• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  موقع الشيخ عبدالرحمن الشثريالشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري شعار موقع الشيخ عبدالرحمن الشثري
شبكة الألوكة / موقع الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري / مقالات


علامة باركود

شؤم المعاصي على الأفراد والأمم (خطبة)

شؤم المعاصي على الأفراد والأمم (خطبة)
الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري


تاريخ الإضافة: 12/2/2018 ميلادي - 26/5/1439 هجري

الزيارات: 29107

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

شُؤم المعاصي على الأفراد والأُمم

 

الحمدُ للهِ الواحدِ القهارِ، العظيمِ الجبار، الكبيرِ المتعال، الذي جعلنا للبلوى والاختبار، وأعدَّ لنا الجنةَ والنار، فعَظُمَ لذلكَ الخطر، وطالَ لذلك الْحُزنُ لمن عَقَلَ وادَّكر، حتى يَعلمَ أينَ المصيرُ وأينَ المستقر، أحمدُه سبحانه وبحمده يلهج أولو الأحلام والنهى، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، عالمُ السرِّ والنجوى، وأشهدُ أن محمداً عبده ورسولُه الداعي إلى كلمة التقوى، اللهمَّ صلِّ على عبدك ورسولك محمدٍ وعلى آله وأصحابه أئمةِ العلم والهدى، وسلِّم تسليماً.

 

أما بعد:

فيا أيها الناسُ اتقوا الله تعالى حقَّ التقوى، وراقبوه مراقبةَ مَن يعلم أنه يَسمعُ ويرى، وتيقَّظوا بما ترونه من حوادث القَدَرِ والقضا، واعتبروا بأخبار من كذَّبَ وعصى، وكيف حلَّت عقوبات المعاصي بمن طَغَى وبغى، ﴿ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ﴾، ألا فاحذروا شؤم المعاصي فإنها تُخرِّبُ الدِّيار العامرة، وتسلبُ النعمَ الباطنة والظاهرة، قال ابن القيم: (وهل في الدُّنيا والآخرةِ شَرٌّ وداءٌ إلا سَبَبُهُ الذُّنوبُ والمعاصِي) انتهى.

 

فمن شؤمها في الأُمَمِ السابقة: معصية أبينا آدم وأُمِّنا حواء عليهما السلام، قال صلى الله عليه وسلم: (لولا حَوَّاءُ لَمْ تَخُنْ أُنثى زوْجَها الدَّهْرَ) متفقٌ عليه، قال ابن حجر: (فيهِ إشارةٌ إلى ما وقَعَ مِنْ حوَّاءَ في تَزيينها لآدَمَ الأكلَ منَ الشَّجَرَةِ حتى وَقَعَ في ذلكَ، فمَعنَى خِيانتِها أنها قَبِلَت ما زيَّنَ لهَا إبليسُ حتى زيَّنَتْهُ لآدَمَ، ولَمَّا كانت هيَ أُمَّ بَناتِ آدَمَ أشْبَهَهَا بالوِلادةِ ونَزَعَ العِرْقَ فلا تَكَادُ امرأَةٌ تَسْلَمُ من خِيانةِ زوْجِهَا بالفِعْلِ أوْ بالقَوْلِ، وليسَ المُرادُ بالخِيانةِ هُنَا ارتِكَابَ الفواحشِ حَاشا وكَلاَّ، ولَكِنْ لَمَّا مالَتْ إلى شَهْوَةِ النفسِ من أكلِ الشَّجَرَةِ وحَسَّنَتْ ذلكَ لآدَمَ عُدَّ ذلكَ خِيانةً لَهُ، وأَمَّا مَن جاءَ بَعْدَها منَ النِّساءِ فخِيانةُ كُلِّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ بحَسَبِها) انتهى.

 

وما الذي أخْرَجَ إبليسَ مِن مَلَكُوتِ السماءِ وطَرَدَهُ ولَعَنَهُ ومَسَخَ ظاهِرَهُ وباطِنَهُ إلاَّ المعصية.

 

ومن شؤم المعاصي: قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تُقتَلُ نفسٌ ظُلْماً إلا كانَ على ابنِ آدمَ الأوَّلِ كِفْلٌ مِن دَمِهَا، لأنهُ أوَّلُ مَن سَنَّ القَتْلَ) رواه البخاري ومسلم. قال النووي: (هذا الحديثُ من قواعدِ الإسلامِ، وهوَ أنَّ كُلَّ من ابتدَعَ شيئاً منَ الشَّرِّ كانَ عليهِ مِثلُ وِزْرِ كُلِّ من اقتَدَى بهِ في ذلكَ العَمَلِ مِثلَ عَمَلِهِ إلى يومِ القِيامَةِ) انتهى.

 

ومن شُؤمِ المعاصي: ما حَصَلَ من إخوةِ يوسف عليه السلام، فقولهم: ﴿ أَحَبُّ إِلَىٰ أَبِينَا مِنَّا ﴾، فنشأ من ذلك الحسدُ، ونزعَ في ذريَّتهم بني إسرائيل، وقولهم: ﮋ اقْتُلُوا يُوسُفَﮊ، فنشأ من ذلك الحرص على تنفيذ مصالحهم ولو بالقتل، فنزعَ في ذريتهم، وقولهم: ﴿ إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ ﴾، فنشأ من ذلك الافتراء والكذب فنزع في ذريتهم، إلى آخر قصتهم، ثمَّ بعثَ اللهُ نبيَّه موسى عليه السلام ليُخرجهم من الذلِّ إلى عزَّة الإسلام، فعاندوا وعَصوا واختلفوا على أنبيائهم، فذكرَ اللهُ قصتهم في اتخاذهم العجل، وقصتهم في ذبح البقرة، وأصحاب السبت، وقصة طعام الجنة، وعصيانهم السجود، وألاَّ يدَّخروا الطعام، وكان الطعامُ في ذلك الزمن لا ينتن ولا يتغير ولو مرَّت عليه السنين، فخالفوا أمرَ نبيِّهم فخبُثَ الطعامُ بشؤم معصيتهم، قال صلى الله عليه وسلم: (لولا بَنُو إسرائِيلَ لَمْ يَخْبُثِ الطَّعامُ، ولَمْ يَخْنَزِ اللَّحْمُ) رواه البخاري ومسلم واللفظ لمسلم.

 

ومن شُؤمِ المعاصي: إغراقُ الله أهلَ الأرضِ كُلِّهُم لَما عصوا نوحاً حتَّى عَلا الماءُ فوقَ رَأْسِ الجِبالِ؟ وبالمعصيةِ سَلَّطَ اللهُ الرِّيحَ العَقِيمَ على قومِ عادٍ حتى أَلْقَتْهُم مَوتى على وَجهِ الأرضِ كأنَّهُم أعجازُ نَخلٍ خاوِيَةٌ، ودَمَّرَت ما مَرَّ عليهِ مِن دِيارِهِم وحُرُوثِهِم وزُرُوعِهِم ودَوَابِّهِم، حتى صَارُوا عِبرَةً للأُمَمِ إلى يومِ القيامةِ، وبالمعصيةِ أرسَلَ اللهُ على قومِ ثمودَ الصَّيحَةَ حتى قَطَعَت قُلُوبَهُم في أجوافِهِم وماتُوا عَن آخرِهِم، وبالمعصيةِ رفَعَ اللهُ قُرَى اللُّوطِيةِ حتى سَمِعَتِ الملائكةُ نبِيحَ كِلابِهِم، ثُمَّ قَلَبَها عليهِم، فجَعَلَ عالِيَها سافِلَها، فأَهْلَكَهُم جميعاً، ثُمَّ أَتبَعَهُم حِجَارَةً من السماءِ أَمْطَرَها عليهِم، فجَمَعَ اللهُ عليهِم منَ العُقُوبةِ ما لَمْ يَجْمَعْهُ على أُمَّةٍ غيرِهِم، ولإخوانِهِم أَمْثالُها، ﴿ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ ﴾، وبالمعصيةِ أرسلَ اللهُ على قومِ شُعَيبٍ سَحابَ العذابِ كالظُّلَلِ، فلَمَّا صارَ فوقَ رُءُوسِهِم أمْطَرَ عليهِم ناراً تلَظَّى، وبالمعصيةِ أغرَقَ اللهُ فرعونَ وقَوْمَهُ في البَحْرِ، ثُمَّ نُقِلَت أرواحُهُم إلى جهَنَّمَ، فالأجسَادُ للغَرَقِ، والأرْوَاحُ للْحَرْقِ، وبالمعصيةِ خسَفَ اللهُ بقارُونَ ودارِهِ ومالِهِ وأهلِهِ، وبالمعصيةِ أَهلكَ اللهُ القرونَ من بعدِ نُوحٍ بأنواعِ العُقُوباتِ ودَمَّرَها تدميراً، وبالمعصيةِ أَهلَكَ اللهُ قومَ صاحبِ يس بالصَّيحةِ حتى خَمَدُوا عن آخِرِهِم، وبالمعصيةِ بَعَثَ اللهُ على بني إسرائيلَ قَوْماً أُولي بَأْسٍ شديدٍ فجَاسُوا خِلالَ الدِّيارِ، وقَتَلُوا الرِّجالَ، وسَبُوا الذُّرِّيَّةَ والنِّساءَ، وأَحْرَقُوا الدِّيارَ، ونَهَبُوا الأموالَ، ثُمَّ بعَثَهُم عليهِم مَرَّةً ثانيةً فَأَهلكُوا ما قَدَرُوا عليهِ وتَبَّرُوا ما عَلَوا تَتبيراً، وبالمعصيةِ سَلَّطَ اللهُ عليهِم أنواعَ العُقُوباتِ، مرَّةً بالقَتْلِ والسَّبْيِ وخرابِ البلادِ، ومَرَّةً بجَوْرِ الملُوكِ، ومرَّةً بمسخِهِم قِرَدَةً وخنازِيرَ، وآخِرُ ذلكَ أقْسَمَ الرَّبُّ تباركَ وتعالى: ﴿ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ ﴾.

 

أيها المسلمون:

ومن شُؤمِ المعاصي في أُمَّة نبيِّنا صلى الله عليه وسلم: خُروج الخوارج من نسلِ وعَقِبِ رَجُلٍ اتهمَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم بعدمِ العدلِ، فعن أبي سَعيدٍ رضيَ اللهُ عنهُ قالَ: بعَثَ عليٌّ رضيَ اللهُ عنهُ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بذُهَيْبَةٍ فقَسَمَهَا بينَ الأربعةِ: الأقرَعِ بنِ حابسٍ، وعُيَيْنَةَ الفَزَارِيِّ، وزيدٍ الطائيِّ، وعَلْقَمَةَ العامرِيِّ (فغَضِبَت قُريشٌ والأنصارُ، قالُوا: يُعطي صَناديدَ أهلِ نجْدٍ ويَدَعُنَا، قالَ: إنما أتأَلَّفُهُم، فأقبلَ رجُلٌ غائرُ العينينِ، مُشرِفُ الوَجنَتَينِ، ناتئُ الجَبينِ، كَثُّ اللِّحيةِ، مَحلُوقٌ، فقالَ: اتقِ اللهَ يا محمَّدُ، فقالَ: مَن يُطِعِ اللهَ إذا عَصَيْتُ؟ أيَأْمَنُني اللهُ على أهلِ الأرضِ فلا تَأْمَنُوني، فسَأَلَهُ رجُلٌ قَتْلَهُ، أحْسِبُهُ خالدَ بنَ الولِيدِ، فمَنَعَهُ، فلَمَّا ولَّى قالَ: إنَّ مِن ضِئْضِئِ هذا، أوْ في عَقِبِ هذا قوماً يَقْرَءُونَ القُرآنَ لا يُجاوِزُ حناجِرَهُم، يَمرُقُونَ منَ الدِّينِ مُرُوقَ السهمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ، يَقتُلُونَ أهلَ الإسلامِ ويَدَعُونَ أهلَ الأوثانِ، لَئِن أنا أدْرَكْتُهُم لأقْتُلَنَّهُم قَتلَ عادٍ) رواه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري.

 

ومن شُؤمِ المعصية: إخفاء ليلة القدر بسبب تخاصم رجُلَين، قال صلى الله عليه وسلم: (إني خَرَجتُ لأُخبرَكُم بليلَةِ القدرِ، وإنهُ تَلاحَى فُلانٌ وفُلاَنٌ، فرُفِعَتْ، وعسَى أنْ يكُونَ خيراً لكُم، التمِسُوها في السَّبعِ والتِّسْعِ والخَمْسِ) رواه البخاري.

 

ومن شؤم المعصية: عدم مصاحبة شيءٍ ملعون، فعن عِمرانَ بنِ حُصينٍ قالَ: (بيْنَما رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ في بعضِ أسفارِهِ، وامرأةٌ من الأنصارِ على ناقةٍ فضَجِرَتْ فَلَعَنَتها، فسَمِعَ ذلكَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقالَ: خُذُوا ما عليها ودَعُوهَا فإنها مَلْعُونَةٌ، قالَ عِمرانُ: فكأنِّي أَرَاها الآنَ تَمشي في الناسِ ما يَعْرِضُ لها أحَدٌ) رواه مسلم.

 

ومن شؤم المعصية: أن الحيوانات تتأثر بها، قال ابنُ القيم رحمه الله: (قالَ أبو هريرةَ: إنَّ الحُبَارَى لتَمُوتَ في وَكْرِها من ظُلْمِ الظالمِ، وقالَ مُجاهدٌ: إنَّ البهائِمَ تَلْعَنُ عُصاةَ بني آدَمَ إذا اشتَدَّتِ السَّنَةُ، وأُمْسِكَ المَطَرُ، وتقولُ: هذا بشُؤْمِ مَعصِيَةِ ابنِ آدَمَ، وقالَ عِكرِمةُ: دَوَابُّ الأرضِ وهَوَامُّها حتى الخَنَافِسُ والعَقَارِبُ، يقولُونَ: مُنِعنَا القَطْرَ بذُنُوبِ بني آدَمَ.

فلا يَكفِيهِ عِقابُ ذَنبهِ حتى يَلْعَنَهُ مَن لا ذَنْبَ لَهُ) انتهى.

 

ومن أخوف شؤم المعاصي: أنه إذا وقَعَ غضبُ اللهِ وحلَّت نقمتُه فإن ذلك يَشملُ المحسنَ والمسيء، قال تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾، وعن زينبَ بنتِ جحشٍ رضي الله عنها قالت: (خرَجَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يوماً فزِعاً مُحمَرّاً وَجْهُهُ، يقولُ: لا إلهَ إلا اللهُ، ويلٌ للعَرَبِ مِن شَرٍّ قدِ اقتَرَبَ، فُتِحَ اليومَ مِن رَدْمِ يَأجُوجَ ومأْجُوجَ مِثلُ هذهِ، وحلَّقَ بإصبعِهِ الإبهامِ والتي تَلِيها، قالتْ فقلتُ: يا رسولَ اللهِ أنَهْلِكُ وفِينا الصالحُونَ؟ قالَ: نَعَم إذا كَثُرَ الخَبَثُ) رواه البخاري ومسلم واللفظ لمسلم.

 

فاللهَ اللهَ بالاستغفارِ مِن الذُّنُوبِ، والإكثارِ من العَمَلِ الصالحِ.

 

اللهُمَّ إنا نسألُكَ فِعْلَ الخيراتِ، وتركَالمنكَراتِ، وحُبَّ المساكينِ، وأن تغفرَ لنا، وتَرْحَمَنا، وإذا أردتَ فتنَةَ قومٍ فتَوَفَّنا غيرَ مفتونين، آمين، سُبحانَ اللهِ وبحمدِهِ، سُبحانَ اللهِ العظيمِ، أستغفرُ اللهَ وأتوبُ إليه.

 

♦♦♦♦♦

إِنَّ الحمدَ للهِ، نَحمَدُه ونستعينُه، مَن يَهدِه اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومَن يُضلل فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأنَّ مُحمَّداً عبدُه ورسولُه.

 

أمَّا بعدُ: فيا أيها المسلمون:

لقد عدَّد الإمام ابن القيم رحمه الله أكثر من أربعين عقوبة للمعصية، عافاني الله وإياكم، فمنها: حرمان العلم، وحرمان الرزق، ووحشة يَجدها العاصي في قلبه بينه وبين الله، ووحشة تحصل بينه وبين الناس، ومنها: تعسير أموره عليه، وظلمة يجدها في قلبه فتظهر على وجهه، ومنها: وَهَنُ القلب والبدن، وقِصَرِ العُمُر ومحق بركته، ومنها: أن المعاصي تزرع أمثالها، ومنها: ضعف إرادة الخير، وانسلاخ استقباح المعصية من القلب، فتصير له عادة فلا يستقبح من نفسه رؤية الناس له ولا كلامهم فيه، ومنها: هوانه على ربِّه وسُقوطه من عينه، قال الله تعالى: ﴿ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ ﴾، ومنها: أن المعصية تُورث الذُّل وتجعل صاحبها من السفلة، قال صلى الله عليه وسلم: (وجُعِلَ الذُّلُّ والصَّغَارُ على مَن خالَفَ أَمْرِي) رواه الإمام أحمد وصحَّحه الألباني، ومنها: أن المعصية تُفسد العقل، وإذا تكاثرت طُبع على قلب صاحبها فكان من الغافلين، قال تعالى: ﴿ كَلَّا ۖ بَلْ ۜ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾، ومنها: أنها قد تُدخله تحت لعنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنها: حرمان دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعاء الملائكة، ومنها: أن المعصية تُحدث في الأرض أنواعاً من الفساد في المياه والهواء والزرع والثمار والمساكن والخسف والزلازل، قال الله تعالى: ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾، ومنها: انطفاء نار الغيرة على المحارم، وذهاب الحياء، وضعف تعظيم القلب لله جلَّ جلاله، ورفع مهابة الله من القلب، ومنها: نسيان الله لعبده وتركه وتخليته بينه وبين نفسه وشيطانه ﴿ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾، ومنها: إعاقة سير القلب إلى الله والدار الآخرة، ومنها: زوال النعم الحاضرة، وقطع النعم الواصلة، وحلول النقم، فما زالت عن العبد نعمة إلا بذنب، ولا حلَّت به نقمة إلا بذنب، قال الله تعالى: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾، ومنها: إلقاء الرُّعب والخوف في قلب العاصي، ومنها: مرض القلب والبدن، وطمس القلب عن الهداية، وتدنيس النفس وتحقيرها، وسقوطِ الجاهِ والمنزلةِ والكرامةِ عند الله وعند خلقه، وسلبِ أسماءِ المدح والشرف، وإيجابِ القطيعة بين العبد وربِّه تبارك وتعالى، ومحقِ بركة الدِّين والدُّنيا، وتُجرِّئُ عليه الشياطين بالأذى والإغواء والوسوسة والتخويف والتحزين والمسِّ، وتجترئُ عليه شياطين الإنس بما تقدر من أذاه في غيبته وحضوره، ويجترئُ عليه أهلُه وأولاده وجيرانه حتى الحيوان البهيم، ومنها: أن المعصية تخونُ العبدَ أحوج ما يكون إلى نفسه وخاصة عند الموت، ومنها: أن المعصية تُنسي العبد نفسه، وإذا نسيها أهملها وأفسدها وأهلكها، ومنها: أن المعصية تُبعد عنك أنفعَ الخلقِ لك، وهو الْمَلَك الْمُوكلُ بك، وتُدني منكَ عدوَّكَ إبليس، ومنها: معيشة الضنك في الدنيا وفي القبر والعذاب في الآخرة، قال الله تعالى: ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا ﴾.

 

أيها المسلمون:

هذه بعض عقوبات المعاصي والذنوب، وإن العاقلَ ليستشعرُ أن واحدةً منها كافية في رجوعه لربِّه بالتوبة النصوح، ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾، وإياك وتوبة الكذابين، فما أخرجَ أبويك من الجنة إلا معصية واحدة، وما طُردَ إبليس من ملكوت السماء ولعنه إلا بمعصية واحدة، فنسأل الله العفو والسلامة، اللهُمَّ يا توابُ يا غفور يا غفار نسألكَ التوبةَ النصوحَ المُتقبَّلَة، اللهم ارزُق قلونا رُوحَ الأُنسِ بكَ، وارزقنا التوبةَ والاستغفارَ والاستسلامَ، اللهُمَّ ولَكَ الحمدُ كُلُّهُ، اللهُمَّ لا قابضَ لِما بَسَطْتَ، ولا باسطَ لِما قبَضْتَ، ولا هاديَ لِمن أضْلَلْتَ، ولا مُضِلَّ لِمن هَدَيْتَ، ولا مُعطِيَ لِما مَنَعْتَ، ولا مانعَ لِما أعطَيْتَ، ولا مُقَرِّبَ لِما باعَدْتَ، ولا مُباعدَ لِما قَرَّبْتَ، اللهُمَّ ابسُطْ علينا وعلى والدينا وأهلينا وبلادنا وبلاد المسلمين من بركَاتِكَ ورَحْمَتِكَ وفَضْلِكَ ورِزْقِكَ، آمين، اللهُمَّ إنا نسألُكَ النعيمَ المُقيمَ الذي لا يحُولُ ولا يَزُولُ، اللهُمَّ إنا نسألُكَ النعيمَ يومَ العَيْلَةِ، والأمنَ يومَ الخوفِ، اللهُمَّ إنا عائذون بكَ من شَرِّ ما أعطَيْتَنا، وشَرِّ ما مَنَعْتَنا، اللهُمَّ حَبِّبْ إلينَا الإيمانَ وزِيِّنْهُ في قُلُوبنا، وكَرِّهْ إلينَا الكُفْرَ والفُسُوقَ والعِصيانَ، واجعلنا منَ الراشدينَ، اللهُمَّ توفَّنا مُسلمينَ، وأحينا مُسلمينَ، وألحقنا بالصالحينَ غيرَ خَزَايا ولا مَفتُونينَ، آمين.

سُبحانَ اللهِ وبحمدِهِ، سُبحانَ اللهِ العظيمِ، أستغفرُ اللهَ وأتوبُ إليه.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • مقالات
  • كتب
  • صوتيات
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة