• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع ملفات خاصة / العيد سنن وآداب / خطب


علامة باركود

عيد الفطر 1434 هـ ( خطبة )

الشيخ عبدالله بن محمد البصري


تاريخ الإضافة: 7/8/2013 ميلادي - 30/9/1434 هجري

الزيارات: 21851

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

خطبة عيد الفطر 1434هـ


اللهُ أَكبَرُ اللهُ أَكبَرُ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبَرُ، اللهُ أَكبَرُ وَللهِ الحَمدُ.


أَمَّا بَعدُ، فَأُوصِيكُم - أَيُّهَا النَّاسُ - وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - فَالزَمُوهَا في كُلِّ حَالٍ تَحْلُ حَيَاتُكُم، وَاتَّصِفُوا بها يَصْفُ عَيشُكُم، وَاستَكمِلُوهَا تَكمُلْ سَعَادَتُكُم وَيَنتَشِرْ أَمنُكُم ﴿ لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [المائدة: 93] إِنَّكُم في يَومٍ عَظِيمٍ وَعِيدٍ كَرِيمٍ، يَومٌ يَحِقُّ لَكُم فِيهِ أَن تَبتَسِمُوا وَتَبتَهِجُوا، وَأَن تَسعَدُوا فِيهِ وَتُسَرُّوا، وَأَن تَنشَرِحَ صُدُورُكُم وَتَقَرَّ أَعيُنُكُم، وَكَيفَ لا تَفرَحُونَ وَتَستَبشِرُونَ وَتَطمَئِنُّونَ، وَأَنتُم في يَومٍ تَنَفَّسَ صُبحُهُ وَأَشرَقَت شَمسُهُ، وَقَد مَنَّ اللهُ عَلَيكُم بِإِتمَامِ الصِّيَامِ وَإِكمَالِ القِيَامِ؟! صُمتُم وَقُمتُم، وَدَعَوتُم وَابتَهَلتُم، وَزَكَّيتُم وَتَصَدَّقتُم، ثم جِئتُم إِلى مُصَلاَّكُم آمِنِينَ تُكَبِّرُونَ اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُم، وَبَكَرتُم في عَافِيَةٍ تَحمَدُونَ المَولى عَلَى مَا وَهَبَكُم وَآتَاكُم، فَلهُ - تَعَالى - الحَمدُ أَوَّلاً وَآخِرًا، وَلَهُ الشُّكرُ بَاطِنًا وَظَاهِرًا، وَنَسأَلُهُ الرِّضَا عَنَّا وَقَبُولَ مَا أَسلَفنَا، وَأَن يَغفِرَ لَنَا مَا قَدَّمنَا وَمَا أَخَّرنَا، اللهُ أَكبَرُ اللهُ أَكبَرُ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبَرُ، اللهُ أَكبَرُ وَللهِ الحَمدُ.

 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، يَأتي العِيدُ هَذَا العَامَ، وَثَمَّةَ فِتَنٌ مَا زَالَت تَمُوجُ بِأُمَّةِ الإِسلامِ، فِتَنٌ مَا زَالُ بَعضُهَا في البِدَايَةِ، وَبَعضُهَا قَارَبَت عَلَى النِّهَايَةِ، وَأُخرَى مَا زَالَت عَلَى أَشُدِّهَا وَلا يُدرَى مَا اللهُ صَانِعٌ فِيهَا، وَثَمَّةَ فِتَنٌ قَدِ انعَقَدَ في السَّمَاءِ غَمَامُهَا، وَثَارَ في الأَرجَاءِ عَجَاجُهَا وَقَتَامُهَا، وَيُوشِكُ إِنْ لم يُرَاجِعِ النَّاسُ دِينَهُم أَن يَزِيدَ ضِرَامُهَا، إِنَّهَا فِتَنٌ يُخَطِّطُ لَهَا أَعدَاءٌ ظَاهِرُونَ مِنَ اليَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالمُلحِدِينَ، وَيُنَفِّذُهَا مُنَاوِئُونَ بَاطِنِيُّونَ مِنَ الرَّافِضَةِ وَالنُّصَيرِيَّةِ وَمَن لَفَّ لَفَّهُم، وَيَتَلَقَّفُهَا أَغرَارٌ صِغَارٌ جَاهِلُونَ بِعَوَاقِبِ الأُمُورِ، وَتُشعِلُهَا في النَّاسِ وَسَائِلُ اتِّصَالاتٍ سَرِيعَةٌ، قَرَّبَتِ البَعِيدَ وَاختَرَقَت كُلَّ حَاجِزٍ. وَلا يَكَادُ المَرءُ يُوَجِّهُ بَصرَهُ أَو يُلقِي السَّمعَ لِنَشَرَاتِ الأَخبَارِ، إِلاَّ كَانَت أَنبَاءُ تِلكَ الفِتَنِ أَوَّلَ مَا يُوَاجِهُهُ، في مَنَاظِرَ تَقشَعِرُّ مِنهَا الجُلُودُ، وَمَشَاهِدَ تَنخَلِعُ لها القُلُوبُ، مُظَاهَرَاتٌ وَحُشُودٌ، وَعَسَاكِرُ وَجُنُودٌ، وَمَدَافِعُ وَطَائِرَاتٌ، وَرَشَّاشَاتٌ وَرَاجِمَاتٌ، وَدِمَاءٌ تَسِيلُ، وَبُكَاءٌ وَعَوِيلٌ، وَلاجِئُونَ وَمُشَرَّدُونَ، وَمُؤَيِّدُونَ وَمُعَارِضُونَ، وَنَاصِرُونَ وَمُخَذِّلُونَ.

 

وَمَعَ هَذَا وَذَاكَ - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - فَإِنَّ المُؤمِنَ يَعلَمُ أَنَّ مِن سُنَنِ اللهِ - تَعَالى - في خَلقِهِ، ابتِلاءَهُم وَتَعرِيضَهُم لِلفِتَنِ، حَتى يَعلَمَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَيَعلَمَ الكَاذِبِينَ، وَحَتى يَمِيزَ الخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ، وَلِيَظهَرَ قَوِيُّ الإِيمَانِ وَصَادِقُ الدِّيَانَةِ، وَيَنكَشِفَ أَهلُ النِّفَاقِ وَالخِيَانَةِ، وَلِيَتَبَيَّنَ الجَيِّدُ مِنَ الرَّدِيءِ وَالسَّلِيمُ مِنَ المَغشُوشِ، وَلِيَمتَازَ العَاقِلُ الحَكِيمُ مِنَ الطَّائِشِ السَّفِيهِ، وَلِيَتَّخِذَ - تَعَالى - مِن عِبَادِهِ المُؤمِنِينَ شُهَدَاءَ وَيُهلِكَ الظَّالمِينَ ﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ﴾ [العنكبوت: 2، 3] ﴿ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴾ [آل عمران: 140] نَعَم - أُمَّةَ الإِسلامِ - لَقَد جَعَلَ اللهُ الفِتَنَ مَحَكًّا وَاختِبَارًا؛ لأَنَّ مِنَ النَّاسِ في عِلمِهِ - جَلَّ وَعَلا - ﴿ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ ﴾ [العنكبوت: 10] وَفِيهِم ﴿ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ﴾ [الحج: 11] وَإِنَّ مِن حِكمَتِهِ - تَعَالى - وَسُنَّتِهِ في خَلقِهِ، أَن يَفتِنَ بَعضَهُم بِبَعضٍ وَيَختَبِرَهُم وَيَبلُوَهُم، فَالمُسلِمُ مُبتَلًى بِالكَافِرِ وَمَفتُونٌ بِهِ، وَالكَافِرُ مَفتُونٌ بِالمُسلِمِ وَمُبتلًى بِهِ، وَيَمتَحِنُ اللهُ الأَغنِيَاءَ بِالفُقَرَاءِ وَالفُقرَاءَ بِالأَغنِيَاءِ، وَيَبتَلِي الضُّعَفَاءَ بِالأَقوِيَاءِ وَالأَقوِيَاءَ بِالضُّعَفَاءِ ﴿ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا ﴾ [الفرقان: 20] ﴿ وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ ﴾ [الأنعام: 53] بَل إِنَّ مِن شَدِيدِ الفِتنَةِ وَعَظِيمِ الخِذلانِ وَقِلَّةِ التَّوفِيقِ، أَنَّ مِنَ النَّاسِ مَن يَفتِنُ نَفسَهُ بِنَفسِهِ، فَيُدَنِّسُهَا وَيُدَسِّيهَا، وَيُتبِعُهَا هَوَاهَا فَيُردِيهَا، وَيَنقَادُ لِلشَّهَوَاتِ وَيَكُونُ رَهِينًا لها، وَيَخِفُّ مَعَ الشَّيطَانِ الغَرورِ الَّذِي يُزَيِّنُ لَهُ الكُفرَ وَالرَّيبَ، بَل وَيَطمَئِنُّ لَهُ وَيَثِقُ بِوَعدِهِ وَيُصَدِّقُ خَبرَهُ، ثم تَأخُذُ بِهِ الأَمَانيُّ البَاطِلَةُ، وَيَخدَعُهُ طُولُ الأَمَلِ في الحَيَاةِ الفَانِيَةِ، فَيَذهَبُ بَعِيدًا عَن جَادَّةِ الحَقِّ وَالصِّرَاطِ المُستَقِيمِ، وَيَقَعُ في نَفسِهِ مَا يُشبِهُ الشَّكَّ في المَوتِ وَالبَعثِ بَعدَهُ وَالحَسَابِ، فَيَظَلُّ يَرتَعُ كَمَا تَرتَعُ البَهَائِمُ، حَتى إِذَا جَاءَ اليَومُ الَّذِي يُكرَمُ فِيهِ المُؤمِنُونَ وَ﴿ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ ﴾ [الحديد: 12] قَالَ أُولَئِكَ ﴿ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ * يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ﴾ [الحديد: 13، 14].

 

اللهُ أَكبَرُ اللهُ أَكبَرُ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبَرُ، اللهُ أَكبَرُ وَللهِ الحَمدُ.

 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، لَقَد أَخبَرَ نَبِيُّكُم - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - في أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ عَن ظُهُورِ الفِتَنِ عَلَى اختِلافِ أَنوَاعِهَا وَتَعَدُّدِ أَشكَالِهَا، وَبَيَّنَ أَنَّ ظُهُورَهَا يُعَدُّ مِن أَشرَاطِ السَّاعَةِ الصُّغرَى، بَل وَأَخبَرَ بِأَنَّهَا فِتَنٌ عَظِيمَةٌ، يَلتَبِسُ فِيهَا الحَقُّ بِالبَاطِلِ، وَيَتَزَلزَلُ الإِيمَانُ وَيَضعُفُ اليَقِينُ، حَتى يُصبِحَ الرَّجُلُ مُؤمِنًا وَيُمسِي كَافِرًا، وَيُمسِي مُؤمِنًا وَيُصبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنيَا قَلِيلٍ، وَشَبَّهَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - بَعضَهَا بِقِطَعِ اللَّيلِ المُظلِمِ، وَوَصَفَ بَعضَهَا بِأَنَّهَا تَمُوجُ كَمَوجِ البَحرِ، وَوَصَفَ أُخرَى بِأَنَّهَا عَميَاءُ صَمَّاءُ تَجعَلُ النَّاسَ كَالأَنعَامِ، بَل وفي بَعضِ الأَحَادِيثِ وَصفٌ لِفِتَنٍ بِأَنَّهَا تُذهِبُ العُقُولَ، وَبعضُها يَدخُلُ حَرَّهَا بَيتَ كُلِّ مُسلِمٍ، بَل وَبَعضُهَا يَصِلُ الأَمرُ إِلى تَمَنِّي المَوتِ مِن شِدَّةِ وَقعِهَا وَعِظَمِ شَأنِهَا، فَفِي صَحِيحِ مُسلِمٍ وَغَيرِهِ: " وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لاَ تَذهَبُ الدُّنيَا حَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ عَلَى القَبرِ فَيَتَمَرَّغَ عَلَيهِ وَيَقُولَ: يَا لَيتَني كُنتُ مَكَانَ صَاحِبِ هَذَا القَبرِ، وَلَيسَ بِهِ الدِّينُ إِلاَّ البَلاَءُ ".

 

اللهُ أَكبَرُ اللهُ أَكبَرُ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبَرُ، اللهُ أَكبَرُ وَللهِ الحَمدُ.

 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، وَكَمَا أَخبَرَ نَبِيُّكُم وَهُوَ الصَّادِقُ المَصدُوقُ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - فَقَد مَرَّتِ الفِتَنُ بِالأُمَّةِ عَلَى مَرِّ دُهُورِهَا، وَعَصَرَتهَا في سَائِرِ عُصُورِهَا، وَظَهَرَت حَتى في فَاضِلِ القُرُونِ وَعَهدِ السَّلَفِ الصَّالحِينَ، غَيرَ أَنَّ مِن فِقهِ الصَّحَابَةِ وَالسَّلَفِ وَزَكَاءِ نُفُوسِهِم، وَقَد كَانُوا عَلَى عِلمٍ بِالسُّبُلِ الَّتي أَرشَدَ إِلَيهَا الحَبِيبُ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - لِلنَّجَاةِ مِنهَا وَالخَلاصِ، أَن عَمِلُوا بما عَلِمُوا، وَلَزِمُوا مَا عَرَفُوا، وَأَخَذُوا بِوَصَايَا النَّاصِحِ المُشفِقِ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - فَعَكَفُوا عَلَى كِتَابِ رَبِّهِم وَتَمَسَّكُوا بِسُنَّةِ نَبِيِّهِم، وَفَرَّ مُعظَمُهُم مِنَ الفِتَنِ وَاعتَزَلَهَا أَكثَرُهُم، وَتَنَحَّى جُلُّهُم عَنهَا وَلم يَتَعَرَّضُوا لها، وَصَبَرُوا وَصَابَرُوا وَجَاهَدُوا، وَمِن ثَمَّ فَقَد خَرَجُوا مِن كَثِيرٍ مِنهَا سَالِمِينَ غَانِمِينَ، لم يَزدَادُوا إِلاَّ تَمَحُّصًّا وَتَخَلُّصًا، وَنَقَاءً لِمَعَادِنِهِم وَصَفَاءً لِنُفُوسِهِم، وَزُهدًا في الدُّنيَا وَإِقبَالاً عَلَى الأُخرَى، وَتَصدِيقًا بِوَعدِ اللهِ وَيَقِينًا بما عِندَهُ. وَلم تَزَلِ الفِتَنُ بَعدَ ذَلِكَ تَمُرُّ بِالأُمَّةِ وَتُعرَضُ عَلَى القُلُوبِ شَيئًا فَشَيئًا، وَلم تَزَلْ كَثِيرٌ مِنَ القُلُوبِ لِنَقصِ الإِيمَانِ تَتَشَرَّبُهَا، وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَتَعَرَّضُونَ لها ولا يَتَّقُونَهَا، حتى وَصَلُوا إِلى مَا ظَهَرَ فِيهِمُ اليَومَ، مِن خَوضٍ في كُلِّ فِتنَةٍ بما لا يَعلَمُونَ، وَتَكَلُّمٍ في كُلِّ قَضِيَّةٍ بما لا يَفقَهُونَ، وَتَنَاوُلٍ لِكُلِّ مَسأَلَةٍ بِلا دَلِيلٍ، وَاتِّبَاعٍ لِلهَوَى وَرَغَبَاتِ النُّفُوسِ، في انحِرَافٍ كَبِيرٍ عَنِ المَنهَجِ الصَّحِيحِ لِلأَخذِ وَالتَّلَقِّي، وَانجِرَافٍ مَعَ وَسَائِلِ الإِعلامِ المَأجُورَةِ، وَأَخذٍ عَن المَصَادِرِ المَجهُولَةِ، وَزُهدٍ كَبِيرٍ في الرَّاسِخِينَ مِن أَهلِ العِلمِ، وَنَبذٍ لِنُصحِ العُقَلاءِ مِن ذَوِي الدِّيَانَةِ، وَصَدَقَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - حَيثُ قَالَ فِيمَا رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ: " تُعرَضُ الفِتَنُ عَلَى القُلُوبِ كَالحَصِيرِ عُودًا عُودًا، فَأَيُّ قَلبٍ أُشرِبَهَا نُكِتَت فِيهِ نُكتَةٌ سَودَاءُ، وَأَيُّ قَلبٍ أَنكَرَهَا نُكِتَت فِيهِ نُكتَةٌ بَيضَاءُ، حَتى تَصِيرَ عَلَى قَلبَينِ: عَلَى أَبيَضَ مِثلِ الصَّفَا فَلا تَضُرُّهُ فِتنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرضُ، وَالآخَرُ أَسوَدَ مُربَادًّا كَالكُوزِ مُجَخِّيًا، لا يَعرِفُ مَعرُوفًا وَلا يُنكِرُ مُنكَرًا إِلاَّ مَا أُشرِبَ مِن هَوَاهُ ".

 

اللهُ أَكبَرُ اللهُ أَكبَرُ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبَرُ، اللهُ أَكبَرُ وَللهِ الحَمدُ.

 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، إِنَّ الفِتَنَ لا تَأتي بِخَيرٍ، وَغَالِبًا مَا يُصَاحِبُهَا سَفَكُ الدِّمَاءِ وَهَتكُ الأَعرَاضِ وَأَكلُ الأَموَالِ، وَذَهَابُ الأَمنِ وَالاطمِئنَانِ، وَزَوَالُ العَافِيَةِ وَالاستِقرَارِ، وَلِذَا فَقَد جَاءَت تَوجِيهَاتُ الشَّرِيعَةِ، مُلزِمَةً لِلنَّاسِ بِأُمُورٍ عَظِيمَةٍ في أَوقَاتِ الفِتَنِ، وَهِيَ تَوجِيهَاتٌ كَفِيلَةٌ بِإِذنِ اللهِ لِمَن أَخَذَ بها وَتَمَسَّكَ بِعُرَاهَا، أَن يَنجُوَ مِن كُلِّ عَظِيمَةٍ، وَأَلاَّ تَضُرَّهُ فِتنَةٌ وَلا بَلِيَّةٌ، وَأَمَّا مَن فَرَّطَ وَتَهَاوَنَ وَتَعَرَّضَ لِلفِتَنِ وَلَم يَصبِرْ، وَفَارَقَ الجَمَاعَةَ وَاعتَدَّ بِنَفسِهِ وَاستَقَلَّ بِرَأيِهِ، فَحَرِيٌّ أَن يَنجَرِفَ مَعَ أَوَّلِ فِتنَةٍ، وَعِنَدئِذٍ فَوَاللهِ لَن يَظفَرَ إِلاَّ بِالخُسرَانِ وَالخِذلانِ، لأَنَّ المُتَعَرِّضَ لِلفِتَنِ المُستَشرِفَ لها، مُضطَرٌّ وَلا مَحَالَةَ في وَقتِ الضِّيقِ وَالبَلاءِ، لِمَا لم يَكُنْ في حَاجَةٍ إِلَيهِ في وَقتِ السَّعَةِ وَالعَافِيَةِ، فَلا تَرَاهُ إِلاَّ قَاتِلاً أَو مَقتُولاً، أَو نَاهِبًا أَو مَنهُوبًا، أَو هَاتِكًا عِرضًا أَو مَهتُوكًا عِرضُهُ، أَو مُتَجَاوِزًا ظَالِمًا غَاشِمًا، أَو مُتَجَاوَزًا عَلَيهِ مَظلُومًا مَهضُومًا، وَمَن كَانَ في شَكٍّ مِن ذَلِكَ أَو تَرَدُّدٍ في فَهمِهِ، فَلْيَسأَلِ التَّأرِيخَ قَدِيمًا وَحَدِيثًا، وَلْيَستَنطِقِ الأَحدَاثَ قَرِيبًا وَبَعِيدًا، أَلا فَاتَّقُوا اللهَ - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - وَسَلُوهُ العَافِيَةَ في دِينِكُم وَدُنيَاكُم وَأَهلِيكُم وَأَموَالِكُم، وَتَعَوَّذُوا بِاللهِ مِنَ الفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنهَا وَمَا بَطَنَ، وَحَقِّقُوا التَّوحِيدَ وَالوَلاءَ للهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِلمُؤمِنِينَ، وَصَفُّوا عَقَائِدَكُم مِن كُلِّ شَائِبَةٍ، وَتَبَرَّؤُوا مِن كُلِّ عَدُوٍّ للهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَولِيَائِهِ، وَتُوبُوا إِلى اللهِ وَانطَرِحُوا بَينَ يَدَيهِ وَأَقبِلُوا عَلَيهِ، وَالزَمُوا عِبَادَتَهُ وَأَدِيمُوا طَاعَتَهُ، وَاعتَصِمُوا بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالتَفُّوا حَولَ عُلَمَائِكُمُ الرَّاسِخِينَ، وَاحذَرُوا الانسِيَاقَ وَرَاءَ وَسَائِلِ الاتِّصَالاتِ وَالإِعلامِ، أَوِ الاغتِرَارَ بما يُلقِيهِ أَنصَافُ المُتَعَلِّمِينَ مِن شُبُهَاتٍ، وَالزَمُوا وَسَطَ الأُمُورِ وَلا تُسرِفُوا، وَلا تَغلُوا في شَيءٍ مِنَ الأَمرِ وَاقتَصِدُوا، وَتَحَلَّوا بِالتُّؤَدَةِ وَالنَّظَرِ في عَوَاقِبِ الأُمُورِ، ولا يَستَخِفَّنَّكُمُ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ، قَالَ - سُبحَانَهُ -: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾ [الأنعام: 82] وَفي المُتَّفَقِ عَلَيهِ عَن حُذَيفَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - قَالَ: فَهَل بَعدَ ذَلِكَ الخَيرِ مِن شَرٍّ؟ قَالَ: "نَعَم، دُعَاةٌ عَلَى أَبوَابِ جَهَنَّمَ مَن أَجَابَهُم إِلَيهَا قَذَفُوهُ فِيهَا" قُلتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، صِفْهُم لَنَا. قَالَ: "هُم مِن جِلدَتِنَا وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلسِنَتِنَا" قُلتُ: فَمَا تَأمُرُني إِن أَدرَكَنِي ذَلِكَ؟ قَالَ: "تَلزَمُ جَمَاعَةَ المُسلِمِينَ وَإِمَامَهُم" قُلتُ: فَإِنْ لم يَكُنْ لَهُم جَمَاعَةٌ وَلا إِمَامٌ؟ قَالَ: "فَاعتَزِلْ تِلكَ الفِرَقَ كُلَّهَا وَلَو أَن تَعَضَّ بِأَصلِ شَجَرَةٍ حَتى يُدرِكَكَ المَوتُ وَأَنتَ عَلَى ذَلِكَ" وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: "سَتَكُونُ فِتَنٌ القَاعِدُ فِيهَا خَيرٌ مِنَ القَائِمِ، وَالقَائِمُ فِيهَا خَيرٌ مِنَ المَاشِي، وَالمَاشِي فِيهَا خَيرٌ مِنَ السَّاعِي، مَن تَشَرَّفَ لها تَستَشرِفْهُ، فَمَن وَجَدَ مَلجَأً أَو مَعَاذًا فَلْيَعُذْ بِهِ" مُتَّفَقٌ عَلَيهِ. وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: "العِبَادَةُ في الهَرجِ كَهِجرَةٍ إِلَيَّ" رَوَاهُ مُسلِمٌ. وَقَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: "وَيلٌ لِلعَرَبِ مِن شَرٍّ قَدِ اقتَرَبَ، أَفلَحَ مَن كَفَّ يَدَهُ" وَقَالَ: "إِنَّ السَّعِيدَ لَمَن جُنِّبَ الفِتَنَ، إِنَّ السَّعِيدَ لَمَن جُنِّبَ الفِتَنَ، إِنَّ السَّعِيدَ لَمَن جُنِّبَ الفِتَنَ وَلَمَنِ ابتُلِيَ فَصَبَرَ، فَوَاهًا " رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُمَا الأَلبَانيُّ.

 

اللهُ أَكبَرُ اللهُ أَكبَرُ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبَرُ، اللهُ أَكبَرُ وَللهِ الحَمدُ.

 

الخطبة الثانية


اللهُ أَكبَرُ اللهُ أَكبَرُ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبَرُ، اللهُ أَكبَرُ وَللهِ الحَمدُ.


أَمَّا بَعدُ، فَإِنَّكُم في دَارٍ دُنيَا وَعِيشَةٍ عَجلَى، وَيُوشِكُ وَإِن عُمِّرتُم أَن تَذُوقُوا المَوتَةَ الأُولى، فَاتَّقُوا مَن سَيُنشِئُكُمُ ﴿ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى ﴾ [النجم: 47] ﴿ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى ﴾ [البقرة: 197] ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 281].

 

اللهُ أَكبَرُ اللهُ أَكبَرُ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبَرُ، اللهُ أَكبَرُ وَللهِ الحَمدُ.

 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، الفِتَنُ الَّتي يَتَعَرَّضُ لها الإِنسَانُ في حَيَاتِهِ كَثِيرَةٌ وَمُتَنَوِّعَةٌ، فَنَسأَلُ اللهَ السَّلامَةَ مِن ظَاهِرِهَا وَبَاطِنِهَا، وَأَن يُعِيذَنَا مِن كَبِيرِهَا وَصَغِيرِهَا، غَيرَ أَنَّ مِمَّا فُتِنَ النَّاسُ بِهِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا، وَتَعَلَّقَتهُ نُفُوسُهُم وَأُشرِبَتهُ قُلُوبُهُم، وَلَن تَزَالَ الفِتنَةُ بِهِ مَا بَقِيَت رُوحٌ في جَسَدٍ، المَالَ وَالنِّسَاءَ، تِلكُمُ الفِتنَتَانِ العَظِيمَتَانِ وَالاختِبَارَانِ القَاسِيَانِ، اللَّذَانِ عَلَيهِمَا تَدُورُ رَحَى كَثِيرٍ مِنَ الفِتَنِ وَالمُشكِلاتِ، وَمِنهُمَا تَنتُجُ مَصَائِبُ وَتَتَوَلَّدُ مُوبِقَاتٌ، فَمَهمَا زُيِّنَ لِلنَّاسِ في هَذِهِ الحَيَاةِ مِن شَهَوَاتٍ، فَإِنَّ الفِتنَةَ بِالنِّسَاءِ وَالأَموَالِ أَعظَمُ وَأَلزَمُ، وَهُمَا عَلَى الدِّينِ أَخطَرُ وَبِهِ أَضَرُّ، قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " مَا تَرَكتُ بَعدِي فِتنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ. وَقَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: " أَبشِرُوا وَأَمِّلُوا مَا يَسُرُّكُم، فَوَاللهِ مَا الفَقرَ أَخشَى عَلَيكُم، وَلَكِنْ أَخشَى أَن تُبسَطَ الدُّنيَا عَلَيكُم كَمَا بُسِطَت عَلَى مَن كَانَ قَبلَكُم، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا فَتُهلِكَكُم كَمَا أَهلَكَتهُم " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ.

 

وَإِنَّ مِن شَدِيدِ الفِتنَةِ وَعَظِيمِ البَلاءِ، مَا نَرَاهُ اليَومَ عِيَانًا جِهَارًا، وَيَمُرُّ بِنَا لَيلاً وَنَهَارًا، مِن ظُهُورِ النِّسَاءِ كَاسِيَاتٍ عَارِيَاتٍ، وَبُرُوزِهِنَّ في المَجَامِعِ مَائِلاتٍ مُمِيلاتٍ، وَقَبُولِهِنَّ بِالأَعمَالِ المُختَلَطَةِ وَرِضَا أَولِيَائِهِنَّ بِذَلِكَ، وَالانقِيَادِ لِلدَّعوَاتِ المُغرِضَةِ لإِخرَاجِهِنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ، وَشَغلِ المُجتَمَعِ في هَذَا الشَّأنِ، بما هُوَ حَربٌ عَلَى الطُّهرِ وَطَعنٌ في العِفَّةِ وَهَدمٌ لِلأَخلاقِ، مِن قِيَادَةِ المَرأَةِ لِلسَّيَّارَةِ، أَو تَعَلُّقِهَا بِالرِّيَاضَةِ، أَو تَوَلِّيهَا لِلرِّئَاسَةِ وَالإِدَارَةِ، كُلُّ ذَلِكَ في تَغَافُلٍ ظَالِمٍ عَمَّا نَزَلَ في كِتَابِ اللهِ وَجَاءَت بِهِ السُّنَّةُ، مِن وُجُوبِ غَضِّ البَصرِ وَإِرخَاءِ الحِجَابِ، وَإِدنَاءِ الجَلابِيبِ وَالقَرَارِ في البُيُوتِ، وَتَحرِيمِ الخَلوَةِ بِالنِّسَاءِ غَيرِ المَحَارِمِ أَوِ الدُّخُولِ عَلَيهِنَّ أَو مُصَافَحَتِهِنَّ، وَتَحرِيمِ سَفَرِ المَرأَةِ بِلا مَحرَمٍ، وَالنَّهيِ عَنِ التَّبَرُّجِ وَإِبدَاءِ الزِّينَةِ وَالخُضُوعِ بِالقَولِ. وَأَمَّا المَالُ وَمَا أَدرَاكُم مَا المَالُ؟! فَقَد حَذَّرَ المَولى - سُبحَانَهُ - عِبَادَهُ مِن فِتنَتِهِ، وَنَهَاهُم أَن يُلهِيَهُم عَن ذِكرِهِ وَطَاعَتِهِ، وَأَخبَرَ أَنَّ مَنِ التَهَى بِهِ فَإِنَّهُ مِنَ الخَاسِرِينَ، كَمَا أَخبَرَ الصَّادِقُ المَصدُوقُ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ فِتنَةَ هَذِهِ الأُمَّةِ وَهَلاكَهَا في المَالِ فَقَالَ: "إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ فِتنَةً، وَفِتنَةُ أُمَّتي المَالُ" وَإِنَّ مِمَّا وَقَعَ في هَذَا الزَّمَانِ مِنَ الافتِتَانِ الشَّدِيدِ بِالمَالِ، انتِشَارَ الرِّبَا وَفُشُوَّهُ في كَثِيرٍ مِنَ المُعَامَلاتِ، سَوَاءٌ المَصرِفِيَّةُ مِنهَا أَوِ الَّتي بَينَ الأَفرَادِ، وَأَكلُهُ أَضعَافًا مُضَاعَفَةً، في تَجَاهُلٍ لِكَونِهِ جَرِيمَةً كَبِيرَةً، وَأَنَّ اللهَ - تَعَالى - حَرَّمَهُ تَحرِيمًا شديدًا وَهَدَّدَ آكِلِيهِ تَهدِيدًا مُخِيفًا، وَتَوَعَّدَهُم بِحَربٍ مِنهُ وَرَسُولِهِ، وَلَعَنَ آكِلَهُ وَمُوكِلَهُ وَشَاهِدَيهِ وَكَاتِبَهُ. وَإنَّ فِتَنَ المَالِ سِوَى الرِّبَا في هَذَا الزَّمَانِ لَكَثِيرَةٌ، مِن سَرِقَةٍ لِلمَالِ العَامِّ وَتَخَوُّضٍ فِيهِ بِغَيرِ حَقٍّ، وَتَهَاوُنٍ مِنَ المُوَظَّفِينَ بِالأَمَانَاتِ وَالمَسؤُولِيَّاتِ الَّتي كُلِّفُوا بها لِتَسيِيرِ شُؤُونِ البِلادِ وَالعِبَادِ، فَجَعَلُوا مِنهَا أَسبَابًا لأَخذِ الرَّشَاوَى وَتَنَاوُلِ السُّحتِ، أَو أَبوَابًا لِخِدمَةِ المُقَرَّبِينَ وَمَنعِ المُحتَاجِينَ، أَلا فَاتَّقُوا اللهَ - تَعَالى - وَاعلَمُوا أَنَّكُم مُلاقُوهُ فَخَافُوهُ، وَلازِمُوا مَا خُلِقتُم لأَجلِهِ مِن عَبَادَتِهِ، فَبِتَقوَاهُ وَعِبَادَتِهِ نَجَاتُكُم مِن كُلِّ فِتنَةٍ، وَعِصمَتُكُم مِن كُلِّ بَلاءٍ وَمِحنَةٍ، وَاستَغفِرُوا رَبَّكُم ثم تُوبُوا إِلَيهِ يُمَتِّعْكُم مَتَاعًا حَسَنًا وَيُؤتِ كُلَّ ذَي فَضلٍ فَضلَهُ، وَاذكُرُوا اللهَ كَثِيرًا يَذكُرْكُم، وَاشكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُم ﴿ وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ * الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ ﴾ [الشعراء: 151، 152] وَأَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلى أَهلِهَا وَلا تَبخَسُوا النَّاسَ أَشيَاءَهُم، وَمُرُوا بِالمَعرُوفِ وَانهَوا عَنِ المُنكَرِ، وَاستَعِينُوا بِالصَّبرِ وَالصَّلاةِ، وَمُرُوا بها أَهلِيكُم وَاصطَبِرُوا عَلَيهَا تُرزَقُوا، ثم احذَرُوا مِمَّا يُحَاوِلُ الحَمقَى وَالسُّفَهَاءُ وَالمُنَافِقُونَ، مِن إِحدَاثِهِ بَينَكُم لِيَتَصَدَّعَ بِنَاؤُكُم وَتَتَفَتَّتَ وحدَتُكُم، مِن إِحيَاءِ العَصَبِيَّاتِ القَبَلِيَّةِ المُنتِنَةِ، أَو إِذكَاءِ التَّحَزُّبَاتِ الفِكرِيَّةِ المُحرِقَةِ، أَو كَثرَةِ الطَّرقِ عَلَى أَخطَاءِ المَسؤُولِينَ وَتَعلِيقِ النُّفُوسِ بِالدُّنيَا، وَرَبطِ الوَلاءِ لِلحُكَّامِ بِالعَطَاءِ مِنَ الحُطَامِ، أَو نَشرِ الأَقوَالِ الشَّاذَّةِ وَالآرَاءِ المُخَالِفَةِ، وَالمَأخُوذَةِ عَن غَيرِ الرَّاسِخِينَ في العِلمِ، وَاحفَظُوا أَلسِنَتَكُم وَأَقلامَكُم وَالأَجهِزَةَ الَّتي في أَيدِيكُم، وَاحذَرُوا مِن أَن تَكُونُوا قَنَوَاتٍ لِنَشرِ كُلِّ سَاقِطٍ مِنَ القَولِ أَو مُثِيرٍ لِلفِتَنِ مِنَ الشَّائِعَاتِ وَالمُبَالَغَاتِ، وَتَثَبَّتُوا مِن كُلِّ نَبأٍ وَخَبرٍ، وَتَبَيَّنُوا كَمَا أَمَرَكُمُ اللهُ، فَكَفَى بِالمَرءِ كَذِبًا وَإِثمًا أَن يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ، ثم الزَمُوا الجَمَاعَةَ وَاحرِصُوا عَلَى الائتِلافِ، وَاحذَرُوا التَّفَرُّدَ بِالرَّأيِ وَالاختِلافَ، وَاعتَصِمُوا بِحَبلِ اللهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا، وَ"إِيَّاكُم وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكذَبُ الحَدِيثِ، وَلا تَحَسَّسُوا وَلا تَجَسَّسُوا، وَلا تَنَافَسُوا وَلا تَحَاسَدُوا، وَلا تَبَاغَضُوا وَلا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخوَانًا كَمَا أَمَرَكُم، المُسلِمُ أَخُو المُسلِمِ لا يَظلِمُهُ وَلا يَخذُلُهُ وَلا يَحقِرُهُ".

 

اللهُ أَكبَرُ اللهُ أَكبَرُ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبَرُ، اللهُ أَكبَرُ وَللهِ الحَمدُ.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • في الاحتفال بأعياد ...
  • ملف الحج
  • العيد سنن وآداب
  • محمد صلى الله عليه ...
  • العطلة وأيام ...
  • المرأة في الإسلام
  • الإنترنت (سلبيات ...
  • الرقية الشرعية
  • في الاحتفال بالمولد ...
  • قضايا التنصير في ...
  • رمضان
  • الكوارث والزلازل ...
  • رأس السنة الهجرية
  • كورونا وفقه الأوبئة
  • شهر شعبان بين ...
  • في يوم عاشوراء
  • زواج المسيار ...
  • التلفاز وخطره
  • مأساة المسلمين في ...
  • مكافحة التدخين ...
  • الإسراء والمعراج
  • العولمة
  • قضية حرق المصحف
  • ملف الصومال
  • نصرة أم المؤمنين ...
  • رأس السنة الميلادية
  • العصبية القبلية
  • كرة القدم في
  • مسلمو بورما ...
  • ملف الاستشراق
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة