• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  موقع الشيخ عبدالرحمن الشثريالشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري شعار موقع الشيخ عبدالرحمن الشثري
شبكة الألوكة / موقع الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري / مقالات


علامة باركود

الاحتفال بالمولد النبوي في شهر ربيع الأول

الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري


تاريخ الإضافة: 21/12/2015 ميلادي - 9/3/1437 هجري

الزيارات: 29816

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الاحتفال بالمولد النبوي في شهر ربيع الأول


أول من أحدثها:

مَضَت القرون الثلاثة المفضلَّة، ولم تُسجِّل لنا كتب التاريخ أن أحداً من الصحابة أو التابعين أو تابعيهم ومَن جاء بعدهم مع شدَّة محبتهم للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، وكونهم أعلم الناس بالسنة، وأحرص الناس على اتباع شرعه صلى الله عليه وسلم احتفلَ بمولد النبي صلى الله عليه وسلم.


وأول من أحدثها: هم بنو عبيد القدَّاح الذين يُسمُّون أنفسهم بالفاطميين، وينتسبون إلى ولد علي أبي طالب رضي الله عنه، وهم في الحقيقة من المؤسسين لدعوة الباطنية، فجدُّهم المعروف بالقدَّاح كان مولىً لجعفر بن محمد الصادق رحمه الله، فزعمَ أنه من نسله، فلمَّا دخل في دعوته قوم من غلاة الرافضة، ادَّعى أنه من ولد محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق، فقبلوا ذلك منه، مع أن محمد بن إسماعيل مات ولم يُعقِّب ذرية!؟.


وممن تبعه: حمدان قرمط، وإليه تُنسب القرامطة، ثم لَمَّا تمادت بهم الأيام، ظهرَ المعروف منهم بسعيد بن الحسين بن أحمد بن عبد الله بن ميمون القداح، فغيَّر اسمه ونسبه وقال لأتباعه: أنا عبيد الله بن الحسن بن محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق فظهرت فتنته بالمغرب.


وفي سنة 402 كتبَ جماعة من العلماء والقضاة، والأشراف والعدول والصالحين والفقهاء والمحدثين، محاضرَ تتضمَّن الطعن والقدح في نسب الفاطميين - العبيديين – وعقيدتهم.


وقد صنَّف القاضي الباقلاني كتاباً في الردِّ على عليهم وسمَّاه: (كشف الأسرار وهتك الأستار)، بيَّن فيه فضائحهم وقبائحهم، وقال فيهم: هم قومٌ يُظهرون الرفض، ويُبطنون الكفر المحض.


فأوّل من أحدث الاحتفال بالمولد النبوي هم الباطنية الذين أرادوا إشغال الناس بالْمُحدَثات لأنه أسهل طريق لإماتة السنة، وكان دخول العبيديين مصر سنة 362، فالاحتفال بالموالد عموماً وبمولد النبي صلى الله عليه وسلم خصوصاً، إنَّما ظهرت في عهد العبيديين الذين انتهى ملكهم سنة 567، ولم يسبقهم أحدٌ إلى ذلك، كما ذكر ذلك المقريزي.


وأول من أحدثه بالموصل صاحب إربل المتوفى سنة 630، وسبقه العبيديون بحوالي قرنين من الزمان.


حالة المجتمعات في ذلك العصر:

كانت سياسة العبيديين موجهة إلى غاية واحدة، هي العمل بكل جدِّ وإخلاص لحمل الناس على اعتناق مذهبهم، وجعله سائداً في كافة أنحاء الديار المصرية، وغيرها من البلاد التي كانوا يحكمونها، والمجاورة لهم، وقرَّبوا اليهود والنصارى وقلَّدوهم أعلى المناصب، وأبعدوا المسلمين، حتى بلغ الحال أن رفعت امرأة ظلامتها للسلطان العبيدي فكتبت: بالذي أعزَّ اليهود بمنشأ، والنصارى بعيسى بن نسطورس، وأذلَّ المسلمين بك ألاَ كَشَفت ظلامتي!.


ولقد عمل العبيديون على لعن الخلفاء الراشدين الثلاثة: أبي بكر، وعمر، وعثمان وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم، وكان الخطباء يلعنون الصحابة على كافة منابر مصر.


وأشدّ من ذلك كله أن الحاكم العبيدي قد ادَّعى الألوهية، فأمرَ الناسَ أن يقوموا على أقدامهم صفوفاً إذا ذكَرَ الخطيب على المنبر اسمه، إعظاماً لذكره، واحتراماً لاسمه، وقد فُعِل ذلك في سائر ممالكه، حتى في الحرمين الشريفين، وكان قد أمر أهل مصر على الخصوص إذا قاموا عند ذكره خروا سجداً له... ذكر ذلك ابن كثير في البداية والنهاية وغيره.


فالخلاصة: أن العبيديين لَمَّا دخلوا مصر وأرادوا نشر مذهبهم الباطني، استعملوا في سبيل ذلك شتى الوسائل: فأغروا العامة بالاحتفالات كأداة من أدوات نشر مذهبهم، وبالمقابل استعملوا القتل والسجن والأذى لمن عارضهم من أهل السنة المدركين لحقيقة دعوتهم، فكان مناخاً مناسباً لانتشار البدع، وتعويد الناس عليها، وتعليقهم بها، لما يعلمون من وراء ذلك من الترغيب والترهيب من السلطان الظالم.


بعض الشبه التي عرضت للقائلين بالاحتفال بالمولد:

فإن قيل: التعلُّق بقول الحافظ ابن حجر حيث قال: ( أصل عمل المولد بدعة لم تُنقل عن أحد من السلف الصالح من القرون الثلاثة، ولكنها مع ذلك قد اشتملت على محاسن وضدِّها، فمن تحرَّى في عملها المحاسن، وتجنَّب ضدَّها كان بدعةً حسنةً وإلا فلا ) الحاوي للفتاوي 1/ 229.


قلنا: إن ابن حجر صرَّح في بداية جوابه أن أصل عمل المولد بدعة لم تُنقل عن أحد من السلف الصالح، من القرون الثلاثة، وهذا كافٍ في ذمِّ الاحتفال بالمولد؛ إذا لو كان خيراً لسبق إليه الصحابة والتابعون، وأئمة العلم والهدى من بعدهم.


فإن قيل: ما ذكره السيوطي من أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم عقَّ عن نفسه مرة ثانية بعد النبوة، لما فيه من الاجتماع والاحتفال.


قلنا: أن هذا الحديث باطل عند أهل العلم، ذكر ذلك النووي ( المجموع 8/ 431-432)، وابن القيم ( تحفة المودود ص88)، والذهبي وابن حجر ( الفتح 9/ 595)، وغيرهم.


فإن قيل: إن أبا لهب رُؤي بعد موته في المنام، فقيل له ما حالك؟ فقال: في النار، إلاَّ أنه يُخفَّف عني كل ليلة اثنين، وأمصُّ بين أصبعي ماء بقدر هذا - وأشار لرأس أصبعه - وأن ذلك بإعتاقي لثويبة، عندما بشرتني بولادة النبي صلى الله عليه وسلم وبإرضاعها له.


قلنا: إن الخبر مرسل، وعلى تقدير أن يكون موصلاً، فالذي في الخبر رؤيا منام فلا حجَّة فيه، وإعتاق أبي لهب لثويبة كان بعد إرضاعها النبي صلى الله عليه وسلم بدهر طويل كما ذكر ذلك أهل السير، فقد ذكر ابن سعد ( الطبقات 1/ 108-109)، وابن عبد البر ( الاستيعاب 1/ 12)، وابن الجوزي ( الوفا 1/ 178-179)، وغيرهم: أن إعتاقها كان بعد الهجرة.


فإن قيل: ما رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي قتادة الذي جاء فيه: قَالَ وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الاِثْنَيْنِ قَالَ « ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ وَيَوْمٌ بُعِثْتُ أَوْ أُنْزِلَ عَلَىَّ فِيهِ ». فقالوا: هذا دليل أنه صلى الله عليه وسلم كان يُعظِّم يوم مولده، وكان يُعبِّر عن هذا التعظيم بالصوم، وهذا في معنى الاحتفال به.


قلنا: إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يصم يوم ولادته، وهو اليوم الثاني عشر من ربيع الأول - إن صحَّ أنه كذلك - وإنما صام يوم الاثنين الذي يتكرَّر مجيئه في كلِّ شهر أربع مرات، وبناء على هذا فتخصيص يوم الثاني عشر من ربيع الأول بعملٍ ما دون يوم الاثنين من كل أسبوع، يُعتبر استدراكاً على الشارع، وما أقبح هذا إن كان!!!- والعياذ بالله-.


فالاستدلال بصوم يوم الاثنين على جواز الاحتفال بالمولد في غاية التكلُّف والبعد.

إذا كان المراد من إقامة المولد هو شكر الله تعالى على نعمة ولادة الرسول صلى الله عليه وسلم فيه، فإن المعقول والمنقول يُحتم أن يكون الشكر من نوع ما شكَرَ الرسولُ صلى الله عليه وسلم ربَّه سبحانه به، وهو الصوم، وعليه فلنصم كما صام صلى الله عليه وسلم.


والرسول صلى الله عليه وسلم لم يُضف إلى الصيام احتفالاً كاحتفال أرباب الموالد، من تجمُّعات ومدائح وأنغام وطعام وشراب، أفلا يكفي الأمة ما كفى نبيَّها صلى الله عليه وسلم ويَسَعُها ما وسعه صلى الله عليه وسلم؟.

وهل يقدر عاقل أن يقول: لا يكفي؟.


وإذن فلم الافتيات على الشارع، والتقدُّم بالزيادة عليه، والله سبحانه وتعالى يقول: ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ ﴾ [الحشر: 7]، ويقول تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [الحجرات: 1]، وقال صلى الله عليه وسلم: ( إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة) رواه ابن ماجه.


فإن قيل: قولهم:إن الفرح به صلى الله عليه وسلم مطلوب بأمر الله في قوله: ﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا ﴾ [يونس: 58]، فنفرح به كل عام مرة.


قلنا: إن الاستدلال بهذه الآية على مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي، من قبيل حمل كلام الله تعالى على ما لم يحمله عليه السلف الصالح، والمقصود بالفضل والرحمة المفروح بهما: ما عنته الآية السابقة لهذه الآية وهي قوله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58) قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ ﴾ [يونس: 57 - 59].


قال ابن جرير في تفسيره 15/ 105: ( يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: ﴿ قل ﴾ يا محمد لهؤلاء المكذبين بك وبما أنزل إليك من عند ربك ﴿ بِفَضْلِ اللَّهِ ﴾ أيها الناس الذي تفضَّل به عليكم وهو الإسلام، فبيَّنه لكم، ودعاكم إليه، ﴿ وبرحمته ﴾ التي رحمكم بها فأنزلها إليكم فعلَّمكم ما لم تكونوا تعلمون من كتابه، فبصركم بها معالم دينكم وذلك القرآن ﴿ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [يونس: 58] يقول: فإن الإسلام الذي دعاهم إليه، والقرآن الذي أنزله عليهم، خير مما يجمعون من حطام الدنيا وكنوزها ).


وقال ابن القيم:( وقد دارت أقوال السلف على أن فضل الله ورحمته: الإسلام والسنة ) اجتماع الجيوش ص6.


وقال ابن عبد الهادي في الصارم المنكي في الرد على السبكي ص427: (... ولا يجوز إحداث تأويل في آية أو في سنة لم يكن على عهد السلف ولا عرفوه، ولا بيَّنُوه للأمة، فإن هذا يتضمن أنهم جهلوا الحق في هذا، وضلوا عنه، واهتدى إليه هذا المعترض المستأخر، فكيف إذا كان التأويل يُخالف تأويلهم ويناقضه؟).


فإن قيل: إن إقامة المولد من قبيل البدعة الحسنة، لأنه ينبئ عن الشكر لله على وجود النبي الكريم.


قلنا: ليس في البدع شيء حسن، فقد قال صلى الله عليه وسلم: ( مَن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ) رواه البخاري ومسلم.


ويُقال أيضاً: لماذا تأخر القيام بهذا الشكر على زعمكم إلى آخر القرن السادس، فلم يقم به أفضل القرون من الصحابة والتابعين وأتباع التابعين، وهم أشد محبةً للنبي صلى الله عليه وسلم، وأحرص على فعل الخير والقيام بالشكر، فهل كان مَن أحدث الاحتفال بالمولد أهدى منهم وأعظم شكراً لله عز وجل؟!! حاشا وكلا.


والشبه التي استندَ إليها القائلون بالاحتفال بالمولد النبوي كثيرة، وليس هذا مجال حصرها؛ لأن استقصاءها والإحاطة بها تحتاج إلى كتابة منفردة خاصة بها، والقصد هنا هو الإشارة والتنبيه، وأنه ليس في أي واحدة منها دليل على جواز الاحتفال بالمولد النبوي.


طُرق إحياء المولد:

منهم من يجعله مجرد اجتماع تُقرأ فيه قصة المولد، أو تُقدَّم فيه خطب وقصائد، ومنهم من يصنع الطعام والحلوى وغير ذلك ويقدمه لمن حضر، ومنهم من يُقيمه في المساجد، ومنهم من يقيمه في البيوت، ومنهم من لا يقتصر على ما ذكر، فيجعل هذا الاجتماع مشتملاً على محرَّمات ومنكرات من اختلاط الرجال بالنساء والرقص والغناء، أو أعمال شركية كالاستغاثة بالرسول صلى الله عليه وسلم وندائه والاستنصار به على الأعداء وغير ذلك، كإنشاد بعضهم لقصيدة البوصيري المسمَّاة بالبردة كما هو مُشاهدٌ في بعض القنوات الفضائية، ومنه قوله:

يا أكرمَ الخلق ما لي مَن ألوذُ به
سواكَ عند حُلول الحادثِ العَمَم
ولن يَضيقَ رسولَ الله جاهُكَ بي
إذا الكريمُ تحلَّى باسمِ مُنتَقِم
فإنَّ لي ذمَّةً منه بتسميتي
محمداً وهو أوفى الخلْقِ بالذِّمَمِ
إن لم يكن في مَعادي آخذاً بيدي
فضلاً وإلاَّ فقُلْ يا زلَّة القَدَم

 

فتأمَّل ما في هذه الأبيات من الشرك:

منها: أنه نفى أن يكون له ملاذٌ إذا حلَّت به الحوادث إلا النبيّ صلى الله عليه وسلم.

ومنها: أنه دعاه وناداهُ بالتضرُّع وإظهارِ الفاقةِ والاضطرار إليه.

ومنها: التبرِّي من الخالق تعالى وتقدَّس، والاعتمادِ على المخلوق في حوادث الدنيا والآخرة مالا يخفى على مؤمن.


وبعضهم يُنشد قصيدة عبد الرحيم البرعي:

يا سيدي يا رسولَ الله يا أملي
يا موئلي يا ملاذي يوم يلقاني
هبني بجاهك ما قدَّمتُ من زللٍ
جوداً ورجِّح بفضلٍ منك ميزاني
واسمع دُعائي واكشف ما يُساورني
من الخطوب ونفِّس كُلَّ أحزاني
فأنتَ أقربُ مَن تُرجى عواطفه
عندي وإن بَعُدَت داري وأوطاني
إني دعوتك من نيابتي بُرَعٍ
وأنتَ أسمعُ مَن يدعوه ذو شانِ
فامنع جنابي وأكرمني وصِل نسبي
برحمةٍ وكراماتٍ وغُفران

 

فهذا بعينه هو الذي ادَّعته النصارى في عيسى عليه السلام، إلاَّ أنَّ أولئك أطلقوا عليه اسم الإله، وهؤلاء لم يُطلقوه على نبيِّنا صلى الله عليه وسلم، وإلا فمَا ندري ماذا أبقى هذا المتكلِّم الخبيث وأمثاله لله تعالى وتقدَّس.


حقيقة محبة نبينا صلى الله عليه وسلم:

المحبة الصادقة لرسول الله صلى الله عليه وسلم إنما تكون بطاعته فيما أمر، والابتعاد عمَّا نهى عنه، والانقياد للشرع الذي جاء به صلى الله عليه وسلم، فلا يُعبد الله إلاَّ بما شرع، وكذلك الإكثار من الصلاة والسلام عليه، والتمسك بسنته، والعمل بها، والاقتداء به صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله، وتقديم قوله على كُلِّ قول، فإنَّهُ لا أحد من الأمة معصوم من الخطأ إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيجب أن يُؤخذ قوله كله ولا يُردّ منه شيء، وأمور الدين إنَّما العمدة فيها كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [آل عمران: 31].

 

وإحداث الاحتفالات بمولده صلى الله عليه وسلم ليس من تعظيمه، لأن التعظيمَ محلُّه القلبُ واللسانُ والجوارحُ، فالتعظيمُ بالقلب: ما يتبعُ اعتقادَ كونه عبداً رسولاً من تقديم محبته على النفس والولد والوالد والناس أجمعين.


ويُصدِّقُ هذه المحبة أمران:

أحدُهما: تجريدُ التوحيد، فإنه صلى الله عليه وسلم كان أحرص الخلق على تجريده، حتى قَطعَ أسبابَ الشرك ووسائلَهُ من جميع الجهات، حتى قال له رجلٌ: ( ما شاء الله وشئت، قال: أجعلتني لله ندَّاً؟ بل ما شاء الله وحده)، ونهى صلى الله عليه وسلم أن يُحلف بغير الله، وأخبر أن ذلك شرك... بل مدار دينه صلى الله عليه وسلم على هذا الأصل الذي هو قُطبُ رحا النجاة، ولم يُقرِّره أحدٌ ما قرَّره صلى الله عليه وسلم بقوله وفعله، وسدِّ الذرائع المنافية له، فتعظيمُه صلى الله عليه وسلم بموافقته على ذلك لا بمناقضته فيه.


الثاني: تجريدُ متابعته صلى الله عليه وسلم وتحكيمه وحده في الدقيق والجليل من أصول الدين وفروعه، والرضى بحكمه، والانقيادُ له والتسليمُ، والإعراضُ عما خالفه، وعدمُ الالتفات إلى ما خالفه، حتى يكون صلى الله عليه وسلم وحده هو الحاكمُ الْمُتَّبعُ المقبولُ قولُه، المردودُ ما خالفه، كما كان ربُّه تعالى وحده هو المعبودُ المألوهُ المرجُوُّ المستغاثُ به المتوكَّلُ عليه، الذي إليه الرغبةُ والرهبةُ، الذي يُؤمَّلُ وحدَه لكشف الشدائدِ ومغفرةِ الذنوب، الذي من جُوده الدنيا والآخرة، الذي خلق الخلق وحده، ورزقهم وحده، ويبعثهم وحده، ويغفر ويرحم، ويهدي ويُضلُّ، ويُسعدُ ويُشقي وحده، وليس لغيره من الأمر شيء كائناً مَن كان، لا النبيِّ صلى الله عليه وسلم ولا جبريلَ عليه السلام، ولا غيرِهما، فهذا هو التعظيمُ الحقُّ المطابقُ لحال المعظَّم، النافع للمعظِّم في معاشه ومعاده، والذي هو لازمُ إيمانه وملزومُه.


أما التعظيمُ باللسان: فهو الثناء عليه صلى الله عليه وسلم بما هو أهلُه، مما أثنى به عليه ربُّه، وأثنى به على نفسه من غير غُلُوٍّ ولا تقصير.


وأمَّا التعظيم بالجوارح: فهل العملُ بطاعته صلى الله عليه وسلم، والسعيُ في إظهار دينه، ونصرُ ما جاء به، وجهادُ مَن خالفه صلى الله عليه وسلم.


وبالجملة: فالتعظيمُ النافعُ هو تصديقه صلى الله عليه وسلم فيما أخبر، وطاعتُه فيما أمر، والانتهاءُ عمَّا عنه نهى وزجر، والموالاةُ والمعاداةُ والحبُّ والبعضُ لأجله صلى الله عليه وسلم، وتحكيمُه وحده، والرضى بحكمه..الخ.


موقف أهل السنة من الاحتفال بالمولد: اتفق العلماء من السلف على أن الاحتفال بالمولد النبوي وغيره من المواسم غير الشرعية أمرٌ مُحدثٌ لم يُؤثر عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين وتابعيهم ولا الأئمة الأربعة ونحوهم، والحمد لله رب العالمين.


أسأل الله أن يهدي ضال المسلمين، وأن يعيذنا من محدثات الأمور، إنه سميع مجيب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 


تعليقات الزوار
5- شكر
أبو إسحاق - مالي 09-12-2016 08:18 PM

شكر الله لكم وبارك فيكم وزادكم من فضله

4- رائعة جدا
إبراهيم عبد الرزاق كوني - ليبيريا 09-12-2016 09:29 AM

فتح الله عليك لهذه الإفادة الجامعة المانعة، والله نسأل أن يهدي بك الذين أغروا بالاحتفال بالمولد.. وأن يحقق لكم السعادة في الدارين، وأن يبارك في ذريتكم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

3- جید جدا
محمد عمر صديق - باکستان 09-12-2016 07:40 AM

السلام علیکم و رحمة الله وبركاته
رسالة مفيدة بمناسبة هذه الأيام

فذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين

نفعنا الله به والمسلمين أجمعين

2- نفع الله بك
أبو عمر - السعودية 09-12-2016 07:11 AM

جزاك الله خيراً

1- جزاكم الله خيرا
محمد السعدي - الإمارات 22-12-2015 01:08 PM

اللهم آمين اللهم آمين اللهم آمين
جزاكم الله خيرا على هذا العلم
وأسأل الله أن ينفعنا والمسلمين به إنه جواد كريم

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • مقالات
  • كتب
  • صوتيات
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة