• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع ملفات خاصة / محمد صلى الله عليه وسلم / مقالات


علامة باركود

هي والقمر!

د. حنان لاشين أم البنين


تاريخ الإضافة: 9/4/2015 ميلادي - 19/6/1436 هجري

الزيارات: 8793

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

هي والقمر!


أكادُ أراها وهي تسير بوهَن بجوار زوجها الحنون على الرمال الساخنة، يدها في يده،
ويُظلِّل على جسدها الضئيل بقامته الطويلة.


يتبادلان الركوب على الدابتين فيسيران بجوارهما - أحيانًا - رفقًا بهما، و صغيرها يتوسَّد صدرها، باكيًا بعد أن قرصه الجوع.


كيف ستحتويه وترضعه وحالها كحاله؟!

من أين ستُمطر السحابة وقد هجرها ماء المطر؟!


كفُّه الحانية تمتد فجأة لتربِّت على كتفها لتنفض الظنون عن رأسها المتعب، يخدّرها عطفه وحنانه عليهما فتنسى كل شيء وتأنس بجواره.


أيُّ جفاف هذا؟!... سنةٌ قاحلة مجدِبة أيبست الزرع، وأهلكت الضرع، البطون جاعت، والنفوس تيبَّست، وها هي علاماتُ اليأس والألم قد كستْ وجهَها ووجه زوجها.


على دابتين هزيلتين مسنَّتين لا ترشحان بقطرة من لبن، ركِبا يطلبان ما يطلب غيرهما، وللكل نفسُ الهدف.


ما زال الصغير يبكي؛ فقرصةُ الجوع مُوجعة، وما زال يحنو عليهما، ويربت على ظهر صغيره وكتفه.


ضجرَ منهما الرفاق؛ فهما أبطأ مَن يسير بهاتين الدابتين الهالكتين، فشق عليهما الأمر، نظرات الضجر، تأفُّـف النساء، حركات الرؤوس وهي تتعجب من الصغير الذي لا يتوقف ليلَ نهارَ عن البكاء! ونظرات التعجب من الرجال لزوجها؛ لماذا يحبُّها على فقرها؟!


ونظرات الفضول من النساء إليها؛ لماذا تحبُّه على فقره وبساطةِ حاله؟!


حتى عيناها جفَّتا فلم تستطيعا البكاء، لكن رؤية زوجها الحبيب يعاونها رطَّبتهما؛ فأغمضت عينيها للحظات وتصبَّرت وارتوت.


وصلت أخيرًا، فهرولت تتنقل بين البيوت؛ عسى أن تسبق رفيقاتها لباب دار أحد أثرياء مكة؛ فتفوز بغلام فترضعه، وتُسعد أهلها وولدها، ويعمَّ الخير.


لم تجد إلا يتيمًا زهدت فيه بعد أن همست لزوجها: "ما عسى أن تنفعنا أمُّ صبي لا أبَ له!"


تركاه وانصرفا.


ظفرت كل امرأة بصبي، فكلُّ منهن تجيد الكلام، والعرض، والطلب، والابتسام، وأما هي فحالمة و"حليمة"، سبقتها خطواتهن،وغلبتها مهارتهن، وبقيت تحتضن رضيعها وترتجفُ وتتلفت يمينًا ويسارًا، تقبض على ثيابه وهي حائرة، تتساءل في نفسها وهي تراقبهن... لماذا لستُ مثلهن؟!


أوشكا على الرحيل، فحانت الـتفاتـة من زوجها الذي كانت تسير بحياء خلفه - وهي تشد ثيابها متسترة بها - والذي احتضن وجهها بمقلتيه، وقال بصوت رحيم: "لا بأس عليك! خذيه؛ فعسى أن يجعل الله فيه خيرًا".


نعم، يتيم لا أب له، ولكن ما ذنبه؟ وهل الرزق من جدِّه أم من ربِّه؟!


وهل الحبُّ والرحمة صارا حصرًا على الأغنياء فقط؟ سبحان الرزاق!


فعادت على استحياءٍ، واحتوته بين يديها، ووضعته في حَجرها، حتى لا ترجع خالية الوفاض، فتشمت بها النساء، وتعود مكسورة الخاطر... فإذا بالقمر بين يديها!


تعلَّقت مقلتاها بوجهه المشرِق؛ فنسيت كلَّ ألمٍ ألمَّ بها، وكستها هيبة لا تعرف من أين أتتها، وكأنه على صِغر ذراعيه وكفَّيه احتضنها واحتواها، حتى اطمأنَّت وسكنت... هي والقمر!


لاحت ابتسامة خفيفة على شفتيه الطاهرتين ببراءةٍ فملكت فؤادها! وسكن صغيرها الذي مزَّقه البكاءُ أيضًا بجوارها.


أوَّاه! يا حبيبي يا رسول الله، أيُّ طُهرٍ وجمال ونقاء ونور خُلِقت منه؟!

 

اشتقنا يا رسولَ الله!


رزقٌ وفير، ولبن طيِّب مطيَّب، رُزِقه الحبيب، فرضع عليه السلام حتى ارتوى، ونامت عيناه الشريفتان، بعد أن لامس وجهها بكفِّه الصغيرة، ورضع صغيرها الذي توقف الآن فقط عن قرصةِ الجوع! فنام كلاهما، واضَّجعت وزوجها بجوارهما، وهما في ذهول!


أليس جميلاً؟

بلى، هو جميل.


انظر ابتسامته؟

ما أحلاها!


هل شمَمْت رائحته؟

نعم، كالمسك!


مسحت بكفِّها على وجهه ويا له من شرف! ووضعت إصبعها في كفِّه الصغيرة فقبض عليها بحنان، قرَّبت وجهها من وجهه، ولامست أنفَه بأنفِها، وتنفَّست الطُهرَ بعد أن جال بصدره، ويا له من شرف ويا لها من بركة!... رائحته حلوة كحلاوة روحه ونفَسِه صلى الله عليه وسلم - وهو رضيع.


ثم حانت من زوجها التفاتة إلى ناقتهما المُسنَّة العجْفاء، فإذا ضرعاها حافلان ممتلئان باللبن!


حليمة، أتريْن ما أراه؟!


فقام إليها دَهِشًا! وهو لا يصدّق عينيه!


حلب لبنها وشرب، وحلب لحبيبته "حليمة" فشربت معه حتى امتلأ كلاهما رضًا وريًّا وشِبَعًا، وباتا في خيرِ ليلة.


فلما أصبحَا وأشرق وجهُ الحبيبِ صلى الله عليه وسلم عليهما، تأمّلا نورَ وجهه الشريف وهو يطالعهما ببراءة، وعلى شفتيه الطاهرتين ابتسامة حانية! مال زوجُها عليها، وهمس بحبٍّ قائلاً:

أتدرين يا "حليمة"، أنك ظفرتِ بطفل مبارك؟


فقالت - وما زالت مقلتاها لا تفارق وجه الحبيب صلى الله عليه وسلم:"إنه لكذلك، و إني لأرجو منه خيرًا كثيرًا".


ثم خرجا من مكة على دابتيهما الهزيلتين، وحملت "حليمةُ" الحبيبَ، واحتوته بيديها، وقد بدأت تتعلَّق به - وكأنه قطعة منها - وإذا بالدابَّة تُسرع وتتقدَّم كلَّ الدوابِّ الأخرى، وكلُّ من معهما يتعجَّب! وهي تضحك، وزوجها يضحك!


يا الله! أيُّ كرمٍ هذا! وأيُّ بركة حلَّت بنا!


وكيف لا تقع البركة على من يرحم يتيمًا لا أبَ له؟!


عادت لمنازلها في بلاد بني "سعد" - أشدُّ البلاد قحطًا، وجدبًا، وفقرًا - لكنها عادت بالحبيب!


كانت غنماتُها تغدو كلَّ صباح فترعى، ثم تعود في المساء فيحلبون منها، ويشربون، ويشبعون، وما يحلب غيرهم قطرة! حتى إنَّ بني قومها كانوا يصرخون، وينصحون رُعيانهم، أن يتْبعوا بالأغنام غنماتها؛ ليسرحوا حيث تسرح، يأكلون من حيث تأكل.


ومرَّ عامان، حلَّت فيهما السعادة والبركة على زوجةٍ صالحة؛ لأنها رحِمت يتيمًا مباركًا؛ فاحتضنته، وأرضعته، وأحسنت إليه بعد أن شجَّعها زوجها ونصحها؛ فرحماه معًا، فرحِمهما الله.


وهكذا ستحلُّ السعادة والبركة عليكِ، إن رحمتِ يومًا يتيمًا في بيتك، تطعمينه مما يَطعَم صغارك، وتلبسينه مما يلبسون، وتضحكينه كما يضحكون.


أو ربَّما أنتِ من هؤلاء اللاتي لم يكتب الله لهنَّ – برحمته وحكمته - الإنجاب، وهو ابتلاء عظيم لن ندركَ حكمتَه؛ لأنَّنا لا نرى بأعيننا "لطف الله الخفي" حيث لا نملك أن نرى ما يراه سبحانه، لكنك تملكين احتواءَ يتيم أو يتيمة، فكما أن الأمومةَ عطاء من الأم، فهي حلوة ولها لذَّة أخرى عند احتواء يتيم، لذَّة عطاء ورقّة قلب، ذاقتْها حليمة في قلبها عندما كانت... هي والقمر.


كوني مثلها، كوني مثل "حليمة"، كوني صحابية!





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 


تعليقات الزوار
1- مقال رائع
الياسمين الشامي - المملكة العربية السعودية 10-04-2015 09:03 PM

ماشاء الله تبارك الرحمن
جزاكِ الله خيراً يا دكتورة ورفع الله قدركِ واستعملكِ الله
فيما يرضيه
مقال رائع يمس القلوب
جزيتِ الجنة وبارك الله في قلمك

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • في الاحتفال بأعياد ...
  • ملف الحج
  • العيد سنن وآداب
  • محمد صلى الله عليه ...
  • العطلة وأيام ...
  • المرأة في الإسلام
  • الإنترنت (سلبيات ...
  • الرقية الشرعية
  • في الاحتفال بالمولد ...
  • قضايا التنصير في ...
  • رمضان
  • الكوارث والزلازل ...
  • رأس السنة الهجرية
  • كورونا وفقه الأوبئة
  • شهر شعبان بين ...
  • في يوم عاشوراء
  • زواج المسيار ...
  • التلفاز وخطره
  • مأساة المسلمين في ...
  • مكافحة التدخين ...
  • الإسراء والمعراج
  • العولمة
  • قضية حرق المصحف
  • ملف الصومال
  • نصرة أم المؤمنين ...
  • رأس السنة الميلادية
  • العصبية القبلية
  • كرة القدم في
  • مسلمو بورما ...
  • ملف الاستشراق
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة