• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  موقع الشيخ عبدالرحمن الشثريالشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري شعار موقع الشيخ عبدالرحمن الشثري
شبكة الألوكة / موقع الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري / مقالات


علامة باركود

فضائل ووسائل الصبر على موت الوالدين والأولاد والأصحاب

فضائل ووسائل الصبر على موت الوالدين والأولاد والأصحاب
الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري


تاريخ الإضافة: 16/12/2018 ميلادي - 7/4/1440 هجري

الزيارات: 247588

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

فضائلُ ووسائلُ الصبرِ على موتِ الوالدينِ والأولادِ والأصحابِ

 

الحمدُ للهِ مُوَفِّي الصابرينَ أجرَهُم بغيرِ حسابٍ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلاَّ اللهُ وحْدَهُ لا شريكَ لهُ كبيرِ الثوابِ، شديدِ العقابِ، وأشهدُ أن محمداً عبدُهُ ورسولُه الذي أنزلَ عليهِ في الكتابِ: ﴿ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾، صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مَا جَرَى سَحَابٌ، وحَلَّ مُصابٌ، ودُفِنَ حبيبٌ في تُرابٍ.


أما بعدُ:

فاتقوا اللهَ عبادَ اللهِ، واعلَمُوا أنَّ في الصبرِ على المصائبِ والبلايا والْمِحَنِ والرَّزايا ما يَعْقُبُ الأجرَ ويَشْرَحُ الصَّدْرَ، وفي الْجَزَعِ والأتَّسَخُّطِ بالقضاءِ ما يُحبِطُ الأجرَ، ويُعْظِمُ الْوِزْرَ، وقد قَهَرَ اللهُ كُلَّ نفسٍ بالموتِ، فقال تعالى: ﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ﴾ [الأنعام: 61]، وقال سبحانه: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ المَوْتِ ﴾ [آل عمران: 185]، فقد يَسبِقُكَ والداكَ أو أحدُ أولادكَ أو أصحابكَ إلى الدارِ الآخرةِ، وقد فَرَضَ اللهُ عليكَ الصبرَ عندَ ذلكَ، أَلاَ وإنَّ مِمَّا يُعينُ على الصبرِ أنْ تنظرَ إلى ما وَعَدَ اللهُ الصابرينَ في كتابهِ وعلى لسانِ رسولهِ صلى الله عليه وسلم وإلى هديِ السَّلَفِ الصالحِ عندَ تلَقِّيهِم مُصيبةَ موتِ والديهِمْ وأولادِهِم، وتَعلَمَ ما يَنبغي عليكَ أن تقولَهُ إذا حلَّتْ بكَ المصيبةُ، وتعلمَ خُطورةَ تلقِّيها بالْجَزَعِ، أو بالأعمالِ التي تَطْمِسُ بذْرَةَ الإيمانِ، قالَ اللهُ تعالى: ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [الزمر: 10]، قالَ الأوزاعيُّ: (ليسَ يُوزَنُ لهم ولا يُكَالُ، إنما يُغْرَفُ لهم غَرْفاً) انتهى، وقال تعالى: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ ﴾ [محمد: 31]، وقال تعالى: ﴿وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾، وقال تعالى: ﴿ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 155 - 157]، وقال صلى الله عليه وسلم: (لا يَمُوتُ لأَحَدٍ منَ المسلمينَ ثلاثةٌ منَ الْوَلَدِ فَتَمَسَّهُ النَّارُ إلاَّ تَحِلَّةَ الْقَسَمِ) رواه البخاري ومسلم، وقال صلى الله عليه وسلم لِنِسْوَةٍ مِنَ الأنصارِ: («لا يَمُوتُ لإحْداكُنَّ ثلاثةٌ منَ الْوَلَدِ فَتَحْتَسِبَهُ إلاَّ دَخَلَتِ الجنَّةَ»، فقالتِ امرأَةٌ منْهُنَّ: أوِ اثنينِ يا رسولَ اللهِ؟ قالَ: «أوِ اثنينِ») رواه مسلم، و (عنْ أبي حَسَّان قالَ: قُلْتُ لأبي هُريرةَ: إنهُ قدْ ماتَ ليَ ابنَانِ، فمَا أنتَ مُحَدِّثي عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بحديثٍ تُطَيِّبُ بهِ أَنْفُسَنَا عنْ مَوْتَانا؟ قالَ: قالَ: نَعَمْ، «صِغَارُهُمْ دَعَامِيصُ الجنَّةِ – أي صغارها - يَتَلَقَّى أَحَدُهُمْ أباهُ أوْ قالَ أبَوَيْهِ، فيَأْخُذُ بثوبهِ أوْ قالَ بيَدِهِ كَمَا آخُذُ أنا بِصَنِفَةِ ثَوْبكَ هذا، فلا يَتَناهَى أوْ قالَ فلا يَنْتَهي حتى يُدْخِلَهُ اللهُ وأَبَاهُ الجنَّةَ») رواه البخاري، وقالصلى الله عليه وسلم: (يَقُولُ اللهُ تعالى: ما لِعَبْدِيَ المُؤْمِنِ عِنْدِي جَزَاءٌ إذا قَبَضْتُ صَفِيَّهُ مِنْ أَهْلِ الدُّنيا ثُمَّ احْتَسَبَهُ إلاَّ الجنَّةُ) رواه البخاري.


ومنها: أن تقولَ إذا بلَغَكَ موتُ قريبكَ ما أمَرَكَ اللهُ ورسولُه صلى الله عليه وسلم: فعن أُمِّ سلمةَ رضيَ اللهُ عنها قالتْ: (سَمِعْتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «ما مِنْ عَبْدٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فيقُولُ: ﴿ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾، اللهُمَّ أْجُرْني في مُصيبَتي وأَخْلِفْ لي خيراً منها، إلاَّ أَجَرَهُ اللهُ في مُصيبَتِهِ، وأَخْلَفَ لهُ خيراً منها»، قالتْ: فلَمَّا تُوُفِّيَ أبُو سَلَمَةَ قُلْتُ كمَا أَمَرَني رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فأَخْلَفَ اللهُ لي خيراً مِنْهُ، رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ) رواه مسلم، وقال صلى الله عليه وسلم: (إذا ماتَ وَلَدُ العبدِ قالَ اللهُ لِمَلائِكَتِهِ: قَبَضْتُمْ ولَدَ عَبْدِي، فيقُولُونَ: نعَمْ، فيقُولُ: قبَضْتُمْ ثَمَرَةَ فُؤَادِهِ، فيقُولُونَ: نَعَمْ، فيَقُولُ: ماذا قالَ عَبْدِي؟ فيَقُولُونَ: حَمِدَكَ واسْتَرْجَعَ، فيَقُولُ اللهُ: ابْنُوا لِعَبْدِي بَيْتاً في الجنَّةِ، وسَمُّوهُ بَيْتَ الحَمْدِ) رواه الترمذي وحسنه ابن حجر.


عبدَ الله:

ومن وسائلِ الصبر: أنْ تَعْلَمَ أنَّ البُكَاءَ بدمع العينِ من دُونِ صَوْتٍ لا بأسَ بهِ، فقد دخَلَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ على ابنهِ إبراهيم وهو (يَجُودُ بنَفْسِهِ، فجَعَلَتْ عَيْنَا رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ تَذْرِفَانِ، فقالَ لهُ عبدُ الرحمنِ بنُ عَوْفٍ: وأنتَ يا رسولَ اللهِ؟ فقالَ: «يا ابْنَ عَوْفٍ إنها رَحْمَةٌ»، ثمَّ أَتْبَعَهَا بأُخْرَى، فقالَ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: «إنَّ العَيْنَ تَدْمَعُ، والقَلْبَ يَحْزَنُ، ولا نَقُولُ إلاَّ ما يَرْضَى رَبُّنا، وإنَّا بفِرَاقِكَ يا إبراهيمُ لَمَحْزُونُونَ») رواه البخاري، ولْتَعْلَمَ أنَّ من كبائرِ الذنوبِ ومن أعمالِ أهلِ الجاهليةِ: النياحةُ على الْمَيِّتِ، قال صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الخُدُودَ، وشَقَّ الجُيُوبَ، ودَعَا بدَعْوَى الجاهِلِيَّةِ) متفقٌ عليهِ، وأنْ تعلَمَ بأنكَ بنياحتِكَ تُؤذي مَيِّتَكَ، قال صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (الْمَيِّتُ يُعَذَّبُ في قَبْرِهِ بِما نِيحَ علَيْهِ) متفقٌ عليهِ، وأنْ تعلَمَ بأنكَ بتَعْدَادِ مَحاسنِ مَيِّتَكَ قد تُؤذيهِ فيَتَألَّمُ لذلكَ، وقد تُوبِّخُهُ الملائكةُ، فعنِ (النُّعْمَانِ بنِ بَشيرٍ رضيَ اللهُ عنهُمَا قالَ: أُغْمِيَ على عبدِ اللهِ بنِ رَوَاحَةَ، فجَعَلَتْ أُخْتُهُ عَمْرَةُ تَبْكي: واجَبَلاَهْ، واكَذَا، واكَذَا، تُعَدِّدُ علَيْهِ، فقالَ حِينَ أَفَاقَ: ما قُلْتِ شَيْئاً إلاَّ قِيلَ لي: آنْتَ كَذلِكَ) رواه البخاري، وقولُها: (واجبلاه) قال ابنُ قرقول: (أي: كُنتُ في عِزَّةٍ ومَنَعَةٍ من أجلكَ فكُنتَ لي كالجَبَلِ) انتهى.


قال أبو الحسن المقدسي ت748 رحمه الله: (ومما يُسلِّي عن الْميِّتِ أيضاً: التأسِّي بالأكابرِ وكثرةِ مَن ماتَ لهم، ولم يَجْزَعُوا بل صَبَرُوا.. فلقدْ ماتَ في طاعونٍ كانَ في زَمَنِ ابنِ الزبيرِ في سنةِ تسعٍ وستينَ من الهجرةِ ثلاثةَ أيامٍ في كُلٍ يومٍ سبعونَ ألفاً، وماتَ لعبدالرحمنِ بن أبي بكرةَ فيه: أربعون ابناً، وماتَ فيه لأنسِ بنِ مالكٍ ثلاثةٌ وثمانونَ ابناً، وقيل: ثمانية وسبعون ابناً، فصَبَرُوا وشكَرُوا، وحَمَدُوا واسترْجَعُوا، فسَلِمُوا وأُجِرُوا) انتهى.


وعنْ أنسِ بنِ مالكٍ قالَ: (كانَ ابنٌ لأبي طَلْحَةَ يَشْتَكِي، فخَرَجَ أبو طلحةَ، فقُبِضَ الصَّبيُّ، فلَمَّا رَجَعَ أبو طلحةَ قالَ: ما فَعَلَ ابْنِي، قالتْ أُمُّ سُلَيْمٍ: هُوَ أَسْكَنُ ما كانَ، فقَرَّبَتْ إليهِ العَشَاءَ فَتَعَشَّى ثُمَّ أَصابَ منها، فلَمَّا فَرَغَ قالتْ: وَارُوا الصَّبيَّ، فلَمَّا أَصْبَحَ أبو طلحةَ أتى رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فأَخْبَرَهُ، فقالَ: «أَعْرَسْتُمُ الليلَةَ؟» قالَ: نَعَمْ، قالَ: «اللَّهُمَّ بارِكْ لَهُمَا»، فَوَلَدَتْ غُلاَماً) متفقٌ عليهِ، وفي روايةٍ للبخاريِّ: (فقالَ رَجُلٌ منَ الأنصارِ: فَرَأَيْتُ لَهُمَا تِسْعَةَ أَولادٍ كُلُّهُمْ قدْ قَرَأَ القُرآنَ) يعني من أولاد المولود.

اللهمَّ أحسن لنا ولوالدينا وأهلينا الخاتمة يا أرحمَ الراحمين.

 

الخطبة الثاني

أمَّا بعدُ:

(فإنَّ خَيْرَ الحديثِ كِتابُ اللهِ، وخيرُ الْهُدَى هُدَى مُحمَّدٍ، وشَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثاتُها، وكُلُّ بدعَةٍ ضَلالَةٌ)، و (لا إيمانَ لِمَن لا أَمانةَ لَهُ، ولا دِينَ لِمَنْ لا عَهْدَ لَهُ).


عبادَ اللهِ:

ومن وسائلِ الصبرِ على موتِ الوالدينِ والأولادِ والأصحابِ: التعزِّي بموتِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، قال صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (يا أيُّها الناسُ أيُّمَا أَحَدٍ منَ الناسِ أوْ مِنَ المؤمنينَ أُصِيبَ بمُصِيبَةٍ، فَلْيَتَعَزَّ بمُصِيبَتِهِ بي عنِ المصيبَةِ التي تُصِيبُهُ بغَيْرِي، فإنَّ أَحَداً مِنْ أُمَّتي لَنْ يُصَابَ بمُصيبَةٍ بعْدِي أَشَدَّ عليهِ مِنْ مُصيبَتي) رواه ابنُ ماجه وصحَّحُهُ الألبانيُّ بشواهده.


لقد ألمَّ الْمَرَضُ بالرَّسولِ صلى الله عليه وسلم، فاشتكى بعد عودتهِ من حجَّةِ الوداع بحوالي ثلاثةِ أشهرٍ، وكان بَدْءُ شكواهُ في بيتِ ميمونةَ رضي الله عنها، واستغرقَ مَرَضُهُ عَشرةَ أيامٍ، وماتَ صلى الله عليه وسلم في يومِ الاثنينِ من ربيعٍ الأول، وهو ابنُ ثلاثٍ وستينَ، وقد طلَبَ صلى الله عليه وسلم من زوجاتهِ أنْ يُمرَّضَ في بيتِ عائشةَ رضيَ اللهُ عنها، فكانتَ تَمْسَحُ بيدهِ صلى الله عليه وسلم عليهِ لِبَرَكَتِهَا، وتقرأُ عليه المعوَّذتينِ، وقد دَعَا صلى الله عليه وسلم إليهِ فاطمةَ رضيَ اللهُ عنها فسارَّها بشيءٍ فبكَتْ، ثمَّ دَعَاهَا فسارَّها بشيءٍ فضَحِكَتْ، وقد أَخبَرتْ بعدَ وفاتهِ صلى الله عليه وسلم أنه أخبرَهَا أنه يَمُوتُ فبَكَتْ، وأخبرَهَا صلى الله عليه وسلم أنها أولُ أهلِهِ لَحَاقاً به فضَحِكَت، وقد كانَ ذلكَ، وقد أثقَلَهُ صلى الله عليه وسلم الْمَرَضُ وَمَنَعَهُ من الخروجِ للصلاةِ بالناسِ فقال: «مُرُوا أبا بكْرٍ فليُصلِّ بالناسِ»، فقالتْ عائشةُ: «إنَّ أبا بكرٍ رَجُلٌ رَقيقٌ ضَعيفُ الصوتِ كثيرُ البُكاءِ إذا قَرَأَ القُرآنَ»، فأَصَرَّ صلى الله عليه وسلم على ذلكَ، فمَضَى أبو بكرٍ رضي الله عنه يُصلِّي بهِم، وخرجَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم مَرَّةً يَتَوكَّأُ على العباسِ وعليٍّ رضيَ اللهُ عنهُما فصلَّى بالناسِ وخَطَبَهُم، وقد أثنى في خُطْبَتِهِ على أبي بكرٍ رضي الله عنه وبيَّنَ فَضْلَهُ، وأشارَ إلى تخييرِ اللهِ لَهُ بينَ الدُّنيا والآخرةِ واختيارهِ الآخرة، وكانتْ آخرَ خُطْبَةٍ لَهُ قبلَ مَوْتِهِ بخمسِ ليالٍ، وقالَ فيها: «إنَّ عَبْداً خَيَّرَهُ اللهُ بينَ أنْ يُؤْتِيَهُ منْ زَهْرَةِ الدُّنيا ما شَاءَ، وبينَ ما عِنْدَهُ، فاخْتارَ ما عِنْدَهُ»، فبكَى أبو بكرٍ، وتعَجَّبَ الناسُ منهِ إذْ لم يُدرِكُوا ما فَطِنَ لَهُ، وكَشَفَ صلى الله عليه وسلم في صلاةِ الفجرِ يوم وفاتهِ سِترَ حُجرةِ عائشةَ، ونظَرَ إلى المسلمينَ وهُم في صُفوفِ الصلاةِ، ثمَّ تبسَّمَ وضَحكَ، وكأنه يُودِّعُهُم، وَهَمَّ المسلمونَ أن يُفتَتَنُوا فَرَحَاً بخروُجهِ، وتأخَّر أبو بكرٍ رضي الله عنه حيثُ ظَنَّ أن الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم يُريدُ الخروجَ للصلاةِ، فأشارَ الرَّسولُ صلى الله عليه وسلم إليهِم بيدِه أنْ أَتِمُّوا صلاتَكُم، ثمَّ دَخَلَ الْحُجْرَةَ وأرخى السِّتْرَ، ودَخلَتْ عليهِ فاطمةُ فقالت: «واكَرْبَ أباهُ»، فقال صلى الله عليه وسلم لَهَا: «ليسَ على أبيكِ كَرْبٌ بعدَ اليومِ»، ودَخَلَ عليهِ أسامةُ بنُ زيدٍ فدَعَا له صلى الله عليه وسلم بالإشارةِ، إذْ كانَ صلى الله عليه وسلم صَامِتاً لا يَتكَلَّمُ، لِثِقَلِ الْمَرَضِ، وكانَ عندَمَا حَضَرَهُ الْمَوْتُ مُستَنِدَاً إلى صَدْرِ عائشةَ رضي الله عنها، وقد أخذتْ سِوَاكاً من أخيها عبد الرحمن فَقَضَمَتْهُ وأعَدَّتهُ، فاستنَّ بهِ الرَّسولُ صلى الله عليه وسلم، وكانَ صلى الله عليه وسلم يُدخِلُ يَدَهُ في إناءِ الماءِ فَيَمْسَحُ وَجْهَهُ ويَقُولُ: لا إلهَ إلاَّ اللهُ إنَّ للموتِ سَكَرات، وأَخَذَته صلى الله عليه وسلم بَحَّةٌ وهو يقولُ: ﴿ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ﴾، ويقولُ: «اللهُمَّ في الرَّفيقِ الأعلى»، فعَرَفَتْ عائشةُ أنه صلى الله عليه وسلم يُخيَّرُ، وأنه يَختارُ الرَّفيقَ الأعلى، وقُبضَ صلى الله عليه وسلم ورأسُهُ في حِجْرِ عائشةَ حينَ اشتدَّ الضُّحَى، وقيلَ: عندَ زوالِ الشمسِ صلى الله عليه وسلم.


اللهمَّ أيقظنا من رَقْدَةِ الغافلين، واجعلنا من الصابرينَ الشاكرينَ الحامدينَ المستيقظين، فأنتَ حسبُنا ونعمَ الوكيل، ولا حولَ ولا قوة إلا بالله العليِّ العظيم.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • مقالات
  • كتب
  • صوتيات
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة