• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع ملفات خاصة / محمد صلى الله عليه وسلم / مقالات


علامة باركود

خطبة عن وفاة النبي صلى الله عليه وسلم

خطبة عن وفاة النبي صلى الله عليه وسلم
د. سعود بن غندور الميموني


تاريخ الإضافة: 26/7/2021 ميلادي - 16/12/1442 هجري

الزيارات: 160787

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

خطبة عن وفاة النبي صلى الله عليه وسلم

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ، فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ، فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإحْسَانٍ، أَمَّا بَعْدُ:


فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ، فَهِي وَصِيَّةُ اللهِ تَعَالَى لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ ﴿ وَاتَّقُونِ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [البقرة: 197].


عِبَادَ اللَّهِ.. كَمَا تَعْلَمُونَ فَإِنَّ فَتْحَ مَكَّةَ كَانَ مَعْرَكَةً فَاصلةً، قَضَتْ عَلَى الْوَثَنِيَّةِ قَضَاءً بَاتًّا، عَرَفَتِ الْعَرَبُ لأَجْلِهَا الْحَقَّ مِنَ الْبَاطِلِ، وَزَالَتْ عَنْهُمُ الشُّبُهَاتُ، فتسَارعُوا إلَى اعْتِناقِ الإسْلامِ، وَلِذَلِكَ وَفَدَتِ الْوُفُودُ تَقْصِدُ الْمَدِينَةَ تَتْرَى فِي الْعَامَيْنِ -التاسعِ والعاشرِ- وَدَخَلَ النَّاسُ فِي دَيْنِ اللَّهِ أَفْوَاجًا، أَكْثَرُ مِنْ سَبْعِينَ وَفْدًا قَدِمُوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.


وَعَلَى هَذَا النَّحْوِ -يا عِبَادَ اللهِ- تَمَّتْ أَعْمَالُ الدَّعْوَةِ، وَإِبْلاغُ الرِّسَالَةِ، وَبِنَاءِ مُجْتَمَعٍ جَدِيدٍ عَلَى أَسَاسِ إثْبَاتِ الأُلُوهِيَّةِ لِلَّهِ، وَنَفْيِهَا عَنْ غَيْرِهِ، وَعَلَى أَسَاسِ رِسَالَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.


ثُمَّ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدَأَ يَشْعُرُ بِدُنُوِّ أَجَلِه، وَكَأنَّ هَاتِفًا خَفِيًّا انْبَعَثَ فِي قَلْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُشْعِرُهُ أَنَّ مَقَامَهُ فِي الدُّنْيَا قَدْ أَوْشَكَ عَلَى النِّهَايَةِ، حَتَّى إنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ بَعَثَ مُعَاذًا إلَى الْيَمَنِ سَنَةَ عَشْرٍ قَالَ لَهُ فِيمَا قَالَ: «يَا مُعَاذُ، إِنَّكَ عَسَى أَنْ لَا تَلْقَانِي بَعْدَ عَامِي هَذَا، وَلَعَلَّكَ أنَ تَمُرَّ بِمَسْجِدِي هَذَا وَقَبْرِي» فَبَكَى مُعَاذٌ رضيَ اللهُ عنهُ.


وَشَاءَ اللَّهُ أَنْ يُرِيَ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثِمَارَ دَعْوَتِهِ، الَّتِي عَانَى فِي سَبِيلِهَا أَلْوَانًا مِنَ الْمَتَاعِبِ بِضْعًا وَعِشْرِينَ عَامًا، فَيَجْتَمِعَ فِي أَطْرَافِ مَكَّةَ بِأفْرَادِ قَبَائِلِ الْعَرَبِ ومُمثِّليهَا، فيَأخذُوا مِنْه شَرَائِعَ الدِّينِ وَأَحْكَامِهِ، وَيَأْخُذَ مِنْهُمُ الشَّهَادَةَ عَلَى أَنَّهُ أَدَّى الْأَمَانَةَ، وَبَلَغ الرِّسَالَةَ، وَنَصَحَ الأُمَّةَ.


فأَعْلَنَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَصْدِهِ حَجَّ بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ، فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ بَشَرٌ كَثِيرٌ، كُلُّهُم يَلْتَمِسُ أَنْ يَأْتَمَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَفِي يَوْمِ السَّبْتِ لأَرْبَعٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ تَهَيَّأَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلرّحِيلِ وَقَصَدَ مَكَّةَ الْمُكَرَّمَةَ.


وَفِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ مِنَ ذِي الْحَجَّةِ -وهو يَوْمُ التَّرويةِ- تَوَجَّهَ إلَى مِنًى، وَمِنْهَا إلَى عَرَفَاتٍ فِي الْيَوْمِ التَّاسِعِ، فَأَتَى بَطْنَ الْوَادِي، وَقَدْ اجْتَمَعَ حَوْلَهُ أكثرَ مِن مِائَةِ أَلْفٍ مِنَ النَّاسِ، فَقَامَ صلى اللهُ عليه وسلم فِيهِمْ خَطِيبًا، وَأَلْقَى هَذِهِ الْخُطْبَةَ الْجَامِعَةَ: «أيهَا النَّاس! إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَوْضُوعٌ، وَدِمَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ، وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ.. فَاتَّقُوا اللهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ، وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ، فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ، كِتَابُ اللهِ..


أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي، وَلَا أُمَّةَ بَعْدَكُمْ! أَلاَ فَاعْبُدوا رَبُّكُمْ وَصَلُّوا خَمْسَكُمْ، وَصُومُوا شَهْرَكُمْ، وَأَدُّوا زَكَاةَ أَمْوَالَكُمْ طَيْبَةً بِهَا أَنْفُسَكُمْ، وَأَطِيعُوا وُلاةَ أَمْرِكُمْ تَدْخُلُوا جَنَّةَ رَبِّكُمْ.. وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي، فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟» قَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ، فَقَالَ: بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ، يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ وَيَنْكُتُهَا إِلَى النَّاسِ «اللهُمَّ اشْهَدْ، اللهُمَّ اشْهَدْ، اللهُمَّ اشْهَدْ» ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.. وَنَحْنُ نَشْهَدُ أَنَّهُ بَلَّغَ الرِّسَالَةَ وَأَدَّى الْأَمَانَةَ وَنَصَحَ الأُمَّةَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.


تَكَامَلَتِ الدَّعْوَةُ، وَسَيْطَرَ الإِسْلامُ عَلَى الموْقِفِ، وَأَخَذَتْ طَلائعُ التَّوْدِيعِ لِلْحَيَاةِ وَالأَحْيَاءِ تَطْلُعُ مِنْ مَشَاعِرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَنْضَحُ بعِباراتِهِ وَأَفْعَالِه.


وَمِنْهَا أَنَّهُ بَعْدَ أَنْ فَرَغَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إلْقَاءِ الْخُطْبَةِ نَزَلَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3]، وَعِنْدَمَا سَمِعَهَا عُمَرُ بَكَى، فَقِيلَ لَهُ: مَا يُبْكِيكَ؟ قَال: إنَّهُ لَيْسَ بَعْدَ الْكَمَالِ إلاَّ النُّقْصَانُ. وَمِنْهَا أَنَّهُ لَمَّا أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ النَّصْرِ فِي أَوْسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، عرَفَ صلى اللهُ عليه وسلم أَنَّهُ الْوَدَاعُ، وَأَنَّه نُعِيَتْ إِلَيْهِ نَفْسُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.


أَيُّهَا الْمُحِبُّونَ.. قَضَى نَبِيُّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنَاسِكَهُ وَحَثَّ الرِّكَابَ إلَى الْمَدِينَةِ الْمَطْهَّرَةِ، لاَ لِيَأْخُذَ حَظًّا مِنَ الرَّاحَةِ، بَل لِيسْتأْنِفَ الكِفَاحَ والبَذْلَ لِلَّهِ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ.


وَفِي أَوَائِلِ شهرِ صَفَرٍ فِي السَّنَةِ الْحَادِيَةِ عَشْرَةَ خَرَجَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى أُحُدٍ، فَصَلَّى عَلَى الشُّهَدَاءِ كَالْمُودَّعِ لِلْأَحْيَاءِ وَالْأَمْوَاتِ، ثُمَّ انْصَرَفَ إلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ: «إِنِّي فَرَطٌ لَكُمْ، وَأَنَا شَهِيدٌ عَلَيْكُمْ، وَإِنِّي وَاللَّهِ لَأَنْظُرُ إِلَى حَوْضِي الآنَ، وَإِنِّي أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ الأَرْضِ، وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا بَعْدِي، وَلَكِنْ أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنَافَسُوا فِيهَا» متفقٌ عليهِ.


وَذَاتَ لَيْلَةٍ خَرَجَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْبَقِيعِ فَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ، وَقَالَ: «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ الْمَقَابِرِ، لِيُهْنِكُمْ مَا أَصْبَحْتُمْ فِيهِ مِمَّا أَصْبَحَ فِيهِ النَّاسُ، لَوْ تَعْلَمُونَ مَا نَجَّاكُمُ اللَّهُ مِنْهُ أَقْبَلَتِ الْفِتَنُ كَقِطْعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يَتْبَعُ آخِرُهَا أَوَّلَهَا: الْآخِرَةُ أَشَرُّ مِنَ الْأُولَى» رواهُ الدَّارِمِيُّ.


ثُمَّ ابْتَدَأَ بِنَبِيِّكُم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَرَضُ، فَفِي الْيَوْمِ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَهْرِ صَفَرٍ وَكَانَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ شَهِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِنَازَةً فِي الْبَقِيعِ، فَلَمَّا رَجَعَ وَهُوَ فِي الطَّرِيقِ أَخَذَهُ صُدَاعٌ فِي رَأْسِهِ، واتَّقَدَتِ الحَرَارَةُ فِي جَسَدِهِ الشَّرِيفِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ صَلَّى النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنّاسِ وَهُوَ مَرِيضٌ أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا.


وَفِي آخَرِ يَوْمٍ مِنْ حَيَاةِ الْمُصْطَفَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويَحْكِيهِ لَنَا خَادِمُه أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَيْثُ يَقُولُ: أَنَّ المُسْلِمِينَ بَيْنَا هُمْ فِي صَلاَةِ الفَجْرِ مِنْ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ، وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي لَهُمْ، لَمْ يَفْجَأْهُمْ إِلَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ كَشَفَ سِتْرَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ، فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ وَهُمْ فِي صُفُوفِ الصَّلاَةِ، ثُمَّ تَبَسَّمَ يَضْحَكُ، فَنَكَصَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى عَقِبَيْهِ لِيَصِلَ الصَّفَّ، وَظَنَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الصَّلاَةِ، قَالَ أَنَسٌ: وَهَمَّ المُسْلِمُونَ أَنْ يَفْتَتِنُوا فِي صَلاَتِهِمْ، فَرَحًا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ بِيَدِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَتِمُّوا صَلاَتَكُمْ ثُمَّ دَخَلَ الحُجْرَةَ وَأَرْخَى السِّتْرَ. رواهُ البخاريُّ. وَكَانَتْ هَذِهِ آخِرُ نَظْرَةٍ وَآخَرُ اِبْتِسَامَةٍ.


وَفِي ضُحَى يَوْمِ الِاثْنَيْنِ الْمُوَافِقِ لِلْيَوْمِ الثَّانِي عَشَرَ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنَ السَّنَةِ الْحَادِيَةِ عَشْرَةَ مِنَ الْهِجْرَةِ بَدَأ الاحْتِضَارُ بِالنَّبِيَّ الْكَرِيمِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ؛ فأَسْندَتْهُ عَائِشَةُ رضي اللهُ عنها إلَيْهَا، وَكَانَتْ تَقُولُ: (إِنَّ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ عَلَيَّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ فِي بَيْتِي، وَفِي يَوْمِي، وَبَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي، وَأَنَّ اللَّهَ جَمَعَ بَيْنَ رِيقِي وَرِيقِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ)؛ رواه البخاريُّ.


طَيَّبْتْ لَهُ أَمُّ الْمُؤْمِنِينَ سِوَاكًا يَسْتَاكُ بِهِ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ فِيهَا مَاءٌ، فَجَعَلَ يُدْخِلُ يَدَيْهِ فِي الْمَاءِ فَيَمْسَحُ بِهَا وَجْهَهُ ويَقُول: «لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، إِنَّ لِلْمَوْتِ سَكَرَاتٍ». وَمَا عَدَا أَنْ فَرَغَ مِنْ السِّوَاكِ حَتَّى رَفَعَ يَدَهُ أَوْ أُصْبَعَهُ، وَشَخَصَ بَصَرُهُ نَحْو السَّقْفِ، وَتَحَرَّكَتْ شَفَتَاهُ، فأَصغَتْ إلَيْه عَائِشَةُ وَهُوَ يَقُولُ: «مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ، وَالشُّهَدَاءِ، وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي، وَأَلْحِقْنِي بِالرَّفِيقِ الْأَعْلَى، اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الْأَعْلَى، اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الْأَعْلَى»، ثمَّ مَالَتْ يَدُهُ وَلَحِقَ بِالرَّفِيقِ الْأَعْلَى. وَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ وَصَدَق أَنَسٌ حِينَ قَالَ: "لَمَّا كَانَ اليَوْمُ الَّذِي دَخَلَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المَدِينَةَ أَضَاءَ مِنْهَا كُلُّ شَيْءٍ، فَلَمَّا كَانَ اليَوْمُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ أَظْلَمَ مِنْهَا كُلُّ شَيْءٍ، وَمَا فَرَغْنَا مِنْ دَفْنِهِ حَتَّى أَنْكَرْنَا قُلُوبَنَا" رواه أحمدُ. فاللهم اجْزِهِ عَنَّا خَيْرَ الْجَزَاءِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

 

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. أَمَّا بَعْدُ:

أَيُّهَا المشتاقونَ لِنَبِيِّهِم.. أَيُّهَا الْمُحِبُّونَ لِنَبِيِّهِم.. هَذَا هُوَ نَبِيُّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي اصْطَفَاهُ اللَّهُ عَلَى الْعَالَمِينَ، وَاخْتَارَه عَلَى خَلْقِهِ، وَكَرَّمَهُ وَجَمَّلَهُ وَقَرَّبَهُ وَأَرْسَلَهُ لِلْبَشَرِ كَافَّةً، عَاشَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيَاتَهُ يَمْشِي عَلَى الشَّوْكِ وَيُؤْذَى فِي اللَّهِ وَيُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى آخِرِ عُمُرِهِ، طُرِدَ مِنْ مَكَّةَ فَأَقَامَ دَوْلَةً، حُورِبَ فِي الْمَدِينَةِ فَصَبَرَ حَتَّى اسْتَقَامَتْ لِلْمُسْلِمِينَ حَيَاتَهُم، وَمَا تَرَكَ خيراً إلَّا وَضَّحَه وَرَغّبَهُمْ فِيهِ، وَلَا شراً إلَّا حَذَّرَهُم مِنْه.


هَذَا نَبِيُّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي بَذَلَ كُلَّ نَفِيسٍ مِنْ أَجْلِ إيصَالِ الدِّينِ وَتَعْلِيمِ الْبَشَرِيَّةِ، ثَبَتَ بِيَقِينِهِ حِينَ فَرَّ النَّاسُ، وَوَثَقَ بِرَبِّهِ حِين ظَنَّ الْمُنَافِقُونَ أَنَّهَا النِّهَايَةُ ﴿ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾ [الشعراء: 62].


هَذَا نَبِيُّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ عِبَادَهُ بِالإِيمَانِ بِهِ وَتَوْقِيرِهِ وَنُصْرَتِهِ وَالسَّيْرِ عَلَى نَهْجِهِ؛ فَقَالَ فِيهِ سُبْحَانَهُ: ﴿ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ ﴾ [الفتح: 9] وَقَال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ ﴾ [الحجرات: 2].


هَذَا نَبِيُّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. مَحَبَّتُهُ أَصْلُ الْإِيمَانِ، وَتَقْدِيمُ أَوَامِرِه مِنْ أُسُسِ الْإِسْلَامِ.


كَان الصَّحَابَةُ يُحِبُّونَه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَحَبَّةً لَا يَسْتَطِيعُ الْوَصْفُ إدْرَاكَهَا، كَانُوا إذَا أَمَرَهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا، وَإِذَا نَادَاهُم قَالُوا: فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَيْ لَا نَفدِيكَ بِأَمْوَالِنَا وَأَنْفُسِنَا فَحَسْبُ، بَل بآبائِنَا وأمهاتِنَا.


فَهَل نَحْن نُحِبُّ النَّبِيَّ صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم؟ هَل نَحْنُ نَتَّبِعُ سُنَّتَهُ ونقتفي آثَارَهُ ونَتشَبَّهُ بِهِ فِي أَخْلَاقِهِ وَسِيرَتِهِ؟


فَأَيْنَ نَحْنُ مِنْ هَذِهِ الْمَحَبَّةِ؟ أَيْنَ نَحْنُ مِنَ التَّمَسُّكِ بِسُنَّتِه؟ أَيْنَ نَحْنُ مِنَ الِاقْتِدَاءِ بِهَدْيِهِ؟


فاللهمَّ اغْفِرْ لَنَا تَقصِيرَنا وتفرِيطَنا وَجَهْلَنَا.


نَسْأَلُ اللهَ تعَالى أَنْ يُوَفِّقَنَا لاتِّبَاعِ سُنَّةِ نَبِيِّهِ والسَّيْرِ علَى هَدْيِهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ مُجِيبٌ.


اللَّهُمَّ انْصُرِ الإِسْلامَ وأَعِزَّ الْمُسْلِمِينَ، وَأَعْلِ بِفَضْلِكَ كَلِمَةَ الْحَقِّ والدِّينِ، وَمَكِّنْ لِعِبَادِكَ الْمُوَحِّدِينَ، واغْفِرْ لَنَا وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ والْمُسْلِمَاتِ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ والأَمْوَاتِ.


اللهمَّ وَفِّقْ ولي أَمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وتَرْضَى، وخُذْ بناصيته لِلبِرِّ وَالتَّقْوى، واجْعَلْ وِلايَتَنَا فِيمَنْ خَافَكَ واتَّقَاكَ.


اللهُمَّ انْصُرْ إِخْوَانَنَا فِي مَشَارِقِ الأَرضِ ومَغَارِبِهَا، اللهُمَّ انْصُرْهُمْ علَى عَدُوِّكَ وَعَدُوِّهِمْ، وَرُدَّهُمْ سَالِمِينَ غَانِمِينَ، إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وبالإِجَابَةِ جَدِيرٌ، وأَنْتَ حَسْبُنَا وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • في الاحتفال بأعياد ...
  • ملف الحج
  • العيد سنن وآداب
  • محمد صلى الله عليه ...
  • العطلة وأيام ...
  • المرأة في الإسلام
  • الإنترنت (سلبيات ...
  • الرقية الشرعية
  • في الاحتفال بالمولد ...
  • قضايا التنصير في ...
  • رمضان
  • الكوارث والزلازل ...
  • رأس السنة الهجرية
  • كورونا وفقه الأوبئة
  • شهر شعبان بين ...
  • في يوم عاشوراء
  • زواج المسيار ...
  • التلفاز وخطره
  • مأساة المسلمين في ...
  • مكافحة التدخين ...
  • الإسراء والمعراج
  • العولمة
  • قضية حرق المصحف
  • ملف الصومال
  • نصرة أم المؤمنين ...
  • رأس السنة الميلادية
  • العصبية القبلية
  • كرة القدم في
  • مسلمو بورما ...
  • ملف الاستشراق
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة