• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع ملفات خاصة / الكوارث والزلازل والسيول


علامة باركود

الزلازل والآيات: وقفات وعظات (3)

الزلازل والآيات: وقفات وعظات (3)
ناصر عبدالغفور


تاريخ الإضافة: 13/8/2023 ميلادي - 26/1/1445 هجري

الزيارات: 3222

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الزلازل والآيات: وقفات وعظات

(الحلقة الأخيرة)


(9) - هل تذكرنا بما نشاهده من زلازل الزلزلة الكبرى؟

زلازل تصيب بعض بقاع الأرض بدرجات مختلفة تُخلِّف دمارًا مهولًا وخرابًا كبيرًا، ألا يُذكِّرنا هذا بأمر أجلَّ وأخطرَ؟


ألا يُذكِّرنا بزلزال ليس بدرجة سبعة أو ثمانية، وليس مقتصرًا على نقطة من نقاط الأرض؛ بل زلزال يصيب الأرض برمتها والكون بأكمله والعالم بجملته، درجته ليس لأحد من البشر أن يحسبها أو يقيسها؛ لأنها فوق طاقات البشر، وخارجة عن حساباتهم وأقيستهم الدنيوية؟


زلزال لا يخلف مجرد هدم عمارات وردم بروج عاليات أو ضحايا بالآلاف والمئات؛ بل الأمر أبعد من ذلك بكثير، إنه زلزال يُغيِّر معالم الكون بأسره، ويبدل صورة العالم برُمَّته علوه وسفله، ويخضع الأجرام السماوية الكبرى لتغييراته.


ودونك أخي الكريم صورًا لهذا الزلزال الكبير الذي لا مفرَّ من وقوعه، ولا مناص من حدوثه:

•﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ﴾ [الحج: 1، 2].


• ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا * فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا * لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا ﴾ [طه: 105 - 107].


يقول الإمام الطبري رحمه الله تعالى: "يقول تعالى ذكره: ويسألك يا محمد قومك عن الجبال، فقل لهم: يذريها ربي تذرية، ويطيرها بقلعها واستئصالها من أصولها، ودكّ بعضها على بعض، وتصييره إياها هباء منبثًّا ﴿ فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا ﴾ [طه: 106]، يقول تعالى ذكره: فيدع أماكنها من الأرض إذا نسفها نسفًا، ﴿ قاعًا ﴾: يعني: أرضًا ملساء، ﴿ صَفْصَفًا ﴾: يعني مستويًا لا نبات فيه، ولا نشز، ولا ارتفاع"[1].


• ﴿ يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا * وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا ﴾ [الطور: 9، 10].


يقول العلامة السعدي رحمه الله تعالى:" ﴿ يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا ﴾؛ أي: تدور السماء وتضطرب، وتدوم حركتها بانزعاج وعدم سكون، ﴿ وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا ﴾؛ أي: تزول عن أماكنها، وتسير كسير السحاب، وتتلوَّن كالعهن المنفوش، وتبث بعد ذلك [حتى تصير] مثل الهباء، وذلك كله لعظم هول يوم القيامة، وفظاعة ما فيه من الأمور المزعجة، والزلازل المقلقة التي أزعجت هذه الأجرام العظيمة، فكيف بالآدمي الضعيف؟!"[2].


• ﴿ إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا * يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ * فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ [الزلزلة: 1 - 8][3].


فعلينا إن رمنا النجاة والفوز برضا رب البريات أن نتذكر بما يقع من زلازل ذلك الزلزال العظيم الذي لا يعلم قوته وشدته إلا مالك الملك سبحانه، فنسلك سبيل الطاعات والقربات، وننأى بأنفسنا عن سبيل الفسوق والموبقات؛ لعلنا نسعد بخاتمة نكون فيها من المبشرين بالغرفات العاليات، والنجاة من الدركات[4] والقلاقل المزعجات.


لكن ومع الأسف الكثير منا لا ينظر إلى ما يحدث من زلازل وهزَّات بعين البصيرة ليتعظ ويعتبر؛ بل تجده لا يملك إلا أن يتعاطف مع الضحايا ويسترجع، وما يلبث أن يعود إلى لهوه وغفلته، ولا يفكر البتة في حاله مع خالقه وكأن هذه الزلازل لا تعنيه في شيء.


ولا شك أن السبب في عدم تأثر الكثيرين بما يرون من أهوال وزلازل وهزات وقلاقل ضعف البصيرة، فإن العبرة ليست ببصر العيون وإنما ببصر القلوب، يقول تعالى:﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ﴾ [الحج: 46].


يقول العلَّامة السعدي رحمه الله تعالى: "ولهذا دعا الله عباده إلى السير في الأرض، لينظروا، ويعتبروا فقال: ﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ ﴾ بأبدانهم وقلوبهم ﴿ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا ﴾ آيات الله، ويتأملون بها مواقع عبره ﴿ أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ﴾ أخبار الأمم الماضين، وأنباء القرون المعذبين، وإلا فمجرد نظر العين، وسماع الأذن، وسير البدن الخالي من التفكر والاعتبار، غير مفيد، ولا موصل إلى المطلوب؛ ولهذا قال: ﴿ فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ﴾؛ أي: هذا العمى الضار في الدين، عمى القلب عن الحق، حتى لا يشاهده كما لا يشاهد الأعمى المرئيات، وأما عمى البصر، فغايته بلغة، ومنفعة دنيوية"[5].


وليس كل أحد بالعبر يعتبر، وبالآيات ينزجر، وإلا فقد قَصَّ الله تعالى علينا في محكم كتابه كثيرًا من قصص الغابرين وأخبار الهالكين، وما حلت بهم من العقوبات والمثلات[6]، لكن هيهات هيهات أن يتحقق المقصود، ونسلك السبيل المحمود، ونتعظ بغيرنا قبل أن يتعظ بنا من بعدنا إذا لم يتحقق الشرط المذكور في كلام العزيز الغفور: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ﴾ [ق: 37].


يقول العلامة السعدي رحمه الله تعالى: "أي: قلب عظيم حي، ذكي، زكي، فهذا إذا ورد عليه شيء من آيات الله، تذكر بها، وانتفع، فارتفع، وكذلك من ألقى سمعه إلى آيات الله، واستمعها استماعًا يسترشد به، وقلبه ﴿ شَهِيدٌ ﴾؛ أي: حاضر، فهذا له أيضًا ذكرى وموعظة، وشفاء وهدى.


وأما المعرض الذي لم يلق سمعه إلى الآيات، فهذا لا تفيده شيئًا؛ لأنه لا قبول عنده، ولا تقتضي حكمة الله هداية من هذا وصفه ونعته"[7].


وكما قال تعالى: ﴿ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [يونس: 101]، فأهل الإيمان هم الذين بما يشاهدون من آيات كونية يعتبرون، وبما يسمعون من آيات شرعية يتَّعِظُون، أما غيرهم فهم في جهلهم يعمهون، وفي غفلاتهم يتردَّدُون.


وكما قال ربنا جل جلاله وتقدَّست نعوته وصفاته:﴿ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا ﴾ [الإسراء: 60] يقول الإمام الطبري رحمه الله تعالى: "ونخوِّف هؤلاء المشركين بما نتوعَّدهم من العقوبات والنكال، فما يزيدهم تخويفنا إلا طغيانًا كبيرًا، يقول: إلا تماديًا وغيًّا كبيرًا في كفرهم"[8].


(10)- الأرض جند من جنود الله تعالى يغار على محارم الله: يقول جل في علاه وتعالى في علياء سماه: ﴿ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ ﴾ [المدثر: 31].


قد يظن ظانٌّ أو يتوهَّم متوهِّم أن جنود الله تعالى تنحصر في الملائكة الذين يأتمرون بأمره والذين أرسل بعضهم لإهلاك بعض الأشرار من خلقه، أو الزبانية المكلفين بتعذيب أهل الشقاوة من عباده كما قد يفهم من سياق آيات المدثر.


والأمر ليس كذلك فالملائكة ليسوا إلا جندًا من جنود الله جل جلاه، فالسماء جند، والجبال جند، والبحر جند، والأرض جند؛ بل والحشرات جند[9].


يقول تعالى:﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ﴾ [فاطر: 41].


وفي الحديث: "ليس من ليلة إلا والبحر يشرف فيها ثلاث مرات يستأذن الله تعالى أن ينتضح عليكم فيكفه الله"[10].


وإن من جنود الله سبحانه الأرض فإنها هي كذلك مسخرة مدبرة إذا أمرها بالاهتزاز اهتزت، وبالانشقاق انشقت، وبالخسف خسفت، كما فعلت بقارون اللعين ﴿ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ ﴾ [القصص: 81].


وإذا أمرها بالزلزلة الكبرى انقادت وأذعنت، وألقت ما فيها وتخلَّت، وأذنت لربها وحقت، وبأفعال العباد فوقها أخبرت.


وإذا أمرها بزلازل دون ذلك انصاعت وائتمرت كما يحدث بين الفينة والأخرى.


قال تعالى: ﴿ قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ ﴾ [الأنعام: 65]، قال مجاهد: ﴿ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ ﴾ الخسف، وقال السدي: "فيخسف بكم الأرض"[11].


فالأرض تغار على محارم الله تعالى، وتشفق بسبب ما يجري عليها من معاصي ابن آدم.


يقول كعب: "إنما تزلزلت الأرض لأنها... تعمل عليها المعاصي، فترعد فرقًا من الرب تعالى إذ يطلع عليها"[12].


(11)- أنهلك وفينا الصالحون؟

كل المصائب إنما سببها المعايب، وكل ما يصيب الإنسان فبسبب المخالفات والعصيان، ويعفو عن كثير من ذلك الكريم الرحمن.


﴿ مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ ﴾ [النساء: 79]، ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [الروم: 41]، ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾ [الشورى: 30].


فالله جل في علاه مُنزَّه عن الظلم، وقد حرَّمه على نفسه، فما يصيبنا ليس إلا جزءًا يسيرًا مما كسبت أيدينا، وإلا فلو يؤاخذنا سبحانه بكل جريرة[13] ما ترك عليها من دابة، كما قال تعالى: ﴿ وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ ﴾ [النحل: 61].


يقول علي رضي الله عنه: "ما وقع عذاب إلا بذنب وما رفع إلا بتوبة".


ويقول عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه: "فإن هذا الرجف شيء يعاقب الله تعالى به العباد"[14].


فما يحدث من مصائب وقلاقل وأهوال وزلازل وقحط وغلاء وانتشار أنواع من الوباء وغير ذلك من أصناف البلاء ليس إلا نتيجة لما فشا من المنكرات، وانتشر من الموبقات، واستفحل من المخالفات ﴿ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ ﴾ [آل عمران: 165].


قد يقول قائل أو يتساءل سائل: لكننا نشاهد كثيرًا من الأبرياء يعمهم العذاب من زلازل وغيرها، فكيف ذلك؟


والجواب نجده بيِّنًا شافيًا في كلام من أرسل للناس هاديًا صلى الله عليه وسلم، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يكون في آخر الأمة خسف ومسخ وقذف"، قالت: قلت: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: "نعم إذا ظهر الخبث"؛ صحيح الترمذي.


وعنها رضي الله عنها-ترفعه-: "إذا ظَهَرَ السُّوءُ في الأرضِ، أنزلَ الله بأهلِ الأرضِ بأسَهُ"، قالت [عائشة]: وفيهم أهل طاعة الله عزَّ وجلَّ؟! قال: نعمْ، ثمَّ يصيرون إلى رحمة الله تعالى"[15].


وعن أم سلمة رضي الله عنها يقول صلى الله عليه سلم: "إذا ظهر السوء في الأرض أنزل الله بأسه بأهل الأرض وإن كان فيهم قوم صالحون يصيبهم ما أصاب الناس ثم يرجعون إلى رحمة الله و مغفرته"[16].


(12)- ما يسن عند وقوع الزلازل:

هناك عدة أمور تسن عند الزلازل، أذكر منها:

• التضرع لله جل جلاله، والدعاء لمن مات شهيدًا بالزلزال.


• بذل المساعدة بكل ما أمكن ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ﴾ [المائدة: 2] ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾ [التوبة: 71] "مثل المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى"؛ مسلم.


• الصدقة، فكما سبق الزلزال عادةً ما يكون من غضب الله جل في علاه، وتعالى في سماه، وإن مما يذهب غضبه سبحانه الصدقات، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صدقة السر تُطفِئ غضب الرب"[17].


وقد روي أن عُمَر بْن عَبْدِالْعَزِيزِ رضي الله عنه-كتب إلى عماله- فِي زَلْزَلَةٍ كَانَتْ بِالشَّامِ، أَنِ اخْرُجُوا يَوْمَ الاثْنَيْنِ مِنْ شَهْرِ كَذَا وَكَذَا، وَمَنَ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُخْرِجَ صَدَقَةً فَلْيَفْعَلْ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى ﴾ [الأعلى: 14، 15] [18].


• وإن من السنن التي قد يجهلها الكثير من الناس: صلاة الآيات، وهي صلاة الكسوف، فإنها تسن عند كل آية عظيمة كالزلزال، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية والعلامة ابن عثيمين رحمهما الله تعالى.


يقول شيخ الإسلام عليه رحمة المنان: "وتصلى صلاة الكسوف لكل آية كالزلزلة وغيرها، وهو قول أبي حنيفة، ورواية عن أحمد، وقول محققي أصحابنا وغيرهم"[19].


وقد روى ابن أبي شيبة رحمه الله تعالى في مصنفه عَنْ عبدالله بْنِ الْحَارِثِ، "أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ صَلَّى بِهِمْ فِي زَلْزَلَةٍ كَانَتْ أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ رَكَعَ فِيهَا سِتًّا".


وبسنده كذلك عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْهَجَرِيُّ قَال: "انْكَسَفَتِ الشَّمْسُ بِالْبَصْرَةِ، وَابْنُ عَبَّاسٍ أَمِيرٌ عَلَيْهَا فَقَامَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ، فَقَرَأَ فَأَطَالَ الْقِرَاءَةَ، ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، ثُمَّ سَجَدَ، ثُمَّ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الثَّانِيَةِ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: هَكَذَا صَلاةُ الآيات، قَالَ: فَقُلْتُ: بِأَيِّ شَيْءٍ قَرَأَ فِيهِمَا؟ قَالَ: بِالْبَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ"[20].


وهذا من الأدلة على أن صلاة الكسوف تُسمَّى صلاة الآيات، فليست خاصة بظاهرة الكسوف أو الخسوف، وإنما تعم كل آية من آيات الله العظيمة سواء كانت آيات سماوية كالكسوف، أو آيات أرضية كالزلازل والأعاصير والفيضانات القوية، وغير ذلك.


فاللهم ردنا إليك ردًّا جميلًا، واجعلنا ممن يعتبر فينزجر، واكلأنا بعينك التي لا تنام، برحمتك يا أرحم الراحمين.



[1] جامع البيان: 18/ 371.

[2] تيسير الرحمن: 813.

[3] قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله تعالى: "وفي وقت هذه الزلزلة قولان: أحدهما تكون في الدنيا، وهي من أشراط الساعة قاله الأكثرون، والثاني أنها زلزلة يوم القيامة"؛ زاد المسير: 9/ 202.

[4] أقصد دركات النار –عياذًا بالله- فإن الجنَّة درجاتٌ، والنَّار دركات؛ قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ ﴾ [النساء: 145].

[5] تيسير الرحمن:540.

[6] ﴿ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ ﴾ [الرعد: 6]؛ أي: وقائع الله وأيامه في الأمم المكذبين، أفلا يتفكرون في حالهم ويتركون جهلهم؛ تيسير الرحمن: 413.

[7] تيسير الرحمن: 807.

[8] جامع البيان: 17/ 487.

[9] قال تعالى: ﴿ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ ﴾ [الأعراف: 133]، فكان الجراد والقُمَّل والضفادع من جند الله الذين سلطوا على آل فرعون إنذارًا وتحذيرًا.

[10] رواه الإمام أحمد لكن ضعفه الألباني، والحديث وإن كان ضعيفًا سندًا لكن لا ريب أن البحر جند من جنود الله التي تغار على محارم الله والتي يسلطها الله على من يشاء من خلقه، ألا نتذكر (التسونامي) التي عصفت بأكثر من 11 دولة من دول جنوب آسيا؟

[11] جامع البيان: الطبري: 11/ 417.

[12] رواه ابن أبي الدنيا رحمه الله تعالى في كتاب العقوبات، وقوله فرقًا؛ أي: خوفًا شديدًا وفزعًا.

[13]جناية.

[14] العقوبات لابن أبي الدنيا.

[15] أخرجه أحمد وغيره، وصححه الألباني في الصحيحة، ح رقم: 3156.

[16] أخرجه الطبري وغيره، وهو في الجامع الصحيح تحت رقم: 680.

[17] روي عن جمع من الصحابة رضوان الله عليه، وهو مخرج في السلسلة الصحيحة: ح 1908.

[18] مصنف ابن أبي شيبة: 2/ 472.

[19] المستدرك على مجموع الفتاوى:3/ 134.

[20] مصنف ابن أبي شيبة، حديث رقم: 8408.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • في الاحتفال بأعياد ...
  • ملف الحج
  • العيد سنن وآداب
  • محمد صلى الله عليه ...
  • العطلة وأيام ...
  • المرأة في الإسلام
  • الإنترنت (سلبيات ...
  • الرقية الشرعية
  • في الاحتفال بالمولد ...
  • قضايا التنصير في ...
  • رمضان
  • الكوارث والزلازل ...
  • رأس السنة الهجرية
  • كورونا وفقه الأوبئة
  • شهر شعبان بين ...
  • في يوم عاشوراء
  • زواج المسيار ...
  • التلفاز وخطره
  • مأساة المسلمين في ...
  • مكافحة التدخين ...
  • الإسراء والمعراج
  • العولمة
  • قضية حرق المصحف
  • ملف الصومال
  • نصرة أم المؤمنين ...
  • رأس السنة الميلادية
  • العصبية القبلية
  • كرة القدم في
  • مسلمو بورما ...
  • ملف الاستشراق
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة