• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع ملفات خاصة / الإنترنت (سلبيات وإيجابيات)


علامة باركود

سجين العالم الأزرق (2)

سجين العالم الأزرق (2)
جود الشريف


تاريخ الإضافة: 22/1/2012 ميلادي - 28/2/1433 هجري

الزيارات: 8030

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

كنت المُبادر اليوم لابتداء جلسة مع الفيس بوك جديدة، زادَ شغفي لاستكشاف ذلك الشيء الذي يستهوي كلَّ مَن ألقاهم، تشبيه فكَّرت فيه كثيرًا، وحاوَلت إبعاده عني، أصرَّ عليّ، سأبوح لكم به، قلبهم معلَّق به حقًّا، هكذا كنتُ أفهم حديثَ رجلٍ قلبه معلَّق بالمسجد.

 

رحَّب بي، وبدأ الجولة.

 

هنا تكتب ما يخطر ببالك أو ما يُعجبك من حِكَم الحُكماء، أو من مقاطع راقتْ لك من قصائد، أو أناشيد أو أغانٍ، أو من مقولات الأشخاص: المهمين منهم، وغير المهمين، وبهذا تُشرك الآخرين به، فإن أعجبَهم ما قلتَ، فسيهدونك إعجابًا، أو تعليقًا.

 

يتفنَّن الناس في كتابة عباراتهم وتنسيقها؛ ليحصدوا أكبر قدرٍ من الإعجاب والتعليقات،

 

أعجبني (like)، باختصار تقولها مُعلنًا رضاك عما كُتِب، وربما موافقتك، وربما مُعارضتك، لعلَّ من المناسب أن تُضاف كَرِهت، أو لَم يُعجبني بجانبها؛ لتكون أصدقَ في تعبيرك.

 

ولعلَّ ظروفنا التي نمرُّ بها، ومراعاة لأحوال الأمة العربيَّة، كان الأنسب أن تضاف "آلَمَتني"، أو "أبكتني" أو "حطَّمت قلبي"، فما أكثر المآسي - على اختلاف أسبابها - التي نعيشها كمسلمين.

 

ثم شرَع يُوضِّح لي نظام الخصوصيَّة في الفيس بوك، تختار مَن يزورك في ملفك، ومَن يرى ما تكتب، قد تفتح باب الدخول أمام شخصٍ، لكن ليس لكلِّ جوانب الملف، أهي حارة إلكترونية، كلُّ شخص له فيها دارٌ وباب ونوافذُ.

 

طلبات الصداقة تُرسلها لِمَن تحبُّ، و"السبس كرايب" يؤهِّلك لمتابعة شخصٍ دون أن تكون ضمن أصدقائه.

 

ثم تجوَّلنا سريعًا في صفحات جَمْع من أصدقائه، من أقارب وأباعد، وزُملاء ومعارف، الصغار والكبار، الذكور والإناث، صور متنوعة وعجيبة، وأسماء صريحة ومستعارة.

 

توقَّفت عند ملف باسم مستعار، حنون ومجنون، مَن هذا؟

 

إنه فلان ابن عمي، ما شأنه وشأن الحنان والجنون؟

 

وتلك عاشقة الورد، لَم أعرفها بهذه الرقة من قبلُ!

 

أما تلك التي لَم تدع أحدًا من كلامها، فهي على الفيس بوك باسم: "صمتي لغتي".

 

يختفون باسم مستعار، تَظهر تحته (مصائب)، لَم يعرفها عنهم من قبلُ أحدٌ، ربما للهروب من قيود تَخنقهم، أو من خوفٍ، الله أدرى بمَنبعه.

تجوَّلت في ملف ذلك الحنون، رأيتُ تعبيراته وصُوَره، ألَمَه وحزنه، فرحه وتَرحه.

على الجُدر أو لنقل الحوائط، حوارات علنيَّة تُجرى أمام الكل، لا أدري أي فضائح هي؟ أخبار البيوت وأسرارها انتشَرت بكلِّ تفصيلاتها ودقائقها.

جَدتي مُتعبة، سلامتها يا رب، بأيِّ مَشفًى؟ بأيِّ قسم؟ يعرف كلُّ مَن يمرُّ مرضَ الجدة والمشفى والطبيب والقسم، بل وفصيلة الدم!

مشكلات الناس الصحية، والمَشُورات الطبيَّة والفقهيَّة، أصبَحت تُبَثُّ على الملأ، والحلول من أهل المشورة وغيرهم.

الفتوى تُقدَّم بلا تكاليف، وبلا قيود على الإفتاء، ووصفات الطبخ المصوَّرة تَنتشر؛ لتَبعث فينا الشعور بالرغبة باقتحام الشاشة لنأكلها، مأساة لو كان يَسمح لنا المُحتل بالهروب للسجن الأزرق من سِجنه الصَّدِئ، لكنا قُتِلنا مما نراه لو قارنَّاه بالطعام المعدِّ لنا، وخصوصًا أنَّ الصورة تظهر غير الحقيقة أحيانًا، وهو فعلاً ما عرَفته حين رأيت صورة للطبق الذي أعدَّته جارتنا وأرْسَلته لنا، كان رائعًا بكل تأكيد، لكن مظهره الذي كان عليه عندما جاءَنا، لَم يكن بذات الروعة التي كان عليها في الصورة التي قام ابنها بتنزيلها، مُرفقًا معها عبارة تهنئة شخصيَّة لي بمناسبة الإفراج من المعتقل الصِّهْيَوني.

 

أيضًا قَصص النساء التي كانت مع فنجان قهوة الصباح، أصبَحت تُبَثُّ مباشرة على الجدران.

 

عندي غسيل كتير، ومش فاضية أغسل، الله يعينك، بدك مساعدة، ليتك تعينيني مع الصغير، حاضر.

 

أريد تعزيل المنزل، هل تحتاجين لمساعدة.

 

طابخة مقلوبة، تفضلوا! يا سلام، دقيقتين وبحيك...

 

المساهمات في عمل المنزل أصبَحت وهميَّة، يتبادلون عبارات المحبَّة والمودَّة، أُفَكِّر: هل يَشعُرْنَ بها حقًّا؟ أشكُّ في ذلك.

 

فالفتاة التي كانت تنادي صديقتها بـ"يا حبيبتي" على حائطها، وجَدتها على حائط مجاور تَنعتها بألفاظ نابية.

 

والشاب الذي يتحدث عن الأخلاقيَّات ويدعو لها في صفحة أحد العلماء، هو ذاته مَن يناقش بحدَّة على صفحة مُغنية، مَن تَزَعَّم أنَّ المغنية سيِّئة السُّمعة، زعَم أنها أروعُ نساء الأرض.

 

والأمثلة كثيرة، لا أدري لعلَّه من لزوم العصر أو أمراضه، أو ربما من احتياجات السجن الإلكتروني، والمواساة والمشاركة في الأفراح والأتراح أصبَحت أيضًا إلكترونيَّة، تُرسِل التهاني والتعازي وأنت في بيتك، تواسي الحَزانَى، وتُجاملهم وتُخفِّف عنهم بكلماتك، وترسم البَسمة على وجوههم، وتسمح الدمعة، هي بسمات ودمعات إلكترونيَّة، قد توافق الحقيقة وقد تُخالفها، فكم مِن ضاحك على صفحته، باكٍ في حقيقته.

 

وصار للنضال السياسي وللتحزُّب صورة أخرى، فعلى جُدر الصفحات الإخبارية أو الشخصية، أصبَحت معارك التعليقات والإعجابات تدور، يَقذف الأوَّل منشورًا من العيار الثقيل على صفحة الثاني، فيرد بتعليق قوي يُدمِّر به نفسيَّة القائل، ويدفعه لردٍّ أقوى، ويحصل تدخُّل من ذاك بردٍّ يُحيل المعركة إلى طَرَفه، وتستمر المواجهات الصريحة والمُخفاة تحت ستار الأسماء والشاشات.

 

لَم أرتَح كثيرًا لَمَّا رأيتُ حوارات الناس تُشاهَد علنًا، وتُقرأ مشاعرهم ومشاكلهم على الملأ، فشعَرت أنه من أساليب كَشْف المستور، والمجاهرة بالذنوب، رُبَّما.

 

ثم ترَكني ولَدي بعد أن بدَأت في غوص جديد مع الأسئلة، عن كلِّ موضوع يسأل، وبكل وضوح يُجيبون.

 

كم ساعة تنام؟ كم عدد إخوتك؟ وتفاصيل دقيقة في طباع الأشخاص وهواياتهم، رغباتهم وميولهم، ونقائصهم وعيوبهم، عمل يُشبه عمل المُخبرين، لَم تَعُد الحاجة للتجسُّس كبيرة، فبكل عفويَّة يَعرض البعض حياته على العالم، بكلِّ ما فيها من عيوب وميزات.

 

تجوَّلت كثيرًا مُتنقِّلاً من سؤال إلى سؤال، أقرأ الإجابات، وأشاهد المصائب المعروضة، بعيدًا عن كلِّ رقابة ذاتٍ، أو خصوصيَّة، أو أدبٍ في كثير من الأحيان، نَسيتُ نفسي وزوجتي التي تنتظرني على الشُّرفة بعد أن أعدتِ القهوة، قُمت مُنتبهًا لوقت الصلاة، متحسِّرًا على مصَّاص الوقت المدعو بالفيس بوك، سِجن حقيقي، أغلَقْتُ المتصفِّح وخرَجت، وقلبي مَرتعٌ لخليط متناقض من المشاعر والأفكار، وللحديث بقيَّة.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • في الاحتفال بأعياد ...
  • ملف الحج
  • العيد سنن وآداب
  • محمد صلى الله عليه ...
  • العطلة وأيام ...
  • المرأة في الإسلام
  • الإنترنت (سلبيات ...
  • الرقية الشرعية
  • في الاحتفال بالمولد ...
  • قضايا التنصير في ...
  • رمضان
  • الكوارث والزلازل ...
  • رأس السنة الهجرية
  • كورونا وفقه الأوبئة
  • شهر شعبان بين ...
  • في يوم عاشوراء
  • زواج المسيار ...
  • التلفاز وخطره
  • مأساة المسلمين في ...
  • مكافحة التدخين ...
  • الإسراء والمعراج
  • العولمة
  • قضية حرق المصحف
  • ملف الصومال
  • نصرة أم المؤمنين ...
  • رأس السنة الميلادية
  • العصبية القبلية
  • كرة القدم في
  • مسلمو بورما ...
  • ملف الاستشراق
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة