• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الدكتور زيد الرماني  الدكتور زيد بن محمد الرمانيد. زيد بن محمد الرماني شعار موقع الدكتور زيد بن محمد الرماني
شبكة الألوكة / موقع د. زيد بن محمد الرماني / تحقيقات وحوارات صحفية


علامة باركود

الوقف في خدمة القرآن الكريم: تطلعات وطموحات

الوقف في خدمة القرآن الكريم: تطلعات وطموحات
وقفنا


تاريخ الإضافة: 3/7/2025 ميلادي - 8/1/1447 هجري

الزيارات: 155

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الوقف في خدمة القرآن الكريم:

تطلعات وطموحات

 

ما هي آفاق إسهامات الوقف في دعم جمعيات تحفيظ القرآن الكريم، والآليات المطلوبة لتفعيل هذه الإسهامات؟ وغيرها من التساؤلات التي طرحتها جريدة الجزيرة التي تصدر من الرياض على عدد من العلماء والمهتمين والمتخصصين؛ وهم: الدكتور عبد الوهاب بن إبراهيم أبو سليمان، والشيخ عبدالعزيز بن صالح الحميد، والدكتور عبدالرحمن بن سليمان المطرودي، والدكتور زيد بن محمد الرماني، والدكتورة ناهدة عطا الله الشمروخ، فكان هذا التحقيق.

 

شكلت سُنَّة (الوقف) رافدًا مهمًّا لدعم الأعمال الخيرية في المجتمعات الإسلامية على مدار عصور طويلة منذ عهد النبوة، وقد وعى كثير من أهل الخير أهمية الأوقاف في رعاية طلبة العلم الشرعي فساهموا بذلك في خدمة الإسلام في ميادين الدعوة والفقه وعلوم الشريعة من خلال الآلاف من العلماء والدعاة الذين كانت الأوقاف وسيلة لاستكمال دراستهم في كثير من البلدان، ولا زالت الأوقاف تقوم بدور فاعل في هذا الاتجاه، إلا أنه أقل كثيرًا من مستوى الطموحات والتحديات، وهو ما دفع الكثيرين إلى المطالبة بإحياء سُنَّة (الوقف)، لصالح المؤسسات الخيرية المعنية بالعلوم الشرعية، وفي مقدمتها الجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم، التي تتفاوت قدرتها على أداء رسالتها تبعًا لقدراتها المالية، والتي ترتبط بتبرعات أهل الخير والموسرين، أو الدعم الحكومي؛ ما يضاعف من أهمية الوقف لتوفير مصادر تمويل دائمة لهذه الجمعيات، تستطيع على أساسها وضع الخطط، والبرامج على المدى القريب والبعيد.

 

فما هي آفاق إسهامات الوقف في دعم جمعيات تحفيظ القرآن الكريم، والآليات المطلوبة لتفعيل هذه الإسهامات؟ وغيرها من التساؤلات التي طرحناها على عدد من العلماء والمهتمين والمتخصصين، فكان هذا التحقيق.

 

مؤسسة (الوقف):

بداية أكد فضيلة الشيخ الدكتور عبدالوهاب بن إبراهيم أبو سليمان عضو هيئة كبار العلماء أن التاريخ الإسلامي يزخر بصفحات مشرقة من سخاء الخلفاء، والملوك، والسلاطين، وأثرياء المسلمين بما رصدوه من الأموال والعقارات على التعليم بعامة، وعلى تعليم القرآن ونشره خاصة، فهو الأحق بالعناية والاهتمام، وأجدر أن يسخو الموسرون بأموالهم لتعليمه، ونشره بين المسلمين خدمة له، وإذاعة لهديه وفضائله، ليستقيم أمر الأمة، ويعلو شأنها بين الأمم، فهديه سبيل إسعادهم في الدنيا والآخرة، وهم بهذا يحققون قول الله تعالى: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9].

 

وتحدَّث الدكتور عبدالوهاب أبو سليمان عن مقاصد الواقفين على القرآن الكريم، فقال: لقد أدرك المسلمون في وقت مبكر من تاريخهم أهمية الأوقاف لاستمرار أعمال البر وديمومتها، خصوصًا في المرافق التعليمية والدينية؛ كالمدارس، والمساجد، والمرافق الاجتماعية؛ كالملاجئ والمستشفيات، مؤكدًا أن الأوقاف على هذه المرافق تكفل لها الاستمرار تبعًا لرغبات الواقفين، ومقاصدهم المشروعة، واصفًا (الوقف) بأنه مؤسسة كانت ولا تزال أهم مورد لشؤون الدين، وللتعليم الإسلامي على الإطلاق، وأكثرها دخلًا وإدرارًا، وإليها يرجع الفضل لاستمراره أحقابًا وقرونًا، وفي انتظام الحياة العلمية والدراسية في الجامعات الإسلامية وكلياتها، ومؤسساتها.

 

وأضاف قائلًا: ويثبت الاستقرار التاريخي أن مقاصد الواقفين على خدمة القرآن الكريم متنوعة، ومتعددة، ولا تخلو أن تكون واحدةً من المقاصد التالية: الوقف على المدارس القرآنية، الوقف على القُرَّاء، الوقف على مدارس تضم إلى تعليم القرآن وتدريس الحديث النبوي الشريف، أو المذاهب الفقهية، أو بعض العلوم الأخرى، خدمة القرآن وتلاوته، وتأسيس مرافق اجتماعية.. وهذا معظم ما كان شائعًا من الأوقاف في خدمة القرآن الكريم في جميع أقطار البلاد الإسلامية.

 

الطامعون الانتهازيُّون:

وأشار عضو هيئة كبار العلماء إلى أن الأمور قد تغيَّرت في العصر الحديث فأصبحت التنظيمات والخطط تتباين عما كانت عليه في الماضي، وأخذ الاهتمام بالأوقاف في خدمة القرآن الكريم اتجاهًا آخر في معظم البلاد الإسلامية، وهو طريق التنظيم والتخطيط والعمل الاجتماعي، وقد توجه الكثير من أبناء الأمة الإسلامية نحو هذا فنتج عن ذلك إنشاء الجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم.

 

ويؤكد التاريخ، والتدوين العلمي أن القرآن الكريم كان ولا يزال محل عناية المسلمين حكامًا وأفرادًا على المستويات والطبقات كافة، مشيرًا إلى أن مظاهر هذا الاهتمام تتجلى في المؤسسات المختلفة التي تضع تعليم القرآن الكريم نصب عينيها، وجلَّ اهتمامها، ويكفل استمرار هذه المؤسسات العلمية والدور القرآنية الأوقاف السخية من قبل أبناء الأمة الإسلامية بما يكفيها ويغنيها، ويضمن للقائمين عليها التفرغ لأداء رسالتها نحو القرآن الكريم، والناشئة من أبناء المسلمين.. موضحًا أن هذه الدور والمؤسسات استمرت في الازدهار والانتشار والتعدد، وكثرة الروَّاد والإقبال عندما تولى شؤون إدارتها واستثمار أوقافها نُظَّار أمناء، يقدرون مسؤولياتهم الدينية والاجتماعية، وتراجعت وتدهورت عندما تولَّاها الطامعون الانتهازيون، ومن ليس لها بكفء، فتراجعت نشاطاتها، وقل روَّادها، حتى أدى الأمر في بعضها إلى محو معالمها والتسلُّط على انتزاعها، وتحويلها من أوقاف إلى تملكات شخصية.

 

وخلص الدكتور عبدالوهاب أبو سليمان إلى القول: إن الأوقاف الخيرية كانت عصب الحياة العلمية، وبخاصة الدراسات القرآنية في المقام الأول: تليها الدراسات الفقهية والشرعية بصفة عامة، فكان لها الأثر الكبير في الحفاظ على القرآن الكريم مكتوبًا في الصحف، ومحفوظًا في صدور القُرَّاء، سليمًا من التغيير والتبديل، تقرؤه الأجيال الحاضرة والمستقبلة غضًّا كما أُنزل على خاتم الأنبياء والمرسلين منذ أربعة عشر قرنًا، لا يستطيع أحد أن يبدل فيه حرفًا واحدًا فضلًا عن جملة، أو آية، وكان لماضي الأوقاف والعناية بها في خدمة القرآن الكريم تنظيم يتلاءم مع تلك العصور التي حبست فيها وهو الأنسب لها، وتشاء إرادة المولى أن يستيقظ المسلمون في الوقت الحاضر فيدركون أهمية الوقف للمؤسسات العلمية، والاجتماعية، والآثار الإيجابية التي اضطلعت بها في الماضي، وهي جديرة بأن تقوم بها في الحاضر، مع الاحتفاظ بالأهداف والمقاصد الشرعية، دون مساس بأحكامه وتشريعاته، وتمثل هذا التنظيم في العمل الجماعي في الجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم، وكان لمكة المكرمة مهبط الوحي شرف الريادة في هذا المجال.

 

الأوقاف ورسالة الجمعيات:

من جانبه تحَدَّث فضيلة الشيخ عبدالعزيز بن صالح الحميد رئيس محاكم منطقة تبوك رئيس الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بالمنطقة عن دور الأوقاف في دعم رسالة الجمعيات فقال: يعظم الأجر والثواب بعظم الغاية المنشودة، ويتضاعف الأجر على قدر من ينتفع به، وتعليم أبناء المسلمين أمور دينهم- وفي مقدمة ذلك القرآن الكريم- من أعظم المقاصد الشرعية، والمطالب التي ينبغي الاهتمام بها، ولقد أدرك المسلمون في وقت مبكر من تاريخهم الحاجة إلى موارد تكفل للقائمين على تعليم القرآن ونشره موارد رزقهم وتكفيهم حاجاتهم لينصرفوا بكليتهم إلى تعليم القرآن، فأصبح رصد الأوقاف وتحبيس العقارات على المساجد وحلقات القرآن الكريم سُنَّة لدى المسلمين على اختلاف أحوالهم الاجتماعية والمادية، وتوافر لكثيرٍ من البلدان والعواصم الإسلامية؛ مثل: مكة، والمدينة، ودمشق، وبغداد، وقرطبة، والقاهرة، وفاس، وتونس وغيرها الحظ الأوفر من هذه المدارس، حيث خُصِّصت لها أوقاف من العقارات والضياع والقرى بما يغني القائمين عليها، والدارسين فيها عن الحاجة والانشغال بأمور المعاش.

 

ولقد أصبح من المتيقَّن أن الأوقاف التي ترصد للجمعيات الخيرية وتنفق في خدمة القرآن الكريم هي الأكثر أجرًا ومثوبةً عند الله، وأنها الضمان الوحيد- بعد عون الله وتوفيقه- لبقائها واستمرارها في أداء رسالتها.. وقد ظل الوقف طول التاريخ الإسلامي يؤدي دوره على وجه التمام وخصوصًا فيما يتعلق بالعلم ونشره، وتعليم القرآن الكريم وتعلمه، فأقيمت دور العلم وحلقات تعليم القرآن الكريم في المساجد والكتاتيب والمدارس.

 

والوقف في اللغة معناه الحبس والمنع، وعَرَّفه العلماء والفقهاء بأنه تحبيس الأصل وتسبيل الثمرة والمنفعة، ولقد دل على مشروعيته الكتاب والسُّنَّة والإجماع، فقد اتفق جمهور العلماء والسلف على جواز الوقف وصحته بناءً على الأدلة التالية من القرآن والسُّنَّة، ومن هذه الأدلة، ما ورد في القرآن الكريم في آيات عدة حاثًّا على فعل الخير والبر والإحسان إلى عموم المسلمين، وهو ما يرمي إليه الوقف، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾ [آل عمران: 92]، وقوله تعالى: ﴿ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 272]، كما ورد في العديد من الآثار القولية والفعلية ما يؤكد مشروعية الوقف في الفقه الإسلامي، من ذلك حديث ابن عمر- رضي الله عنهما- الذي يقول فيه: (أصاب عمر بخيبر أرضًا، فأتى النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال: أصبت أرضًا، لم أصب مالًا قط أنفس منه، فكيف تأمرني به؟ قال: (إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها) فتصدَّق عمر: أنه لا يباع أصلها، ولا يوهب، ولا يورث، في الفقراء والقربى، والرقاب، وفي سبيل الله والضيف، وابن السبيل، لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف، ويطعم صديقًا غير متمول فيه)؛ متفق عليه.

 

ومن الأدلة أيضًا ما رواه أبو هريرة- رضي الله عنه- في الحديث الصحيح أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)؛ (رواه مسلم) وأصحاب السنن، وقال النووي عند شرح الحديث: إن الوقف هو الصدقة الجارية، وفيه دليل لصحة أصل الوقف وعظيم ثوابه.

 

ومن الأدلة العملية فعله- عليه الصلاة والسلام- في أموال مخيريق وهي سبعة حوائط بالمدينة أوصى إن هو قتل يوم أُحُد فهي لمحمد- صلى الله عليه وسلم- يضعها حيث أراه الله تعالى، وقد قتل يوم أُحُد وهو على يهوديته، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: (مخيريق خير يهود)، وقبض النبي- صلى الله عليه وسلم- تلك الحوائط السبعة، وجعلها أوقافًا بالمدينة لله، وكانت أول وقف بالمدينة، ثم وقف عمر- رضي الله عنه-وأوقف عثمان بن عفان- رضي الله عنه- بئرًا يشرب منها عموم المسلمين هي بئر أرومة، وأوقف طلحة بن عبيدالله حائط (بيرحاء) بستانًا له، صدقة لله تعالى، وبعد ذلك تتابع الصحابة- رضي الله عنهم- في الوقف حتى إن جابر- رضي الله عنه- يقول: (لم يكن أحد من أصحاب النبي- صلى الله عليه وسلم- ذو مقدرة إلا وقف)، وهذا إجماع منهم، فإن الذي قدر منهم على الوقف وقف واشتهر ذلك فلم ينكره أحد فكان إجماعًا.

 

ميزات الوقف:

وأضاف الشيخ الحميد: يتميز الوقف عن أي مشروع خيري بخصائص وميزات متعددة قد لا توجد في المشاريع الخيرية الأخرى، وهذه المزايا أكسبته تلك الحيوية التي استمر أثرها في الأمة الإسلامية على مدى قرون طويلة.

 

ومن هذه المزايا:

♦ أن الإسلام منح الواقف الحرية الكاملة في الكيفية التي يرغب بها في التصرف فيما يوقفه من أموال والشروط التي تلبي رغباته وتحقق آماله فيما يوقف، وكل ذلك فيما هو في حدود الشرع، وفق القاعدة الفقهية (شروط الواقف كنصوص الشارع) ما لم تخالف نصوص الشارع، وإلا فهي كما قال ابن القيم- رحمه الله-: (ويجوز بل يترجح مخالفة شروط الواقف إلى ما هو أحب إلى الله ورسوله وأنفع للواقف والموقوف عليه).

 

♦ دوام الأجر وعدم انقطاعه طالما بقيت العين الموقوفة نافعة، بل قد يزيد هذا الأجر بزيادة منفعة العين الموقوفة إذا أحسن القائمون على الوقف إدارته واستثماره وفق ظروف كل عصر يمر عليه.

 

♦ يتمتع نظام الوقف في أحكامه بمرونة تُمكِّن الواقف من توقيت الوقف بوقت معين- كما هو جائز عند المالكية- وفق ظروف عائلية معينة يعيشها الواقف تحتم عليه مثل هذا التوقيت في الوقف وعدم تأبيده.

 

ولأجل ذلك لا عجب أن نرى ذلك الإقبال الكبير من لدن أفراد المجتمع المسلم- حكامًا ومحكومين- على الوقف وتحبيس جزء كبير من أملاكهم لأعمال الخير، وقدوتهم في ذلك نبيهم محمد- عليه الصلاة والسلام- في قصة مخيريق السابق ذكرها، ثم صحبه الكرام، (فقد وقف مجموعة من أصحاب النبي- صلى الله عليه وسلم- منهم: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، والزبير بن العوام، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وعائشة، وأم سلمة، وصفية زوجات النبي- صلى الله عليه وسلم- وأسماء بنت أبي بكر، وسعد بن أبي وقَّاص، وخالد بن الوليد، وجابر بن عبدالله وغيرهم)، ومن بعدهم من التابعين وتابعي التابعين، ومن بعدهم من المسلمين، ولعل خير مثال يذكر في ذلك القائد المسلم صلاح الدين الأيوبي، فلقد أنفق أمواله كلها على جهات البر الاجتماعية وملأ بلاد الشام ومصر بالأوقاف الخيرية من مساجد ومدارس ومستشفيات وأربطة وغيرها دون أن يسجل على واحدة منها اسمه، هذا غاية ما يكون التجرد من حظوظ النفس في أعمال البر والخير.

 

ولعل مما ساعد على التوسُّع فيه بشكل عام سهولة تنفيذه، فالوقف التزام من جانب واحد فلا يحتاج فيه إلى قبول إذا كان الموقوف عليه جهة من الجهات الخيرية، فالوقف من العقود التي تبرم بإرادة منفردة دون أن يشترط لصحته وجود إرادتين، وهذا اليُسر في إنفاذه أدى- ولا شك- إلى كثرة الأوقاف، وقبل ذلك اهتمام المسلم بالعمل الخيري ورغبته فيما عند الله واستشعارًا منه بهموم الآخرين وحرصه على تخفيف المعاناة عن إخوانه المسلمين ونفعهم، يحدوه في ذلك قول الرسول- صلى الله عليه وسلم-: (أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة..)، والأوقاف من أهم الموارد المالية التي تضمن للأعمال الخيرية الديمومة والاستمرار، والجمعيات الخيرية لا تستطيع أن تؤدي رسالتها وأن تستمر في عطائها إلا إذا كان لها موارد ثابتة.

 

دعوة الموسرين:

وأهاب الشيخ الحميد بجميع الأخوة الموسرين ومحبي الخير أن يساهموا في دعم هذه الجمعيات، وذلك بإيقاف بعض ما يملكون من عقارات ومحلات وقرى وبساتين ومزارع وغيرها، وأذكر هؤلاء بأن البذل العطاء والإنفاق في سبيل الله تعالى في الحياة وإيقاف ما ينفع الإسلام والمسلمين بعد الممات مما يعود على الإنسان بالأجر العظيم والثواب الجزيل في الدنيا والآخرة، وما يثير غبطة غيره، كما قال عليه الصلاة السلام: (لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن، فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار، ورجل أتاه الله مالًا فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار)؛ رواه مسلم. وقد سُئل النبي- صلى الله عليه وسلم-: أي الصدقة أعظم أجرًا؟ قال: (أن تصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل الغنى ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا، ولفلان كذا، وقد كان لفلان كذا)؛ رواه البخاري.

 

غلال الأوقاف:

ومن جانبه كشف سعادة وكيل وزارة الشؤون الإسلامية لشؤون الأوقاف الدكتور عبدالرحمن بن سليمان المطرودي أن الوزارة، ممثلة في وكالتها لشؤون الأوقاف، سعت دائمًا ومن خلال غلال الأوقاف، إلى دعم مختلف البرامج والأنشطة الخاصة بالقرآن الكريم، وجمعيات تحفيظ القرآن الكريم بمختلف مناطق المملكة، حتى تؤدي رسالتها القرآنية في خدمة كتاب الله، من خلال تعليم ناشئة وشباب المملكة القرآن الكريم، وحثهم على حفظه وتجويده وتفسيره، مشيرًا في هذا السياق إلى أن الوزارة قدمت دعمًا ماليًّا لهذه الجمعيات بلغ (11.300.000) أحد عشر مليونًا وثلاثمائة ألف ريال، حيث استفاد من هذا المبلغ الكثير من الجمعيات في مختلف المراكز والقرى والمحافظات والمدن، وذلك على النحو التالي:

 

1- خمسة ملايين ريال بقرار مجلس الأوقاف الأعلى ذي الرقم 30/ق/م/أ المؤرخ في 24-8-1423هـ لجمعيات تحفيظ القرآن الكريم بمناطق المملكة.

 

2- ثلاثمائة ألف ريال بموافقة معالي الوزير لتحفيظ القرآن الكريم بالمدينة المنورة.

 

3- خمسة ملايين ريال بقرار مجلس الأوقاف الأعلى ذي الرقم 4/ق/م/أ المؤرخ في 23-1-1427هـ، للجمعيات الخيرية التي لديها عجز مالي.

 

4- مائة ألف ريال خلال ثلاث سنوات تنفيذًا لشرط الواقف لوقف زكية خانم بالمدينة المنورة حتى 16-1- 1427هـ.

 

5- مائة وخمسون ألف ريال خلال ثلاث سنوات تنفيذًا لشرط الواقف لوقف وكيل/ خرج سليمان آغا بالمدينة المنورة حتى 16-1-1427هـ.

 

6- ستمائة ألف ريال خلال ثلاث سنوات تنفيذًا لشرط الواقف لوقف أحمد نامي بالمدينة المنورة حتى 16- 1-1427هـ

 

7- مائة وخمسون ألف ريال تقريبًا خلال ثلاث سنوات تنفيذًا لشرط الواقف لوقف حسين يمان بالمدينة المنورة حتى 16-1-1427هـ.

 

وأضاف د. المطرودي أن الوزارة ماضية في هذا المنهج في دعم هذه المناشط والبرامج الإسلامية التي تصب في رسالة الدولة الشاملة في خدمة الدين الإسلامي، ونشره بمختلف الوسائل والأساليب، المستمدة من كتاب الله، وسُنَّة النبي- صلى الله عليه وسلم- قال تعالى: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾ [المائدة: 2]، وقال عليه الصلاة والسلام: (خيرُكم مَنْ تعَلَّم القرآن وعَلَّمه).

 

سد الحاجات:

وعن دور الوقف في دعم حلقات تحفيظ القرآن الكريم تحدَّث د. زيد بن محمد الرماني أستاذ الاقتصاد الإسلامي بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، فقال: لقد حثَّ القرآن الكريم على جميع أنواع البِر والصلة والخير والإنفاق بأسلوب بلاغي عظيم، وهو دائمًا في آياته يحثُّ المسلمين على أعمال الخير والبر ويربيهم على ذلك، ومن ذلك قوله سبحانه: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ... ﴾ [البقرة: 254]، يقول ابن سعدي رحمه الله في تفسيره لهذه الآية: يحثُّ الله المؤمنين على النفقات في جميع طرق الخير؛ لأنَّ حذف المعمول يفيد التعميم، وهكذا فقد ورد في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة- رضي الله عنه- أنَّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له).

 

ومن هنا فقد تنافس المسلمون الأوائل في تخصيص أوقافهم وتوجيهها إلى حال من الإحسان حتى بلغت ما لا يخطر على بال إنسان أن يفعله في شرق ولا غرب.

 

ولا غرو، فإن للوقف الإسلامي أهميته التي لا تخفى في المجتمعات المسلمة من حيث التكافل الاجتماعي وسد كثير من الحاجات، وإظهار روح الإخوة الإسلامية والمساهمة في بناء مجتمع تنموي متكامل.

 

لذا، فقد اهتم المسلمون بالوقف لإنشاء المساجد وصيانتها والإنفاق على القائمين عليها من الأئمة والمؤذنين والعُمَّال والعلماء الذين يتولون التدريس فيها وطلاب العلم الذين يتلقون العلم بها وحلقات تحفيظ القرآن الكريم بصفة خاصة.. ولا شك أن رعاية حلقات تحفيظ كتاب الله- عز وجل- هي من أهم القربات المباركة والمجالات الدعوية التي ينال بها الواقفون الفضائل العظيمة والمثوبات الدائمة، من خلال وقف الممتلكات الثابتة والاستثمارات الرابحة للإنفاق من ريعها على حلقات تحفيظ القرآن الكريم في تأمين الأماكن المناسبة لهم ومتطلباتهم الدراسية وتقديم المكافآت للعاملين فيها والهدايا التشجيعية للمتفوقين من طلابها، ومساعدة المحتاجين منهم في المناطق الفقيرة.

 

وبذلك يفوز هؤلاء الواقفون بأجرهم الدائم لما بعد الموت من خلال استمرار هذه الحلقات القرآنية التي تهتم بتلاوة كتاب الله تعالى وحفظه وتجويده وتدريس علومه وتنشئة الشباب المسلم المشاركين في هذه الحلقات التنشئة الصالحة في طاعة الله تعالى، وتأمين الصحبة الطيبة لهم، فيكون هؤلاء الواقفون الصالحون سببًا لحصول المعلمين والطلاب على المراتب الإيمانية العالية التي أخبر عنها رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: (خيرُكم مَنْ تعَلَّم القرآن وعَلَّمه)؛ أخرجه البخاري في صحيحه. وأضاف الدكتور الرماني: وبفضل الله تعالى وحُسن توفيقه ثم بجهود الدعاة المخلصين ودعم من الواقفين الممولين انتشرت حلقات تحفيظ القرآن الكريم على نطاق واسع شملت الكثير من بقاع العالم وقاراته، غير أن الحاجة- كما يقول الدكتور شرف بن علي الشريف في بحثه الرائد عن أهمية الوقف في دعم المؤسسات الدعوية- لا زالت مستمرة والمطلب لا زال ملحًّا لفتح المزيد من هذه الحلقات القرآنية المباركة في كل قطر وبلد حتى تسد الثغرات القائمة ويتلافى النقص الموجود وليتمكَّن المسلمون من العودة الرشيدة إلى دينهم القويم.

 

صندوق الجمعيات:

ومن هنا فقد اقترح عدد كبير من الباحثين الدعم المادي والمزيد منه وقفًا ووصية وهبات على حلقات التحفيظ مع تدريس العقيدة ومعاني كلمات القرآن في برامج هذه الحلقات.

 

مما سبق يتبين لنا عظم إسهامات الوقف قديمًا وحديثًا في دعم حلقات تحفيظ القرآن الكريم. ولا تخفى الجهود المباركة والدعم المادي من إدارات الوقف في وزارة الشؤون الإسلامية في تغطية احتياجات ونفقات جمعيات التحفيظ، وإن كان هذا الدعم في حاجة إلى المزيد.

 

ومن ثم، فإنه يمكن توفير الدعم المادي للحلقات ولجمعيات التحفيظ، بحيث يضمن لها الاستمرار في دورها ويزيد الفعالية في أدائها من خلال تبني مقترح إنشاء (صندوق حلقات تحفيظ القرآن الكريم)، و(صندوق جمعيات تحفيظ القرآن الكريم)، وذلك بدعوة رجال المال والأعمال والمحسنين والراغبين في العمل الخيري والصدقة الجارية للمساهمة في هذين الصندوقين، ليتحقق مصدر اقتصادي يدعم جهود وبرامج الحلقات القرآنية وجمعيات التحفيظ.

 

المثوبة غير المنقطعة:

من جانبها قالت د. ناهدة عطا الله الشمروخ أستاذ الفقه المساعد بكلية التربية بالرياض: جاء في الحديث الشريف (خيرُكم مَنْ تعَلَّم القرآنَ وعَلَّمَه). وهذه الخيرية تصدق على من يعلم القرآن ومن يتعلمه، وأيضًا على من يساهم في هذا العمل الجليل بتمكين المتعلم من تعلُّم القرآن، وتمكين معلم القرآن من تعليمه؛ لأن هذا من باب (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب) وإن لم يكن تعلمه وتعليمه واجبًا على كل حال، لكن يُقاس على هذه القاعدة، فلولا وجود هذه الحلقات الخيرية لما انتشر تعلم القرآن وتعليمه على هذه الصورة المتمثلة في بلادنا الغالية- ولله الحمد- وفضل الله تعالى واسع وعطاؤه عميم، ومن هنا يتبين أن كل ما من شأنه أن يدعم هذه الحلقات ويعين على استمرارها فهو من وجوه الخير المطلوبة، ومنها الوقف الذي (هو تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة)، فهو من أفضل القرب وأنفعها لحديث المصطفى- صلى الله عليه وسلم-: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)، فأجره باقٍ مستمر بعد موته إلى قيام الساعة. وعليه فللواقف أن يوقف عقاره أو مزرعته أو مصنعه ونحو ذلك على حلقات لتحفيظ القرآن الكريم، وليبشر بالأجر الجزيل والمثوبة غير المنقطعة بإذن الله تعالى.

 

ويمكن لإدارات الوقف أن تصرف ما أوقفه أهل الخير على هذه الحلقات، وإن لم يُنصَّ عليها، بل إن أطلق الواقف وذكر أن ريع وقفه يكون في عمل الخير، أو طلب العلم، ومثل هذه العبارات التي لم ينصَّ فيها على معين، بخلاف ما لو حدَّد جهة معينة؛ كالفقراء، أو المجاهدين ونحوهم، فإنها تصرف فيما حدده، فتعليم كتاب الله تعالى من أجَلِّ القربات، وأعظم ما ينتفع به العبد حال حياته وبعد مماته.

 

ويمكن توفير الدعم المادي للحلقات ولجمعيات التحفيظ بما يضمن لها الاستمرار ويزيد دورها الفعَّال، وذلك عن طريق مخاطبة الوجهاء والأغنياء، وأصحاب المؤسسات الخاصة، وغيرهم إما بالمراسلة أو ببعث مندوبين إليهم، أو بتوزيع النشرات الدورية التي تبين عظم هذا الفعل وجزيل ثوابه، أو بإقامة أسواق خيرية على مدار العام، ويكون قوامها تبرع أصحاب الشركات والمصانع بأثاث أو سجَّاد أو أوانٍ أو ملابس أو مواد غذائية وغيرها، ويكون ريع هذه الأسواق لدعم الحلقات.

 

[المصدر: جريدة الجزيرة]





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • مقالات
  • قراءات وملخصات
  • صوتيات
  • بحوث ودراسات
  • كتب
  • محطات وخبرات
  • تحقيقات وحوارات ...
  • نُبذ عن الكتب
  • المطويات
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة