسة مثلًا فإن المقام مقام ترغيب في التعدد، وليس بالضرورة أن يتحدث عن الشروط والآداب، فإن لكل مقام مقال، وهب انك وجدت شبابًا عاطلين فدخلت معهم في حوار لإقناعهم بالعمل وأهميته وتحذيرهم من البطالة وأخطارها فهل يجب عندئذ أن تذكرهم بشروط العمل فتقول: يجب أن تخلصوا في العمل وتتقنوه وان لا تفرطوا فيه، ولابد بالالتزام بالدوام الرسمي ولا يجوز أن تتخلفوا عنه أو تتأخروا. إنك لو  فعلت مثل ذلك لم تستطع أن تقدم علاجًا للمشكلة بل وضعت عراقيل في طريق الحل ومع كل ما تقدم فإن العقل يقتضي الموازنة في مثل  هذه القضايا وإيجاد  الحلول المناسبة لها.

 

وعن السبب في ورود آية التعدد ذكر الخوف من القسط في اليتامى، وختمت ب (أدنى ألا تعولوا):

أوضح أن الإجابة عن هذا التساؤل في حقيقته تفسير للآية الكريمة ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا ﴾ [النساء: 3]. وكلام المفسرين فيها طويل جدًا مما يشير  بل يؤكد بلاغة القرآن وإعجازه.

 

إن خفتم "أي غلب على ظنكم" ألا تعدلوا إن تزوجتم اليتيمات اللاتي تربونهن في حجوركم، بحيث تعطوهن من المهر أقل من النساء الأخريات فاتركوهن إلى غيرهن، وانكحوا ما طاب لكم من النساء على ألا تتجاوز أربعًا في وقت واحد، فإذا خشيتم من الجور في الأربع أو الثلاث أو الاثنتين فاكتفوا بواحدة فقط أو ما تملكونه من الإماء، فذلك أقرب إلى العدل وعدم الجور. هذا هو ظاهر الآية الكريمة.

 

ويمكن مراجعة تفسير الشنقيطي لمزيد من الإيضاح.

 

ويضيف أن سبب ربط نكاح اليتامى أي اليتيمات بالتعدد هو ما ثبت أن عروة بن الزبير سأل خالته عائشة عن الآية فقالت: يا ابن أختي هي اليتيمة تكون في حجر وليها تشاركه في ماله فيعجبه مالها وجمالها فيريد وليها أن يتزوجها من غير أن يقسط في صداقها فيعطيها مثل ما يعطيها غيره، فنهوا أن ينكحوهن إلا أن تقسطوا لهن ويبلغوا بهن أعلى سنتهن من الصداق وأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن. متفق عليه.

 

كيف تحل مشكلة عدم العدل؟

يؤكد د. عبدالله أن هذا السؤال في غاية الأهمية كما انه يحمل من الصعوبة مالا يخفى، ويرى أن قضية التعدد ما هي إلا حلقة في سلسلة ومنظومة كبيرة من قضايا المجتمع التي لا تقوم إلا على العدل والإنصاف والشعور بالمسؤولية. ذلك أن العلاقات الإنسانية قوامها العدل والصدق والنصح، فإذا توافرت جرت هذه العلاقة على الاستقامة وان فقد منها شيء انحرفت تلك العلاقات واختلت  ناهيك إذا فقدت كلها. إنها ستكون علاقة سوء حيث يكون  المجتمع غابة من الغابات تعثوا فيها السباع الضارية وتقطع الصلات. لذا فالحل يحتاج إلى علاج شامل بحيث نقيم القسط في كل شيء وفي كل معاملة وعلاقة، وهذا يستدعي إيجاد برامج متكاملة توعوية وإرشادية وإعلامية وتربوية كلها يصب في حوض واحد. أما إذا كانت حياتنا ومؤسساتنا ووسائلنا متناقضة يعارض بعضها بعضاً ويهدم بعضها ما بناه البعض فلن نستطيع أن نحل أي مشكلة مهما صغرت.

 

تعدد الزوجات والطب النفسي:

من الواجب ونحن نبحر في موضوع التعدد أن نفهم الجوانب النفسية للرجل تجاه التعدد، وكذلك الأمر بالنسبة للمرأة مع الاختلاف في جانب ردة فعلها ومحولة شرحها نفسيًا:

 

فيذكر في هذا الجانب الدكتور لطفي الشربيني استشاري الطب  النفسي بان الرؤية النفسية للتعدد ومن واقع دراسة نفسية قام بها على عينة من السيدات وتم مناقشتها في مؤتمر عالمي للطب النفسي وتم نشرها في دوريات علمية، وتم فيها عرض الحقائق التالية حول تعدد الزوجات:

تشير الأرقام إلى أن ظاهرة التعدد ليست واسعة الانتشار في البلدان العربية، وطبقًا للإحصاءات المتاحة فإن النسبة في مصر 4% من حالات الزواج، و 5% في سوريا والعراق، بينما تصل في دول  الخليج إلى نحو 8% لكن هذه الأرقام الرسمية لا تعبر عن واقع الحال حيث توجد نسبة أخرى من الحالات تمثل الزواج غير الرسمي أو غير الموثق والذي يطلق عليه السري أو العرفي.

 

ويتراوح الاتجاه والقبول الاجتماعي للتعدد في المجتمعات العربية بين التسامح مع الظاهرة وقبولها في دول الخليج إلى القبول الجزئي في أماكن أخرى مثل المجتمع المصري، أو الرفض التام والمنع بموجب قوانين مثل ما يحدث في تونس، ولكن في بلد آخر كالسودان فهناك دعوة رسمية وتشجيع للتعدد.

 

كما ورد في الدراسة عرض للأسباب النفسية والظروف الاجتماعية التي تدفع إلى التعدد وكان في مقدمتها التركيبة النفسية للرجل التي تميل إلى التعدد بصورة فطرية حتى أن دراسة حديثة أشارت إلى وجود جينات تدفع الرجال إلى ممارسة التعدد بعلاقات خارج نطاق الزواج في الشرائع التي لا تسمح بالتعدد بما يفسر انتشار خيانة الأزواج على حد التعبير الغربي.

 

وركزت الدراسة على رد فعل الزوجة الأولى التي تكون الطرف الأكثر تأثرًا والآثار النفسية السلبية للزواج المتعدد، حيث تم وصف متلازمة مرضية تصيب الزوجة بعد أن يتزوج شريكها بأخرى فتبدأ برد فعل عصبي برفض هذا الزواج الثاني وإبداء الغضب والمقاومة ثم تتجه الحالة إلى الاستقرار والاتزان مع قبول الوضع الجديد في فترة زمنية تتراوح من (ستة أشهر إلى عامين).

 

دور الوعاظ والمصلحين:

الدكتورة رقية المحارب الكاتبة  والداعية الإسلامية والمشرفة على موقع لها أون لاين: في معرض ذكرها لإحدى مشكلات عدم العدل في التعدد تساءلت هل نلوم المرأة أم نلوم الرجل وأكدت على أن هناك قصصًا واقعية بل إن فيها ما هو أشد مرارة وبقليل من التقوى من الرجال والنساء تحل المشكلة.

 

وترى دكتورة رقية أن المرأة تكره التعدد لأنه أصبح شبحًا يهدد حياتها، وتتساءل لماذا يصر كثير من المعددين على تشويه صورة التعدد بأساليبهم الاستفزازية إنهم بذلك يشوهون صورة الإسلام حيث يظن من لا علم عنده أن هذا الظلم الذي يوقعونه بعد تعديدهم حق من حقوقهم لاسيما إذا كانت المرأة دائمًا تؤمر بالصبر دون أن يوجه للرجل دعوة إلى العدل ويزيد الطين بلة إذا كان الرجل متسمًا بالصلاح أو إمامًا للمسجد. فمتى يعي هؤلاء أن الله أعلى منهم وأكبر وأنه سيجازيهم بما فعلوه في الدنيا أو يؤخره لهم في الآخرة. إن المتأمل في سورة الطلاق يجد أن  الله تعالى أمر بالتقوى فيها في خمسة مواضع مع أنها لا تزيد على وجهين من المصحف فلماذا يا ترى؟ لأن التعامل الزوجي لا يمكن أن يفصل فيه طرف ثالث على وجه الدقة بل حسب إفادة احد الطرفين كالتذكير بالتقوى هنا أحرى بالزجر وادعى للمراقبة والبعد عن الظلم كما أن النفوس إذا تنافرت فإنه يحضر الشح ولذا كل يذكر محاسنه وينسى محاسن زوجه، ويذكر مساوئ زوجه وينسى مساؤه، لذا جاء التأكيد على مراقبة الله وتقواه في التعامل.

 

كما أن الرجال إذا قدر فإنه يتبادر على نفسه الظلم إذا نفر وكره ولذلك ذكره الله تعالى في سورة النساء: ﴿ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا ﴾ [النساء: 34] فويل ثم ويل ثم ويل لمن قرأ هذه الآية وتبعته امرأته تبحث عن رضاه وتستجديه السماح وهو  شامخ برأسه لا يريد أن يرضى لا لأنها قصرت في إرضائه ولكن لما يعلمه من تبعات تلزمه بعد الرضا فهو يريد أن يضل غاضباً ساخطاً ليجد مبرراً لتقصيره. وتتساءل أين دور الوعاظ المصلحين؟ وأين الكتاب والمربون عن القيام بدورهم تجاه هذا المخدر الذي يوشك أن يفتك بالأسر والشرع منه براء؟

 

فما شرع الله التعدد إلا لمصلحة الحفاظ على المجتمع إذا غلب عدد النساء على الرجال ولكن أن يزيد المعدد تفلت المجتمع بالذرية التي ينتجها ويهملها فذلك أمر لا يجوز.

 

ومما سبق نقول مجددًا أن تعدد الزوجات في الإسلام هو نظام شرعه الله، ليمثل نظامًا عادلًا لحياة كريمة، ولكن عندما يتبع الرجل هذه السنة فقط ولا يلحقها بمقتضياتها وأهمها العدل فستنشأ مشكلات عديدة منها الخلافات بين الزوجات وربما العداء الذي قد ينتقل إلى الأبناء، إيلام الزوجة الأولى إذا مال الزوج للثانية، إهمال رعاية وتربية الأبناء والقيام بحقوقهم، ولأجل تلافي ذلك كله لابد من بناء معرفي فقهي جديد للأجيال القادمة عن فقه الزواج بما فيه التعدد.

 

تاريخ نشر المادة في مصدره: الخميس 07 رمضان 1425هـ / 21 أكتوبر2004م.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • مقالات
  • بحوث ودراسات
  • حوارات وتحقيقات ...
  • بطاقات مناقشة ...
  • كتب
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة