الحكم الشرعي لترائي الهلال

الحكم الشرعي لترائي الهلال

مذهب الحنفية: جاء في الهداية[1]: "ويَنبغي للناس أن يتلمّسوا الهلال في اليوم التاسع والعشرين من شعبان، فإن رأوه صاموا، وإن غُمَّ عليهم أكملوا عدة شعبان ثلاثين يومًا ثم صاموا"؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غُبى عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين))[2].

ثم جاء في شرح فتح القدير[3]: "قوله: "وينبغي للناس" أي: يجب عليهم، وهو واجب على الكفاية قوله: "لقوله عليه الصلاة والسلام" في الصحيحين عنه عليه الصلاة والسلام: (((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غُبي عليكم فأَكمِلوا عدة شعبان ثلاثين)) وقوله: "في اليوم التاسع والعشرين من شعبان فيه تساهُل؛ فإن الترائي إنما يَجب ليلة الثلاثين لا في اليوم الذي هي عشيته".

وجاء في البحر الرائق[4]: "ولم يتعرَّض[5] لوجوب التِماسه ولا شك في وجوبه على الناس وجوب كفاية، وينبغي في كلام بعضهم بمعناه، ووقته ليلة الثلاثين، ولهذا قال في الاختيار: يجب التماسه في اليوم التاسع والعشرين وقت الغروب[6].

وواضح من هذَين النصين عند الحنفية أن استطلاع الهلال في ليلة الثلاثين من شعبان واجب كفائي، إذا قام به البعض سقط عن الباقين.

وأما المالكية والشافعية: فلم أعثر فيما يسَّر الله تعالى لي الاطلاع عليه من كتبهم في باب الصيام على نصٍّ صريح يُفيد حكم استبصار الهلال قبل الصيام[7]، اللهم إلا ما وجدته في "المنتقى شرح الموطأ"؛ للإمام الباجي عند شرح حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((الشهر تسع وعشرون يومًا، فلا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تُفطروا حتى تروه، فإن غُمَّ عليكم فاقدروا له))[8].

قال الباجي: قوله: ((الشهر تسع وعشرون يومًا فلا تصوموا حتى تروا الهلال)) يَحتمل أن شهر رمضان قد يكون تسعًا وعشرين ويَحتمل أن يريد بقوله: ((الشهر تسع وعشرون)) التنبيه على ترائي الهلال لتسع وعشرين شعبان وتسع وعشرين من رمضان..."[9].

ومن هذا النص نرى أن الباجي من المالكية لم يُصرِّح بحكم تَرائي الهلال هل هو للوجوب أو للندب، وإنما عبر عنه بالتنبيه على ترائي الهلال.

وأما الحنابلة: فقد صرَّحوا باستحباب استطلاع رؤية الهلال في ليلة الثلاثين من شعبان.

جاء في المغني[10]: "مسألة: قال أبو القاسم - رحمه الله -: وإذا مضى من شعبان تسعة وعشرون يومًا طلبوا الهلال، فإن كانت السماء مُصحِيَةً لم يَصوموا ذلك اليوم".

ثم قال ابن قدامة تعليقًا على ما قاله الخِرَقي: وجملة ذلك أنه يُستحب للناس ترائي الهلال ليلة الثلاثين من شعبان وتطلُّبَه؛ ليحتاطوا بذلك لصيامهم ويَسلموا من الاختلاف، وقد روى الترمذي عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أحصوا هلال شعبان لرمضان))[11]، فإذا رأوه وجب عليهم الصوم إجماعًا.

من خلال ما تقدم نرى أن الفقهاء منهم من صرح بأن ترائي الهلال ليلة الثلاثين من شعبان فرض على الكفاية؛ وهم الحنفية، ومنهم من صرَّح بأن ترائي الهلال مُستحَبٌّ؛ وهم الحنابلة، ومنهم من لم يُصرِّح بالحكم؛ وهم المالكية والشافعية.

إلا أن الذي يترجَّح - فيما أرى - هو ما ذهب إليه الحنفية، وهو أن حكم ترائي الهلال فرض على الكفاية؛ لأنه وسيلة للعلم بدخول وقت الصوم، وهو سبب وجوب صوم شهر رمضان، والصحيح عند أكثر الأصوليِّين أن ما لا يتمُّ الواجب إلا به فهو واجب، ورؤية الهلال وسيلة لإثبات وجوب الصوم، وللوسائل حكم الغايات وللأسباب حكم المسببات[12].

وكان المُقتضى أن تكون الرؤية واجبةً على الجميع، إلا أن الإجماع على عدم وجوب ذلك، وأن المراد ما يَثبت به الحكم الشرعي من إخبار الواحد العدل أو الاثنين على ما سيأتي من الخلاف في العدد الذي يثبت برؤيتهم هلال رمضان[13]، والله تعالى أعلم.