• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع ملفات خاصة / في الاحتفال بالمولد النبوي


علامة باركود

القرية السعيدة

القرية السعيدة
الشيخ محمود شلتوت


تاريخ الإضافة: 5/5/2013 ميلادي - 24/6/1434 هجري

الزيارات: 9568

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

القرية السعيدة


يستقبل المسلمون في كل عام بشهر ربيع الأول ذِكرى مُحببة إلى نفوسهم، ذكرى يجري حبُّها في قلوبهم وأعصابهم جَرَيان الدم في العروق، وجريان الروح في الجسد، ويذكرون بها الحد الفاصل بين الظلام الذي خيَّم على الإنسانية، وبين النور الذي كشَف لها الطريق، ورفَع عنها الحُجب، وأنار أمامها الحياة.

 

يذكرون بها الحد الفاصل بين الذل والاضطراب والفوضى، وبين العزة والسكينة والنظام.

 

يذكرون بها الحد الفاصل بين ما سقَطت فيه الإنسانية من حَمْأة الجهل والاستبعاد، وكَبْح الحرية والخضوع لغير الله، وبين ما ارتفَعت إليه من سماء العلم ومكانة الرشد والاستقلال، مع حرية الرأي والخضوع لله الواحد القهَّار.

 

يذكرون كل ذلك بشهر ربيع الأول، كلما دارَت حركة الفَلَك وجاء عام بعد عام.

 

يذكرون ذلك فتتَّجه مشاعرهم وتَهفو قلوبهم إلى منابت هذه الذكرى، وإلى شخصية هذه الذكرى، وإلى عوامل هذه الذكرى، وإلى آثار هذه الذكرى.

 

ليس من شك في أن الأزمنة والأمكنة كالإنسان، تَسعد وتَشقى، فسعادة الإنسان ترجع إلى ما يُمكِّنه من خَلْع ثياب الذل والاستعباد، والقضاء على صور الفساد والدَّنس، التي تحيط به وتَسلُبه الحياة الفاضلة - حياة الحرية والعزة والكرامة - وإلى ما يهيِّئ له القيام بواجباته التي بها يحصل على حقوقه كاملة غير منقوصة، وتجعله ذا حظٍّ يسمو به في حياته، ويُذكَر به بعد مماته، ويكون من الخالدين.

 

وسعادة الزمن ترجع إلى ما تُسديه حركته إلى الإنسانية من قوى الخير والإصلاح، والسير بها في طريق الهدى والفلاح.

 

وسعادة المكان ترجع إلى ما يُنبته من غذاء طيب يكون له فضْله في تقْوية الحياة، وسَريان الخصوبة منه إلى ما يتَّصل به من مَوات، فتزكو التربة، ويَنبت الغرس، وتَعظُم الثمرة، وبقدْر ما يُتاح للإنسان والزمان والمكان من جهات السعادة، يكون اصطفاء الله للإنسان والزمان والمكان؛ ﴿ وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ ﴾ [القصص: 68].

 

وعلى هذا الأساس سجَّل الله في كتابه اصطفاء الأشخاص: ﴿ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾ [آل عمران: 33]، وسجَّل اصطفاء الأزمنة: ﴿ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ﴾ [القدر: 3]، ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾ [البقرة: 185]، وسجَّل اصطفاء الأمكنة: ﴿ فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى * إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى * وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى ﴾ [طه: 11 - 13]، ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ ﴾ [الإسراء: 1].

 

ومن الأمكنة المصطفاة مكةُ، فهي في سِجل الاصطفاء من عهد إبراهيم: ﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ ﴾ [إبراهيم: 35].

 

وكانت أولَ مكان استضاءَ بنور ذلك الإصلاح المحمدي، واهتزَّت جوانبه ببُشراه في مرحلته الختامية، فتسجيل الله لها، وتخليده لذكراها في كتابه العزيز الخالد، وفي واجباته الدينية الأولى - كان في التسجيل المكاني أبرزَ تسجيل وأعظمَ تخليدٍ.

 

فقد ربَط بها - لمكان البيت فيها - قلوبَ المؤمنين واتجاههم، كلما قاموا إلى الصلاة، وكلما ضرَعوا بالدعاء: ﴿ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ﴾ [البقرة: 144]، وربَط بها أجسامهم وقلوبهم كلما تيسَّر لهم واستطاعوا حج البيت الحرام: ﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ﴾ [آل عمران: 97].

 

ثم نوَّه بشأنها وذكرها في كتابه - دون سواها من الأماكن - بجُملة من أسمائها التي توحي بالنعمة التي نبتَت من جبالها، وسرى رُوحها في أنحاء العالم؛ فأحْيَته بعد مَوات، وهدَته بعد ضلال، وأضاءَته بعد ظلامٍ، وكانت مصداقًا لدعوة إبراهيم - عليه السلام -: ﴿ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [البقرة: 129].

 

ذكَرها بأشهر أسمائها: "مكة": ﴿ وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ ﴾ [الفتح: 24]، وذكَرها باسم "بكة"، وهو يُرشد إلى مكانة البيت الذي رفع إبراهيمُ وولدُه إسماعيلُ قواعدَه، وطهَّراه للطائفين والعاكفين، والرُّكَّع والسُّجود: ﴿ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا ﴾ [آل عمران: 96 - 97].

 

وذكَرها باسم "أمِّ القرى"، ومن الأم يرضع الأبناء لبنَ الحياة الصافي: ﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا ﴾ [الشورى: 7].

 

وذكَرها باسم "البلد الأمين"؛ رمزًا لِما تنفَّست عنه من مبادئ الأمن والاستقرار، وبهذا الوصف "البلد الأمين"، أقسَم بها - سبحانه - ضمن منابت الهداية الإلهية؛ توجيهًا للأنظار نحو خيرِها ونعمتها على العالم: ﴿ وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ ﴾ [التين: 1 - 3]، ﴿ لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ * وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ ﴾ [البلد: 1- 2].

 

لقد كان العالم يَموج بأنواع من الفتن والشرور، وفي هذه الفتن ضلَّ الإنسان سبيل الحكمة، وهضَم بجَبروته حقوق الضُّعفاء، وتحكَّم في العقائد والأخلاق والروابط الاجتماعية، وفي هذا الجو فسَد عليه تصوُّرُه لخالقه، وانقطَع عنه نورُ الحق، وفسَد تصوره للفضائل، وفسد تصوُّره للجماعة البشرية، فعاش على أساس من الشهوة العمياء، والفردية المَمقوتة، والانحلال الشائن؛ لا يَعرف الرحمة ولا التعاون، ولا يَكترث إلا بما رسَمه تصورُه الضيِّق المنحرف.

 

وكان من الضروري أمام هذا الانقلاب الذي سار إليه الإنسان، وقد خلَقه الله ليعرفه، وليكون مظهرًا لصفات الجمال والجلال، وليكون خليفة في الأرض يَعمُرها، ويُنمِّيها، ويُسعد نفسه وإخوانه بأسرارها ونِعم الله فيها - كان من الضروري في الحكمة الإلهية أن ينظر اللهُ إلى العالَم نظرة جُودٍ ورحمة، تَنتشله من وَهْدته، وتُصلحه من فساده، وتردُّه إلى صوابه، وتُبصِّره الطريق السوي المستقيم، وتلك سُنة الله كلما ضلَّت الأقوام وانحرَفت الأُمم.

 

ومن هذا البلد الأمين "مكة" أم القرى، ذات الجبال الشاهقة، والحصون الحجرية المُحكمة، التي صانتها عن زخارف المدنيَّات الطائشة، مدنيات الفرس والرومان، والتي غرَست في نفوس أهلها - بسمائها، ووُديانها، وجبالها - معانيَ الحرية والنجدة، والكرم وإباء الضَّيم، من هذا البلد تفجَّرت يَنابيعُ الحكمة والهداية، وارتوَى من سلسبيلها الإنسانُ في كل زمان ومكان؛ فشعَر بعِزته، وشعر بمكانته في الحياة.

 

في هذا البلد الأمين وتلك القرية السعيدة، وُلِد حفيد إبراهيم: محمد بن عبدالله، وكان ميلاده إيذانًا ببزوغ فجر ليلٍ اشتدَّ ظلامه، وتخبَّطت في دياجيره البشرية قرونًا طوالاً.

 

في هذا البلد الأمين، وُلِد محمد، فتولاَّه ربُّه برعايته، وصنَعه على عينيه، وخلَّصه له منذ صباه، فلم يَشغل قلبه بشيء من عطف الأبوَّة، ولا حنان الأمومة، ولا بشيء من زخارف هذه الدنيا الفانية.

 

ولَمَّا بلَغ أَشُدَّه واستوى، آتاه الله العلم والحكمة، وجعله نبيًّا، وختَم به رسالاته، وأكمَل به دينه، وأتَمَّ به على العباد نِعمته.

 

أحيا به ما اندرَس - بالطغيان والهوى - من هداية إبراهيم وآل إبراهيم، وجدَّد به عهد الولاء للخالق، وكوَّن عظَمة شغلت العالم منذ أربعة عشر قرنًا، وستظل بأبنائها الأوفياء المخلصين في حمْل شُعلتها، الحامين لذِمارها - تشغل العقول، وتَلفت الأنظار، وتسمو بالإنسانية، وتُزلزل عروش العُنف والجبروت، وتُقوِّض قصور الظلم والطُّغيان، وقد كتَب الله على نفسه، ووعَد - ووعْده الحق - أن يَنصُر عباده المؤمنين المخلصين: ﴿ كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ [المجادلة: 21].

 

هذا أيها المسلمون، شهر ربيع الذي وُلِد فيه محمد، وتلك مكة القرية السعيدة التي شبَّ فيها وتَرعرع، وتلك شريعته التي بها أنقَذ الإنسانية، فاذكُروا بالزمان والمكان هذا النبي العظيم، وتلك الشريعة المطهَّرة، ولا تكونوا ﴿ كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ﴾ [الحديد: 16].

 

هذه أمانة الله، حمَلها آباؤكم وأجدادكم، وجِئتم بعدهم خلفاءَ، فارفعوا رايتها، وجاهِدوا في سبيلها، ولا يكن منكم مُعوِّقون ولا متخلِّفون.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • في الاحتفال بأعياد ...
  • ملف الحج
  • العيد سنن وآداب
  • محمد صلى الله عليه ...
  • العطلة وأيام ...
  • المرأة في الإسلام
  • الإنترنت (سلبيات ...
  • الرقية الشرعية
  • في الاحتفال بالمولد ...
  • قضايا التنصير في ...
  • رمضان
  • الكوارث والزلازل ...
  • رأس السنة الهجرية
  • كورونا وفقه الأوبئة
  • شهر شعبان بين ...
  • في يوم عاشوراء
  • زواج المسيار ...
  • التلفاز وخطره
  • مأساة المسلمين في ...
  • مكافحة التدخين ...
  • الإسراء والمعراج
  • العولمة
  • قضية حرق المصحف
  • ملف الصومال
  • نصرة أم المؤمنين ...
  • رأس السنة الميلادية
  • العصبية القبلية
  • كرة القدم في
  • مسلمو بورما ...
  • ملف الاستشراق
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة