• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع ملفات خاصة / نصرة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها / مقالات عن أم المؤمنين عائشة


علامة باركود

ليلة في بيت عائشة رضي الله عنها

ليلة في بيت عائشة رضي الله عنها
الشيخ فؤاد بن يوسف أبو سعيد


تاريخ الإضافة: 1/8/2016 ميلادي - 26/10/1437 هجري

الزيارات: 79933

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

ليلة في بيت عائشة رضي الله عنها


إنَّ الحمدَ لله، نحمَدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا، من يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومن يضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمَّداً عبدُه ورسولُه.

﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

 

﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].

 

﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70 - 72].

 

أما بعد: فإن خيرَ الكلامِ كلامُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار.

أعاذنا الله وإياكم وسائر المسلمين من النار، ومن كل عمل يقرب إلى النار، اللهم آمين.

 

عباد الله؛ ليلة في بيت عائشة رضي الله تعالى عنها، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ بْنِ الْمُطَّلِبِ، أَنَّهُ قَالَ يَوْمًا: أَلَا أُحَدِّثُكُمْ عَنِّي وَعَنْ أُمِّي قَالَ: فَظَنَنَّا أَنَّهُ يُرِيدُ أُمَّهُ الَّتِي وَلَدَتْهُ، قَالَ: (قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: أَلَا أُحَدِّثُكُمْ عَنِّي وَعَنْ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلَّم؟ قُلْنَا: بَلَى! قَالَتْ: لَمَّا كَانَتْ لَيْلَتِي الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلَّم فِيهَا عِنْدِي، انْقَلَبَ فَوَضَعَ رِدَاءَهُ وَخَلَعَ نَعْلَيْهِ فَوَضَعَهُمَا عِنْدَ رِجْلَيْهِ، وَبَسَطَ طَرَفَ إِزَارِهِ عَلَى فِرَاشِهِ فَاضْطَجَعَ فَلَمْ يَلْبَثْ إِلَّا رَيْثَمَا ظَنَّ أَنِّي قَدْ رَقَدْتُ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ رُوَيْدًا، وَانْتَعَلَ رُوَيْدًا وَفَتَحَ الْبَابَ فَخَرَجَ، ثُمَّ أَجَافَهُ رُوَيْدًا) (قَالَتْ: فَغِرْتُ عَلَيْهِ)، (فَجَعَلْتُ دِرْعِي فِي رَأسِي، وَاخْتَمَرْتُ، وَتَقَنَّعْتُ إِزَارِي، ثُمَّ انْطَلَقْتُ عَلَى إِثْرِهِ، حَتَّى جَاءَ الْبَقِيعَ فَقَامَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ انْحَرَفَ فَانْحَرَفْتُ، فَأَسْرَعَ فَأَسْرَعْتُ، فَهَرْوَلَ فَهَرْوَلْتُ، فَأَحْضَرَ فَأَحْضَرْتُ، فَسَبَقْتُهُ فَدَخَلْتُ، فَلَيْسَ إِلَّا أَنْ اضْطَجَعْتُ، فَدَخَلَ، فَقَالَ: "مَا لَكِ يَا عَائِشُ حَشْيَا رَابِيَةً؟" فَقُلْتُ: لَا شَيْءَ، قَالَ: "لَتُخْبِرِينِي أَوْ لَيُخْبِرَنِّي اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ"، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي .. فَأَخْبَرْتُهُ، قَالَ: "فَأَنْتِ السَّوَادُ الَّذِي رَأَيْتُ أَمَامِي؟" قُلْتُ: نَعَمْ!) (قَالَ: "يَا عَائِشَةُ أَغِرْتِ؟" فَقُلْتُ: وَمَا لِي لَا يَغَارُ مِثْلِي عَلَى مِثْلِكَ؟) (قَالَ: "أَظَنَنْتِ أَنْ يَحِيفَ اللهُ عَلَيْكِ وَرَسُولُهُ؟" فَقُلْتُ: مَهْمَا يَكْتُمِ النَّاسُ يَعْلَمْهُ اللهُ، نَعَمْ! فَلَهَدَنِي رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلَّم فِي صَدْرِي لَهْدَةً أَوْجَعَتْنِي) (ثُمَّ قَالَ: "أَقَدْ جَاءَكِ شَيْطَانُكِ؟" فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَوْ مَعِيَ شَيْطَانٌ؟! قَالَ: "نَعَمْ!" قُلْتُ: وَمَعَ كُلِّ إِنْسَانٍ؟! قَالَ: "نَعَمْ!" قُلْتُ: وَمَعَكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟! قَالَ: "نَعَمْ! وَلَكِنَّ رَبِّي أَعَانَنِي عَلَيْهِ حَتَّى أَسْلَمَ")، (فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَيْنَ خَرَجْتَ اللَّيْلَةَ؟) (قَالَ: "إِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي حِينَ رَأَيْتِ، فَنَادَانِي فَأَجَبْتُهُ، وَلَمْ يَكُنْ يَدْخُلُ عَلَيْكِ وَقَدْ وَضَعْتِ ثِيَابَكِ، وَظَنَنْتُ أَنَّكِ قَدْ رَقَدْتِ، فَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَكِ، فَأَخْفَيْتُهُ مِنْكِ، وَخَشِيتُ أَنْ تَسْتَوْحِشِي، فَقَالَ لِي: إِنَّ رَبَّكَ يَأمُرُكَ أَنْ تَأتِيَ أَهْلَ الْبَقِيعِ فَتَسْتَغْفِرَ لَهُمْ"، فَقُلْتُ: كَيْفَ أَقُولُ لَهُمْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "قُولِي السَّلَامُ عَلَى أَهْلِ الدِّيَارِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَيَرْحَمُ اللهُ الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنَّا وَالْمُسْتَأخِرِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لَلَاحِقُونَ"). (م) (974)، (2815)، (س) (3960)، (3963)، (حم) (24656)، (25855).

 

عباد الله؛ ليلة في بيت عائشة رضي الله تعالى عنها، فقد كان للنبي صلى الله عليه وسلم عدةُ نساء، كلُّ امرأة منهن لها ليلة، هذه الليلة التي سأتكلم عنها في حديث صحيح رواه الإمام مسلم والنسائي وابن حبان، ورواه أحمد بن حنبل وغيرهم من العلماء، ليلة قضاها النبي صلى الله عليه وسلم فيها عبر وأحكام وفوائد، هذه الليلة يرويها من التابعين، مُحَمَّدُ بْنُ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ بْنِ الْمُطَّلِبِ يقول لتلاميذه: أحدثكم عن أمي، قالوا: فظننا أنه سيحدثنا عن أمه التي ولدته، وإذا به يقول: حدثتنا عائشة، وهي أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها، الصديقة بنت الصديق، حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليلة في بيت عائشة، قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: (أَلَا أُحَدِّثُكُمْ عَنِّي وَعَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟!) قُلْنَا: (بَلَى!) قَالَتْ: (لَمَّا كَانَتْ لَيْلَتِي الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِيهَا عِنْدِي، انْقَلَبَ) -أَيْ: رَجَعَ مِنْ بعد صَلَاة الْعِشَاء إليها. شرح سنن النسائي (5/ 377).

 

(فَوَضَعَ رِدَاءَهُ) - خلع الرداء الذي عليه-، (وَخَلَعَ نَعْلَيْهِ فَوَضَعَهُمَا عِنْدَ رِجْلَيْهِ، وَبَسَطَ طَرَفَ إِزَارِهِ عَلَى فِرَاشِهِ فَاضْطَجَعَ) - عليه-، (فَلَمْ يَلْبَثْ إِلَّا رَيْثَمَا) -أي قدر ما- (ظَنَّ أَنِّي قَدْ رَقَدْتُ) -وهي لم ترقد بعد، ولم تنم، فالنبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب إلا ما علمه الله سبحانه وتعالى، فهو ظن أن عائشة نائمة، وعائشة لم تكن نائمة-، (فَأَخَذَ رِدَاءَهُ رُوَيْدًا)، -دون ضجة سحب الرداء-، (وَانْتَعَلَ رُوَيْدًا)، -لبس نعليه بدون إزعاج-، (وَفَتَحَ الْبَابَ فَخَرَجَ، ثُمَّ أَجَافَهُ رُوَيْدًا)، - أَيْ: أَغْلَقَهُ، دون أن يحدث ضجة، وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ صلى الله عليه وسلم فِي خُفْيَةٍ؛ لِئَلَّا يُوقِظَهَا وَيَخْرُجَ عَنْهَا، فَرُبَّمَا لَحِقَهَا وَحْشَةٌ فِي اِنْفِرَادِهَا فِي ظُلْمَةِ اللَّيْل. نووي (3ص 401).

 

(قَالَتْ: فَغِرْتُ) -والغيرة موجودة في النساء، والمرأة التي لا تغار هذه امرأة مريضة، لابد للمرأة أن تغار على زوجها؛ لأن في فطرتها أن تغار، لكن لها حدود سنعلمها إن شاء الله، غارت عائشة لماذا؟ لأنه له صلى الله عليه وسلم زوجات أخرى، ففي ليلتها يذهب إلى غيرها، هذا هو حقها، قالت: فغرت- (عَلَيْهِ)، (فَجَعَلْتُ دِرْعِي فِي رَأسِي)، -لبست ثوبها- (وَاخْتَمَرْتُ، وَتَقَنَّعْتُ إِزَارِي). -التقنُّع: تغطية الرأس وأكثر الوجه برداء أو غيره. والإزار: ثوب يحيط بالنصف الأسفل من البدن.

 

(ثُمَّ انْطَلَقْتُ عَلَى إِثْرِهِ) -أي تبعته عن قرب صلى الله عليه وسلم، بأبي هو وأمي، هل هو ذاهب إلى زوجة أخرى يقضي حاجته، لا والله- (حَتَّى جَاءَ الْبَقِيعَ) -والْبَقِيع: مَقْبَرَة الْمُسْلِمِينَ بالمدينة، بالقرب من مسجد النبي صلى الله عليه وسلم في الجهة الشرقية الجنوبية.

 

(فَقَامَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ)، -وهي تراقبه رضي الله تعالى عنها-، (ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ انْحَرَفَ) - يعني يريد أن يرجع إلى بيته، قالت:- (فَانْحَرَفْتُ، فَأَسْرَعَ فَأَسْرَعْتُ، فَهَرْوَلَ) -أسرع في المشي-، (فَهَرْوَلْتُ، فَأَحْضَرَ فَأَحْضَرْتُ) -والْإِحْضَار: الْعَدْوُ، أي زاد في الإسراع أشدّ من الذي قبله، فازددت أنا فيه، يعني زاد في المشي والإسراع، فزادت هي في السرعة، تريد أن تفرَّ منه وتصل إلى البيت قبله، وبالفعل وصلت قبله إلى البيت، تقول:- (فَسَبَقْتُهُ)؛ -لأنها كانت صغيرة السن، وصغير السن يجري أسرع من كبير السن- (فَدَخَلْتُ، فَلَيْسَ إِلَّا أَنْ اضْطَجَعْتُ)، -يعني تناومَت وتغطت في لحافها- (فَدَخَلَ، فَقَالَ: "مَا لَكِ يَا عَائِشُ حَشْيَا رَابِيَةً؟") -وضع يده على صدرها وعلى بطنها، فالذي يجري مسرعا ولم يسترح بعدُ، فتردد النفس وتواتره يدلل على أنه كان يجري قبل ذلك.

 

(حَشْيَا) أَيْ مُرْتَفِعَةَ النَّفَسِ، مُتَوَاتِرَتَهُ، كَمَا يَحْصُل لِلْمُسْرِعِ فِي الْمَشْي. شرح سنن النسائي (3/ 278).

وَقَوْله: (رَابِيَة) أَيْ: مُرْتَفِعَة الْبَطْن. نووي (3/ 401).-

فَقُلْتُ: (لَا شَيْءَ)، قَالَ: "لَتُخْبِرِينِي أَوْ لَيُخْبِرَنِّي اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ"، -إما أن تقولي الحقيقة، أو يأتي الخبر من السماء- فَقُلْتُ: (يَا رَسُولَ اللهِ! بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي... فَأَخْبَرْتُهُ)، قَالَ: "فَأَنْتِ السَّوَادُ" -أَيْ: الشَّخْص.

 

"الَّذِي رَأَيْتُ أَمَامِي؟" قُلْتُ: (نَعَمْ!) -وهذا يدلل أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب إلا ما علمه الله سبحانه وتعالى، ولم يعلمه أن عائشة خرجت خلفه ثم تجري أمامه الآن، ما علِم؛ لأن الله إذا شاء أن يعلم من شاء من عباده من الرسل فعل، وإلا فلا- قَالَ: "يَا عَائِشَةُ أَغِرْتِ؟!" فَقُلْتُ: (وَمَا لِي لَا يَغَارُ مِثْلِي عَلَى مِثْلِكَ؟!) قَالَ: "أَظَنَنْتِ أَنْ يَحِيفَ اللهُ عَلَيْكِ وَرَسُولُهُ؟" –الْحَيْف: بِمَعْنَى الْجَوْر، أي يظلم، الله لا يظلم ولا يأذن لي أن أظلم، أَيْ: بِأَنْ يَدْخُلَ الرَّسُولُ فِي نَوْبَتِكِ عَلَى غَيْرِك، وَذِكْرُ اللهِ لِتَعْظِيمِ الرَّسُولِ، وَالدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّ الرَّسُولَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَفْعَلَ بِدُونِ إِذْنٍ مِنْ الله تَعَالَى. شرح سنن النسائي (3/ 278).

 

فَقُلْتُ: (مَهْمَا يَكْتُمِ النَّاسُ يَعْلَمْهُ اللهُ، نَعَمْ!) -أي وظننت أنك تذهب إلى امرأة أخرى، فاعترفت، فكان جزاؤها التأديب من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت:- (فَلَهَدَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي صَدْرِي لَهْدَةً أَوْجَعَتْنِي) -اللهد الضرب الشديد في الصدر بالكف للتأديب مِنْ سُوءِ الظَّنِّ. شرح سنن النسائي (3/ 278).

 

ثُمَّ قَالَ: "أَقَدْ جَاءَكِ شَيْطَانُكِ؟!" فَقُلْتُ: (يَا رَسُولَ اللهِ! أَوْ مَعِيَ شَيْطَانٌ؟!) قَالَ: "نَعَمْ!" قُلْتُ: (وَمَعَ كُلِّ إِنْسَانٍ؟!) قَالَ: "نَعَمْ!" قُلْتُ: (وَمَعَكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟!) قَالَ: "نَعَمْ! وَلَكِنَّ رَبِّي أَعَانَنِي عَلَيْهِ حَتَّى أَسْلَمَ"، -شيطان النبي صلى الله عليه وسلم ما هو شيطان، جني مسلم، أعان الله عليه رسوله حتى أسلم- فَقُلْتُ: (يَا رَسُولَ اللهِ! أَيْنَ خَرَجْتَ اللَّيْلَةَ؟) قَالَ: "إِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي حِينَ رَأَيْتِ"، -أي حين رأيتني ألبس ملابسي وأخرج- "فَنَادَانِي فَأَجَبْتُهُ، وَلَمْ يَكُنْ يَدْخُلُ عَلَيْكِ وَقَدْ وَضَعْتِ ثِيَابَكِ، وَظَنَنْتُ أَنَّكِ قَدْ رَقَدْتِ، فَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَكِ، فَأَخْفَيْتُهُ مِنْكِ"، -يعني سرا تكلمت مع جبريل عليه السلام- "وَخَشِيتُ أَنْ تَسْتَوْحِشِي"، -لو استيقظتِ وبقيتِ وحدكِ-، "فَقَالَ لِي" -جبريل-: "إِنَّ رَبَّكَ يَأمُرُكَ أَنْ تَأتِيَ أَهْلَ الْبَقِيعِ فَتَسْتَغْفِرَ لَهُمْ"، -الموتى المدفونون في البقيع تستغفر لهم، خيار الناس، جاء أمر من السماء في تلك الليلة، ليلة عائشة يخرج فيستغفر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم- فَقُلْتُ: (كَيْفَ أَقُولُ لَهُمْ يَا رَسُولَ اللهِ؟! قَالَ: "قُولِي: السَّلَامُ عَلَى أَهْلِ الدِّيَارِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَيَرْحَمُ اللهُ الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنَّا وَالْمُسْتَأخِرِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لَلَاحِقُونَ"، -هذه سنتنا إلى يوم القيامة، إذا مررنا بالمقابر أو زرناها، نحييهم بهذه التحية: "السَّلَامُ عَلَى أَهْلِ الدِّيَارِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَيَرْحَمُ اللهُ الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنَّا وَالْمُسْتَأخِرِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لَلَاحِقُونَ".

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

 

الخطبة الآخرة

الحمد لله حمد الشاكرين الصابرين، ولا عدوان إلا على الظالمين، اللهم صل وسلم وبارك وأنعم على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهديه.

أما بعد:

هذا هو حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة في بيت عائشة، ماذا نستفيد من هذا الحديث؟

في الحديث من الفوائد والأحكام والعبر الشيء الكثير، نذكر منها:

من كانت عنده أكثر من زوجة، فلابد من العدل والإنصاف مع الزوجات، ومشروعيةَ القَسْم بين الزوجات في المبيت، وغيره؛ من مطعم وملبس ومسكن... ولا تحابي إحداهن على الأخرى، لذلك يأتي بعض الناس يوم القيامة وأحد شقيه مائل، وفي رواية يجره، ويعرفه الناس أنه لم يعدل بين زوجتيه.

 

كذلك يجب علينا أن نعلم ما جُبلت عليه النساء من الغِيرة، والغيرة نوعان، غِيرة محمودة، وغيرة مذمومة، والغيرة المحمودة أن تخاف على زوجها، ولا تحب أن يشاركها فيه غيرها، والغيرة المذمومة إذا زادت عن ذلك الحد إلى الشك والريب والمشاكل مع الزوج، من أجل الظنون هذا لا يجوز.

 

والحديث بين حسن أخلاق النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم ورأفته بأهل بيته؛ لم يكن مع أهل بيته متسلطا متجبرا، فمعاملته كلها رفق ولين، عليه الصلاة والسلام، حيث إنه لم يفعل ما يُدخلُ على عائشة رضي الله عنها الوحشة والفزع، بل تلطّف في الخروج، دون ضوضاء أو إزعاج،..

 

وفيه كونُ الملائكة ملائكة الرحمة، وأولهم جبريل عليه السلام لا تدخل بيتا فيه امرأةٌ وضعت ثيابها، لا يدخلون على نساء وهن كاشفات عن أنفسهن، كذلك لا يدخلون علينا أثناء الجماع، ولا يدخلون علينا أثناء قضاء الحاجة، فلذلك يجب إكرام الملائكة.

وفي الحديث رأفةُ اللَّه سبحانه وتعالى ورحمته بأهلِ البقيع؛ حيث أمر نبيَّه صلى اللَّه عليه وسلم أن يستغفر لهم في تلك الساعة...

 

وفيه -أي في الحديث أيضا من الروايات الأخرى- أنه خاطب عائشة وقال لها: يا عائش مالك، بدون تاء، وليس يا عائشة، واستدل العلماء منه على جوازُ ترخيمِ الاسم، وهو حذف آخر الحرف، إذا لم يكن فيه إيذاء للمرخّم...

 

كذلك فيه مشروعية تأديبِ الزوج زوجتَه بالضرب باليد ونحوه، ولو أوجعها ذلك، دون أن يسبِّبَ لها كسرا في عظم، أو تمزيقا للحم، أو إراقةً لدم...

 

وفي الحديث أن رسولَ اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لا يظلم أحدًا؛ لا يظلم أهل بيته، ولا يظلم غيره من الناس، ولا حتى من الجن ولا حتى من المخلوقات الأخرى؛ لأن اللَّه سبحانه وتعالى يكرمه بالوحي، ويرشده إلى ما هو الصواب، فلا يقع في الحيف والظلم...، كلا والله.

 

ونستفيد من الحديث إذا احتجنا ودائما نحن في حاجة إلى الله عز وجل، وإلى دعائه احتجنا أن ندعو الله سبحانه وتعالى، فيستحب إطالة الدعاءِ وتكريره، أن تطيل الدعاء وتكرر مرة ومرة ومرة، كما كان يفعل صلى اللَّه عليه وسلم، واستحباب ورفعِ اليدين فيه أي في الدعاء المطلق، فإنه أرجى للإجابة...

وفيه أيضا أن دعاءَ القائم أكملُ من دعاء الجالس في القبور...

 

وفيه جواز زيارة القبور للنساء، إذا خلت من المحرمات والسفور والعطور والفتنة ...دون لطمٍ للخدود، أو شقٍّ للجيوب، أو نتفٍ للشعور، أو رفعِ صوت بالبكاء والنواح...

 

وفيه أيضا يا عباد الله استحباب هذا الدعاء في زيارة القبور: "السَّلَامُ عَلَى أَهْلِ الدِّيَارِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَيَرْحَمُ اللهُ الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنَّا وَالْمُسْتَأخِرِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لَلَاحِقُونَ".

 

وفي الحديث؛ الأمر بالاستغفار للمؤمنين. أمر الله رسوله أن يستغفر لهم، وهذه صفات المؤمنين عموما، وقد قال سبحانه: ﴿ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾[الحشر: 10].

 

وفي الختام؛ ثبت في الحديث: قول النبي صلى اللَّه عليه وسلم: "مَنِ اسْتَغْفَرَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ"، -يعني من قال: اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، ماذا يحدث له؟ يقول عليه الصلاة والسلام: "كَتَبَ اللهُ لَهُ بِكُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ حَسَنَةً". (مسند الشاميين للطبراني) (2155)، انظر صَحِيح الْجَامِع (6026)]. بتصرف من (ذخيرة العقبى في شرح المجتبى) للإثيوبي (20/ 53).

 

اللهم صل وسلم وبارك وأنعم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات يارب العالمين.

اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين.

اللهم وحِّد صفوفَنا، اللهم ألف بين قلوبنا، وأزل الغلَّ والحقد والحسدَ والبغضاء من صدورنا، وانصرنا على عدوك وعدونا، برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

وأقم الصلاة؛ ﴿ .... إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ [العنكبوت: 45].





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 


تعليقات الزوار
1- شكر
موسى عبدالغني إبراهيم - مصر 16-03-2022 04:33 AM

نسأل الله الكريم أن يجعل أعمالكم خالصة لوجهه الكريم
استفدت الكثير

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • في الاحتفال بأعياد ...
  • ملف الحج
  • العيد سنن وآداب
  • محمد صلى الله عليه ...
  • العطلة وأيام ...
  • المرأة في الإسلام
  • الإنترنت (سلبيات ...
  • الرقية الشرعية
  • في الاحتفال بالمولد ...
  • قضايا التنصير في ...
  • رمضان
  • الكوارث والزلازل ...
  • رأس السنة الهجرية
  • كورونا وفقه الأوبئة
  • شهر شعبان بين ...
  • في يوم عاشوراء
  • زواج المسيار ...
  • التلفاز وخطره
  • مأساة المسلمين في ...
  • مكافحة التدخين ...
  • الإسراء والمعراج
  • العولمة
  • قضية حرق المصحف
  • ملف الصومال
  • نصرة أم المؤمنين ...
  • رأس السنة الميلادية
  • العصبية القبلية
  • كرة القدم في
  • مسلمو بورما ...
  • ملف الاستشراق
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة