• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع ملفات خاصة / في يوم عاشوراء


علامة باركود

يوم من أيام الله

الشيخ عبدالله بن محمد البصري


تاريخ الإضافة: 23/11/2012 ميلادي - 9/1/1434 هجري

الزيارات: 12398

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

يوم من أيام الله

 

أَمَّا بَعدُ، فَأُوصِيكُم أَيُّهَا النَّاسُ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ - ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابتَغُوا إِلَيهِ الوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا في سَبِيلِهِ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ ﴾ [المائدة:35].


أَيُّهَا المُسلِمُونَ:

أَصبَحَ كَثِيرٌ مِنكُمُ اليَومَ صَائِمِينَ، فَهَنِيئًا لمن تَحَرَّى السُّنَّةَ طُولَ عُمُرِهِ، وَيا فَوزَ مَن كَانَ طَلَبُ الأَجرِ غَايَتَهُ، إِنَّكُم في شَهرِ اللهِ المُحَرَّمِ، وَفي اليَومِ التَّاسِعِ مِنهُ، وَغَدًا يَومُ عَاشُورَاءَ والَّذِي هُوَ يَومٌ مِن أَيَّامِ اللهِ، قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: "أَفضَلُ الصِّيَامِ بَعدَ رَمَضَانَ شَهرُ اللهِ المُحَرَّمُ" وَقَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: "إِنَّ عَاشُورَاءَ يَومٌ مِن أَيَّامِ اللهِ، فَمَن شَاءَ صَامَهُ وَمَن شَاءَ تَرَكَهُ" رَوَاهُمَا مُسلِمٌ وَغَيرُهُ. وَعَنِ ابنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - صَامَ يَومَ عَاشُورَاءَ أَو أَمَرَ بِصِيَامِهِ. رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ. وَعَنهُ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - قَالَ: حِينَ صَامَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - يَومَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُ يَومٌ يُعَظِّمُهُ اليَهُودُ وَالنَّصَارَى. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: "لَئِن بَقِيتُ إِلى قَابِلٍ لأَصُومَنَّ التَّاسِعَ" رَوَاهُ مُسلِمٌ.

 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ:

لَقَد كَانَ صِيَامُ رَسُولِ اللهِ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - لِيَومِ عَاشُورَاءَ وَصِيَامُ الأُمَّةِ مِن بَعدِهِ، فَرَحًا بِنَصرِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- لِعِبَادِهِ المُؤمِنِينَ، وَشُكرًا للهِ إِذْ نَصَرَ فِيهِ مُوسَى وَقُومَهُ عَلَى فِرعَونَ وَقَومِهِ، فعَنِ ابنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا - قَالَ: قَدِمَ النَّبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- المَدِينَةَ فَرَأَى اليَهُودَ تَصُومُ يَومَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ: " مَا هَذَا؟ " قَالُوا: هَذَا يَومٌ صَالحٌ، هَذَا يَومٌ نَجَّى اللهُ بَني إِسرَائِيلَ مِن عَدُوِّهِم، فَصَامَهُ مُوسَى. قَالَ: " فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنكُم، فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ.

 

وَهَكَذَا -إِخوَةَ الإِسلامِ- فَإِنَّ المُؤمِنِينَ دَائِمًا يَفرَحُونَ بِنَصرِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-وَيُسَرُّونَ بِهِ، غَيرَ أَنَّ ثَمَّةَ فَرقًا بَينَ فَرَحِ المُؤمِنِينَ وَغَيرِهِم، إِذْ إِنَّهُم يَجعَلُونَ فَرَحَهُم شُكرًا للهِ، وَإِقبَالاً عَلَيهِ بِطَاعَتِهِ وَتَقَرُّبًا إِلَيهِ بما يُرضِيهِ، وَأَمَّا غَيرُهُم مِنَ المَخذُولِينَ، فَإِنَّ فَرَحَهُم يَكُونُ أَشَرًا وَبَطَرًا وَإِدبَارًا، وَتَبدِيدًا لِلنِّعَمِ وَنِسيَانًا لِلمُنعِمِ المُتَفَضِّلِ، وَقَد قَالَ -سُبحَانَهُ-: ﴿ اِعمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكرًا وَقَلِيلٌ مِن عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾ [سبأ: 13]، ثم إِنَّ صِيَامَ عَاشُورَاءَ لَيُبَيِّنُ أَنَّ المُؤمِنِينَ إِخوَةٌ في الدِّينِ وَإِن تَبَاعَدَت دِيَارُهُم أَوِ اختَلَفَت أَزمَانُهُم، أَو تَعَدَّدَت أَجنَاسُهُم وَأَعرَاقُهُم، وَذَلِكَ أَنَّ الدِّينَ الحَقَّ وَتَوحِيدَ اللهِ بِالعِبَادَةِ وَاحِدٌ وَإِنِ اختَلَفَتِ الشَّرَائِعُ وَتَنَوَّعَت مِن أُمَّةٍ لأُخرَى، قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: " الأَنبِيَاءُ أَولادُ عَلاَّتٍ، أُمَّهَاتُهُم شَتَّى وَدِينُهُم وَاحِدٌ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.

 

وَمَعَ هَذَا فَإِنَّ صِيَامَ اليَومِ التَّاسِعِ مَعَ العَاشِرِ مُخَالَفَةً لِليَهُودِ وَالنَّصَارَى، يُبَيِّنُ أَنَّ هَؤُلاءِ الكِتَابِيِّينَ لم يَبقَوا عَلَى دِينِهِم وَإِن كَانُوا قَدِ احتَفَظُوا مِنهُ بِبَقَايَا، وَلَو فُرِضَ أَنَّهُم بَقُوا عَلَيهِ فَإِنَّ مُخَالَفَتَهُم دِينٌ يُدَانُ اللهُ بِهِ، لأَنَّ دِينَ الإِسلامِ هُوَ الدِّينُ الحَقُّ الكَامِلُ، الَّذِي نَسَخَ اللهُ بِهِ مَا قَبلَهُ مِن شَرَائِعَ وَلا يَقبَلُ مِن أَحَدٍ دِينًا سِوَاهُ، قَالَ -سُبحَانَهُ -: ﴿ وَمَن يَبتَغِ غَيرَ الإِسلامِ دِينًا فَلَن يُقبَلَ مِنهُ وَهُوَ في الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِين﴾ [آل عمران: 58]، وَقَالَ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: "وَالَّذِي نَفسُ محمدٍ بِيَدِهِ لا يَسمَعُ بي أَحَدٌ مِن هَذِهِ الأُمَّةِ لا يَهُودِيٌّ وَلا نَصرَانيٌّ ثم يَمُوتَ وَلم يُؤمِنْ بِالَّذِي أُرسِلتُ بِهِ إِلاَّ كَانَ مِن أَصحَابِ النَّارِ" رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ. وَأَمرٌ آخَرُ في عَزمِهِ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ- عَلَى صِيَامِ اليَومِ التَّاسِعِ مَعَ العَاشِرِ، ذَلِكُم هُوَ الاحتِيَاطُ لِيَومِ عَاشُورَاءَ، فَقَد أَخرَجَ الطَّبرَانيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ أَنَّهُ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ- قَالَ: " إِنْ عِشتُ إِنْ شَاءَ اللهُ إِلى قَابِلٍ صُمتُ التَّاسِعَ مَخَافَةَ أَن يَفُوتَني يَومُ عَاشُورَاءَ".

 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ:

إِنَّ الصِّرَاعَ بَينَ الحَقِ وَالبَاطِلِ وَبَينَ أَولِيَاءِ الرَّحمَنِ وَأَولِيَاءِ الشَّيطَانِ قَدِيمٌ قِدَمَ البَشَرِيَّةِ، اِبتَدَأَهُ الشَّيطَانُ مَعَ أَبِينَا آدَمَ -عَلَيهِ السَّلامُ- وَمَا زَالَ وَلَن يَزَالَ مُحتَدِمًا إِلى قِيَامِ السَّاعَةِ، وَهَذِهِ سُنَّةُ اللهِ في خَلقِهِ، قَالَ -عَزَّ وَجَلَّ -: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ في سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ في سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَولِيَاءَ الشَّيطَانِ إِنَّ كَيدَ الشَّيطَانِ كَانَ ضَعِيفًا ﴾ [النساء: 76] وَقَالَ -تَعَالى-: ﴿ ذَلِكَ وَلَو يَشَاءُ اللهُ لانتَصَرَ مِنهُم وَلَكِنْ لِيَبلُوَ بَعضَكُم بِبَعضٍ ﴾ [النور: 5]" فَهُوَ -تَعَالى- قَادِرٌ عَلَى أَن يُهلِكَ الظَّالِمِينَ في لَحظَةٍ وَيَأخُذَهُم عَلَى حِينِ غَفلَةٍ، وَلَكِنَّهُ -تَعَالى -وَلِحِكَمٍ عَظِيمَةٍ، ابتَلَى بِهِم عِبَادَهُ المُؤمِنِينَ لِيَكشِفَ مَعَادِنَهُم وَيَمتَحِنَ صِدقَهُم، وَيُظهِرَ صَبرَهُم وَجِهَادَهُم وَبَذلَهُم، فَيَتَمَيَّزَ المُؤمِنُ الصَّادِقُ مِنَ الدَّعِيِّ المُنَافِقِ, وَيَتَبَيَّنَ المُجَاهِدُ العَامِلُ مِنَ القَاعِدِ الخَامِلِ، وَإِنَّ اللهَ الَّذِي نَصَرَ مُوسَى وَقُومَهُ عَلَى فِرعَونَ وَقَومِهِ في يَومِ عَاشُورَاءَ، لَهُ -عَزَّ وَجَلَّ- أَيَّامٌ عَظِيمَةٌ، يَنصُرُ فِيهَا عِبَادَهُ وَيُظهِرُ دِينَهُ وَيُعلِي كَلِمَتَهُ، وَهُوَ -سُبحَانَهُ- قَادِرٌ عَلَى نَصرِ المُؤمِنِينَ في كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ، مَتى مَا حَقَّقُوا شُرُوطَ النَّصرِ وَسَلَكُوا طُرُقَهُ الصَّحِيحَةَ، وَجَاؤُوا بِمُوجِبَاتِ التَّمكِينِ وَانتَفَت عَنهُم مَوَانِعُهُ، وَمِن رَحمَتِهِ -تَعَالى- بِعِبَادِهِ أَن بَيَّنَ لَهُم ذَلِكَ في كِتَابِهِ الكَرِيمِ بِجَلاءٍ وَوُضُوحٍ، لِيَكُونُوا عَلَى بَيِّنَةٍ مِنهُ فَيَهتَدُوا وَلا يَضِلُّوا، وَلِئَلاَّ تَنقَطِعَ بِهِمُ السُّبُلُ أَو يَيأَسُوا، قَالَ -تَعَالى: ﴿ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُم وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَستَخلِفَنَّهُم في الأَرضِ كَمَا استَخلَفَ الَّذِينَ مِن قَبلِهِم وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُم دِينَهُمُ الَّذِي ارتَضَى لَهُم وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِن بَعدِ خَوفِهِم أَمنًا يَعبُدُونَني لا يُشرِكُونَ بي شَيئًا وَمَن كَفَرَ بَعدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ ﴾ [النور: 55]، وَقَالَ -تَعَالى-: ﴿ وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُم في الأَرضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالمَعرُوفِ وَنَهَوا عَنِ المُنكَرِ وَللهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ ﴾ [الحج:40، 41]؛ فَالإِيمَانُ الصَّادِقُ الَّذِي يَتلُوهُ عَملٌ صَالِحٌ، وَيُخلَصُ فِيهِ التَّوَجُّهُ إِلى اللهِ وَتُحَقَّقُ لَهُ العُبُودِيَّةُ، وَيُتَخَلَّصُ مِنَ الشِّركِ وَيُتَبَرَّأُ مِنهُ وَمِن أَهلِهِ، وَإِقَامَةُ الصَّلاةِ وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ وَطَاعَةُ الرَّسُولِ، وَالأَمرُ بِالمَعرُوفِ وَالنَّهيِ عَنِ المُنكَرِ، كُلُّ ذَلِكَ مِن أَسبَابِ النَّصرِ وَالتَّمكِينِ، بِشَرطِ إِعدَادِ مَا يُستَطَاعُ مِنَ القُوَّةِ وَالحَذرِ مِنَ التَّنَازُعِ وَالفُرقَةِ، قَالَ -تَعَالى-: ﴿أَعِدُّوا لَهُم مَا استَطَعتُم مِن قُوَّةٍ وَمِن رِبَاطِ الخَيلِ تُرهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُم﴾ [الأنفال: 60]، وَقَالَ -سُبحَانَهُ-: ﴿ وَاعتَصِمُوا بِحَبلِ اللهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا ﴾ [آل  عمران: 103] " وَقَالَ -جَلَّ وَعَلا-: ﴿ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفشَلُوا وَتَذهَبَ رِيحُكُم وَاصبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [الأنفال: 47].

 

وَإِنَّ مَا رَأَينَاهُ في الأَيَّامِ المَاضِيَةِ مِن عَمَلِيَّاتٍ فِدَائِيَّةٍ وَضَرَبَاتٍ مُوجِعَةٍ لِلعَدُوِّ، نَفَّذَهَا إِخوَانُنَا في الأَرضِ المُبَارَكَةِ في الشَّامِ، سَوَاءٌ في غَزَّةَ ضِدَّ اليَهُودِ المُغتَصِبِينَ، أَو في سُورِيَّةَ ضِدَّ النُّصَيرِيَّةِ البَاطِنِيَّةِ الحَاقِدَةِ، إِنَّهَا لِمَمَّا يَشفِي صُدُورَ المُؤمِنِينَ وَيُذهِبُ غَيظَ قُلُوبِهِم، وَيَبعَثُ في نُفُوسِهِمُ الأَملَ وَحُسنَ الظَّنِّ، خَاصَّةً وَقَد أَجبَرَتِ اليَهُودَ عَلَى الخُضُوعِ وَالرِّضَا بِالهُدنَةِ وَإِيقَافِ إِطلاقِ النَّارِ، وَجَعَلَتِ النُّصَيرِيَّةَ في مَوقِفِ الخَائِفِينَ المُستَنجِدِينَ، فَنَسأَلُ اللهَ بِعِزَّتِهِ وَقُوَّتِهِ وَجَبَرُوتِهِ أَن يُقِرَّ أَعيُنَنَا بِنَصرِ المُسلِمِينَ وَتَطهِيرِ مَسرَى رَسُولِ اللهِ وَأَرضِ النُّبُوَّاتِ وَالمَحشَرِ مِن رِجسِ اليَهُودِ وَالبَاطِنِيَّةِ، إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ العِقَابِ ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ في الأَذَلِّينَ. كَتَبَ اللهُ لَأَغلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ [المجادلة: 20، 21].

 

الخطبة الثانية


أَمَّا بَعدُ، فَاتَّقوا اللهَ -تَعَالى- حَقَّ التَّقوَى، وَتَمَسَّكُوا مِنَ الإِسلامِ بِالعُروَةِ الوُثقَى.

 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ:

وَمِنَ المُفَارَقَاتِ الَّتي هِيَ نَوعٌ مِنَ الابتِلاءِ لِلأُمَّةِ وَاختِبَارِ قُوَّةِ إِيمَانِهَا وَاتِّبَاعِهَا، مَا حَصَلَ في هَذَا اليَومِ المُبَارَكِ مِن قَتلِ سَيِّدِ شَبَابِ أَهلِ الجَنَّةِ سِبطِ رَسُولِ اللهِ الحُسَينِ بنِ عَلِيِّ بنِ أَبي طَالِبٍ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ- حَيثُ قُتِلَ في فِتنَةٍ عَظِيمَةٍ بَينَ فِئتَينِ مِنَ المُسلِمِينَ، وَهِيَ فِتنَةٌ طَهَّرَ اللهُ مِنهَا أَيدِيَنَا فَلا نَخُوضُ فِيهَا بِأَلسِنَتِنَا، وَلَكِنَّ الَّذِي يَنبَغِي التَّنبِيهُ إِلَيهِ وَخَاصَّةً مَعَ انتِشَارِهِ في قَنَوَاتِ أَهلِ البِدَعِ، مَا يَفعَلُهُ الرَّافِضَةُ في هَذَا اليَومِ مِنَ البُكَاءِ وَالنُّوَاحِ وَلَطمِ الخُدُودِ وَنَتفِ الشُّعُورِ، وَتَعذِيبِ أَنفُسِهِم وَضَربِ وُجُوهِهِم وَصُدُورِهِم وَظُهُورِهِم بِالسَّلاسِلِ وَالسَّكَاكِينِ، وَإِسَالَةِ الدِّمَاءِ مِن أَجسَادِهِم وَالزَّحفِ عَلَى بُطُونِهِم، ظَانِّينَ أَنَّهُم بِذَلِكَ يَنصُرُونَ الحُسَينَ -رُضوَانُ اللهِ عَلَيهِ- وَهُم في الحَقِيقَةِ مُبتَدِعُونَ ضَالُّونَ، مُرتَكِبُونَ لِكَبَائِرَ تَبَرَّأَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- مِن مُرتَكِبِيهَا حَيثُ قَالَ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ : "لَيسَ مِنَّا مَن ضَرَبَ الخُدُودَ وَشَقَّ الجُيُوبَ وَدَعَا بِدَعوَى الجَاهِلِيَّةِ" مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.

 

وَعَن أَبي مُوسَى -رَضِيَ اللهُ عَنهُ-: "أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- بَرِيءٌ مِنَ الصَّالِقَةِ وَالحَالِقَةِ وَالشَّاقَّةِ" مُتَّفَقٌ عَلَيهِ. وَالصَّالِقَةُ: هِيَ الَّتي تَرفَعُ صَوتَهَا بِالنِّيَاحَةِ وَالنَّدبِ. وَالحَالِقَةُ: هِيَ الَّتي تَحلِقُ رَأسَهَا عِندَ المُصِيبَةِ. وَالشَّاقَّةُ: هِيَ الَّتي تَشُقُّ ثَوبَهَا. أَلا فَليَتَّقِ اللهَ المُسلِمُونَ، وَلْيَلزَمُوا السُّنَّةَ وَالجَمَاعَةَ، فَإِنَّ يَدَ اللهِ مَعَ الجَمَاعَةِ، وَلْيُحَقِّقُوا التَّوحِيدَ وَلْيَنصُرُوا اللهَ بِطَاعَتِهِ يَنصُرْهُم وَيُؤَيِّدْهُم وَيُمَكِّنْ لَهُم، وَلْيَحذَرُوا الشِّركَ وَالبِدَعَ وَالمَعَاصِيَ، فَإِنَّهَا سَبَبُ كُلِّ بَلاءٍ وَهَزِيمَةٍ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللهَ يَنصُرْكُم وَيُثَبِّتْ أَقدَامَكُم * وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعسًا لَهُم وَأَضَلَّ أَعمَالَهُم. ذَلِكَ بِأَنَّهُم كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللهُ فَأَحبَطَ أَعمَالَهُم * أَفَلَم يَسِيرُوا في الأَرضِ فَيَنظُرُوا كَيفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبلِهِم دَمَّرَ اللهُ عَلَيهِم وَلِلكَافِرِينَ أَمثَالُهَا * ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَولى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الكَافِرِينَ لَا مَولى لَهُم ﴾ [محمد: 8، 12]





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 


تعليقات الزوار
1- طلب
أبو الياس من المغرب مقيم باسبانيا - اسبانيا 24-02-2013 01:07 AM

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته إخواني الكرام إني أحبكم في الله إني أعتمد على خطبكم كثيرا أشكركم على مجهوداتكم من أجل خدمة هذا الدين طلبي لكم وجزاكم الله خيرا.

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • في الاحتفال بأعياد ...
  • ملف الحج
  • العيد سنن وآداب
  • محمد صلى الله عليه ...
  • العطلة وأيام ...
  • المرأة في الإسلام
  • الإنترنت (سلبيات ...
  • الرقية الشرعية
  • في الاحتفال بالمولد ...
  • قضايا التنصير في ...
  • رمضان
  • الكوارث والزلازل ...
  • رأس السنة الهجرية
  • كورونا وفقه الأوبئة
  • شهر شعبان بين ...
  • في يوم عاشوراء
  • زواج المسيار ...
  • التلفاز وخطره
  • مأساة المسلمين في ...
  • مكافحة التدخين ...
  • الإسراء والمعراج
  • العولمة
  • قضية حرق المصحف
  • ملف الصومال
  • نصرة أم المؤمنين ...
  • رأس السنة الميلادية
  • العصبية القبلية
  • كرة القدم في
  • مسلمو بورما ...
  • ملف الاستشراق
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة