• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع ملفات خاصة / ملف الحج / استراحة الحج


علامة باركود

في دار الهجرة (قصة)

في دار الهجرة
عبدالسلام بدوي


تاريخ الإضافة: 15/1/2013 ميلادي - 3/3/1434 هجري

الزيارات: 8486

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

في دار الهجرة


في أصيل اليوم الثاني من وصولنا إلى المدينة، لمحنا جبل (أُحُد) في الأفق، ثم اعتلينا ربوةً اسمها (جبل التفريحات)؛ لأننا فرحنا برؤية أولِ قبسٍ من مباني المدينة والحرمِ الشريف، وفرّحنا سائقنا بما قدَّمنا له من هبات، ثم نزلنا إلى وادي العقيق، الذي كان يرتاض فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبَدَتْ بوابة العنبرية غرب المدينة، وكان حظنا جميلاً؛ إذ دخلنا عند الغروب، ولو كنا تأخَّرنا نصف ساعة لاضطُررنا إلى المبيت في العراء خارج الأسوار؛ إذ لا يدخل المدينةَ إنسان خلال الليل، ويُحْكم قفلُ أبوابها؛ وذلك ما كان يفعله النبي - صلى الله عليه وسلم - ويتّبعه القوم إلى يومنا هذا.

 

بكر الخادم يُوقِظنا لصلاة الفجر، فقصدنا الحرم، وإذا بالجماهير تسدُّ أرجاءه سدًّا، وبشقِّ الأنفس استطعنا أن نصل إلى الحجرة الكريمة، وهي مكان بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي كان يقطن به في المدينة، ودُفِن فيه بعد وفاتِه سنة 11 هجرية، يحوطها الوقار الشديد، والجلال الذي لا يحد، هنا أذهلتنا وجاهة المكان ورواؤه، وبخاصة في الحجرة الشريفة، ومساحتها تقارب 15 × 16 مترًا، في كل من جوانبها الأربعةِ شبَّاك من النحاس الأصفر، دُهن باللون الأخضر، يزينه الذهب، وتتدلَّى من سمائها الستائر الخضراء الثقيلة؛ وفي ضلعها الجنوبي شبَّاك، وفي القلب مثوى سيد الخلق - صلى الله عليه وسلم - وإلى يساره أبو بكر الصديق الذي دفن بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - بسنتين، ورأسه إلى قدمي الرسول، يليه قبر عمر بن الخطاب، الذي دفن سنة 23 هجرية، ورأسه محاز لمنكبي أبي بكر، وكان هذا المكان بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد دفن في حجرته، ومن ورائه غرفة السيدة فاطمة ابنته، وإلى يمين المثوى يقع محراب النبي - صلى الله عليه وسلم - ومنبره الذهبي الأنيق الفاخر؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: ((ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة))؛ لذلك كان تزاحمنا على الصلاة في تلك الجنة شديدًا، ولا يكاد الواحد يجد موطئًا لقدم طيلة اليوم، وقد كان المكان مربدًا (مسطحا للبلح) لغلامين يتيمين- هما سهل وسهيل ابنا عمرو - والقصة تروى بأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أطلق ناقته حتى بركتْ وحدها في هذا المكان، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((هذا إن شاء الله المنزل))، وتلا الآية: ﴿ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ ﴾ [المؤمنون: 29].

 

وللحرم أبواب خمسة كلها من الخشب السميك، طعِّم بالنحاس الأصفر في نقشة جميلة، وتزين أركان الحرم الأربعة المنارات الأنيقة، وفوق المثوى الكريم القبَّة الخضراء التي تبهر النظر، وتثلج الصدور، من أقصى جهات المدينة، مكان كرمه الله وشرفه، وكيف لا، وهو يضم بين جدرانه أشرف الخلق، وأقربهم إلى الله - تعالى؟! يدخله الواحد منا فينسى نفسه، وتمضي الساعات والقلب خاشع والنفس ذاهلة.

 

ركبنا عربة سارتْ بنا إلى الشمال الشرقي من المدينة صوب جبل أُحُد - الذي يمتد ستة كيلو مترات - وفي سفحِه زرنا ضريح سيدنا حمزة عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي استشهد في موقعة أُحُد، وإلى جانبه عقيل بن أمي، وإلى جوارهما العين المائية، وموضع قبَّة الثنايا مكان مصلَّى الرسول - صلى الله عليه وسلم - إبَّان الحرب، تسفَّلنا الجبل إلى المغارة التي كان يُشرِف منها النبي - صلى الله عليه وسلم - على القتال، وهي في شق مستطيل، وفي تلك الموقعة (موقعة أُحُد) هُزِم المسلمون، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أمر الرماة بالسهام أن يظلوا فوق الجبل لا يتركون أماكنهم حتى يأذن لهم، فلما رأوا إخوانهم أسفل الجبل تشغلهم الغنائم تركوا أماكنهم ونزلوا؛ فكانت الهزيمة التي أصيب فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - بشجٍّ في فمه، وكسر في أسنانه، وأشيع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد مات، فعمَّ الأسى وساد الهرج.

 

وفي ناحيةٍ تبتعدُ ميلين إلى الجنوب من المدينة زُرْنا مسجد قُبَاء - مسجد التقوى - أول مكان نزله النبي - صلى الله عليه وسلم - في هجرته إلى المدينة، وافدًا من مكة، وأناخ ناقته وسطه، وصلى فيه، وهو أول مسجد بُنِي في الإسلام، وقد صلَّينا فيه الظهر، وبجواره قُبَّة تحتها بئر يسمونه (بئر الخاتم)، وفيها وقع خاتم الرسول - صلى الله عليه وسلم - من يدِ سيدنا عثمان مدَّة خلافته، وكانت تختم به المكاتبات، وقد نُقش عليه "محمد رسول الله"، ثم قصدنا زيارة البَقِيع خلف أسوار الحرم الشريف من الشرق، وهو متَّسع من الأرض أحيط بأسوار، وفيه مدافن المسلمين من عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى اليوم، وبه قبور عشرة آلاف من الصحابة، ومن بينهم سيدنا عثمان، ولذلك يطلقون على المكان اسم "جنة البقيع".

 

قمنا بالسيارة نودِّع المدينة المنورة في طريق وعرٍ محفوف بكل ضروب المخاطر؛ فثلثُه الأول من ناحية المدينة أرض مغضمة جبلية، يفرشها هشيم الصخر، وتنثرها الحفر، قطعناها في أربع ساعات، ومن محطاتها الشهيرة "أبيار علي"، ثم الثلث الثاني إلى محطة مستورة، التي وصلناها في ست ساعات وسط جبال معقّدة، تتشعب عندها الوديان في غير حصر، وتنقبض تارة وتنبسط أخرى، ويتوسطها "الدرب الطويل"، الذي كان محطَّ فزع الحجاج قديمًا؛ لأن اللصوص البدو، وقطَّاع الطرق، كانوا يدبّرون مؤامرتهم على الناس فوق ذراها، ويداهمون القوافل من مسارب تلك الجبال، وطالما سفكت فيها دماء بريئة لم يخفِّف من وقع رزئها إلا إيمان شديد في أن الله قد اختار أولئك الحجاج إلى جواره في تلك الأراضي المقدسة المباركة، وبرغم تأمين "ابن سعود" للطريق العام، لم نتمالكْ شعور الفزع كلما أبصرنا هيكلاً باليًا لجمَل خانه الحظ، أو أنقاض سيارة حطمتْها وعورة الطريق.

 

وبين فترة وأخرى كان يهاجمنا من تلك المسارب جماهير البدو في حالتهم الرثَّة، يُلحِفون في طلب الإحسان، في نغمة المتماوت البائس المسكين، وهم الذين كانوا حربًا وعونًا من قبلُ على قاصدي زيارة المصطفى - عليه السلام.

 

وفي الثلث الأخير من الطريق انفسحت الجبال، ودخلنا في سهول تحفُّها كثبان الرمل، وتغوص فيها عجلات السيارات حتى تكاد تخفيها، وكم (غرزت) سيارتنا رغم مهارة سائقها، وسُقناها بأكتافنا بعد جهد طويل، طريق عسير صرفنا فيه نحو ست وعشرين ساعة، وكأن السيارة كانت تئنُّ أنين الألم، وكنا نسمع تصدُّع أوصالها، ولا تكاد سيارة تمرُّ دون أن يصيبها عطل تقف من أجله ساعات لتصلح من شأنها.

 

أقلَّتنا الباخرة من جُدَّة إلى الطُّور، ومنها إلى السويس، وما إن رستْ على رصيف الميناء حتى اختلط الحابل بالنابل، وسار كلٌّ يعانق أهله ومُستقبِليه، وانصرف كلٌّ إلى عربته، ولسانه يلهج حمدًا لله وشكرًا أن وفَّقه للقيام بأداء أحدِ أركان الدين الحنيف؛ وسرعان ما نسي ما قاسى من متاعبَ، وراح يدعو الله أن ييسِّر له الحج وزيارة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - في أعوامه المُقبِلة، حتى تستزيدَ نفسخ من المتاع الروحي الذي يحسه الإنسان، وهو يستظل بسماء تلك الأراضي المقدسة الطاهرة.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • في الاحتفال بأعياد ...
  • ملف الحج
  • العيد سنن وآداب
  • محمد صلى الله عليه ...
  • العطلة وأيام ...
  • المرأة في الإسلام
  • الإنترنت (سلبيات ...
  • الرقية الشرعية
  • في الاحتفال بالمولد ...
  • قضايا التنصير في ...
  • رمضان
  • الكوارث والزلازل ...
  • رأس السنة الهجرية
  • كورونا وفقه الأوبئة
  • شهر شعبان بين ...
  • في يوم عاشوراء
  • زواج المسيار ...
  • التلفاز وخطره
  • مأساة المسلمين في ...
  • مكافحة التدخين ...
  • الإسراء والمعراج
  • العولمة
  • قضية حرق المصحف
  • ملف الصومال
  • نصرة أم المؤمنين ...
  • رأس السنة الميلادية
  • العصبية القبلية
  • كرة القدم في
  • مسلمو بورما ...
  • ملف الاستشراق
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة