• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع ملفات خاصة / المرأة في الإسلام


علامة باركود

جلسات النساء

عصام بن محمد الشريف


تاريخ الإضافة: 29/8/2017 ميلادي - 6/12/1438 هجري

الزيارات: 13215

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

جلسات النساء


لن تكون مجالس النساء مجالس خير وصلاح، بطريقة عشوائية، أو بدون ضوابط شرعية، ولكن لا بد من شروط لذلك، ومنهج لتحقيقه.

1- من تجالسين؟

للأسف كثير من النساء اليوم لا يدققن في نوعية وخصال من يجالسنَ، حتى بعض الأخوات الدينات الطيبات.

قال القرافي: ما كل أحدٍ يستحق أن يعاشر ولا يصاحب ولا يسارَر.

ويقول الشيخ أحمد بن عطاء: مجالسة الأضداد ذوبان الروح، ومجالسة الأشكال تلقيح العقول، وليس كل من يصلح للمجالسة يصلح للمؤانسة، ولا كل من يصلح للمؤانسة يؤمن على الأسرار، ولا يؤمن على الأسرار إلا الأمناء فقط.

ويكفي في مشروعية تحري من تجالسين قوله صلى الله عليه وسلم: ((المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل))[1].

 

وقال بعض العلماء: لا تصحب إلا أحد رجلين؛ رجلٌ تتعلم منه شيئًا في أمر دينك فينفعك، أو رجلٌ تعلمه شيئًا في أمر دينه فيقبل منك، والثالث فاهرب منه.

وقد ذكر العلماء فيمن تُؤثر صحبته ومحبته خمس خصال: أن يكون عاقلًا، حسن الخلق، غير فاسق، ولا مبتدع، ولا حريص على الدنيا.

وقال عيسى علسه السلام: جالسوا من تذكركم بالله رؤيته، ويزيد في علمكم منطقه، ويرغبكم في الآخرة عمله.

 

وتقول خولة درويش تحت عنوان (صديقتي خيرٌ من صديقاتكم):

(الصحبة في الإسلام: عون على مواجهة الحياة واتفاق على الخير وتعاون على البر والتقوى، والصديقة ليست مجرد أخت عادية اختيرت بعشوائية دون تفكير، كلا وحاشا.

والصاحبة التي أتطلع إلى صحبتها ذات دين متين، تعيش محيط الإيمان وفضائله، إنها مسلمة يعمر قلبها الإيمان، وتضع نصب عينيها الالتزام بكتاب الله وهدي رسوله بلا إفراط أهل البدع، ولا تفريط أهل الهوى، وعدم الغلو في زعم التقوى والفضيلة.

تنير القلوب بتلاوة كتاب الله وتدبر آياته، ترفع الغبش وتوضح ما في هذا الدين من فضائل خفيت على الكثيرات، وتذود عن حياض الدين إلى أن تكبت الخصوم.

إنها مسلمة تحاسب نفسها حتى في عواطفها، فتتعبد لله في ذلك، فليس الحب حب الهوى الشخصي أو المكانة الاجتماعية.

وإنما تحترم الأخوة والحب في الله، وليست صحبة منفعة فإن زالت المصلحة انقطعت الوشائج، وقلبت لصاحبة الأمس ظهر المجن وحلت القطيعة محل التواصل، بل هو حب طاهر دافع إلى المثل العليا والعقيدة السلمية، دون مبالغة في ذلك الحب، تتطلع لنكون معًا ممن يظلهم الله تحت عرشه يوم لا ظل إلا ظله.

صديقتي التي أتطلع إلى صحبتها: ذات عقل ناضج، ذلك أن التكليف مرفوع عن ناقصات العقل، فمن مزاياها الرأي السديد والتفكير السليم، وإلا فالحمقاء توقع صاحبتها في شر مشورتها، وما أحسن تصوير الشاعر لصحبة الحمقى:

احذر الأحمق أن تصحبه
إنما الأحمق كالثوب الخلق
كلما رقعته من جانب
زعزعته الريح يوما فانخرق
فإذا عاتبته كي يرعوي
زاد شرًا أو تمادى في الحمق

 

فالمسلمة التي أتطلع إلى صحبتها ذات ذهن وقاد، تعلم الخير وتنشر الفضيلة، إنها رائدة لكل هدى وصلاح.

صلحت نفسها، فصلحت تصرفاتها، وحسن خُلُقها، وما الحلق الحسن إلا من ثمرات الإيمان العميق والعقيدة السلمية والتدين الصحيح.

وذات الخلق الحسن تستطيع أن تضبط رغائبها، وتغالب هواها، فلا تتصرف بما يحرمه الشرع أو يستقبحه العقل.

وقد لخص ابن جُماعة صفات الصاحب: (أن يكون صالحًا دينًا تقيًّا ورعًا ذكيًا كثير الخير، قليل الشر، حسن المداراة، قليل المماراة، إن نسي ذكره، وإن ذكر أعانه، وإن احتاج واساه، وإن ضجر صبره).

 

صاحبتي المسلمة، تتوق إلى معالي الأمور وتبعد عن سفاسفها، مجلسها محترم تحفه الملائكة، لا تدنسه بشتم الخدم، أو غيرهن، ولا تسمح أن تتخلله الغيبة فضلًا عن السخرية، إنها هاشة باشة، طيبة اللقاء، مرحة باتزان، لا تكثر النقد، بل تتغاضى جهدها عن الهفوات.

لا كبر يطغيها، ولا خيلاء تصدها، إنها متواضعة خفيضة الجناح، لكن عندها من عزة الإيمان ما يصونها عن طمع المحتالين وسخرية الحاقدين.

لا تهلكها المجاملات ولا يثنيها لين الخطاب عن قول الحق، فهي صديقة صدوقة ناصحة شفوقة، ليست مداهنة تخفي العيوب، ولا مذيعة للسر، وفاضحة للعيوب.

 

صاحبتي المؤمنة: تعين على تحمل مشاق الحياة، واستعذاب مرارة الكفاح، أبثها همومي، أحدثها عما أعانيه، أشكو لها خلجات نفسي وما أواجه من صعاب ومشكلات في الحياة، فإذا بها الصدر الحنون والمخلصة الناصحة، أجد عندها الرأي الصائب والتطلعات السامية.

صديقتي لا تحزن إذا الناس يبدون البشر والسرور، بل تشارك في حلو الحياة ومرها، ولا تفرح والناس كئيبة، ففي سيرة سلفنا الصالح مشاركات لبعضهن حتى في أحلك الظروف، وفي قصة الإفك لما اشتد الأمر على أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها وهي في بيت أهلها تبكي استأذنت عليها امرأة من الأنصار، فأذنت لها، فجلست تبكي معها، رواه البخاري في الشهادات.

هذا ولا تكون الشكوى إلا عند الضرورة، ولا يصح مجالسة النساء مجالس شكوى وتذمر، شكوى من الزوج تارة، وتذمر من المرض والفقر أو غيرهما تارة أخرى، فأين التجمل بالصبر إذًا؟ ثم إن هموم الحياة الحديثة كثيرة ومطالبها جمة، فليس من أدب الصاحبة أن تنثر همومها، وإلا فإن تكرار الشكوى يجعلها ثقيلة الظل، وقد لا تستمر معها الصحبة.

 

ثم إن أكثر ما يُدخل النار عدم التحمل وضيق الصدر وإنكار الجميل.

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((رأيت النار، ورأيت أكثر أهلها النساء))، قالوا: ولم يا رسول الله؟ قال: ((بكفرهن))، قالوا: أيكفرن بالله؟ قال: ((يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان)). رواه البخاري.

الصديقة التي أتطلع إلى صحبتها: قد تكون نادرة كالدرة، لكنها إن وجدت أضاءت ما حولها، إنها المؤمنة التقية المهيبة الرزينة، ذات عقل وحنكة، صبورة قليلة الشكوى، تحب لغيرها ما تحب لنفسها، ولا تقحم نفسها في أمور غيرها، كما أنها لا تجامل صاحبتها في إنكار المنكر، بل تهدي الحيارى وتعين المحتاجات، إنها تمثلت مبادئ الإسلام وأخلاقه وتعمل لتمثلها.

لله درها من صاحبة سليمة.

ويا لهناء من تلك صاحبتها.

ويا لشقاوة من حرم أمثالها.

فبأمثالها تدوم المودة وتبقى المجتمعات الفاضلة[2].

 

2- لا تسكتي على منكر:

قال تعالى: ﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأنعام: 68].

قال ابن كثير: ﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا ﴾ أي: بالتكذيب والاستهزاء.

﴿ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ﴾ أي: حتى يأخذوا في كلام آخر غير ما كانوا فيه من التكذيب.

﴿ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ ﴾ والمراد بهذا كل فرد، فرد من آحاد الأمة، ألا يجلسوا مع المكذبين الذين يحرفون آيات الله ويضعونها على غير مواضعها، فإن جلس أحد منهم ناسيًا ﴿ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى ﴾ بعد التذكير ﴿ مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾.

وقال السُّدي: ﴿ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ ﴾، نسيت فذكرت، فلا تجلس معهم.

وهذه الآية هي المشار إليها في قوله: ﴿ وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا ﴾ [النساء: 140] أي: إنكم إذا جلستم معهم وأقررتموهم على ذلك، فقد ساويتموهم في الذي هم فيه)[3].

فإذا جلست المسلمة في مجلس غيبة أو نميمة أو لغو ولهو وغير ذلك من المجالس المحرمة، فعليها أن تزيل المنكر أو تزول هي عن المجلس، فإن جلست ولم تنتبه لوجوب عدم القعود في هذا المجلس ثم تذكرت، وجب عليها إنكار المنكر عند التذكر.

 

ومن المنكرات المنتشرة في أوساط النساء ظاهرة كشف العورات، وذلك بارتداء النساء الملابس الكاشفة للعورات كملابس البحر (المايوه) والملابس القصيرة فوق الركبة، ومعلوم أن عورة المرأة مع المرأة من السرة إلى الركبة، لذا فإنه لا بد من الإنكار في المجلس على من تُظهر عورتها أمام الأخريات.

إن مجالسة من عندهن منكرات لا تستطيعي تغييرها سبب لزوال النعم وهلاك أصحابها. قال صلى الله عليه وسلم: ((لما وقعت بنو إسرائيل في المعاصي نهتهم عُلماؤهم فلم ينتهوا فجالسوهم في مجالسهم وواكلوهم وشاربوهم، فضرب الله قاوب بعضهم ببعض، ولعنهم بلسان داود وعيسى ابنُ مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون))[4].

 

وقد رفع لعمر بن عبد العزيز قوم يشربون الخمر فأمر بجلدهم، فقيل له: إن فيهم صائمًا، فقال: ابدأ به، أما سمعتم الله يقول: ﴿ وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا ﴾ [النساء: 140].

وهذا عمير ابن حبيب رضي الله عنه يوصي ولده فيقول له: يا بني إياك ومجالسة السفهاء، فإن مجالستهم داء.

 

أما من أحبت مجالسة السفيهات، أو جلست في مجلس منكر ولم تنكر حتى بقلبها إن لم تستطع التغيير بيدها أو بلسانها، فلتعد النظر في إيمانها لقوله صلى الله عليه وسلم: ((ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويعتقدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف، يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل))[5].

ومن أكثر وأشهر المنكرات في المجالس: الغيبة، تلك فاكهة المجالس الآن، ويندر أن يكون هناك مجلس واحد لا يدور فيه كأس الغيبة على الجالسات.

وقد قال صلى الله عليه وسلم محفزًا لنا كي ننكر الإنكار الشديد على كل من يحب نهش عرض المسلمين والمسلمات: ((من ذب عن عرض أخيه بالغيبة كان حقًا على الله أن يعتقه من النار))[6]. وفي رواية للإمام أحمد: ((من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة))[7].

فالواجب على كل مسلمة إذا جلست مجلسًا فيه غيبة أن ترد عن عرض أختها المسلمة أو عن أي أحدٍ من المسلمين، وإلا فلا يجوز لها السكوت ولا الجلوس.

 

3- استدعاء أهل العلم والخير للحديث فيه:

كثيرًا ما تقام ولائم للزفاف، أو عقيقة للأولاد، أو وليمة عند القدوم من السفر، ثم يدعى لها الناس، وربما تنفق فيها الأموال بنوع من السرف والخيلاء، وحتى لو كانت هذه الدعوات وهذه المجالس منضبطة بالشرع، فلماذا لا نفعل ما يوازي مثلها بل أهم منها، وهو استدعاء أهل العلم والصلاح للحديث في المجالس، فيوعظوا وينصحوا، ويذكروا، ويبينوا شيئًا من كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، لماذا لا يكون ذلك أيضًا في أوساط النساء المسلمات؟!

 

4- الاستفادة من الوقت، وذلك بتحديد وقت المجلس وهدفه:

وهذه بعض الأطروحات التي تفيدك في استثمار مجلسك:

فأعدي كتابًا للمناقشة، أو سؤالًا يُطرح لعلاج سلبية موجودة بين النساء، أو لتعليم أمر من أمور الدين، أو أعدي شريطًا إسلاميًا يُسمع ويُناقش. وإليك بعض الأمثلة لأسئلة مهمة تطرح في جلساتك مع أخواتك المسلمات:

1- ما هي السبل التي تقلل من الخلافات، فما هو موقفك منها؟

2- إذا عرفت بخطأ وقع من مسلمة، فما هو موقفك منها؟

3- ما موقفك من مسلمة تنقل إليك غيبتك؟

4- ما هي عيوبنا، وكيفية التخلص منها؟

5- ما هي أهم صفات المتحابين في الله؟

6- ما هو فضل طلب العلم الشرعي؟ وما هي أهم آدابه؟

7- ما هي المزالق التي تقف في طريق من تطلب العلم؟

8- ما هو أدب الحوار؟ وما هي مظاهر سوء الأدب في الحوار؟

9- كيف نخشع في صلاتنا؟

10- ما هي وسائل تربية الأولاد؟

11- ما هي أهم المشاكل التي تقابلينها مع زوجك، وكيفية التغلب عليها؟

12- كيف نبر والدينا؟

13- ما هي مظاهر الإحسان إلى الجارة؟

14- ما هي أهمية صلة الرحم، وكيفية القيام بها؟

15- ما موقف المسلمة من زوجها إذا أراد أن يتزوج بأخرى؟

16- أسئلة في بعض المسائل الفقهية التي تخطئ فيها كثير من النساء، وتوضح الحكم الشرعي الصحيح فيها، وكذا في أبواب العقيدة والآداب والمعاملات التي تخص النساء.

17- ويمكن أيضًا قراءة بعض آيات من القرآن، تقرؤها جميع الجالسات، ثم بيان لتفسيرها والفوائد المستنبطة منها، كقصص الأنبياء، وغيرها من الأحكام الشرعية التي تخص النساء خاصة.

 

5- الإكثار من ذكر الله تعالى والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم:

قال صلى الله عليه وسلم: ((ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله فيه، إلا قاموا على مثل جيفة حمار، وكان عليهم حسرة يوم القيامة))[8].

إن مجالس الذكر توجب رقة القلوب، والزهد في الدنيا، والرغبة في الآخرة، قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28]، وقال تعالى أيضًا: ﴿ وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ * الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ﴾ [الحج: 34، 35].

وشكا رجل إلى الحسن قساوة قلبه فقال له: أُدنه من الذكر.

وفي مجالس الذكر تنزل الرحمة، وتغشى السكينة، وتحف الملائكة، ويذكر الله أهلها فيمن عنده، وهم القوم لا يشقى بهم جليسهم، فربما رُحم معهم من جلس إليهم وإن كان مذنبًا.

 

وإذا انقضى مجلس الذكر فأهله على أقسام:

1- فمنهم من يرجع إلى هواه فلا يتعلق بشيء مما سمعه في مجالس الذكر.

2- ومنهم من ينتفع بما سمعه وهو على أقسام:

أ- فمنهم من يرده ما سمعه عن المحرمات، ويوجب له التزام الواجبات، وهؤلاء المقتصدون أصحاب اليمين.

ب- ومنهم من يرتقي على ذلك إلى التشمير في نوافل الطاعات، والتورع عن دقائق المكروهات، ويشتاق إلى اتباع آثار من سلف من السادات، وهؤلاء السابقون المقربون.

وقد كان كثير من السلف إذا خرجوا من مجالس سماع الذكر، خرجوا وعليهم السكينة والوقار، فمنهم من كان لا يستطيع أن يأكل طعامًا عقيب ذلك، ومنهم من كان يعمل بمقتضى ما سمعه مدة[9].

 

وقال تعالى في صفات أولي الألباب: ﴿ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [آل عمران: 191].

يقول الإمام اين تيمية رحمه الله: (إن كل ما تكلم به اللسان وتصوره القلب مما يقرب إلى الله من تعلم علم وتعليمه، وأمر بمعروف ونهي عن منكر، فهو من ذكر الله؛ ولهذا من اشتغل بطلب العلم النافع بعد أداء الفرائض، أو جلس مجلسًا يتفقه فيه أو يفقه فيه الفقه الذي سماه الله ورسوله فقهًا فهذا أيضًا من أفضل ذكر الله[10].

 

ومن الأذكار المهمة تلك التي تتعلق بحدوث شيء مفاجئ في المجلس مثل الأذكار الخاصة بالمناسبات؛ فربما تكون الزيارة في العيد، فتقولي لمن في المجلس: تقبل الله منا ومنكم. كذلك التهنئة بلبس ثوب جديد، أو بالزفاف، أو التسليم على مسافرة، أو التهنئة بقدوم مولود جديد لإحدى الجالسات، أو تشميت العاطسة أو التعزية ونحو ذلك.

وكذلك من آداب المجلس الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((ما جلس قوم مجلسًا لم يذكروا الله فيه، ولم يصلوا على نبيهم إلا كان عليهم تِرةٌ، فإن شاء عذبهم، وإن شاء غفر لهم))[11].

ورواه الإمام أحمد وغيره بلفظ: ((ما قعد قومٌ مقعدًا لم يذكروا فيه الله عز وجل، ويُصلوا على النبي صلى الله عليه وسلم، إلا كان عليهم حسرةٌ يوم القيامة، وإن دخلوا الجنة للثواب))[12].

قال الألباني رحمه الله: ((قوله: فإن شاء عذبهم، وإن شاء غفر لهم))، فإن هذا لا يقال إلا فيما كان فعله واجبًا وتركه معصية، قوله: ((وإن دخلوا الجنة للثواب)) فإنه ظاهر في كون تارك الذكر والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، يستحق دخول النار، وإن كان مصيره إلى الجنة ثوابًا على إيمانه)[13].

 

6- التعاون على البر والتقوى:

كمجالس الإصلاح بين المسلمات، والتزويج، وتفريج الكربات، وحل مشاكل المسلمات كسداد الديون والبحث عن عمل شرعي للتكسب منه في حالة الضرورة لبعض النساء اللائي فقدن عائلهن ولا يجدن من ينفق عليهم وعلى أولادهن.

وما أعظمه من مجلس ذلك الذي يكون هدفه التعاون على البر والتقوى:

كيف الرحيل بلا زاد إلى وطن
ما ينفع المرء فيه غيرُ تقواه
من لم يكن زاده التقوى
فليس له يوم القيامة عذرٌ عند مولاه

 

7- احذري الجدال والمراء في المجلس:

قال بعض السلف: من لاحى الإخوان وماراهم، قلّت مروءته، وذهبت كرامته.

وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من ترك المراء وهو مبطل بُني له بيت في ربض الجنة، ومن تركه وهو محق بُني له في وسطها، ومن حسُن خُلُقُه بُني له في أعلاها))[14].

وقال خالد بن يزيد بن معاوية الأموي: إذا كان الرجل مماريًا لجوجًا معجبًا برأيه، فقد تمت خسارته.

وقال الحسن البصري: إياكم والمراء، فإنه ساعة جهل العالم، وبها يبتغي الشيطان زلته. تتجنب الجدال والمراء دائمًا؛ فإنه كله شر، وربما يكون الباعث على ذلك هو أن تتميز المرأة بين جليساتها بمزيد من العقل أو الفضل، واحتقار الغير، وهذا كله محبطٌ للعمل، لأن النية هنا فاسدة، والعمل لا يبتغى به وجه الله تعالى، والمرأة الصالحة هي أبعد الناس عن ذلك لأنها ترجو الله والدار الآخرة.

 

فصل:

احذري نصيحة إحدى أخواتك المسلمات في مجلس من النساء؛ خشية أن يوغر ذلك صدرها أمام قريناتها من النساء، وإنما تعهديها بالنصح سرًا.

قال الشافعي رحمه الله: من وعظ أخاه سرًا فقد نصحه وزانه، ومن وعظه علانية فقد فضحه وشانه.

وقال رحمه الله:

تعمدني بنصحك في انفرداي
وجنبني النصيحة في الجماعة
فإن النصح بين الناس نوعٌ
من التوبيخ لا أرضى استماعه
وإن خالفتني وعصيت قولي
فلا تجزع إذا لم تُعطَ طاعة

 

8- التزام الأدب في الحديث:

فالبعض للأسف عندما يشتد قربهن من بعضهن البعض يعتقدن أن ذلك سبب لترك مراعاة الأدب في الحديث، والذي يسمى خطأ: رفع الكلفة، ولا يمكن أن يكون المراد برفع الكلفة رفع الأدب والحياء، وإنما رفع الكلفة بانبساط النفس والهوان في التعامل مع بقاء الأدب والحياء والمحافظة على كل ما يرشد إليه الشرع من خلق أو سلوك، ومن المظاهر التي يتمثل فيها الإخلال بأدب الحديث والتي تفسد المحبة والعلاقة بين الأصحاب:

1- الحدة وعلو الصوت والكلام الخشن.

2- عدم الإصغاء إليه، وعدم الإقبال عليه بوجهك إذا سلم عليك أو حدثك، أو عدم تقديره واحترامه والاهتمام به.

3- الاجتراء عليه في المزاح، ومن صور ذلك أن تجترئ على أخيك في المزاح بضربة مهينة، أو كلمة نابية، أو تتعرض لما يكره التعرض له من حاله وخصوصياته وأهل بيته ونحو ذلك، أو تناديه بغير ما يحب، وتظن ذلك من رفع الكلفة، ورفع الكلفة لا يعني هجران الآداب الشرعية والتوجيهات النبوية.

4- المراء أو الجدل وكثرة المعارضة له.

5- النقد اللاذع الجارح للمشاعر[15].

 

9- ترك النجوى:

فقد روى الشيخان وأحمد عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دُون صاحبهما، فإن ذلك يُحزِنه)).

وروى البخاري أيضًا عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث إلا بإذنه، فإن ذلك يحزنه)).

إن من السنة عدم تناجي مسلمتين في مجلس مثلًا دون ثالثة معهما، حتى يكون الاستئذان قبل الشروع في التناجي، وقبل أن تنصرف واحدة بأختها دون الثالثة، وذلك حتى لا تقع في المحظور، ويتحقق للشيطان مراده بإحزان الثالثة، أو تدور بنفسها الظنون السيئة.



[1] رواه أبو داود والترمذي، وغيرهما وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي برقم (1937).

[2] مجلة الوعي الإسلامي، العدد 382، ص69، نقلًا عن مجلة الدعوة الإسلامية.

[3] تفسير ابن كثير: بتحقيق: سامي السلامية (3/ 278) باختصار.

[4] رواه الترمذي، وصححه الألباني في المشكاة برقم (5148).

[5] رواه مسلم.

[6] رواه الطبراني، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (6240).

[7] رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (6263).

[8] رواه أبو داود وغيره وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (77).

[9] انظر: لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف، لابن رجب (ص45 - 76).

[10] الفتاوى (1/ 661).

[11] أخرجه الترمذي والحاكم (الصحيحة 74).

[12] إسناده صحيح (الصحيحة 76).

[13] السلسلة الصحيحة (1/ 119).

[14] رواه أبو داود وابن ماجه، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (1/ 60).

[15] مفسدات الأخوة لأبي عاصم، هشام عبدالقادر، ص(39 - 49)، فيراجع.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • في الاحتفال بأعياد ...
  • ملف الحج
  • العيد سنن وآداب
  • محمد صلى الله عليه ...
  • العطلة وأيام ...
  • المرأة في الإسلام
  • الإنترنت (سلبيات ...
  • الرقية الشرعية
  • في الاحتفال بالمولد ...
  • قضايا التنصير في ...
  • رمضان
  • الكوارث والزلازل ...
  • رأس السنة الهجرية
  • كورونا وفقه الأوبئة
  • شهر شعبان بين ...
  • في يوم عاشوراء
  • زواج المسيار ...
  • التلفاز وخطره
  • مأساة المسلمين في ...
  • مكافحة التدخين ...
  • الإسراء والمعراج
  • العولمة
  • قضية حرق المصحف
  • ملف الصومال
  • نصرة أم المؤمنين ...
  • رأس السنة الميلادية
  • العصبية القبلية
  • كرة القدم في
  • مسلمو بورما ...
  • ملف الاستشراق
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة